من دروس الهجرة النبوية
التخطيط
وفضل يوم عاشوراء
-------خطبة الجمعة - - - -
لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
🥦🥦
الحمد لله رب العالمين، مَنْ توكَّل عليه كفاه، ومَنْ اعتمد عليه نصره وقوَّاه، ومَنْ سأله أعطاه، ومَنْ دعاه استجاب دُعاه ولبَّاه، لأنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، يعزُّ مَنْ اتبع هُداه وعمل بشرعه ولو كان عبداً حبشياً، ويُذل من خالفه وخالف رسُله ولو شريفاً قرشياً
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، أيَّده بتأييده، وحفظه بحفظه، ونصره بنُصرته، وجعله قدوةً وأسوةً لجميع أمته
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، الذي كانت رسالته رحمة وهداية، واتِّباعه والعمل على نصرته من الله عزَّ وجلَّ عناية،
وهجرته فتحاً، وحياته كلُّها لله.
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكل من مشى على دربه إلي يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في أيام ذكرى هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، نريد أن نأخذ قبساً من دروس هجرته، التي نحتاج إليها في حياتنا الآن، وما أكثر احتياجنا إلي هجرة النَّبِيّ، نأخذ منها العبرة، ونأخذ منها الهُدى والنور، حتى ينظر الله عزَّ وجلَّ إلينا برحمته، وينظر الله عزَّ وجلَّ إلينا بشفقته وحنانته، ويُبدِّلَ حالنا إلي أحسن حال.
قال الله تعالى في كتابه الكريم - مبيناً سرًّا من أسرار سياقه لقصص النبيين والمرسلين في القرآن الكريم:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ ﴾ (111يوسف).
كان في قصص الأنبياء عبرةً ودروساً ينبغي أن يَعِيَها أهل الإيمان، لتكون حياتُهم امتداداً لأنبياء الله عزَّ وجلّ
ولن نستطيع في هذه العُجالة القصيرة أن نحصي دروس هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم،
ولكن حسبنا أن نأخذ درساً واحداً من هجرته نحن في أمّس الحاجة إليه الآن أجمعين،
أي أمر ينوي عَمَلَهُ الإنسان لابد أن يبنيه على خطة،
والخطة لابد أن تكون محكمة، ومدبرة تدبيراً جيداً. ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة والكفاءة- حتى ولو كانوا غير مسلمين، مادام هذا هو التخطيط المكين!!
لذلك خطط النبي بدقة، وخرج من بيته واستقر في الغار ثلاثة أيام،
ثم خرج بعد ذلك من الطريق الذي لم يسلكه الأنام مستعينا بأهل الخبرة ، طريقاً منفرداً في الصحراء، وجهّز الرواحل التي يركب عليها؟
ليُعلم أمته أن هذا الدين القويم هو دين التخطيط لأى أمرٍ من الأمور.
فالمؤمن إذا كان قوي الإيمان بالله يعتمد تمام الاعتماد على مولاه، لكن لا بد له من إجادة التخطيط في أي أمرٍ يريد أن يبلغه في هذه الحياة كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
معه نصر الله ومعه رعاية الله ومعه تثبيت الله ومعه كفالة الله ولكن لا بد له من التخطيط الدقيق
هكذا يُعلمنا الدرس سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
خطّط للخروج من بيته المبارك وعلم أن الأعداء يحيطون به من جميع الجهات، ومائة فارسٍ من صناديد قريش مجهزين بالأسلحة سيدخلون البيت قبل الفجر لينقضوا عليه ويضربوه ضربة واحدة بسيوفهم كما خططوا، فجعل ابن عمه على بن أبي طالب ينام في مكانه ويتغطى بغطائه ليوهمهم أنه مازال في موضعه، فلا يلتفتوا لخروجه ولا يتابعوه بعد خروجه، فيتمكن من تحقيق المراد
ثم خرج من بيته وهو يعلم أنهم يجيدون قصاص الأثر، فإذا نظروا إلي قدمٍ وُضعت على الرمل يعلمون منها من هو صاحب هذا القدم، ويعلمون منها ملامحه ويعلمون منها قبيلته ويعلمون منها طوله ويعلمون منها أحواله، فخرج من بيته يمشي على أطراف قدميه حتى وصل إلي الغار سبعة كيلو مترات يمشيها النبي على أطراف أصابعه حتى لا يظهر أثر قدميه في الرمال ويعلم القوم أين توجّه وأي مكانٍ سار إليه .
وخطط أن يبقى في الغار ثلاثة أيام حتى يطمئنوا بعد البحث في كل الطرقات، وفي كل الجهات فلا يجدون أثراً لحضرته ويستكينوا، ويخرج بعد استكانتهم
ثم كَلَّف صلى الله عليه وسلم من يُحْضِرُ له الطعام، وهي اسماء بنت ابي بكر
وكلف ابن أبي بكر عبد الله أن يجلس حول الكعبة يتلمّس له الأخبار، ليعلم ما الذي وصلوا إليه من خبره، وما الذي يدور في أفكارهم، وما الذي استقرت عليه آراءهم،
وكلف راعي الغنم لأبي بكر عامر بن فهيرة أن يمشي في خلف عبد الله بن أبي بكر ذهاباً وإياباً حتى لا يبقى لأرجلهم موضع أثر فلا يعرف الكافرون أين ذهبوا.
واتخذوا طريقاً بعيداً غير الطريق العادي الذي يسلكه الناس، واتفق مع دليل يمشي به في هذا الطريق، مع أنه يمشي بالله ويعتمد على مولاه، لكن لا بد له من دليل في هذا الطريق وإن كان هذا الدليل كافراً لا يؤمن بالله عز وجلّ.
خطَّطَ النبيُّ هذا التخطيط المُحكم حتى تتعلم الأمة،
فمن يُرد أن يقيم مشروعاً يخدمه في حياته لابد أن يُخطط تخطيطاً جيداً،
فكل من يُخطط لأولاده بأن يكونوا ناجحين في الدنيا، وأن يكونوا بررةً به،
وأن يكونوا نافعين لأنفسهم في الدار الآخرة، لابد من التخطيط لذلك.
🥦🥦وما ضيّع المسلمين في هذا الزمان إلا تهاونهم في التخطيط السليم ، وادِّعوا بعد ذلك أنهم يمشون بالبركة، وأنهم يعتمدون على الله، وأنهم يتوكلون على الله، فهم متواكلون وليسوا متوكِّلين، لأن المتوكل يقول فيه حضرة النبي:
"اعقلها وتوكّل" (رواه ابن حبان في صحيح عن عمرو بن أمية)
أي دبّر أمرك خير تدبير، وأحسن غاية الإحسان، وضع خطة محكمة، ثم بعد ذلك توكل على الله، واضرع إلي الله، واستعن بالله، وأسند ظهرك إلي الله، تكون بذلك قد اتبعت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
من فعل ذلك من الأمة كان معه نصر الله في كل أموره، وكان معه تأييد الله في كل أحواله، وكان معه عناية الله في كل مواقفه، كما كانت عناية الله ونصرته مع حضرة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة :
{ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية } (صحيح البخاري)، وقال صلّى الله عليه وسلّم:
{ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ } (البخاري)،
أو كما قال: { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة }
*** الخطبة الثانية ***
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي اختار لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، وسيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُهُ ورسوله الرؤوف الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، لسان الكمال والصدق، النَّبِيِّ الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلينا معهم أجمعين يا ربَّ العالمين.
أما بعد
إخواني وأحبابي:
قال صلى الله عليه وسلم
{ اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ( ابن ابي الدنيا عن أنس رضي الله عنه)
ومن هذه الأيام العظيمة - أيام النفحات -
يوم عاشوراء وهو يوم العاشر من شهر الله المحرم، فهو يوم التوبة، ويوم النجاة، ويوم إجابة الدعاء لأنبياء الله ورسل الله وأحباب الله عزَّ وجلّ.
ولذلك فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم: لماذا تصومون هذا اليوم؟
فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه،
فقال صلى الله عليه وسلم:
"نحن أولى بموسى منكم" (رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما)،
وصامه صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه بصيامه.
ولذلك فصيام يوم عاشوراء سُنَّةٌ مؤكدة، لأن الذي فعلها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما كان في آخر حياته وجد أن اليهود يصومون هذا اليوم والمسلمون يصومونه فقال: لابد أن نخالفهم فقال لأصحابه:
{ صُومُوا التَّاسِعَ والعَاشِرَ وخَالِفُوا اليَهُودَ)رواه احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما)
وقال صلى الله عليه وسلم:
"لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر" (رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما)
وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَصُمْ إلا يوم العاشر فقط.
فمن السُّنَّة أن نصوم يوم عاشوراء، لأن هذه سُنَّة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واليوم نفسه هو يوم العاشر من محرم، ولمخالفة اليهود يكون الصيام يوما قبله او يوما بعده
ومن فضائل هذا اليوم
عن أبي قَتادة رضي الله تعالى عنه، عن الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة) رواه النَّسائي في السّنن الكبرى
🤲🤲ثم الدعاء 🤲🤲
🥦🥦🥦🥦
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد