المتابعة القلبية
المتابعة الظاهرة لا بد أن يكون معها متابعة باطنة، أتابعه في حركات الصلاة الظاهرة؛ في الوقوف والقيام والركوع والسجود، لكن معها أتابع وجيب قلبه، وحركات قلبه في مناجاته لربه في هذه الحالات، وهذه هي المتابعة المطلوبة.
هل كان يُصلي كما نُصلي؟ نحن نصلي وحقائقي التي معي كل واحد منها في مكان، تركوا الجسم، والعقل في مكان، والقلب في مكان، والروح في مكان، لكن النبي لم يكن كذلك، بعض الغافلين يقول: كيف كان يسهو النبي؟! هو وضح ذلك فقال:
{ إِنِّي لا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ }
ينسى ليسن لنا سجدة السهو وغيرها، سألوا أحد الصالحين: كيف سها رسول الله؟! فقال:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها
والسهو من كل قلب غافلٍ لاه
قد غاب عن كل شيء سرُّه فسها
عما سوى الله فالتعظيمُ لله
سها عن الدنيا وما فيها، والمشاكل والنساء والأولاد لشغله بالله سبحانه وتعالى بالكلية، فكيف أتابعه في الباطن؟ في خشيته لله، وخضوعه لله، ورغبته في جناب الله، ورهبته من القطيعة عن حضرة الله، وحضوره الدائم مع مولاه، حتى في النوم، قال صلى الله عليه وسلم:
{ تَنَامُ عَيْنِي، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي }
يعني في حضور - حتى في النوم - مع الله عز وجل على الدوام، وهذه هي المتابعة التي تحتاج للمسارعة، حتى يدخل الإنسان في هذه الآفاق، ويحظى بإشراقات باطن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي وحدها التي تعمل للأغيار انمحاق، وغير ذلك فالأغيار موجودة.
ما الذي يجلي الظُلمة عن الكون الذي نحن فيه؟
الشمس إذا أشرقت تنجلي الظلمة عن الكون كله، وأيضاً الذي يجلي ظلمة الأغيار عن قلوب الأخيار شمس الحبيب المختار:
لا يغيب النور عن أهل اليقين
كيف ذا والنور في الأُفق المبين
شمسنا طه الحبيب المصطفى
لم تغب يا طالب الحق اليقين
أي لم تغب عن أهلها:
من يقُل غابت فذاك لحجبه
كيف يخفى نور رب العالمين
نوَّرتنا الشمس أصبح نورها
مشرقاً في كل فردٍ في أمين
أين نرى الشمس؟ يشرق نور الشمس في كل فرد جمَّلوه وأقاموه وهو أمين، فهذه المتابعة في درجة الإيمان، متابعة باطن النبي العدنان، وهي تحتاج إلى الغيبة عن طلبات الأجساد، إلا ما لا بد منه لحياة الإنسان، لكن لا ينشغل بها، ويكون انشغاله بالكلية بالقلوب على أثر الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم.
لكن إذا كنت انشغلت بطلبات الأجسام، ماذا أتغدى؟ وماذا أتعشى؟ وكل يوم مشاكل مع زوجته من أجل الأكل، فكيف يدخل في متابعة الحبيب المصطفى ؟ّ.. فالذي يُريد متابعة الحبيب القلبية يترك خلف ظهره كل الشهوات الدنية، ولا يأخذ منها إلا بقدر الضرورة الشرعية ويكفيه فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
{ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ }
يكفيه الضرورة، ولو أراد أن يأكل كثيراً لا يزيد عن الثُلث، وإذا أردت أن تملأ المعدة فاملأها بالماء، ولذلك الذين يطلبون الرجيم، ويُريد أن ينقص وزنه، يقولون له: اشرب كوبين من الماء قبل الأكل، حتى تمتلئ معدته فيأكل أكلاً خفيفاً، لكن لو ملأها عن آخرها فهذا يحتاج للهضم، فيبحث عن مياه غازية أو غيرها ليهضم، فهذا لا شأن له بهذه المقامات والإكرامات، وهذا ليس طريق الحبيب ولا السلف الصالح الذي تابع الحبيب، وله من إشراقاته نصيب.
إذا أشرقت على قلبه الأنوار، وظهرت عليه آثار متابعة النبي المختار، تجده في حضور مع مولاه في كل ذرة من ذرات الليل أو النهار ...
وخشية لله تجعل الذنب الذي خُيِّل له أو هيأته له النفس كأنه سيقع في النار:
(( كَلّا لَوٌ تَعلَمُونَ عِلم اليَقِين لَتَرَوُنّ الجَحِيمَ))(التكاثر) يرى بذنبه أنه سينزل جهنَّم، فلو رأى ذنبه كأنه سيهوي به في جهنَّم فهل يفعل هذا الذنب؟! مستحيل.
ويُجمَّل بعد ذلك بخشية الله ومراقبة الله حتى يدخل في قول الله:
(( إنَّ اللَّهَ معَ الَّذِينَ اتّقوا وّالّذِينَ هُم مُحسِنونَ))(128النحل).
