حسن أحمد حسين العجوز



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حسن أحمد حسين العجوز

حسن أحمد حسين العجوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حسن أحمد حسين العجوز

منتدى علوم ومعارف ولطائف وإشارات عرفانية



    السر في حب الناس للصالحين

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1942
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    السر في حب الناس للصالحين  Empty السر في حب الناس للصالحين

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أغسطس 31, 2022 6:45 pm

    الموضوع : سرّ حبّ الصالحين وأدب وإتبّاعهم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا رسول الله ورضي الله تبارك وتعالي عن أصحابه وأتباعه وكل من إقتفى هداه وسار علي طريقه الى أن يرث الله الأرض ومن عليها وبعد :
    إخواني وأحبابي .. بارك الله فيكم أجمعين .. نجد بعض الخلق يعترض على المحبين للصالحين وهؤلاء يقول فيهم الإمام البوصيري رضى الله عنه وأرضاه :
    قد تُنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ ويُنكر الفم طعم الماء من سِقمِ
    من كان مريضاً نأتي له بالماء فيقول إنه مُرٌّ، نأتي له بالعسل يقول لك إنه مُرّ وكذلك الحلاوة .. من أين هذه المرارة ؟ إنها عنده هو، وليست في الماء وليست في العسل ولا في الحلاوة .
    فالمعترضين عندهم مرض ولذلك لا يُحسّون بأحباب الله وأتقياء الله وأولياء الله رضوان الله عليهم أجمعين، فإذا زاد عددهم وخاضوا في أعراضهم فتلك هي الطامة الكُبرى والمصيبة العُظمى، فقد قال سيدى أبو الحسن الشاذُلى رضى الله عنه وأرضاه :
    [ إذا غضب الله على عبدٍ رزقه الوقيعة في الصالحين، لأن الله يغار لأحبابه فيُعلن الحرب عليهم ] ..
    ( من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ) ولا طاقة لأحدٍ لحرب الله عزوجلّ .
    فحُب الصالحين يا إخواني هو عمادنا وهو رأس مالنا، لكن هل الحب وحده يكفي بدون المتابعة ؟ هذه هي المهمة .. بعض إخواننا من وضع منهم يده في يد الصالحين وأخذ عليهم العهد، والعهد هذا على الإستقامة وطاعة الله وعلى متابعة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبعد ما أخذ العهد يقول لا .. أنت تُحب وهم قالوا حِب ونام .. ماذا يعني هذا يا فلان ؟
    يعني لا يهم أن تصلي ولا تصوم ولا تعمل شيئاً مادام الشيخ فلان سيُدخلك الجنة إن شاء الله .. وهل هذا يصّح ؟ لا يصّح هذا الكلام أبداً ..
    حتى أن نبيّ الله والذي هو أعظم الكائنات حُبّه الذي لا يترجم عنه في إتباعه، فحب الله لا ينفع ولا يرفع ولا يشفع، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم لخيار أهله وهي السيدة فاطمة بنت محمد :
    ( يا فاطمة بنت محمد .. يا فلان .. يا فلان يا آل هاشم : لا يأتني الناس يوم القيامة بالأعمال وتأتوني بالأنساب وتقولون : نحن نحن قرابة النبي ) لا .. وماذا تعني كلمة : " حب ونام " ؟
    والتي يقولوها سادتنا الصوفية .
    فمن يُحب الله عزوجلّ فهذا الحب يملك جميع مشاعره ويُسيطر على جميع شواغله ويغلق عليه أبواب الشهوات والحُظوة والملذات حتى إذا نام لكي يريح الجسم من عناء التعب ومن عناء الوصب، فإن قلبه لا ينام وراثة للمصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .. وصل بهم الحب إلي درجة أن تنام عيونهم وقلوبهم لا تنام، فهى مشغولة بحب الله وبحب حبيب الله وصفيه صلوات الله وسلامه عليه .
    فتكون حقيقة الحب للصالحين يا إخواني هي التشبّه بأحوالهم والإقتداء بأعمالهم مع إستمطار الرحمات من عند الله لهم وإستجلاب البركات من عند الله بحبهم .
    لكن آفات ذلك كله هو أن يكون نُصب عينيه عند كل نفس من أنفاسه أن يتشبّه بهم ويتمثّل بهم كما قال القائل :
    تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاحُ
    فهذا يا إخواني هو أساس هذه الحالات في مثل هذه الأمور ..
    فهؤلاء القوم الصالحين رضى الله عنه وأرضاهم :
    ﴿ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ﴾ (الذاريات) فأنا على الأقلّ أقوم الليل وليس كله حتى أكون على أثرهم .. ألسنتهم رطبة في حركاتهم وسكناتهم بذكر الله، فلا يغفلون عنه طرفة عين ولا أقلّ، فأكون على الأقلّ في وقت سحرى ووقت عبادتي حاضر القلب عند ذكري لله عزوجلّ .. يمينهم تمتد بالعطاء بأمر الله عزوجلّ والجود تشبُهاً بسيد الوجود صلّى الله عليه وسلّم .
    فقد قالوا في شأنه صلوات الله وسلامه عليه كان أجود بالخير من الريح المرسلة وقالوا في شأنه :
    يُمناك تُسدى بالعطاء جود وسما بنسبته إليك الجود
    لا ينفع لأحدٍ أن يتشبّه بالصالحين وفي رحاب المتقين ويكون شحيحاً على الخلق، فقد قالوا في ذلك :
    [ أقبح القبيح صوفي شحيح ] هؤلاء القوم بعضهم يقول لي أربعين عاماً لو غاب عني صلّى الله عليه وسلّم طرفة عين ما عددت نفسي من المؤمنين .
    أنا على الأقلّ لا يغيب عني عند الصلاة واضحٌ نُصب عيني قوله صلّى الله عليه وسلّم :
    ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) وعند أىّ عملٍ صالح أستحضر الحضرة المحمدية وقيامها بهذه الأعمال بإخلاص للذات العلية وأحاول أن أتشبّه به صلوات الله وسلامه عليه على قدر طاقتي ويكون عنواني في حياتي وعنواني في ممشاى وعنواني في أكلي وعنواني في شربي وعنواني في نومي وعنواني في كل أحوالي :
    ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ﴾ (21:الأحزاب) فالجماعة المحبين الذي يذهبون لزيارة الصالحين ويقدمون نفحات ونذور هم على خير ولكن بشرط أن يكونوا قائمين بفرائض الله، لكن لم يُصلّي ويذهب ليؤدي النذر لسيدنا الحسين ويقول : أنا أدّيت النذر وسأدخل الجنة .. سيدنا الحسين يتبرأ منه غداً عند الله يوم القيامة لأن أحباب الحسين هم الذين يمشون وراءه ويتابعوه في سيره وسلوكه إلي الله عزوجلّ .
    تلك عقيدتنا التي نلقى عليها الله وتلك محبتنا التي نقدمها قربة لنا عند الله، وتلك حقيقة الإعتقاد التي نستنزل بها عفو الله ونستمطر بها فضل الله ..

    إستكمال درس حب الصالحين في جلسة ثانية :
    الحمد لله الذي رزقنا أجمعين حب الصالحينن والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله عُمدة المتقين وإمام المخلصين والباب الأعظم لفضل الله المبين .. الهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وكل من تبع هداهم إلي يوم الدين آمين آمين يا رب العالمين ..
    أما بعد .. فيا إخواني ويا أحبابي :
    يحضرني في هذا الباب حديث شريف رواه سيدنا أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فقد قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :
    ( يا أبا هُريرة عليك بطريق قوم، إن فزع الناس يوم القيامة لم يفزعوا، وإن خاف الناس يوم القيامة كان لهم الأمان من الله عزوجلّ .. ثم فكّر فقال : يا أبا هريرة ركب القوم طريقاً صعباً لحقوا بدرجة الأنبياء، آثروا الجوع بعد ما أشبعهم الله، والعرى بعد أن كساهم الله، تركوا ذلك رغبة فيما عند الله .. الأرض بهم فرحة والجبار عنهم راضٍ، وكلما همّ الله عزوجلّ بأهل الأرض عذاباً نظر إليهم فصرف العذاب عنهم ) .
    هذا يا إخواني هو السبب في محبتنا للصالحين وهم رضى الله عنه وأرضاهم أمان لنا في الدنيا من الكروب والشدائد والنواكب، فقد قال رب العزّة في حديثه القدسي :
    ( إني لأهم بأهل عذاباً فأنظر إلي عُمّار بيوتي والقائمين بالأسحار فأصرف العذاب عنهم ) وببركتهم يرفع الله العناء ويمنع نزول العذاب الذي قضي أمره وهو نازل من السماء، وهذا هو السبب الأول .
    ولذلك في بلادنا التي فيها الخير عندما يحدث أمرٌ من الأمور الصعبة يتعرّض له العباد والبلاد من الذي يتوجّه إلي الله عزوجلّ في هذا الأمر ؟
    هؤلاء القوم وهم الذين يقول فيهم الله :
    ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ (27:المائدة) وليس في عصرنا هذا فحسب بل من العصور القديمة ..
    سيدنا موسى عليه السلام وهو كليم الله ونبي الله ومن أولي العزم من المرسلين حدث عنده في زمنه جدبٌ والسنة لم تُمطر فأخذ بني إسرائيل وخرج بهم إلي الصحراء يستسقي من الله عزوجلّ، ومكثوا ثلاثة أيام يدعون الله ويطلبون السُقية، ولكن الله عزوجلّ لم يستجب .. فسأل سيدنا موسي الله : فقال الله عزوجلّ : تريد الإجابة ؟ قالوا : نعم يا رب .
    قال : إذهب إلي عبدي فلان ــ وكان إسمه بلخ في لغتهم، وهو عبدٌ عادى ــ وأطلب منه أن يسألني فإني لا أأخر له حاجة .. وبلخ هذا كان رجلاً عادياً لا يقرأ ولا يكتب ويمكن لا يعرفه أحدٌ منهم كنظام الصالحين الذين يقول فيهم النبي صلّى الله عليه وسلّم :
    ( تجهلهم بقاع الأرض ويعرفهم أهل السماء من الناس ) هؤلاء لا يعرفهم أحدٌ في الأرض ولكن أهل السماء والذين هم الملائكة وعُمّار الملكوت يرونهم ويعرفونهم لأن الصالحين هم النجوم التي تُضيئ ملكوت رب العالمين عزوجلّ، لأنهم ليس عندهم شمساً ولا نجوماً ــ فهي في الدنيا فقط ، ولذلك تجد ملائكة السماء الدوريات التي تنزل :
    ( إن لله ملائكة سياحين ــ أين يذهبون ؟ للصالحين والمقربين لكي ينظروا : هل يحتاجون لشيئ ) .. لأن الله أمرهم أم يكونوا طوع أمرهم ورهن إشارتهم :
    وى عجيبٌ سارت الأرض سما والسما قد سُخرت في المجملِ
    نحن نتجّه للسماء والملائكة تتجّه إلي الأرض :
    أيهــــــــــا الأرض بمن نلتي العُلي بالحبيب محمدٍ وبآله والأمثــــــــلِ
    والأمثل أين مكانتهم ؟ في هؤلاء ..
    فذهب سيدنا موسى لبلخ وهذا رجلٌ عادى لا أحد يعرفه وهو مايسمونه الولي المستور وليس الولي المشهور، فأراد الله أن يُظهر لبني إسرائيل مكانة الولي المستور ــ وربنا لن يؤّخر لسينا موسى طلباً، ولكن الموضوع هو أن ربنا أراد أن يُظهر كرامة الرجل الثاني ومنزلته .
    فأتى الرجل الذي لم يكن يعرف أن يتحدّث بكلمتين مع الناس، ولا يعرف كيف يرتب كلاماً ولا ينظم دعاءاً ولا شيئ، فوقف كالذي يتعارك مع ربنا ويقول له : أين خزائنك هل فرغت ؟ أليس عندك ماء ؟ أين خيرك ؟ نريد أن نراه .. فوجدوا السماء في الحال قد إرتجّت ونزل الماء في
    الحال بغير حساب .
    كأن الحكاية لا تحتاج إلي فصاحة ولا بيان ولا ترتيب ولا شيئٌ أبداً .. وماذا تحتاج إذن ؟
    ﴿ إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ (89:الشعراء) .
    السيدة أم أيمن رضى الله عنها وأرضاها كانت الحاضنة لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت حبشية لم تعرف اللغة العربية وكانت تحمله، وهي التي حملته عندما ذهبت مع عمه لتزور أباه، وعندما ماتت أمه هي التي حملته وأوصلته إلي جدّه عبد المطلب ــ وعندما هاجرت إلي المدينة نظرت فلم تجد أحداً يمشي معها لأن الطريق صحراء والطريق بين مكة والمدينة ــ حوالي 400 كيلومتراً .
    فرأت جماعة مسافرين فانضمت إليهم ــ وكانوا يهود ــ فسألتهم : أتذهبون إلي المدينة ؟ قالوا : نعم، قالت : خذوني معكم فأخذوها، ولما عرفوا أنها مسلمة فكبيرهم قال لهم : إياكم أن تطعموها أو تسقوها ــ لأن اليهود كان عندهم غيظٌ من المسلمين :
    ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ (82:المائدة) .
    وهذا كلام ربنا ولا يوجد فيه فصال ــ فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين ــ فتعبت حتى قالت : لم أعد أسمع من شدة الجوع والعطش، فدعت الله عزوجلّ وأثناء جلوسها وجدت دلواً نازلاً من السماء ومعلق وفيه ماء بارد فشريت منه قليلاً ثم رُفع الدلو ــ لماذا ؟ لأن العطشان لو شرب ماءاً كثيراً عن الحد فمن الممكن أن يأتيه مرض الإستسقا فلابد وأن يشرب بقدر ــ وهذه حكمة رسول الله فكان يشرب على ثلاث مرات .
    ويقول : ( مُصّوا الماء مصّاً ولا تعبّوه عبّاً فإن عامة الأكباد منه ) وهذه معجزة دارت في عصرنا الذي نحن فيه الآن، مرض الكبد ما سببه ؟ أسباب كثيرة ومن ضمنها أن الإنسان يكون عرقان وعطشان ويفتح الثلاجة ويُخرج زجاجة ماء بارد ويشربها عن آخرها دفعة واحدة، فينزل الماء على الكبد والكبد هو مطبخ الجسم .. فالطعام الذي نأكله يذهب إلي الكبد كله والكبد يُحوّله إلي دم لكي تتغذّى العروق منه لأنها لا تتغذى بالخبز ولا باللحم .
    فكل هذا يذهب إلي الكبد ويُحوله الكبد إلي دم لكي يُغذي به أعضاء جسم الإنسان كلها، فعندما ينزل عليه الماء البارد وهو ساخن فيصيبه على الفور بالمرض والداء تحقيقاً لكلام سيد الرسل والأنبياء صلّى الله عليه وسلّم .
    لكن اللبن قال عنه : ( عِبّ اللبن عبّاً ) ولا يهمك حتى ولو كان بارداً فلن يضُر ..
    فشربت السيدة أم أيمن قليلاً ثم إرتفع الدلو، ثم عاد فشربت منه وإرتفع ثم عاد فنزل للمرة الثالثة فشربت منه وغسلت ثيابها وهي عليها ــ أى وضعت الماء على جسمها وإرتوت ــ فقالوا لها : من اين شربتي ؟ قالت : سقاني الله عزوجلّ .. وهي إمرأة عادية لكنها لها منزلة عند رب العزّة عزوجلّ، فلا هي روت حديثاً لرسول الله من الأحاديث التي نسمعها، ولا كانت من العُبّاد، لكنها كان لها مكانة عند رب العباد عزوجلّ .
    فالجماعة الصالحين من العباد يا إخواني رضى الله عنهم وأرضاهم عندما يتوجهون إلي الله لايرُد لهم طلباً ولا يؤخر لهم حاجة فعلى الفور كما قال القرآن :
    ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (34:الزمر) .
    لأنه سبحانه وتعالى حكيم وعليم وعظيم ولا يسلب عطاءاً أعطاه لأحدٍ من خلقه إلا إذا نازع الربوبية وعارض الأولهية، لكن مادام محتفظاً بآداب العبودية فقد أدّى ماعليه .
    حتى ماحكاه الله عزوجلّ في القرآن عند العابد بن عوراء وربنا سلبه .. لماذا ؟ لأنه دعا على سيدنا موسى فقال له : أتدعو على حبيبي وكليمي وصفيّي ؟ هل هذا الكلام يصّح ؟ لا يصّح أبداً وكان دعاءه مستجاب وكان عالماً وأتباعه كانوا سبعين ألف، وكان من أهل الكشف ولكن نفسه خدعته لما ظهر موسى وكان يُريد هذا الظهور له وليس لموسى وهو لا يعرف أن أسرار الله عزوجلّ لا تُعلّل وموسى كما قالوا أنه تربّي في بيت فرعون .
    وموسى الثاني الذي غضب عليه الله تربّى في الغابة والذي ربّاه هو جبريل، وكان يأتي له بالغزالة ويجعلها تُرضعه :
    فموسى الذي ربّاه جبريل كافرٌ وموسى الذي ربّاه فرعون مرسلٌ
    أسرار الله غريبة يا إخواني، فمادام الإنسان محتفظاً بالعبودية وينسب الفضل للذات العلية فلا يحرمه الله من عطاء أعطاه له من فضله ومن جوده ومن كرمه عزوجلّ .
    أما ما يدعيه بعض الناس أن فلان هذا لو رآه يأخذ ما عنده .. هؤلاء أصحاب نفوس وليسوا برجالٍ دخلوا إلي حظيرة الملك القدوس عزوجلّ، فالرجال الذين دخلوا الحظيرة وأخذوا التفويض من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدلالة الخلق على الله، يعلمون أنهم يُربّون بما يُلهمهم به رسول الله، فلا يستطيع أن يدخل واحدٌ زيادة في الفصل .
    والفصل من الذي يكتب من فيه ؟ الناظر الأعظم صلّى الله عليه وسلّم ..
    فقد قال صلّى الله عليه وسلّم للصالحين بالرؤيا الصالحة :
    قال : يا أحمد يا بدوى، قال : نعم يا سيدي .. قال له : إذهب إلي طنتدة فإنك ستُربّي فيها رجالاً : عبد العال وعبد الرحمن وعبد المجيد وفلان وفلان، وهاهو كشف بالأسماء .. يا أبا الحسن إذهب إلي مصر فإنك ستُربّي بها أربعين صدّيقاً فلان وفلان وفلان .. قال له : يا سيدي الجو حار والطريق ليس فيه ماء، قال له : إذا أقمناك أعنّاك .
    فلا تشغل بالك بشيئ .. فمشي من تونس إلي الإسكنرية هو ومن معه فأقلتهم سحابة تسير فوقهم وكلما نفد الماء أمطرت حتى يشربوا ويغتسلوا ويملأوا أسقيتهم وأوعيتهم .. لماذا ؟ لأنه قادمٌ ومتحركٌ بالأمر ..
    حتى عندما يأتي له واحد ليس من أتباعه كما كان يفعل سيدي أبو العباس المرسي جاءه رجلٌ وقال له : أريد أن آخذ العهد عليك، يقول له : نعم ولكن إنتظر قليلاً حتى أنظر في الكشف .
    فينظر إلي الأرض .. ثم يقول أحياناً : نظرت في اللوح المحفوظ فوجدتك عندي وأحياناً يقول : نظرت في اللوح الحفوظ فلم أجدك عندي .. أنت غير موجود عندي أنت في فصل آخر .
    الشيخ أبو الفتح الواسطي عندما ذهب إلي الرجل وقال له : أريد أن آخذ العهد على يديك، قال له : لما نظرت في القوائم ــ قوائم فصول العارفين ــ حتى أراك أنت عند من ؟ لأنك لست عندي فقال له : أنظر أنت فصلك في قنا، وشيخك هو الشيخ عبد الرحيم القنائي .. إنها أقسامٌ موزّعة .
    ذهب الرجل إلي قنا وسيدي عبد الرحيم القنائي قال له : هل عرفت رسول الله المعرفة الحقيقية ؟ قال له : لا .. قال له : عندنا لا يبدأ المريد في السير إلي الله عزوجلّ حتى يعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعرفة الحقيقية، قال له : وماذا أفعل ؟
    قال له : سأفتح لك الباب، إذهب إلي بيت المقدس وسترى هناك حقيقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .. ذهب إلي هناك ونام قليلاً فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رآه على حقيقته النورانية وأخذ يمتد ويتسّع حتى رأى الكون كله من العرش إلي الفرش منطوياً في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
    والشيخ أبو السعود كان في مصر وجاءه أحد دراويش وقال له : أنا أريد أن أتربّى عندك، قال له : أنت لست عندي ولكن شيخك والذي أنت مكتوبٌ في قائمته موجودٌ في المغرب ولم يأتي بعد، فاجعل نفسك مستمعاً في هذا الفصل حتى يأتي شيخك
    لا يبحثون عن المريدين ولا يريدون أن يُكثروا من العدد فماذا يفعلون بالعدد ؟ إنها أحمال وأثقال وهم مشغولون بغير ذلك أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه كان يقول :
    لولا الذين تحبهـــــــــــــــــــــــــــــــم لفررت من كل الخلائق ســـــــــــائحاً فرّاراً
    لكن قلوب العاشقين دعت إلي انّي أقيم بدارهم مُختــــــــــــــــــــــــــــــــــارا
    قلبي لديك وبالبرلس هيكـــــــــلي أوصل إليك الصبّ أعلي مناراً
    فالجماعة أهل الحقيقة لا ينظرون إلي المشيخة ولا يريدون أناساً في الكلية، ولكنهم يريدون كما قالت السيدة رابعة العدوية
    راحتي يا إخوتي في خلوتي وحبيب قلبي دائماً في جلوتي
    يريدون دائماً أن يكونوا مع الله، ولكن هو الذي يكلفهم ولا يعصون تكليف الله عزوجلّ، ولا يريدون عدداً ولا يريدون جمعاً كثيراً حولهم فليس لهم شأن بهذا الكلام، فمن نظر لهذا الشيئ فهو لم يُقام، هم يريدون فقط أن يُباهوا ويظهروا فلا تزال فيهم نفوسٌ حيّة .
    جلس الرجل مع الشيخ أبو السعود خمسة عشر سنة ( 15 سنة ) في الفصل وبعد ذلك قال له : يا فلان تعالى .. يابنى إن شيخك سيأتي اليوم عند مقياس النيل ــ عند الروضة ــ كانوا يأتون من المغرب إلي الأسكندرية في البحر، ويركبوا من النيل إلي الأسكندرية حتى الروضة وينزلوا ــ فقال له شيخك سيصل اليوم العصر عند الروضة، فذهب لمقابلة الشيخ ولم يكن رآه ولم يعرفه من قبل، وعندما سلّم عليه قال له : جزا الله أخي أبو السعود خيراً إذ حفظك لي طوال هذه المدة .
    يُقيمه عنده خمسة عشر سنة وهو يعلم أنه ليس من أتباعه ونحن نريد أن يختطف بعضنا بعضا، فهذا يريد أن يختطف هذا .. وهذا يريد أن يختكف ذاك .. وهل هؤلاء مشايخ ؟ الذين يريدون أن يختطفوا المريدين ويقول له : أنت تترك أنتسابك لهذا الشيخ وأنا أعطيك غيره عندي، أو تعالى أعطيك خلافة كبيرة، وإن كانت خلافة قرية أعطيك خلافة مركز .
    هذا ليس له علاقة بطريق العارفين ولا طريق الصالحين وهؤلاء هم الذين يهددون المريدين ويقولون له : إذا مشيت أو هم لم يقولوها فيقولوها لمن حوله : إياك أن تترك الشيخ فلو تركته سيحدث لك كذا وكذا .. وهل أولياء الله عزوجلّ يؤذون أحداً .. أولياء الله هم من يقول فيهم الإمام علىٌ رضى الله عنه وأرضاه :
    [ أنفسهم عفيفة وحاجاتهم خفيفة، الناس منهم في راحة وأنفسهم مهم في عناء، شرورهم مأمونة وأنوارهم مخزونة وعلومهم مصونة ] هل فيهم شرٌ لأحدٍ يا إخواني ؟ فإذا حدث وأوذي ولا يهم السبب فهذا يكون بالغ في الإيذاء والله عزوجلّ غار لأحبابه فانتقم منه أو أعطى له لفت نظر لكي ينتبه من هؤلاء القوم .
    لكن هل يوجد أحدٌ من الصالحين يطالب بإذاء رجلاً من المسلمين ؟ أو حتى هل يوجد رجلٌ من عامة المسلمين يطالب بإيذاء مسلم من عامة المسلمين ؟ وليس الصالحون فحسب بل لا يصّح أبداً لأى أحدٍ من المسلمين .
    السلب الذي يتحدثون عنه لا نعرفه، لكن السلب يحدث من الله عزوجلّ لمن تجاوز حدود الأدب مع حضرة الله عزوجلّ وينسى مقام العبودية ويُزاحم في مقام الربوبية ويريد من الناس أن يتخذوه إلهاً من دون الله عزوجلّ .
    لكن مادام الإنسان يحفظ آداب العبودية فيحفظه الحفيظ عزوجلّ بحفظه ولا يستطيع أحدٌ من الجن أو الإنس سلبه لأن السلب والعطاء بيد الله عزوجلّ .
    وماذا يُعطي الشيخ للمريدين ؟ الشيخ يطلب من الله أن يُعطي فلان كذا والله يستجيب له، فالمعطي هنا من هو يا إخوانا ؟ هو الله عزوجلّ .
    الشيخ الذي أدخل ولده الخلوة وأعطاه الورد وإنتظر الفتح فلم يأتيه، ثم أعطي له أوراداً ثانية فلم يأتيه شيئاً، ثم أعطاه اوراداً أخرى فلم يحدث له شيئاً فقال له : يا بني لو كان الفتح بيدي لكنت أول مريد عندي في الطريق، لكن الفتح بيد الله يؤتيه من يشاء .
    وهل يوجد أحدٌ من الصالحين يقدر حتى يفتح على إبنه ولا على زوجته إلا بإذن الله عزوجلّ :
    ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ (64:مريم) فالصالحون الحقيقيون لا يتحركون إلا بإذنٍ من الله عزوجلّ حتى ــ عذراً ــ لو أن أحدٌ من المريدين هو من يُعمّر الساحة بالخيرات وبالبركات، ورجلٌ فقير ليس معه شيئ هل يستطيعون أن يكشفوا له شيئاً من هذه النفحات الربانية ؟ لا .. لأن من يأتي بشيئٍ يأتي به من الله، وينتظر الفضل من الله، ولا يأتي بها لكي يأخذ فتحاً، لكنه يأتي بها من الله عزوجلّ .
    والفتح من الله وبيد الله يؤتيه من يشاء عزوجلّ .. أما الأدب في صُحبة الصالحين رضى الله عنهم وأرضاهم فهو الأدب الذي ذكره الله عزوجلّ في قرآنه مع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحضرته البهية صلوات الله وسلامه عليه ومُجمّله بإختصار :
    أنني يجب أن أتخذ الشيخ أخاً أكبر أو والد رءوفاً رحيماً وأقوم له بما يجب أن أقوم به نحو أخي الأكبر أو نحو والدي .. لكن لا تتخذه ــ كما يقولون ــ صنماً تعبده من دون الله او أتخذه وسيلة ليُقربك لحضرة الله عزوجلّ .. ماذا أفعل ؟ قالوا :
    [ إذا جالست العارف فاحفظ عليك قلبك لترد عليك عوارفه ولطائفه، وإذا جالست العالم العارف فاحفظ عليك قلبك ولسانك ] الإثنين معاً .
    ونسمع عن بعض الأخوة أشياءاً لم نرها في معاملة الصالحين الذين عاصرناهم يعني بالنسبة مثلاً للإذن : أن فلان إستأذن من فلان من فلان من فلان حتى يدخل على الشيخ !! هذا الكلام لا نعرفه .. فقد كان سيدي أبو العباس المرسي رضى الله عنه وأرضاه يقول :
    [ لا تمنعوا المريدين من الدخول علينا في ليلٍ أو نهار فإن المريد يأتي وله شوقٌ، فإذا رددتموه أطفأتم نار شوقه ] والذي نعرفه والذي نعلمه ــ وأنا على قدري ولست رجلاً من العارفين يعني أحب الصالحين ــ فعندما قال لي الشيخ محمد على سلامة رضى الله عنه وأرضاه :
    [ يا بني في البداية سيأتيك إخوانٌ لك صالحين بعضهم يأتي في الليل وبعضهم يأتيك بالنهار ] قال هذا القول وبعدها أكون نائماً وأستيقظ فجأة فاحّس أن هناك رجلٌ بالباب قد أتى لزيارتي لأن الله عزوجلّ أمرنا أن نفتح أبوابنا للطالبين والراغبين .. وهذه تجارتنا مع الله عزوجلّ .
    فلم يكن هناك حجاب ولا سكرتارية ولا شيئٌ على باب رسول الله أبداً، كان الكل يدخل فمثل هذه الأمور لا نعلمها، لكن كما قلنا الشيخ إعتبره مثل الأبّ .
    فعندما رأى الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه أحد أولاده جالساً أمامه ورأسه بين ركبتيه ولا يرفع رأسه، فقال : يا بني لا تجلس هذه الجلسة فأنا لك إمّا أباً وإمّا أخاً أكبر، والأب أو الأخ الأكبر لا يحب أحدهما أن يرى إبنه او أخيه مُتعباً في جلسته وليس هذا يا بني هو الأدب معنا، ولكن الأدب معي هو أن تحفظ نفسك من المعاصي وأنت بعيد عنّي وكأنك تلاحظ أني أراك في خلواتك وجلواتك فتمتنع عن معاصي الله عزوجلّ .
    وليست الحكاية أن تجلس أمامي بالأدب والخشوع، وعندما تخرج من هنا تمشي كما يحلوا لك .. لا يصّح هذا .
    فهذا ليس بأدب العارفين ولا أدب الصالحين رضى الله عنهم وأرضاهم، وقد قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه وأرضاه :
    [ ليس بشيخ من لم يمد مريديه من وراء حجاب ] .. فهذه هي الآداب الضرورية وباب الأدب كثير وكتاب الله عزوجلذ مملوء بهذه الآداب .
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمّ
    المــــــكان : الأقصر ــ ترعة ناصر ــ منزل حسين النابي
    التاريـــــخ : الخميس 3/11/1994 موافق 29 جمادى الأولي 1415 هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 2:46 pm