الحمد لله ربِّ العالمين، السميع القريب، المجيب المنيب. سبحانه .. سبحانه!! مَنْ دعاه لبَّاه، ومَنْ سأله أعطاه، ومَنْ توكل عليه كفاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يجيب الدعاء، ويحقق الرجاء، لكل عبدٍ استغاث به في الضراء أو سأله في السراء، ولا يحرم عبداً من العطاء إلا إذا كان من أهل الشقاء. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، إمام أهل الاجتباء، وسيِّد الأصفياء، وأمين الله على خزائن الفضل والعطاء، والشفيع الأعظم لجميع الخلائق يوم العرض والجزاء.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا مُحَمَّد، مهبط وحي السماء، وربان سفينة الصالحين والأولياء، والمُمِدٌّ بِمَدَدِ النُّور والهداية كُلَّ الأحياء، وآله النجباء، وصحابته البررة الأتقياء، وكل من سار على هديه من أهل الشريعة الغراء. آمين يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
إخواني وأحبابي: { اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }[2]. ومن هذه الأيام العظيمة - أيام النفحات - يوم عاشوراء، فهو يوم التوبة، ويوم النجاة، ويوم إجابة الدعاء لأنبياء الله ورسل الله وأحباب الله عزَّ وجلّ.
فسيدنا نوح عليه السلام عندما عصاه قومه وكذبوه، ومكث تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم إلى عبادة الله فلم يستجيبوا له، وكانت علامة الطوفان التي أعطاها الله له، بأن أمره أولاً أن يحمل في السفينة زوجين من أصناف الوحوش والطيور وغيرها - ذكر وأنثى - وكان معه الذين آمنوا به، وكانوا تقريباً ثلاث عشرة نفراً، هم كل الذي آمن به من البداية للنهاية لمدة تسعمائة وخمسين عاماً.
متى يدخلون ويركبون في السفينة؟ عندما ترى النار وهي تخرج من الفرن، ثم تنطفئ ويخرج مكانها ماء، تعرف بأن هذا هو الوقت المحدد للطوفان من أجل أن تتحرك السفينة!!
وكان قد صنع – عليه السلام- السفينة، ولا يوجد بحر ولا ماء، وكانوا يسخرون منه في ذلك، ويقولون: لماذا تصنع السفينة ولا يوجد عندنا بحراً أو ماء؟!! وبعد انتهائه من السفينة وركوب الحيوانات - وكانت السفينة ثلاثة أدوار: الدور الأرضي للحيوانات المتوحشة، والدور الثاني للحيوانات المستأنسة، والدور الثالث كان فيه الإنس الذين آمنوا به والطيور.
وكانت امرأة تجلس أمام الفرن لإعداد الطعام، فوجدت أن النار انطفأت وخرج الماء من الفرن، فتعجبت وقالت: ما هذا؟ فعلم سيدنا نوح أن أمر الطوفان قد قرب!! فركب هو ومن معه، وانفجرت الأرض عيوناً من أسفل، ومياه من السماء وبدأ الطوفان، وجلس في السفينة هو ومن معه لمدة ستة أشهر حتى جف الماء من الأرض، وتوقف نزوله من السماء، ووقفت السفينة. واليوم الذي وقفت فيه السفينة، ونجى الله فيه سيدنا نوح ومن معه هو يوم عاشوراء.
وأيضاً سيدنا موسى عليه السلام عندما أرسل إلى قوم فرعون في مصر، ودعاه إلى العدالة بأن يعدل بين بني إسرائيل والمصريين، ورفض ... وفي النهاية أمره الله أن يخرج من مصر فخرج وخلفه بني إسرائيل في ستمائة ألف، وكان جيش فرعون في هذا الوقت حوالي مليون جندى لأنه كان من الجيوش الكبيرة في هذا العصر. وساروا خلفهم إلى أن وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر- مقابل خليج السويس - وهناك لَحِقَ بهم فرعون بجيشه، فأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر فانشق اثنى عشر طريقاً، وكان الستمائة ألف اثنى عشرة قبيلة - من أولاد سيدنا يعقوب الاثنى عشر- ومشت كل قبيلة في طريق إلى أن نجوا، وكان هذا اليوم يوم عاشوراء الذي نجَّى الله سبحانه وتعالى فيه سيدنا موسى ومن معه. إذاً فهذا يوم التوبة، ويوم النجاة، ويوم استجابة الدعاء.