================================
من كتاب خصائص النبي الخاتم
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
المتابعة الظاهرة لا بد أن يكون معها متابعة باطنة، أتابعه في حركات الصلاة الظاهرة؛ في الوقوف والقيام والركوع والسجود، لكن معها أتابع وجيب قلبه، وحركات قلبه في مناجاته لربه في هذه الحالات، وهذه هي المتابعة المطلوبة.
هل كان يُصلي كما نُصلي؟ نحن نصلي وحقائقي التي معي كل واحد منها في مكان، تركوا الجسم، والعقل في مكان، والقلب في مكان، والروح في مكان، لكن النبي لم يكن كذلك، بعض الغافلين يقول: كيف كان يسهو النبي؟! هو وضح ذلك فقال:
{ إِنِّي لا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ }
ينسى ليسن لنا سجدة السهو وغيرها، سألوا أحد الصالحين: كيف سها رسول الله؟! فقال:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها
والسهو من كل قلب غافلٍ لاه
قد غاب عن كل شيء سرُّه فسها
عما سوى الله فالتعظيمُ لله
سها عن الدنيا وما فيها، والمشاكل والنساء والأولاد لشغله بالله سبحانه وتعالى بالكلية، فكيف أتابعه في الباطن؟ في خشيته لله، وخضوعه لله، ورغبته في جناب الله، ورهبته من القطيعة عن حضرة الله، وحضوره الدائم مع مولاه، حتى في النوم، قال صلى الله عليه وسلم:
{ تَنَامُ عَيْنِي، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي }
يعني في حضور - حتى في النوم - مع الله عز وجل على الدوام، وهذه هي المتابعة التي تحتاج للمسارعة، حتى يدخل الإنسان في هذه الآفاق، ويحظى بإشراقات باطن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي وحدها التي تعمل للأغيار انمحاق، وغير ذلك فالأغيار موجودة.
ما الذي يجلي الظُلمة عن الكون الذي نحن فيه؟
الشمس إذا أشرقت تنجلي الظلمة عن الكون كله، وأيضاً الذي يجلي ظلمة الأغيار عن قلوب الأخيار شمس الحبيب المختار:
لا يغيب النور عن أهل اليقين
كيف ذا والنور في الأُفق المبين
شمسنا طه الحبيب المصطفى
لم تغب يا طالب الحق اليقين
أي لم تغب عن أهلها:
من يقُل غابت فذاك لحجبه
كيف يخفى نور رب العالمين
نوَّرتنا الشمس أصبح نورها
مشرقاً في كل فردٍ في أمين
أين نرى الشمس؟ يشرق نور الشمس في كل فرد جمَّلوه وأقاموه وهو أمين، فهذه المتابعة في درجة الإيمان، متابعة باطن النبي العدنان، وهي تحتاج إلى الغيبة عن طلبات الأجساد، إلا ما لا بد منه لحياة الإنسان، لكن لا ينشغل بها، ويكون انشغاله بالكلية بالقلوب على أثر الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم.
لكن إذا كنت انشغلت بطلبات الأجسام، ماذا أتغدى؟ وماذا أتعشى؟ وكل يوم مشاكل مع زوجته من أجل الأكل، فكيف يدخل في متابعة الحبيب المصطفى ؟ّ.. فالذي يُريد متابعة الحبيب القلبية يترك خلف ظهره كل الشهوات الدنية، ولا يأخذ منها إلا بقدر الضرورة الشرعية ويكفيه فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
{ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ }
يكفيه الضرورة، ولو أراد أن يأكل كثيراً لا يزيد عن الثُلث، وإذا أردت أن تملأ المعدة فاملأها بالماء، ولذلك الذين يطلبون الرجيم، ويُريد أن ينقص وزنه، يقولون له: اشرب كوبين من الماء قبل الأكل، حتى تمتلئ معدته فيأكل أكلاً خفيفاً، لكن لو ملأها عن آخرها فهذا يحتاج للهضم، فيبحث عن مياه غازية أو غيرها ليهضم، فهذا لا شأن له بهذه المقامات والإكرامات، وهذا ليس طريق الحبيب ولا السلف الصالح الذي تابع الحبيب، وله من إشراقاته نصيب.
إذا أشرقت على قلبه الأنوار، وظهرت عليه آثار متابعة النبي المختار، تجده في حضور مع مولاه في كل ذرة من ذرات الليل أو النهار ...
وخشية لله تجعل الذنب الذي خُيِّل له أو هيأته له النفس كأنه سيقع في النار:
(( كَلّا لَوٌ تَعلَمُونَ عِلم اليَقِين لَتَرَوُنّ الجَحِيمَ))(التكاثر) يرى بذنبه أنه سينزل جهنَّم، فلو رأى ذنبه كأنه سيهوي به في جهنَّم فهل يفعل هذا الذنب؟! مستحيل.
ويُجمَّل بعد ذلك بخشية الله ومراقبة الله حتى يدخل في قول الله:
(( إنَّ اللَّهَ معَ الَّذِينَ اتّقوا وّالّذِينَ هُم مُحسِنونَ))(128النحل).
================================
من كتاب خصائص النبي الخاتم
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد