هل من جديد يصلح حالنا؟؟
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، يعزُّ عباده المؤمنين في كل وقت وحين، بإتباعهم لأوامر وسنَّة سيد الأولين والآخرين.
فمن أعزَّ القرآن أعزَّه الله ومن تمسك بالسنَّة نصره الله، ومن ابتغى الهدى في غيرهما أضله الله وأعماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جمع الخير كله للأولين وللآخرين، وللإنس وللجن وللملائكة، وللشباب وللشيوخ وللنساء وللرجال، وللعرب وللعجم بين دفتي هذا الكتاب، الذي قال فيه وهو العليُّ الوهاب:
"لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا"(49-الكهف).
وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله اختاره الله عزَّ وجلَّ لرسالته، وعلَّمه علوماً علوية من علوم حضرته، وجعله هو المعلم الأول لكافة بشريته، فعلمهم ما فيه نفعهم، وحذَّرهم ممَّا فيه ضُرُّهم، ونبههم إلى ما فيه بِرُّهم، وقال لهم في شأنه:
"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" (7-الحشر).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي قام بالذكر والصلاة، وكان عمله خير شراب لمن استضاء به من الأصحاب، وقد كان ردُّه خير بيان لكل قلب يسمع عن الحنان المنان، وكانت توجيهاته هي التوجيهات السديدة للقلوب الرشيدة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وخيار صحبه، وكل من تمسّك بهديه إلى يوم الدين آمين.
(أما بعد)
فيا إخواني جماعة المؤمنين:
يا من أغناكم الله بهذا الدين، ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين، فما من شيء يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم، أو في بيوتكم أو في أزواجكم، أو في أولادكم أو في أرزاقكم، أو شيء من أحوالكم، إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً، إما في كتاب الله، وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم:
{ أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي }[ رواه الإمام مالك في الموطأ عن أنس رضي الله عنه].
إذاً من ضلَّ ومن ذلّ، ومن هوى ومن بَعُدَ ومن تعب، فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به صلى الله عليه وسلم.
ونحن نستقبل عاماً جديد، هل من جديد يصلح حالنا؟!!
أو هل من جديد يغير شأننا؟!! هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا عزَّ وجلّ؟
ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية، ونفسية، واجتماعية، استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً!! فلم يَنْجُ منها أحد،.
فمِنَّا من يشكو من ماله، ومِنَّا من يشكو من رفيق في العمل
ومِنَّا من يشكو من التجار، ومِنَّا من يشكو من الزراع،
ومِنَّا من يشكو من المرؤوسين، ومِنَّا من يشكو من الحكام والمديرين،
ومِنَّا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة.
نشكو من ماذا؟
لأنه أصبحنا وكل واحد مِنَّا مشغولٌ بنفسه، لا يفعل إلا عن نفسه، ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه، ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه، ونسى جاره، ونسى أخاه، بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه - حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم، لأنه لا يهتم بأمرهما، ولا يحس بمشاعرهما، ولا يشاركهما في مشاكلهما.
فالتاجر لا يهتم إلا بالكسب السريع - سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين، أو غشهم في بيعه أو في وزنه، أو سلعته وصنفها ونوعها، أو في الجودة، لا يهتم بذلك، لأن همَّه كلَّه هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك.
والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه، تارة بالكيد لهم، وأخرى بالتجسس على أحوالهم، وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم، ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه! وهكذا يا إخواني.
هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟!!
لا والله، فلو سنَّتْ الدولة ألف قانون وقانون، فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟
لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي امتلأت بها النفوس، وأصبحت تعيش وكأنها في يوم القيامة، والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها!!
ما العلاج اذاً؟!!
لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى ما يخبرنا عنه الله - وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله:
"وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (9-الحشر).