ولذلك فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم: لماذا تصومون هذا اليوم؟ فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه، فقال صلى الله عليه وسلم: { نحن أولى بموسى منكم }[3]، وصامه وأمر أصحابه بصيامه.
ولذلك فصيام هذا اليوم سُنَّةٌ مؤكدة، لأن الذي فعلها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان في آخر حياته وجد أن اليهود يصومون هذا اليوم والمسلمون يصومونه فقال: لابد أن نخالفهم فقال لأصحابه: { صُومُوا التَّاسِعَ والعَاشِرَ وخَالِفُوا اليَهُودَ }[4] وقال: { لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر }[5]، وتوفي صلى الله عليه وسلم فلم يَصُمْ إلا يوم العاشر فقط. فمن السُّنَّة أن نصوم يوم عاشوراء، لأن هذه سُنَّة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واليوم نفسه هو يوم العاشر من محرم، ولمخالفة اليهود يكون الصيام يوم التاسع ويوم العاشر.
وعلى المسلم أن يكون له صيام ثلاثة أيام من كُلِّ شهر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ }[6].
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، له وحده تقدير الأمور، وتدبير الدهور، وتصريف المقادير، إليه المرجع والمآب وإليه المصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقضي الأمور بحكمته، ويسيرها بإرادته. لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وإليه ترجعون. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، الصراط السويّ، والحق الجليّ، والمنهل الرويّ، والوجه البهيّ.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، سر افتتاح إرادتك، وباب وحي شريعتك، ومفتاح دار سعادتك، وآله آل حكمتك، وأصحابه حراس شريعتك، وأتباعه العاملين بطاعتك، وكل من انشغل بذكرك وحسن عبادتك. آمين يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا إخواني ويا أحبابي: أيضاً هذا اليوم كان له واقعة في الإسلام - كلنا نعرفها - وهي مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه. وقد روت كتب السنة عن أم سلمة رضى الله عنها: { كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمًا فِي بَيْتِي. فَجَاءَ حُسَيْنٌ يَدْرُجُ. قَالَتْ: فَقَعَدْتُ عَلَى البَابِ فَامْسَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُوقِظَهُ. قَالَتْ: ثُمَّ غَفَلْتُ فِي شَيْءٍ فَدَبَّ فَدَخَلَ فَقَعَدَ عَلَى بَطْنِهِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ نَحِيبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَجِئْتُ. فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِِ، وَاللَّهِ مَاعَلِمْتُ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ عَلَى بَطْنِي قَاعِدٌ. فَقَالَ لِي: أتحِبَُّه؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: إِنَّ اُمَتَكَ سَتَقْتُلُهُ. ألا اُرِيَكَ التُّرْبَةَ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قال: فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَأتَانِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ. قَالَتْ: فَإِذَا فِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَالَيْتَ شِعْرِي مَنْ يَقْتُلُكَ بَعْديِ؟!!{ وفى رواية: }فكنا نقول أنها من كربلاء }[7].
وبعدما قُتِلَ سيدنا عليٌّ بايع أهل العراق سيدنا الحسن، فمكث ستة أشهر، ولكنه كان يميل للسلام، ومن أجل أن تتحقق فيه دعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ}[8]. فبعد ستة أشهر من خلافته أرسل لمعاوية وقال له: نريد الصلح، وتصالح مع معاوية وتنازل له عن الحكم بشرط أن يتسلم الحكم من معاوية بعد وفاته.
ولكن معاوية لم يفِ بهذا الشرط، فأرسل لزوجة سيدنا الحسن وأغراها بأنه سوف يزوجها ليزيد ابنه إذا وضعت السُّمَّ للحسن، فوضعت له السُّم، وعندما ذهبت إليه لتنال الجائزة. قال لها: إذا كُنْتِ لم تؤتمني على ابن رسول الله، فكيف تؤتمني على يزيد؟!!
وبعدما مات الحسن بايع لابنه يزيد، فلم يوافق سيدنا الحسين على ذلك، وأرسل له أهل العراق وقالوا له: هنا ستون ألف سيف ينتظرونك من أجل أن تحضر وتتولى الخلافة، فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل رضى الله عنه وأرضاه من أجل أن يتأكد من هذه الأخبار، وعندما وصل قابله عشرون ألفاً وذهب بهم لصلاة المغرب، فعلم جنود يزيد بذلك فذهبوا إلى هناك، وبعد انتهائه من صلاته وسلَّم لم يجد خلفه رجلٌ واحد خوفاً من جنود يزيد!! لأن كل الذي يراهم يجري مسرعاً. فأمسكوا بمسلم بن عقيل وقتلوه، ولم يرسل لابن عمِّه بما رآه في هذه الواقعة - مع أنه قد أرسل له في بداية مقابلة العشرين ألفاً - وقال له: هذا الكلام صحيح وتعالَ إلينا، ولم يخبره بما حدث بعد ذلك لأنهم قتلوه ومن أجل أن يَنْفُذَ قضاء الله وقدر الله..
وقد حاول سيدنا عبد الله بن عباس أن ينصح سيدنا الحسين بأن لا يذهب، فرفض وأصَرَّ على الذهاب، وقابله الشاعر الفرزدق في طريقه - وكان يحب آل البيت - فقال له: تركتُ أهل العراق قلوبُهُم معك وسيوفُهُم عليك، وسوف يحاربونك!!
فمشى سيدنا الحسين حتى وصل إلى كربلاء، وقابله هناك عبد الله بن زياد - والي يزيد على العراق - وكان مع سيدنا الحسين في هذا الوقت أولاده وأولاد أخيه الحسن ونساؤهم. أولاده أربعة عشر ولداً، وأولاد ابن أخيه، والنساء، كل هذا العدد كان حوالي تسعون رجلاً وامرأة وطفل، فعرض على عبد الله بن زياد أن يتركوه على واحدة من ثلاث: إما يتركوه لمقابلة يزيد بنفسه، وإما أن يرجع مرة أخرى إلى المدينة، وإما أن يذهب إلى حدود بلاد الإسلام ويجاهد مع الجيش الإسلامي هناك.
ومع ذلك تَعَنَّتَ ابن زياد ولم يقبل أي شرط من هذه الشروط، وقال له: لا، لابد أن نقتلك ونأخذ رأسك لنرسلها إلى يزيد!! مع أن يزيد عندما علم بعد ذلك قال: لو عرض علي أحد هذه الشروط لقبلتها، لأنه يقول: إما أن تتركني أعود مرة أخرى إلى المدينة التي خرجت منها، وإما أن توصلني إلى يزيد نفسه وهو ابن عمي ونتفاهم مع بعضنا، وإما أن توصلني للحدود وأحارب مع جيش الإسلام في بلاد الروم - إلى أن يأتي قدري، فلم يقبل أي شرط من الشروط.
وكانت المعركة بالطبع غير متكافئة بالمرة، فجيش عبد الله بن زياد مكون من اثنى عشر ألفاً يحارب تسعون فرداً منهم النساء والأطفال - يعني لم يكن سوى ثلاثون رجلاً !! فماذا يفعلون مع هذا الجيش؟!! وبدأت المعركة واستمرت يومين، مع هذا الفارق.
والأمر العجيب أنه عندما كان يأتي وقت الصلاة يتوقفون عن القتال، ويتوضؤن ويصلي سيدنا الحسين، ويأتي خلفه جيش العراق - للصلاة خلفه!! وبعد الصلاة يحاربونه بسيوفهم، كيف يكون ذلك؟!! لكنهم كما وصفهم سيدنا عليٌّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه: (يا أهل العراق يا أهل النفاق).
وفي اليوم الثالث وكان يوم عاشوراء وأصبح الحسين صائماً ورأى في منامه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وقال له: { ستفطرعندنا اليوم } فعرف أنه سوف يموت في هذا اليوم، فتقدم أمامه أولاده وحاربوا أمامه إلى أن قُتلوا جميعاً أمامه - فيما عدا الطفل عليُّ زين العابدين، وكان مريضاً فاحتملته السيدة زينب أخت سيدنا الحسين رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين، والموجودة الآن في القاهرة.
وفي النهاية عطش سيدنا الحسين فتوجه لشرب الماء فضربه الرجل الذي كتب عليه الشقاء بسهم في فمه، فنزل الدم ولم يشرب!! وتكاثروا عليه جميعاً وقتلوه!! وكان هذا في يوم عاشوراء.
وروى الزُّهْرِيُّ: ( بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ )[9]، وذلك يوم مقتل الحسين بكاءاً على سيدنا الحسين، وقيل وسمعوا إلى شعر ولم يروا من الذي يتكلم:
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الحِسَابِ
والتفت هؤلاء بعد ذلك لقتل علي زين العابدين، لأنهم كانوا يريدون القضاء على آل البيت - فاحتضنته السيدة زينب وقالت لهم: اقتلوني قبل أن تقتلوه، وحَمَتْهُ من القتل.
وقد راجت الخرافات من الذين قتلوه بأنه يجب في هذا اليوم على كل واحد منهم أن ينزل دماً من جسمه أو من رأسه، من أجل أن يكفِّر عن الذنب الذي فُعِلَ مع الحسين!! وإلى الآن يفعل ذلك أهل العراق!! ولذلك ذهب اثنان من أهل العراق إلى سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما يسألونه: عن دم البرغوث إذا قُتِلَ في الحرم؟ لأنه لا يصح أن يقتل أي شئ في الحرم، فقال لهما: من أي البلاد أنتما؟!! فقالا: من العراق، فقال: تسألون عن دم البرغوث وأين دم الحسين؟!! فكل هذه خرافات ليست من الإسلام.
وكذلك يعملون له يوم حزن هناك - أى يوم عاشوراء - وهو ليس بيوم حزن، وإنما هو يوم فرح لأنه يوم تاب الله فيه على سيدنا آدم، ويوم نجَّى فيه سيدنا نوح، ويوم نجَّى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام، وكثير من الأنبياء نجَّاهم الله في هذا اليوم. فلا يصح أن نجعله يوم حزن، ولذلك نصوم في هذا اليوم شكراً لله على أن نجَّى الأنبياء، وتاب على الأنبياء، ونرجو من الله أن يتوب علينا كما تاب عليهم.
فعلينا - بإذن الله - بصيام يوم التاسع ويوم العاشر لقوله صلى الله عليه وسلم: {صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}[10]. كما علينا التوجه إلى الله عزَّ وجلّ بالإلحاح في الدعاء.
نسأل الله عزَّ وجلّ أن يصحح مَتَابَنَا، ويغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا منها وما أبطنا.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم أنزل علينا سكينتك، وغشنا برحمتك، وتفضل علينا بمواهبك العلية بمحض منتك.
اللهم حصنا بحصون شريعتك، واكلأنا بحفظك ورعايتك، وتوجنا بتاج كرامتك، واكتب لنا الإستقامة على طاعتك، وأمدنا بمدد فضلك وعنايتك، واجعلنا في الآخرة من أهل جوارك في جنتك.
اللهم تولى ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين بالتوفيق والسداد، والعمل النافع لخير العباد والبلاد، واسلك بهم سبيل الرشاد، واحفظهم من أهل الكفر والزيغ والبعاد.
عباد الله: اتقوا الله، } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (90-النحل).
**********
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد الغفران بمدينة بور سعيد يوم الجمعة 7 من المحرم 1409هـ الموافق 19/1/1988م.
[2] ابن أبي الدنيا عن أنس
[3] أخرجه البخاري في كتاب الصوم عن ابن عباس.
[4] رواه أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عباس.
[5] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد عن ابن عباس.
[6] (حم هق) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ
[7] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي هِنْدٍ عن أم سَلَمَةَ ، المسند الجامع ورواه أحمد في مسنده إلى أنس وورد بغيرها من كتب الحديث، وقد وردت زيادة فى فى مرآة الجنان وعبرة اليقظان وغيرها من مصادر من كتب التاريخ أن السيدة أم سلمة وضعتها التربة في قارورة فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة فإذا الطين قد استحال دماً، وورد فى تاريخ دمشق أن رسول الله e شم التربة وقال: ”ريح كرب وبلاء”. قالت: وقال لى e ”يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل” قال: فجعلتها في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم .
[8] رواه البخارى وأحمد عن أبى بكرة
[9] سير أعلام النبلاء ، ودلائل النبوة للبيهقى وتهذيب الكمال وغيرها.
[10] رواه البيهقي في السنن عن أبي قتادة.
اعلان في الاسفل
اربط موقعك بنادليل الموقعخريطة الموقعأعلن معناشارك معناسياسة الخصوصية
SSL site seal - click to verify
الكتبالفتاوياللقاءاتالإنشاد الدينىالدروسبرامج الإذاعة والتليفزيونخطب الجمعةالمناسباتالجمعية العامة للدعوة إلي اللهتلاوات للشيخ محمد علي سلامة
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يجيب الدعاء، ويحقق الرجاء، لكل عبدٍ استغاث به في الضراء أو سأله في السراء، ولا يحرم عبداً من العطاء إلا إذا كان من أهل الشقاء. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، إمام أهل الاجتباء، وسيِّد الأصفياء، وأمين الله على خزائن الفضل والعطاء، والشفيع الأعظم لجميع الخلائق يوم العرض والجزاء.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا مُحَمَّد، مهبط وحي السماء، وربان سفينة الصالحين والأولياء، والمُمِدٌّ بِمَدَدِ النُّور والهداية كُلَّ الأحياء، وآله النجباء، وصحابته البررة الأتقياء، وكل من سار على هديه من أهل الشريعة الغراء. آمين يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
إخواني وأحبابي: { اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }[2]. ومن هذه الأيام العظيمة - أيام النفحات - يوم عاشوراء، فهو يوم التوبة، ويوم النجاة، ويوم إجابة الدعاء لأنبياء الله ورسل الله وأحباب الله عزَّ وجلّ.
فسيدنا نوح عليه السلام عندما عصاه قومه وكذبوه، ومكث تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم إلى عبادة الله فلم يستجيبوا له، وكانت علامة الطوفان التي أعطاها الله له، بأن أمره أولاً أن يحمل في السفينة زوجين من أصناف الوحوش والطيور وغيرها - ذكر وأنثى - وكان معه الذين آمنوا به، وكانوا تقريباً ثلاث عشرة نفراً، هم كل الذي آمن به من البداية للنهاية لمدة تسعمائة وخمسين عاماً.
متى يدخلون ويركبون في السفينة؟ عندما ترى النار وهي تخرج من الفرن، ثم تنطفئ ويخرج مكانها ماء، تعرف بأن هذا هو الوقت المحدد للطوفان من أجل أن تتحرك السفينة!!
وكان قد صنع – عليه السلام- السفينة، ولا يوجد بحر ولا ماء، وكانوا يسخرون منه في ذلك، ويقولون: لماذا تصنع السفينة ولا يوجد عندنا بحراً أو ماء؟!! وبعد انتهائه من السفينة وركوب الحيوانات - وكانت السفينة ثلاثة أدوار: الدور الأرضي للحيوانات المتوحشة، والدور الثاني للحيوانات المستأنسة، والدور الثالث كان فيه الإنس الذين آمنوا به والطيور.
وكانت امرأة تجلس أمام الفرن لإعداد الطعام، فوجدت أن النار انطفأت وخرج الماء من الفرن، فتعجبت وقالت: ما هذا؟ فعلم سيدنا نوح أن أمر الطوفان قد قرب!! فركب هو ومن معه، وانفجرت الأرض عيوناً من أسفل، ومياه من السماء وبدأ الطوفان، وجلس في السفينة هو ومن معه لمدة ستة أشهر حتى جف الماء من الأرض، وتوقف نزوله من السماء، ووقفت السفينة. واليوم الذي وقفت فيه السفينة، ونجى الله فيه سيدنا نوح ومن معه هو يوم عاشوراء.
وأيضاً سيدنا موسى عليه السلام عندما أرسل إلى قوم فرعون في مصر، ودعاه إلى العدالة بأن يعدل بين بني إسرائيل والمصريين، ورفض ... وفي النهاية أمره الله أن يخرج من مصر فخرج وخلفه بني إسرائيل في ستمائة ألف، وكان جيش فرعون في هذا الوقت حوالي مليون جندى لأنه كان من الجيوش الكبيرة في هذا العصر. وساروا خلفهم إلى أن وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر- مقابل خليج السويس - وهناك لَحِقَ بهم فرعون بجيشه، فأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر فانشق اثنى عشر طريقاً، وكان الستمائة ألف اثنى عشرة قبيلة - من أولاد سيدنا يعقوب الاثنى عشر- ومشت كل قبيلة في طريق إلى أن نجوا، وكان هذا اليوم يوم عاشوراء الذي نجَّى الله سبحانه وتعالى فيه سيدنا موسى ومن معه. إذاً فهذا يوم التوبة، ويوم النجاة، ويوم استجابة الدعاء.
ولذلك فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم: لماذا تصومون هذا اليوم؟ فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه، فقال صلى الله عليه وسلم: { نحن أولى بموسى منكم }[3]، وصامه وأمر أصحابه بصيامه.
ولذلك فصيام هذا اليوم سُنَّةٌ مؤكدة، لأن الذي فعلها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان في آخر حياته وجد أن اليهود يصومون هذا اليوم والمسلمون يصومونه فقال: لابد أن نخالفهم فقال لأصحابه: { صُومُوا التَّاسِعَ والعَاشِرَ وخَالِفُوا اليَهُودَ }[4] وقال: { لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر }[5]، وتوفي صلى الله عليه وسلم فلم يَصُمْ إلا يوم العاشر فقط. فمن السُّنَّة أن نصوم يوم عاشوراء، لأن هذه سُنَّة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واليوم نفسه هو يوم العاشر من محرم، ولمخالفة اليهود يكون الصيام يوم التاسع ويوم العاشر.
وعلى المسلم أن يكون له صيام ثلاثة أيام من كُلِّ شهر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ }[6].
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، له وحده تقدير الأمور، وتدبير الدهور، وتصريف المقادير، إليه المرجع والمآب وإليه المصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقضي الأمور بحكمته، ويسيرها بإرادته. لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وإليه ترجعون. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، الصراط السويّ، والحق الجليّ، والمنهل الرويّ، والوجه البهيّ.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، سر افتتاح إرادتك، وباب وحي شريعتك، ومفتاح دار سعادتك، وآله آل حكمتك، وأصحابه حراس شريعتك، وأتباعه العاملين بطاعتك، وكل من انشغل بذكرك وحسن عبادتك. آمين يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا إخواني ويا أحبابي: أيضاً هذا اليوم كان له واقعة في الإسلام - كلنا نعرفها - وهي مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه. وقد روت كتب السنة عن أم سلمة رضى الله عنها: { كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمًا فِي بَيْتِي. فَجَاءَ حُسَيْنٌ يَدْرُجُ. قَالَتْ: فَقَعَدْتُ عَلَى البَابِ فَامْسَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُوقِظَهُ. قَالَتْ: ثُمَّ غَفَلْتُ فِي شَيْءٍ فَدَبَّ فَدَخَلَ فَقَعَدَ عَلَى بَطْنِهِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ نَحِيبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَجِئْتُ. فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِِ، وَاللَّهِ مَاعَلِمْتُ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ عَلَى بَطْنِي قَاعِدٌ. فَقَالَ لِي: أتحِبَُّه؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: إِنَّ اُمَتَكَ سَتَقْتُلُهُ. ألا اُرِيَكَ التُّرْبَةَ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قال: فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَأتَانِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ. قَالَتْ: فَإِذَا فِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَالَيْتَ شِعْرِي مَنْ يَقْتُلُكَ بَعْديِ؟!!{ وفى رواية: }فكنا نقول أنها من كربلاء }[7].
وبعدما قُتِلَ سيدنا عليٌّ بايع أهل العراق سيدنا الحسن، فمكث ستة أشهر، ولكنه كان يميل للسلام، ومن أجل أن تتحقق فيه دعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ}[8]. فبعد ستة أشهر من خلافته أرسل لمعاوية وقال له: نريد الصلح، وتصالح مع معاوية وتنازل له عن الحكم بشرط أن يتسلم الحكم من معاوية بعد وفاته.
ولكن معاوية لم يفِ بهذا الشرط، فأرسل لزوجة سيدنا الحسن وأغراها بأنه سوف يزوجها ليزيد ابنه إذا وضعت السُّمَّ للحسن، فوضعت له السُّم، وعندما ذهبت إليه لتنال الجائزة. قال لها: إذا كُنْتِ لم تؤتمني على ابن رسول الله، فكيف تؤتمني على يزيد؟!!
وبعدما مات الحسن بايع لابنه يزيد، فلم يوافق سيدنا الحسين على ذلك، وأرسل له أهل العراق وقالوا له: هنا ستون ألف سيف ينتظرونك من أجل أن تحضر وتتولى الخلافة، فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل رضى الله عنه وأرضاه من أجل أن يتأكد من هذه الأخبار، وعندما وصل قابله عشرون ألفاً وذهب بهم لصلاة المغرب، فعلم جنود يزيد بذلك فذهبوا إلى هناك، وبعد انتهائه من صلاته وسلَّم لم يجد خلفه رجلٌ واحد خوفاً من جنود يزيد!! لأن كل الذي يراهم يجري مسرعاً. فأمسكوا بمسلم بن عقيل وقتلوه، ولم يرسل لابن عمِّه بما رآه في هذه الواقعة - مع أنه قد أرسل له في بداية مقابلة العشرين ألفاً - وقال له: هذا الكلام صحيح وتعالَ إلينا، ولم يخبره بما حدث بعد ذلك لأنهم قتلوه ومن أجل أن يَنْفُذَ قضاء الله وقدر الله..
وقد حاول سيدنا عبد الله بن عباس أن ينصح سيدنا الحسين بأن لا يذهب، فرفض وأصَرَّ على الذهاب، وقابله الشاعر الفرزدق في طريقه - وكان يحب آل البيت - فقال له: تركتُ أهل العراق قلوبُهُم معك وسيوفُهُم عليك، وسوف يحاربونك!!
فمشى سيدنا الحسين حتى وصل إلى كربلاء، وقابله هناك عبد الله بن زياد - والي يزيد على العراق - وكان مع سيدنا الحسين في هذا الوقت أولاده وأولاد أخيه الحسن ونساؤهم. أولاده أربعة عشر ولداً، وأولاد ابن أخيه، والنساء، كل هذا العدد كان حوالي تسعون رجلاً وامرأة وطفل، فعرض على عبد الله بن زياد أن يتركوه على واحدة من ثلاث: إما يتركوه لمقابلة يزيد بنفسه، وإما أن يرجع مرة أخرى إلى المدينة، وإما أن يذهب إلى حدود بلاد الإسلام ويجاهد مع الجيش الإسلامي هناك.
ومع ذلك تَعَنَّتَ ابن زياد ولم يقبل أي شرط من هذه الشروط، وقال له: لا، لابد أن نقتلك ونأخذ رأسك لنرسلها إلى يزيد!! مع أن يزيد عندما علم بعد ذلك قال: لو عرض علي أحد هذه الشروط لقبلتها، لأنه يقول: إما أن تتركني أعود مرة أخرى إلى المدينة التي خرجت منها، وإما أن توصلني إلى يزيد نفسه وهو ابن عمي ونتفاهم مع بعضنا، وإما أن توصلني للحدود وأحارب مع جيش الإسلام في بلاد الروم - إلى أن يأتي قدري، فلم يقبل أي شرط من الشروط.
وكانت المعركة بالطبع غير متكافئة بالمرة، فجيش عبد الله بن زياد مكون من اثنى عشر ألفاً يحارب تسعون فرداً منهم النساء والأطفال - يعني لم يكن سوى ثلاثون رجلاً !! فماذا يفعلون مع هذا الجيش؟!! وبدأت المعركة واستمرت يومين، مع هذا الفارق.
والأمر العجيب أنه عندما كان يأتي وقت الصلاة يتوقفون عن القتال، ويتوضؤن ويصلي سيدنا الحسين، ويأتي خلفه جيش العراق - للصلاة خلفه!! وبعد الصلاة يحاربونه بسيوفهم، كيف يكون ذلك؟!! لكنهم كما وصفهم سيدنا عليٌّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه: (يا أهل العراق يا أهل النفاق).
وفي اليوم الثالث وكان يوم عاشوراء وأصبح الحسين صائماً ورأى في منامه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وقال له: { ستفطرعندنا اليوم } فعرف أنه سوف يموت في هذا اليوم، فتقدم أمامه أولاده وحاربوا أمامه إلى أن قُتلوا جميعاً أمامه - فيما عدا الطفل عليُّ زين العابدين، وكان مريضاً فاحتملته السيدة زينب أخت سيدنا الحسين رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين، والموجودة الآن في القاهرة.
وفي النهاية عطش سيدنا الحسين فتوجه لشرب الماء فضربه الرجل الذي كتب عليه الشقاء بسهم في فمه، فنزل الدم ولم يشرب!! وتكاثروا عليه جميعاً وقتلوه!! وكان هذا في يوم عاشوراء.
وروى الزُّهْرِيُّ: ( بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ )[9]، وذلك يوم مقتل الحسين بكاءاً على سيدنا الحسين، وقيل وسمعوا إلى شعر ولم يروا من الذي يتكلم:
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الحِسَابِ
والتفت هؤلاء بعد ذلك لقتل علي زين العابدين، لأنهم كانوا يريدون القضاء على آل البيت - فاحتضنته السيدة زينب وقالت لهم: اقتلوني قبل أن تقتلوه، وحَمَتْهُ من القتل.
وقد راجت الخرافات من الذين قتلوه بأنه يجب في هذا اليوم على كل واحد منهم أن ينزل دماً من جسمه أو من رأسه، من أجل أن يكفِّر عن الذنب الذي فُعِلَ مع الحسين!! وإلى الآن يفعل ذلك أهل العراق!! ولذلك ذهب اثنان من أهل العراق إلى سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما يسألونه: عن دم البرغوث إذا قُتِلَ في الحرم؟ لأنه لا يصح أن يقتل أي شئ في الحرم، فقال لهما: من أي البلاد أنتما؟!! فقالا: من العراق، فقال: تسألون عن دم البرغوث وأين دم الحسين؟!! فكل هذه خرافات ليست من الإسلام.
وكذلك يعملون له يوم حزن هناك - أى يوم عاشوراء - وهو ليس بيوم حزن، وإنما هو يوم فرح لأنه يوم تاب الله فيه على سيدنا آدم، ويوم نجَّى فيه سيدنا نوح، ويوم نجَّى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام، وكثير من الأنبياء نجَّاهم الله في هذا اليوم. فلا يصح أن نجعله يوم حزن، ولذلك نصوم في هذا اليوم شكراً لله على أن نجَّى الأنبياء، وتاب على الأنبياء، ونرجو من الله أن يتوب علينا كما تاب عليهم.
فعلينا - بإذن الله - بصيام يوم التاسع ويوم العاشر لقوله صلى الله عليه وسلم: {صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}[10]. كما علينا التوجه إلى الله عزَّ وجلّ بالإلحاح في الدعاء.
نسأل الله عزَّ وجلّ أن يصحح مَتَابَنَا، ويغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا منها وما أبطنا.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم أنزل علينا سكينتك، وغشنا برحمتك، وتفضل علينا بمواهبك العلية بمحض منتك.
اللهم حصنا بحصون شريعتك، واكلأنا بحفظك ورعايتك، وتوجنا بتاج كرامتك، واكتب لنا الإستقامة على طاعتك، وأمدنا بمدد فضلك وعنايتك، واجعلنا في الآخرة من أهل جوارك في جنتك.
اللهم تولى ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين بالتوفيق والسداد، والعمل النافع لخير العباد والبلاد، واسلك بهم سبيل الرشاد، واحفظهم من أهل الكفر والزيغ والبعاد.
عباد الله: اتقوا الله، } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (90-النحل).
**********
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد الغفران بمدينة بور سعيد يوم الجمعة 7 من المحرم 1409هـ الموافق 19/1/1988م.
[2] ابن أبي الدنيا عن أنس
[3] أخرجه البخاري في كتاب الصوم عن ابن عباس.
[4] رواه أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عباس.
[5] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد عن ابن عباس.
[6] (حم هق) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ
[7] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي هِنْدٍ عن أم سَلَمَةَ ، المسند الجامع ورواه أحمد في مسنده إلى أنس وورد بغيرها من كتب الحديث، وقد وردت زيادة فى فى مرآة الجنان وعبرة اليقظان وغيرها من مصادر من كتب التاريخ أن السيدة أم سلمة وضعتها التربة في قارورة فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة فإذا الطين قد استحال دماً، وورد فى تاريخ دمشق أن رسول الله e شم التربة وقال: ”ريح كرب وبلاء”. قالت: وقال لى e ”يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل” قال: فجعلتها في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم .
[8] رواه البخارى وأحمد عن أبى بكرة
[9] سير أعلام النبلاء ، ودلائل النبوة للبيهقى وتهذيب الكمال وغيرها.
[10] رواه البيهقي في السنن عن أبي قتادة.
اعلان في الاسفل
اربط موقعك بنادليل الموقعخريطة الموقعأعلن معناشارك معناسياسة الخصوصية
SSL site seal - click to verify
الكتبالفتاوياللقاءاتالإنشاد الدينىالدروسبرامج الإذاعة والتليفزيونخطب الجمعةالمناسباتالجمعية العامة للدعوة إلي اللهتلاوات للشيخ محمد علي سلامة