كان الأمين جبريل ينزل على الحبيب صلى الله عليه وسلَّم من فوق سدرة المنتهى إلى الأرض في أقل من لمح البصر لأن الله عز وجل اختصر له الزمن واختزل له الوقت
وهذا أمر يجريه الله عز وجل لعباده المؤمنين ولأوليائه الصالحين. ومنهم هذا الرجل الإمام علي رضي الله عنهُ وكرم الله وجهه فقد كان نائماً في المسجد النبوي الشريف على التراب ولذا لقبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له:
قم يا أبا تراب فدخل النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو نائم فأراد بعض أصحابه أن يوقظوه ومشى بعضهم مسرعاً فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلَّم وقال ما معناه:
{دعوه، فإن عليًّا وإن كان جسمه على الثرى يعني على التراب إلا إن قلبه بالملأ الأعلى}.
الجسم لا يستطيع أن يتحرك هذه الحركة التي كان فيها سيد الأولين والآخرين لأن هذه خصوصية من الله عزَّ وجلَّ له لكن القلب إذا نام الجسد يجري الله عزَّ وجلَّ عليه من أنوار هذه الخصوصية،
فيطلع على السموات العلا، وينظر إلى العرش، ويدخل الجنان ويتجول فيها وفي ربوعها، ويقوم من نومه وقد قطعت روحه ما لا يقطعه المرء في آلاف السنين، وهو قطع ذلك كله في لحظات يسيرة قد تكون ساعة أو بضع ساعة. كذلك إذا أكرم الله عبداً وأراد أن يعلمه كما علم الخضر عليه السلام:
{ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } (65الكهف)،
يعلِّمه كما علَّم نبيكم الكريم.
فقد جاء الطست إلى سيدنا رسول الله من عالم الملكوت مملوءاً بالإيمان والحكمة، وبالله عليكم هل الإيمان تراه العين؟
وهل الحكمة تطلع عليها العين؟
أو توضع فى طست؟
لكنها أمور معنوية ذكرها لنا النبي صلى الله عليه وسلَّم ليعلمنا الإكرام الذي يكرم الله عزَّ وجلَّ به أمة الإسلام في كل وقت وفي كل زمان ومكان،
فقد وضع في قلبه الإيمان والحكمة فعلم علم الأولين وعلم الآخرين، وعلم علوم كل شئ يحتار فيها كبار العلماء المعاصرين للحكم العلمية والتقارير المحمدية التي أنبأ بها بدون أن ينظر في تليسكوب أو يطلع في مجهر أو يقرأه في كتاب أو يستغرق في مكتبة، ولكنه من باب قول الله عزَّ وجلَّ:
{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } (282البقرة).
يعلمكم الله من عنده علوماً إلهية وعلوماً ربانية. إياك أن تقول إنها لا تمشي مع التكنولوجيا العلمية، لأنها جاءت من واهب الحياة، ومِنْ ممد كل مَنْ في الكون بأسرار الكون وبأسرار الحياة، لأنه ربُّ العالمين عزَّ وجلَّ.
فإذا أكرم الله العبد المطيع اختصر الله له الزمن، واختصر الله له الوقت، وطوى الله عزَّ وجلَّ له المكان، فيريد أن يقضي عدة مصالح في بلدة كبلدتنا وبين كل مصلحة والأخرى مسافات فيهيأ الله عزَّ وجلَّ له الأمر فيقضيها كلها في لحظات، فعندما يصل إلى المصلحة الأولى يجد الموظف الذي يحتاجه كأنه في انتظاره وليس هناك طابور أمامه، وذلك من بركة الله عليه ومن تيسير الله عزَّ وجلَّ عليه، يفتح له إشارات المرور ويهيأ له مكان يوقف فيه سيارته، يهيأ له الأسباب حتى يختصر له الزمان، لأنه اتقى الحنان المنان عزَّ وجلَّ.
وقد روت إحدى مذيعات التليفزيون المصري وهي السيدة كاريمان حمزة إنها أعطت كتاباً من تأليف أبيها للشيخ عبد الحليم محمود رحمة الله عليه ليضع له مقدمة، وقدمته له عند المساء، وفي الصباح قدمه لها وقد كتب لها المقدمة، وعندما قرأتها علمت أنه اطلع على الكتاب كله من أوله إلى آخره ولم يترك فيه صفحة واحدة، لأنه كتب في المقدمة عن كل شئ فيه. كيف تم هذا؟
بارك الله له في الزمان، فجعل ما يقرأه في أسبوع يقرأه في ساعة! .. كيف يكون هذا الأمر؟ لا تدبر بعقلك ولا تشغل البال بفكرك ولكن اعتقد في الله، وثق في حسن صنع الله، وزد يقينك في كتاب الله، واعمل على تقوى الله تجد ما ذكرناه أمراً ميسراً لجميع عباد الله،