هذا هو العلاج!! العلاج أننا نُصْلِحُ القلوب فَنُطَهِّرُهَا من الذنوب، ومن الأثرة ومن الأنانية، ومن حُبِّ الذات، ومن الغِلِّ والحقد، ومن الحرص على الدنيا الفانية، ونملؤها إيماناً بالله، ونملؤها ثقة في وعد الله - حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها - ونملؤها يقيناً أن ما قدر لها يكون، وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص، ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد عزَّ وجلّ، ولن ينال بسعيه وحرصه، وكده وطلبه، ولا ينال إلا ما قدره وكتبه له ربه عزَّ وجلّ.
نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى، فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا، ويُقْبِلُوا على أعمال الآخرة، وأحوال الآخرة، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه، ويُسَرُّ إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه، ويحزن لحزن إخوانه، ويتألم لآلام جيرانه.
قال صلى الله عليه وسلم:
{ لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهو لا يشعر به }[ رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
فعلاج أمراضنا في ثلاث:
أولاً: الحُبّ، لان الله قال في المؤمنين
"إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10:الحجرات).
إذا أحببنا بعضنا، ويكفينا في هذا حديثٌ واحد لو طبقناه على أنفسنا وفي مجتمعنا ما وجدت مشكلة بيننا،
وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
{ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[ رواه البخاري الإيمان وأبو يعلى وأحمد عن أنس رضي الله عنه]
فكما لا أحب أن يُوشِي أخي عليَّ وِشَايَة فلا أَشِي على أخي،
وكما لا أحب أن يستأثر أخي عليَّ فلا استأثر على أخي،
وكما لا أحب أن يسبَّني أخي فلا أسبُّ أخي،
وكما لا أحب أن تتطاول عليّ زوجة جاري فلا أسمح لزوجتي أن تتطاول على جاري،
وكما لا أحب أن يؤذيني ابن أخي - أو جاري أو قريبي - فلا أسمح لابني أن يؤذي أخي - أو جاري أو قريبي –
وكل شيء لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري. إذا فعلنا ذلك لم يكن هناك مشكلة ولا يصير بيننا مشكلة
العلاج الثاني:
"وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا" (9-الحشر).
إذا وثِقْتَ أن المعطي هو الله، ويعطي بحكمة لا يعلمها إلا الله، فلماذا تحزن إذا لم يعطِ لك ولداً كفلان؟
ولماذا أحمل الهمَّ فوق رأسي إذا جاء لزميلي في العمل ترقية ولم أنالها؟!!
وقيل شعراً لأحدهم :
أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا **** أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ **** لأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي **** وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
الحسود يعترض على المعطي عزَّ وجلّ لأنه هو الذي قسَّم الأرزاق، وهو الذي قسَّم الأخلاق، وهو الذي قسَّم العطاء، وهو الذي - أيضاً - قسَّم البلايا والعناء،
ولو نظرت على التحقيق لوجدت أن الكل سواء. فكما أن هذا عنده عطاء فلابد أنه عندَه جانب من البلاء - وإن كنت لا أراه ولا أشعر به - ولكن اعلم يقيناً أن الله عزَّ وجلّ "وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ" (46-فصلت).
فإذا رأيت على أخي نعمة، أو رأيته في مِنَّة، فيجب عليَّ أن أفرح وأن أشكر الله، وأن أحمد الله، وأن أدعو الله أن يزيده نعماً على نعمه، وخيراً وبرًّا على خيره وبرِّه، وفضلاً على فضله. ولا تطلب من الله عزَّ وجلّ أن يمحق هذا الفضل، أو أن يذهب هذا البرّ، لأن هذا ليس من خصال المؤمنين، وإنما من خصال الجاحدين والمنافقين - والعياذ بالله عزَّ وجلّ.
والعلاج الثالث :
"وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" (9-الحشر)،
يفضل إخوانه على نفسه، لأنه يعلم أن الدنيا فانية، وأن النعم الحقيقية هي النعم الباقية في جوار الله عزَّ وجلّ:
"وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً" (46-الكهف).
النعم الفانية تحتمل البلاء وتحتمل العطاء، فهي فتنة:
"إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ" (15-التغابن)،
حتى المال والولد فتنة!!
"لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ" (40- النمل)،
فإذا وُفِّقَ لشكر الله على نعمة الولد فقد فاز وجاز، وإذا وُفِّقَ لشكر الله على نعمة الزوجة فقد فاز وجاز. ولكنه إذا نسى الله ولم يشكره على نعمه وعطاياه، فقد جحد ورسب في الاختبار الذي أجراه له الله:
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لماذا؟ لِيَبْلُوَكُمْ - أي يختبركم-
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (1: 2-الملك).
لكن النعم الخالصة - التي ليس فيها احتمال، وإنما هي محض عطاء –
أن يوفقك للعبادات، وأن يفتح لك باب القبول على الطاعات والقربات،
وأن يُلْهمَ لسانك ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن يحبِّب إليك تلاوة القرآن،
وأن يحبِّب إليك متابعة النَّبِيِّ العدنان، وأن يحبِّب إليك فِعْلَ الخير في كل وقت وآن،
وأن يذكِّرك بالدار الآخرة لتستعد لها، وأن يذكِّرك بالموت لتتأهب له.
هذه هي النعم الحقيقية التي يفرح بها المؤمنون، وليس فيها ابتلاء، وليس فيها فتن، وليس فيها اختبار، وإنما هي كما ورد في الأثر:
{ إذا أَكْرَمَ اللهُ عَبْداً أَلْهَمَهُ ذِكْرَه، وألزمه بابه وآنسه به، يصرف إليه بالبِرِّ والفوائد، ويُمِدُّه مِنْ عند نفسه بالزوائد، ويصرف عنه أشغال الدنيا والبلايا، فيصير من خالص عباد الله وأحبابه، فطوبى له حيًّا وميتاً، لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم - من حظ المقربين، وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين - لمَاتُوا كَمَداً } [الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذي النون].
نسأل الله عزَّ وجلّ أن ينفعنا بتلك الآداب، وأن يخلقنا بتلك الأخلاق. قال صلى الله عليه وسلم:
{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}[ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما]
أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده وستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونتوب إليه ونستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، السميع البصير، اللطيف الخبير.
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أنفسنا وعلى أعدائنا يا ربَّ العالمين.
(أما بعد)
فيا إخواني ويا أحبابي جماعة المؤمنين:
اعلموا علم اليقين أن آخر هذه الأمة لن يسعد إلا بما سعد به أولها،
وأولها لم ينالوا السعادة بالعمارات الشاهقة، والأرصدة الزائدة، والمصانع الشامخة، وإنما نالوا السعادة بما في نفوسهم من حُبٍّ وشوق، وزُهْدٍ وورع، وتُقَى وغنى بالله، وعفافٍ عمَّا حرَّمه الله عزَّ وجلّ ،
ولن ينصلح حال مجتمعنا إلا إذا عدنا لهذه الأخلاق النورانية، ولهذه الخصال الإلهية، التي أوصانا بها الله عزَّ وجلّ في كتابه، وبيَّنها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هديه وفي سنته صلى الله عليه وسلم. فإن المجتمع الذي أسسوه أُسس على هذه الأخلاق، فكان الرجل منهم لو عرضت عليه كنوز الدنيا لا تلفته عن خُلُقٍ تَخَلَّقَ به لله، وهداه إلى التمسك به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
انظروا إلى هؤلاء القوم وقد خرجوا من المدينة حفاة عراة، لا يملكون قليلاً ولا كثيراً، وفتح الله لهم كنوز كسرى وكنوز قيصر، وكانت شيئاً يدهش العيون، لم تفكر فيه عقولهم، ولم يراود خيالهم مما فيه من مجوهرات، ومما فيه من ذهب وفضة، وما فيه من إستبرق، وما فيه من أصناف المباهج والرياش التي لم تخطر ببال واحد منهم قط في حياته كلها!! ولكنهم عندما فُتِحَتْ لهم الكنوز لم تشغل بالهم، وما سلبت عقولهم، ولم تغيِّر طباعهم وأخلاقهم، ولسان حالهم يقول ، كما قال القائد عندما رآها
"كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ" (25: 28-الدخان).
علموا أن هؤلاء ضاعت منهم النعم لأنهم لم يشكروا واهب النعم عزَّ وجلّ، فرجعوا إلى الله شاكرين حتى لا يشغلهم بالنعم عنه، لأنهم يريدون أن يكونوا مع المنعم عزَّ وجلّ في جميع أحوالهم، وفي جميع أوقاتهم
نحتاج إلى بناء الأمانة في أولادنا وفي أنفسنا وفي أزواجنا.
نحتاج إلى بناء الإخلاص في قلوبنا ليكون عملنا خالصاً لله عزَّ وجلّ،
نحتاج لبناء الصدق في قلوب أهل مجتمعنا حتى نطمئن في بيعنا وفي شرائنا، لأننا صرنا لا نثق في بعضنا، حتى ضاعت الثقة في الأمين، لأن الثقة أصبحت مفقودة بانتشار الكذب بين جماعة المسلمين.
حتى أنه لو جاء رجل منهم - وقد قرأ عن دين الله - ويريد أن يرى العباد الذين يتبعون هذا الدين، فيرى أحوال المسلمين، هل يعتقد أن هؤلاء أتباع سيد الأولين والآخرين؟!! هل يعرفهم بأوصافهم؟!!
إنه ينظر إلى وصفهم في القرآن أنهم لا يكذبون، ويرى أمام عينيه كل تعاملاتهم مبنية على الكذب!!
يقرأ أنهم لا يخونون، ويرى أن كل همِّهم الخيانة وليست للأمانة عندهم صيانة!!
يقرأ عن أمانتهم، ويقرأ عن شهامتهم، ويقرأ عن كرم ضيافتهم، وينظر إلى الموجودين، فيرى مسلمين بغير إسلام!!
يرى مسلمين بالاسم وبشهادة الميلاد
لكن أخلاقهم أخلاق الكافرين أو أخلاقهم أخلاق المنافقين أو أخلاقهم أخلاق غير المسلمين!!
فأخوك في الدين هو كما قال سيد الأولين والآخرين:
{ من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته }[ مسند الشهاب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.]،
وكما ورد في الأثر المشهور: "الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة"
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، يعزُّ عباده المؤمنين في كل وقت وحين، بإتباعهم لأوامر وسنَّة سيد الأولين والآخرين.
فمن أعزَّ القرآن أعزَّه الله ومن تمسك بالسنَّة نصره الله، ومن ابتغى الهدى في غيرهما أضله الله وأعماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جمع الخير كله للأولين وللآخرين، وللإنس وللجن وللملائكة، وللشباب وللشيوخ وللنساء وللرجال، وللعرب وللعجم بين دفتي هذا الكتاب، الذي قال فيه وهو العليُّ الوهاب:
"لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا"(49-الكهف).
وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله اختاره الله عزَّ وجلَّ لرسالته، وعلَّمه علوماً علوية من علوم حضرته، وجعله هو المعلم الأول لكافة بشريته، فعلمهم ما فيه نفعهم، وحذَّرهم ممَّا فيه ضُرُّهم، ونبههم إلى ما فيه بِرُّهم، وقال لهم في شأنه:
"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" (7-الحشر).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي قام بالذكر والصلاة، وكان عمله خير شراب لمن استضاء به من الأصحاب، وقد كان ردُّه خير بيان لكل قلب يسمع عن الحنان المنان، وكانت توجيهاته هي التوجيهات السديدة للقلوب الرشيدة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وخيار صحبه، وكل من تمسّك بهديه إلى يوم الدين آمين.
(أما بعد)
فيا إخواني جماعة المؤمنين:
يا من أغناكم الله بهذا الدين، ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين، فما من شيء يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم، أو في بيوتكم أو في أزواجكم، أو في أولادكم أو في أرزاقكم، أو شيء من أحوالكم، إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً، إما في كتاب الله، وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم:
{ أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي }[ رواه الإمام مالك في الموطأ عن أنس رضي الله عنه].
إذاً من ضلَّ ومن ذلّ، ومن هوى ومن بَعُدَ ومن تعب، فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به صلى الله عليه وسلم.
ونحن نستقبل عاماً جديد، هل من جديد يصلح حالنا؟!!
أو هل من جديد يغير شأننا؟!! هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا عزَّ وجلّ؟
ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية، ونفسية، واجتماعية، استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً!! فلم يَنْجُ منها أحد،.
فمِنَّا من يشكو من ماله، ومِنَّا من يشكو من رفيق في العمل
ومِنَّا من يشكو من التجار، ومِنَّا من يشكو من الزراع،
ومِنَّا من يشكو من المرؤوسين، ومِنَّا من يشكو من الحكام والمديرين،
ومِنَّا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة.
نشكو من ماذا؟
لأنه أصبحنا وكل واحد مِنَّا مشغولٌ بنفسه، لا يفعل إلا عن نفسه، ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه، ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه، ونسى جاره، ونسى أخاه، بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه - حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم، لأنه لا يهتم بأمرهما، ولا يحس بمشاعرهما، ولا يشاركهما في مشاكلهما.
فالتاجر لا يهتم إلا بالكسب السريع - سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين، أو غشهم في بيعه أو في وزنه، أو سلعته وصنفها ونوعها، أو في الجودة، لا يهتم بذلك، لأن همَّه كلَّه هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك.
والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه، تارة بالكيد لهم، وأخرى بالتجسس على أحوالهم، وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم، ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه! وهكذا يا إخواني.
هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟!!
لا والله، فلو سنَّتْ الدولة ألف قانون وقانون، فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟
لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي امتلأت بها النفوس، وأصبحت تعيش وكأنها في يوم القيامة، والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها!!
ما العلاج اذاً؟!!
لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى ما يخبرنا عنه الله - وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله:
"وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (9-الحشر).
هذا هو العلاج!! العلاج أننا نُصْلِحُ القلوب فَنُطَهِّرُهَا من الذنوب، ومن الأثرة ومن الأنانية، ومن حُبِّ الذات، ومن الغِلِّ والحقد، ومن الحرص على الدنيا الفانية، ونملؤها إيماناً بالله، ونملؤها ثقة في وعد الله - حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها - ونملؤها يقيناً أن ما قدر لها يكون، وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص، ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد عزَّ وجلّ، ولن ينال بسعيه وحرصه، وكده وطلبه، ولا ينال إلا ما قدره وكتبه له ربه عزَّ وجلّ.
نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى، فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا، ويُقْبِلُوا على أعمال الآخرة، وأحوال الآخرة، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه، ويُسَرُّ إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه، ويحزن لحزن إخوانه، ويتألم لآلام جيرانه.
قال صلى الله عليه وسلم:
{ لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهو لا يشعر به }[ رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
فعلاج أمراضنا في ثلاث:
أولاً: الحُبّ، لان الله قال في المؤمنين
"إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10:الحجرات).
إذا أحببنا بعضنا، ويكفينا في هذا حديثٌ واحد لو طبقناه على أنفسنا وفي مجتمعنا ما وجدت مشكلة بيننا،
وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
{ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[ رواه البخاري الإيمان وأبو يعلى وأحمد عن أنس رضي الله عنه]
فكما لا أحب أن يُوشِي أخي عليَّ وِشَايَة فلا أَشِي على أخي،
وكما لا أحب أن يستأثر أخي عليَّ فلا استأثر على أخي،
وكما لا أحب أن يسبَّني أخي فلا أسبُّ أخي،
وكما لا أحب أن تتطاول عليّ زوجة جاري فلا أسمح لزوجتي أن تتطاول على جاري،
وكما لا أحب أن يؤذيني ابن أخي - أو جاري أو قريبي - فلا أسمح لابني أن يؤذي أخي - أو جاري أو قريبي –
وكل شيء لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري. إذا فعلنا ذلك لم يكن هناك مشكلة ولا يصير بيننا مشكلة
العلاج الثاني:
"وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا" (9-الحشر).
إذا وثِقْتَ أن المعطي هو الله، ويعطي بحكمة لا يعلمها إلا الله، فلماذا تحزن إذا لم يعطِ لك ولداً كفلان؟
ولماذا أحمل الهمَّ فوق رأسي إذا جاء لزميلي في العمل ترقية ولم أنالها؟!!
وقيل شعراً لأحدهم :
أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا **** أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ **** لأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي **** وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
الحسود يعترض على المعطي عزَّ وجلّ لأنه هو الذي قسَّم الأرزاق، وهو الذي قسَّم الأخلاق، وهو الذي قسَّم العطاء، وهو الذي - أيضاً - قسَّم البلايا والعناء،
ولو نظرت على التحقيق لوجدت أن الكل سواء. فكما أن هذا عنده عطاء فلابد أنه عندَه جانب من البلاء - وإن كنت لا أراه ولا أشعر به - ولكن اعلم يقيناً أن الله عزَّ وجلّ "وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ" (46-فصلت).
فإذا رأيت على أخي نعمة، أو رأيته في مِنَّة، فيجب عليَّ أن أفرح وأن أشكر الله، وأن أحمد الله، وأن أدعو الله أن يزيده نعماً على نعمه، وخيراً وبرًّا على خيره وبرِّه، وفضلاً على فضله. ولا تطلب من الله عزَّ وجلّ أن يمحق هذا الفضل، أو أن يذهب هذا البرّ، لأن هذا ليس من خصال المؤمنين، وإنما من خصال الجاحدين والمنافقين - والعياذ بالله عزَّ وجلّ.
والعلاج الثالث :
"وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" (9-الحشر)،
يفضل إخوانه على نفسه، لأنه يعلم أن الدنيا فانية، وأن النعم الحقيقية هي النعم الباقية في جوار الله عزَّ وجلّ:
"وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً" (46-الكهف).
النعم الفانية تحتمل البلاء وتحتمل العطاء، فهي فتنة:
"إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ" (15-التغابن)،
حتى المال والولد فتنة!!
"لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ" (40- النمل)،
فإذا وُفِّقَ لشكر الله على نعمة الولد فقد فاز وجاز، وإذا وُفِّقَ لشكر الله على نعمة الزوجة فقد فاز وجاز. ولكنه إذا نسى الله ولم يشكره على نعمه وعطاياه، فقد جحد ورسب في الاختبار الذي أجراه له الله:
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لماذا؟ لِيَبْلُوَكُمْ - أي يختبركم-
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (1: 2-الملك).
لكن النعم الخالصة - التي ليس فيها احتمال، وإنما هي محض عطاء –
أن يوفقك للعبادات، وأن يفتح لك باب القبول على الطاعات والقربات،
وأن يُلْهمَ لسانك ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن يحبِّب إليك تلاوة القرآن،
وأن يحبِّب إليك متابعة النَّبِيِّ العدنان، وأن يحبِّب إليك فِعْلَ الخير في كل وقت وآن،
وأن يذكِّرك بالدار الآخرة لتستعد لها، وأن يذكِّرك بالموت لتتأهب له.
هذه هي النعم الحقيقية التي يفرح بها المؤمنون، وليس فيها ابتلاء، وليس فيها فتن، وليس فيها اختبار، وإنما هي كما ورد في الأثر:
{ إذا أَكْرَمَ اللهُ عَبْداً أَلْهَمَهُ ذِكْرَه، وألزمه بابه وآنسه به، يصرف إليه بالبِرِّ والفوائد، ويُمِدُّه مِنْ عند نفسه بالزوائد، ويصرف عنه أشغال الدنيا والبلايا، فيصير من خالص عباد الله وأحبابه، فطوبى له حيًّا وميتاً، لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم - من حظ المقربين، وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين - لمَاتُوا كَمَداً } [الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذي النون].
نسأل الله عزَّ وجلّ أن ينفعنا بتلك الآداب، وأن يخلقنا بتلك الأخلاق. قال صلى الله عليه وسلم:
{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}[ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما]
أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده وستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونتوب إليه ونستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، السميع البصير، اللطيف الخبير.
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أنفسنا وعلى أعدائنا يا ربَّ العالمين.
(أما بعد)
فيا إخواني ويا أحبابي جماعة المؤمنين:
اعلموا علم اليقين أن آخر هذه الأمة لن يسعد إلا بما سعد به أولها،
وأولها لم ينالوا السعادة بالعمارات الشاهقة، والأرصدة الزائدة، والمصانع الشامخة، وإنما نالوا السعادة بما في نفوسهم من حُبٍّ وشوق، وزُهْدٍ وورع، وتُقَى وغنى بالله، وعفافٍ عمَّا حرَّمه الله عزَّ وجلّ ،
ولن ينصلح حال مجتمعنا إلا إذا عدنا لهذه الأخلاق النورانية، ولهذه الخصال الإلهية، التي أوصانا بها الله عزَّ وجلّ في كتابه، وبيَّنها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هديه وفي سنته صلى الله عليه وسلم. فإن المجتمع الذي أسسوه أُسس على هذه الأخلاق، فكان الرجل منهم لو عرضت عليه كنوز الدنيا لا تلفته عن خُلُقٍ تَخَلَّقَ به لله، وهداه إلى التمسك به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
انظروا إلى هؤلاء القوم وقد خرجوا من المدينة حفاة عراة، لا يملكون قليلاً ولا كثيراً، وفتح الله لهم كنوز كسرى وكنوز قيصر، وكانت شيئاً يدهش العيون، لم تفكر فيه عقولهم، ولم يراود خيالهم مما فيه من مجوهرات، ومما فيه من ذهب وفضة، وما فيه من إستبرق، وما فيه من أصناف المباهج والرياش التي لم تخطر ببال واحد منهم قط في حياته كلها!! ولكنهم عندما فُتِحَتْ لهم الكنوز لم تشغل بالهم، وما سلبت عقولهم، ولم تغيِّر طباعهم وأخلاقهم، ولسان حالهم يقول ، كما قال القائد عندما رآها
"كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ" (25: 28-الدخان).
علموا أن هؤلاء ضاعت منهم النعم لأنهم لم يشكروا واهب النعم عزَّ وجلّ، فرجعوا إلى الله شاكرين حتى لا يشغلهم بالنعم عنه، لأنهم يريدون أن يكونوا مع المنعم عزَّ وجلّ في جميع أحوالهم، وفي جميع أوقاتهم
نحتاج إلى بناء الأمانة في أولادنا وفي أنفسنا وفي أزواجنا.
نحتاج إلى بناء الإخلاص في قلوبنا ليكون عملنا خالصاً لله عزَّ وجلّ،
نحتاج لبناء الصدق في قلوب أهل مجتمعنا حتى نطمئن في بيعنا وفي شرائنا، لأننا صرنا لا نثق في بعضنا، حتى ضاعت الثقة في الأمين، لأن الثقة أصبحت مفقودة بانتشار الكذب بين جماعة المسلمين.
حتى أنه لو جاء رجل منهم - وقد قرأ عن دين الله - ويريد أن يرى العباد الذين يتبعون هذا الدين، فيرى أحوال المسلمين، هل يعتقد أن هؤلاء أتباع سيد الأولين والآخرين؟!! هل يعرفهم بأوصافهم؟!!
إنه ينظر إلى وصفهم في القرآن أنهم لا يكذبون، ويرى أمام عينيه كل تعاملاتهم مبنية على الكذب!!
يقرأ أنهم لا يخونون، ويرى أن كل همِّهم الخيانة وليست للأمانة عندهم صيانة!!
يقرأ عن أمانتهم، ويقرأ عن شهامتهم، ويقرأ عن كرم ضيافتهم، وينظر إلى الموجودين، فيرى مسلمين بغير إسلام!!
يرى مسلمين بالاسم وبشهادة الميلاد
لكن أخلاقهم أخلاق الكافرين أو أخلاقهم أخلاق المنافقين أو أخلاقهم أخلاق غير المسلمين!!
فأخوك في الدين هو كما قال سيد الأولين والآخرين:
{ من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته }[ مسند الشهاب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.]،
وكما ورد في الأثر المشهور: "الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة"
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد