الحمد لله ربِّ العالمين، وليِّ المتقين، ومُعزِّ المؤمنين. أَحْمِدُهُ سبحانه وتعالى لأنه المتولى لجميع منن الخلق أجمعين. سبحانه.. سبحانه!! واهب الفضل، وصاحب الجود والكرم، يهب النعم لكل البشر - ولو كانوا مشركين وجاحدين!! ، ويعفو عمن يشاء وإن طال عمرهم في عمل المعاصي والفحشاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، تولاَّه الله عزَّ وجلَّ بعنايته، وأدَّبه برحمته، وجعله نعمة لجميع بريَّته، وجعله يوم القيامة باب سعادته. فالناجي مَنْ مشى على هديه وقام بشريعته، والهالك من خالف أمره وحاد عن سُنَّتِه.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد مبدأ الخير، وأُسّ البرِّ للخلائق أجمعين، وعلى آله وصحبه، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: ونحن على أبواب عام هجري جديد، يتساءل كثير من الناس سؤالاً - قد يكون معاداً - ولكننا نلمح فيه معنى فريداً وجديداً!!
أما السؤال فهو: لماذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؟ والمعتاد في دنيا الناس - كما نرى الآن - أن يهاجر الإنسان بحثاً عن المال، إذا كان لا يحصله في موطنه إلا بمشقة بالغة، أو يهاجر بحثاً عن منصب كريم إذا كانت نفسه تتوق إلى أن يكون رجلاً عظيماً، ولا يجد دواء لتلك العظمة في بلدته وموطنه، أو يهاجر للعلاج إذا كان به داء أَعْىَ الأطباء في بلدته، فيهاجر بحثاً عن طبيب ماهر في بلد آخر ليعالجه من الداء الذي يشكو منه، وهذه الأشياء كلها قد عرضها الكافرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد اجتمعوا فيما بينهم - بعد أن أَعْيَاهُمْ أَمْرُه، ولم يستطيعوا أن يُوقِفُوا زحفه المقدس على القلوب ليسوقها إلى حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ- فأجمعوا رأيهم أن يرسلوا رجلاً منهم، يُعرض عليه كل ما تتوق إليه النفس البشرية، من أهواءٍ أو شهواتٍ أو ملذات!!
} فقد ذهب إليه عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَكَانَ سَيداً حَلِيماً - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ ـ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ : يَـٰا مَعْشَر قُرَيْشٍ أَلاَ أَقُومُ إِلىٰ هَـٰذَا فَأُكَلمَهُ، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُوراً لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَها، فَنُعْطِيَهُ أَيُّهَا شَاءَ، وَيَكُفَّ عَنَّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رسولِ اللّهِ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلىٰ، فَقُمْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ فَكَلمْهُ.
فَقَامَ عُتْبَةُ حَتّىٰ جَلَسَ إِلىٰ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السَّعَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؛ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفََّرْتَ مَنْ مَضىٰ مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِني أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا بَعْضَهَا. فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعُ).
فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ مِنْ هَـٰذَا الْقَوْلِ مَالاً، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ شَرَفاً، شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتّىٰ لاَ نَقْطَعَ أَمْراً دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكاً، مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَـٰذَا الَّذِي يَأْتِيَكَ رِئِياً، تَرَاهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطَّبِيبَ وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلىٰ الرَّجُلِ حَتّىٰ يُدَاوىٰ مِنْهُ، أَوْ لَعَلَّ هَـٰذَا الَّذِي تَأْتِي بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، حَتّىٰ إِذَا فَرَغَ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمَعُ مِنْهُ!! قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفَرَغْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاسْمَعْ مِني؟)، قَالَ: أَفْعَلُ.
فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: } بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ { (1:4- فصلت)، فَمَضىٰ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ، وَأَلْقىٰ بِيَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتّىٰ انْتَهىٰ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّجْدَةِ منها فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْت، فَأَنْتَ وَذَاكَ } [2].
إذاً لماذا هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا السِّرَّ ندركه إذا عرفنا سرَّ بعثته!! لماذا بُعِثْتَ ياحبيب الله؟ أجاب عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[3]. فهو صاحب مبادئ ومثل وقيم وفضائل يريد أن يدعو الناس إليها، وأن يمشي الناس على هديها. وفي الحقيقة لا صلاح لأحوالنا، ولا صلاح لأحوال مجتمعنا، ولا صلاح لأحوال البشرية كلها، إلا إذا انتشرت هذه القيم الإيمانية التي من أجلها بُعِثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وإلا فبالله عليكم - هذا رجل يحاربه أعداؤه بشتى الوسائل، يعذبون أصحابه، ويطردونهم ويستولون على دورهم وعلى أموالهم، ويخرجونهم فقراء، ثم بعد ذلك كل من عنده منهم وديعةٌ ثمينة يخشى عليها من السرقة - فليس لديهم بيوت يحفظونها فيها، وليس فيهم رجلٌ مأمون يأتمنونه عليها، إلا المأمون الذي أمنته السماء على وحي السماء صلى الله عليه وسلم - فيجعلون عنده أعزَّ ما يملكون وأثمنَ ما يملكون ودائع عنده ثم تأتي الهجرة، ويستطيع أن يهاجر ويأخذ هذه الأشياء كلها معه، وهي حقوق إخوانه من الفقراء والمساكين التى أخذها الكفار عنوة، واستولوا على أموالهم بقوة العتاد والسلاح!!
ولكنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا المَثَلَ الأعلى، أن الإيمان يعني المُثُلَ والمبادئ. فقد قال صلى الله عليه وسلم في هذه المبادئ { لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه }[4]. فالذي ليس عنده أمانة في نقل الكلمة، أو في حفظ الودائع، أو في المحافظة على الأسرار، هذا يكون إيمانه فيه نقص عند الواحد القهار عزَّ وجلَّ، فيترك ابن عمه عليَّ بن أبي طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه ينام في فراشه - وربما يعدو عليه القوم فيضربونه بسيوفهم، ولكنه مع ذلك تركه - حتى يردَّ الودائع إلى أهلها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويرد الأمانات إلى أهلها كلها، لأنهم كانوا يلقبونه بالصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم.
فهكذا كان نبيُّكم صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ عن زينة الدنيا في سبيل مبدئه، ويزهد في المناصب والأموال في سبيل القيم التي يدعو إليها، ويؤثر أن يهاجر ويرد الأموال إلى أهلها ليلقن البشرية كلها أن هذا دينٌ أنزله رب العالمين، وارتضى من أصحابه وطلب منهم أن يراعوا حقَّ الله، وأن ينفذوا أخلاق الله - ولو مع الكافرين والجاحدين من أعداء الله عزَّ وجلَّ. فليس معنى أنهم كافرون أن يبيح لنا أموالهم، أو أن يطلق الإسلام أيدينا في أعناقهم، أو يترك لنا التعرض لأعراضهم، لأن المؤمن دائماً وأبداً هو حارس المُثُلِ الإلهية، والخليفة عن الله عزَّ وجلَّ في إعلاء القيم الإيمانية، والمبادئ الإسلامية، التي دعا إليها الله في قرآنه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنَّته.
وقد وَعَى أصحابه رضى الله عنهم هذا الدرس، فعندما ضاقت عليهم هذه البلدة، وفيها حَرَمُ الله، لكنهم لا يستطيعون أن يعبدوا الله عزَّ وجلَّ فيها بِحُرِّية، هاجروا وتركوا أموالهم، ودورهم وأولادهم، حتى لا يفتنون عن دين الله عزَّ وجلَّ، فهم كما قال الله في شأنهم: } يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء { (54-المائدة).
فهذا صهيب يخرج - وقد كان من أغنى أغنياء مكة في التجارة - ويلحقه الكافرون، فينثر كنانته بما فيها من سهام، ويقول لهم: (يا أهل مكة، تعلمون أنِّي من أرماكم، ووالله الذي نفسي بيده لن يصل إلىَّ واحدٌ منكم إلا ورميتُهُ بِسَهْمٍ من سهامي، فإذا فنيت سهامي سأمسك بسيفي، ولن تصلوا إلاَّ على أشلائي. أَوْ لا أدلُّكم على خير من هذا؟ قالوا: وماذا؟ قال: أدلكم على مالي فتذهبوا إليه وتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدلَّهم على ماله، وذهب بدينه ومبادئه ومُثُلِه. وإذا بالحقِّ عزَّ وجلَّ يرسل برقية عاجلة إلى سيِّدِ الخَلْقِ صلى الله عليه وسلم يقول له فيها: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ{ (207-البقرة).
وعندما وصل، قال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: { أبشر يَا أَبا يَحْيى: رَبِحَ البَيْعُ .. رَبِحَ البَيْعُ }[5]، أي بيع؟!! } إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ { (111-التوبة).
هكذا صاروا على هذا الحال!! فهذا رجل منهم يأتي بعد غزوة أحد، قائداً لتجارة كبيرة لقريش، آتية من بلاد الشام، ويشرح الله عزَّ وجلَّ صدره للإيمان، فلا يَصْبِرُ حتى يؤدي التجارة إلى أهلها، ثم رجع إلى المدينة ليعلن إيمانه. لكنه ذهب مباشرة إلى المدينة وأعلن إيمانه بين يدي رسول الله { فقد فرح به فرحاً كبيراً - لأنه كان زوج ابنته، ولكن الإسلام قد فرق بينهما - فوسوس إليه أحد المنافقين المنشغلين بالدنيا عن الدين، والذين يريدون أن يسخروا الدين في سبيل الحصول على عرض الدنيا، ولو كان في ذلك مخالفة لأوامر رب العالمين عزَّ وجلَّ، فقال له: يا هذا ما دُمْتَ قد آمنتَ فإن الكفار - كما تعلم - قد أخذوا أموال إخوانك المؤمنين، فلا ترجع إليهم واغنم هذا المال فإنه مال الكافرين !!!.
فما كان من الرجل - الذي شرح الله صدره للإسلام - إلاَّ أن صاح في وجهه قائلاً: (أهذه نصيحتك لأخيك!! فوالله ما كنتُ لأبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة!!)، فإن الإسلام دين الأمانة. ثم ذهب إلى مكة وردَّ الأمانات إلى أهلها، وقال يا معشر قريش: ماذا تعلمون عني؟ قالوا: خيراً قال: هل بقى لكم شئ عندي؟ قالوا: لا، وجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهدكم أني رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً {[6].
أيها الأخوة المؤمنون: ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذه الهجرة. أي هجرة؟!! هي التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم: { المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[7]. ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هجرة الفواحش - ما ظهر منها وما بطن، وإلى أن نهجر الغش - ولو كان فيه المكسب الكبير، وأن نترك الرشوة -ولو كان في ذلك علو شأننا وارتفاع منصبنا، لأن هذه مكاسب حرَّمها الله ويعاقب عليها العقاب الشديد.
لن ينصلح حالنا-أيها الأخوة المؤمنون-إلا إذا هجرنا المثل والمبادئ التي نشرها بيننا أهل الغرب؛ من الخُبْثِ والدهاء، والخِدَاع والمكر، والغشِّ والكذب - تحت أسماء ومسميات يعتقدون ويقولون أنها حضارة!! ويشيرون إلى من يتمسك بالأمانة أنه رجل جامد لا يصلح لهذا الزمان!! والرجل الذي يتمسك بالأمانة في التجارة ولا يغش يعاتبونه!! بل يعيِّرونه بأنه إنسان لا يريد أن يعيش! بل يريد أن يكون فقيراً بين الناس. نريد أن نقول كما قال القائل:
ليت الذى بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صح منك الود فالكل هيّن وكل الذي فوق التراب تراب
قال صلى الله عليه وسلم: {المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمؤمن من آمن جاره بوائقه، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[8].
أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي هدانا وجعلنا مسلمين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبِّتنا على الهدى واليقين، ويحفظنا من الفتن التي تنتشر في هذا الزمان، إلى أن نلقاه على الإيمان والإسلام أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تولَّى مَنْ آمن به واتقاه، وتعهده بالنُّصرة والرعاية ما دام في هذه الحياة، ووعده بأن يكون في جواره يوم لقاء الله. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، وحبيبه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: كثرت الفتن في هذا الزمان!! يتعرض لها المؤمن في طريقه، ويتعرض لها في عمله، ويتعرض لها في بيته، ويتعرض لها في وظيفته وفي مجتمعه. والمؤمن الذي سيفوز ويجوز يوم لقاء الله، هو الذي يقول فيه الله: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ { (23-الأحزاب).
المؤمن الذي يصدق مع عباد الله، فقد عاهدنا الله على جملة الأوامر التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مكارم الأخلاق التي تحلَّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمؤمن مهما عُرِضَتْ عليه أموال الدنيا، أو مناصب الدنيا، أو أهواء وشهوات الدنيا، لا يتغير مبدأه وتجعله يتخلى عن قيمه ومثله.
بقى شئٌ: أن شياطين المنافقين يوسوسون له، ويقولون له: إذا تمسكت فستكون هذه المصلحة بالرشوة من غيرك، فإذا لم تقبل الرشوة أنت فسيقبلها غيرك على نفسه. قال صلى الله عليه وسلم منبِّها ومحذِّراً لمثل هذا الحال: { كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك }[9]. وورد فى الأثر : (فإن تهاون إخوانك فاشدد أنت لئلا يُؤتَى الإسلامُ مِنْ قِبَلِك) .
يقولون له: إن هذا سيعرضك إلى كذا وكذا، ويقولون: لن تستطيع أن تعيش إلا إذا غششت، أو خدعت، أو نصبت، أو كذا .. أو كذا، مما نسمعه بين كثير من بلهاء الناس، لكن رب الناس يقول: } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - هذا في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ { (97-النحل).
لابد لأفراد مجتمعنا من الوحدة، وهذه الوحدة يدفعها الإيمان الصادق لله عزَّ وجلَّ. إن كلٌّ منا يقول: لماذا أنا فقط الذي أقف أمام التيار؟ ولماذا أنا فقط الذي أمتنع عن رشوة المسئولين هنا وهناك؟ ولِمَ أكون أنا بمفردي المتمسك بالأمانة هنا وهناك؟!! وهذا الذي ضيَّع مجتمعنا - يا إخواني المؤمنين.
وطوبى لعبد في هذا الزمان يتمسك بقيم الإيمان، ويمشي على مكارم الأخلاق التي جاء بها النبي العدنان، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: { اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ }[10].
فمن اعتز بالله - أيها الناس - فلن يستطيع أحد من العبيد أن يُذِلَّه، لأن العزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن تمسك بهدى الله فلن يستطيع النصابون أو المحتالون أن يضايقوه، لأن الله قال في قرآنه: } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { (2،3-الطلاق).
نريد أن يهجر المؤمنون في كلامهم الكذب والسبّ، والغيبة والنميمة، ونريد أن نسمع منهم الصدق والمروءة والأمانة، وهذه الأخلاق التي جاء بها رسولُ الكريم الخلاَّق. إذا قمنا بهذه الهجرة كنا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزَّ بغيره ) [11].
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبت الإيمان في قلوبنا، واليقين في أفئدتنا، وأن يعيننا على التمسك بمبادئ الإيمان، وتعاليم نبينا، وأن يجملنا بمكارم الأخلاق أجمعين، وأن يبغض إلينا أخلاق الكافرين والعصاة والفاسقين، وأن يجعلنا من خيار عباده المؤمنين.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، وآتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين، وبدِّل حالنا إلى أحسن حال يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا رب العالمين.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل موقع يا رب العالمين.
اللهم أصلح أفراد المسلمين وجمِّلهم بالصدق واليقين، وبارك في أقوات وأرزاق المسلمين، واجعلها أرزاقا حلالاً طيبةً مباركا لنا فيها يا رب العالمين.
عباد الله: اتقوا الله، } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
***************
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد النور بحدائق المعادي محافظة القاهرة يوم الجمعة 26/5/1995م الموافق 27 من ذي الحجة 1415هـ.
[2] رواه محمد بن اسحاق فى كتاب السيرة عن محمد بن كعب القرظى
[3] رواه صاحب مسند الشهاب عن أبي هريرة والإمام مالك في الموطأ والطبراني من حديث جابر.
[4] ابن خزيمة وابن أبي شيبة عن أنس
[5] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.
[6] وهناك رواية ثانية أورها صاحب المستدرك على الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها وغيرها من كتب السنة ( باختصار): { أن رسول الله بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، وقال لهم: إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالاً فَإِنْ تُحْسِنوا تَرُدّوا عَلَيْهِ الّذي لَهُ فَإِنّا نُحِبُّ ذلِكَ وَإِنْ أَبََيْتُمْ ذلِكَ فَهُوَ فَيْءُ الله الّذي أَفاءَهُ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قالوا: بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيا كريماً قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أردت أخذ أموالكم، فلما أداها الله عزّ وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله }
[7] رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو.
[8] متفق عليه.
[9] السنة لمحمد بن ناصر المروزي عن يزيد بن مرثد
[10] رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.
[11] مصنف ابن أبي شيبة، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام أتته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء فقالوا له: يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، تولاَّه الله عزَّ وجلَّ بعنايته، وأدَّبه برحمته، وجعله نعمة لجميع بريَّته، وجعله يوم القيامة باب سعادته. فالناجي مَنْ مشى على هديه وقام بشريعته، والهالك من خالف أمره وحاد عن سُنَّتِه.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد مبدأ الخير، وأُسّ البرِّ للخلائق أجمعين، وعلى آله وصحبه، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: ونحن على أبواب عام هجري جديد، يتساءل كثير من الناس سؤالاً - قد يكون معاداً - ولكننا نلمح فيه معنى فريداً وجديداً!!
أما السؤال فهو: لماذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؟ والمعتاد في دنيا الناس - كما نرى الآن - أن يهاجر الإنسان بحثاً عن المال، إذا كان لا يحصله في موطنه إلا بمشقة بالغة، أو يهاجر بحثاً عن منصب كريم إذا كانت نفسه تتوق إلى أن يكون رجلاً عظيماً، ولا يجد دواء لتلك العظمة في بلدته وموطنه، أو يهاجر للعلاج إذا كان به داء أَعْىَ الأطباء في بلدته، فيهاجر بحثاً عن طبيب ماهر في بلد آخر ليعالجه من الداء الذي يشكو منه، وهذه الأشياء كلها قد عرضها الكافرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد اجتمعوا فيما بينهم - بعد أن أَعْيَاهُمْ أَمْرُه، ولم يستطيعوا أن يُوقِفُوا زحفه المقدس على القلوب ليسوقها إلى حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ- فأجمعوا رأيهم أن يرسلوا رجلاً منهم، يُعرض عليه كل ما تتوق إليه النفس البشرية، من أهواءٍ أو شهواتٍ أو ملذات!!
} فقد ذهب إليه عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَكَانَ سَيداً حَلِيماً - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ ـ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ : يَـٰا مَعْشَر قُرَيْشٍ أَلاَ أَقُومُ إِلىٰ هَـٰذَا فَأُكَلمَهُ، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُوراً لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَها، فَنُعْطِيَهُ أَيُّهَا شَاءَ، وَيَكُفَّ عَنَّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رسولِ اللّهِ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلىٰ، فَقُمْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ فَكَلمْهُ.
فَقَامَ عُتْبَةُ حَتّىٰ جَلَسَ إِلىٰ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السَّعَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؛ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفََّرْتَ مَنْ مَضىٰ مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِني أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا بَعْضَهَا. فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعُ).
فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ مِنْ هَـٰذَا الْقَوْلِ مَالاً، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ شَرَفاً، شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتّىٰ لاَ نَقْطَعَ أَمْراً دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكاً، مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَـٰذَا الَّذِي يَأْتِيَكَ رِئِياً، تَرَاهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطَّبِيبَ وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلىٰ الرَّجُلِ حَتّىٰ يُدَاوىٰ مِنْهُ، أَوْ لَعَلَّ هَـٰذَا الَّذِي تَأْتِي بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، حَتّىٰ إِذَا فَرَغَ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمَعُ مِنْهُ!! قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفَرَغْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاسْمَعْ مِني؟)، قَالَ: أَفْعَلُ.
فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: } بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ { (1:4- فصلت)، فَمَضىٰ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ، وَأَلْقىٰ بِيَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتّىٰ انْتَهىٰ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّجْدَةِ منها فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْت، فَأَنْتَ وَذَاكَ } [2].
إذاً لماذا هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا السِّرَّ ندركه إذا عرفنا سرَّ بعثته!! لماذا بُعِثْتَ ياحبيب الله؟ أجاب عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[3]. فهو صاحب مبادئ ومثل وقيم وفضائل يريد أن يدعو الناس إليها، وأن يمشي الناس على هديها. وفي الحقيقة لا صلاح لأحوالنا، ولا صلاح لأحوال مجتمعنا، ولا صلاح لأحوال البشرية كلها، إلا إذا انتشرت هذه القيم الإيمانية التي من أجلها بُعِثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وإلا فبالله عليكم - هذا رجل يحاربه أعداؤه بشتى الوسائل، يعذبون أصحابه، ويطردونهم ويستولون على دورهم وعلى أموالهم، ويخرجونهم فقراء، ثم بعد ذلك كل من عنده منهم وديعةٌ ثمينة يخشى عليها من السرقة - فليس لديهم بيوت يحفظونها فيها، وليس فيهم رجلٌ مأمون يأتمنونه عليها، إلا المأمون الذي أمنته السماء على وحي السماء صلى الله عليه وسلم - فيجعلون عنده أعزَّ ما يملكون وأثمنَ ما يملكون ودائع عنده ثم تأتي الهجرة، ويستطيع أن يهاجر ويأخذ هذه الأشياء كلها معه، وهي حقوق إخوانه من الفقراء والمساكين التى أخذها الكفار عنوة، واستولوا على أموالهم بقوة العتاد والسلاح!!
ولكنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا المَثَلَ الأعلى، أن الإيمان يعني المُثُلَ والمبادئ. فقد قال صلى الله عليه وسلم في هذه المبادئ { لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه }[4]. فالذي ليس عنده أمانة في نقل الكلمة، أو في حفظ الودائع، أو في المحافظة على الأسرار، هذا يكون إيمانه فيه نقص عند الواحد القهار عزَّ وجلَّ، فيترك ابن عمه عليَّ بن أبي طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه ينام في فراشه - وربما يعدو عليه القوم فيضربونه بسيوفهم، ولكنه مع ذلك تركه - حتى يردَّ الودائع إلى أهلها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويرد الأمانات إلى أهلها كلها، لأنهم كانوا يلقبونه بالصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم.
فهكذا كان نبيُّكم صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ عن زينة الدنيا في سبيل مبدئه، ويزهد في المناصب والأموال في سبيل القيم التي يدعو إليها، ويؤثر أن يهاجر ويرد الأموال إلى أهلها ليلقن البشرية كلها أن هذا دينٌ أنزله رب العالمين، وارتضى من أصحابه وطلب منهم أن يراعوا حقَّ الله، وأن ينفذوا أخلاق الله - ولو مع الكافرين والجاحدين من أعداء الله عزَّ وجلَّ. فليس معنى أنهم كافرون أن يبيح لنا أموالهم، أو أن يطلق الإسلام أيدينا في أعناقهم، أو يترك لنا التعرض لأعراضهم، لأن المؤمن دائماً وأبداً هو حارس المُثُلِ الإلهية، والخليفة عن الله عزَّ وجلَّ في إعلاء القيم الإيمانية، والمبادئ الإسلامية، التي دعا إليها الله في قرآنه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنَّته.
وقد وَعَى أصحابه رضى الله عنهم هذا الدرس، فعندما ضاقت عليهم هذه البلدة، وفيها حَرَمُ الله، لكنهم لا يستطيعون أن يعبدوا الله عزَّ وجلَّ فيها بِحُرِّية، هاجروا وتركوا أموالهم، ودورهم وأولادهم، حتى لا يفتنون عن دين الله عزَّ وجلَّ، فهم كما قال الله في شأنهم: } يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء { (54-المائدة).
فهذا صهيب يخرج - وقد كان من أغنى أغنياء مكة في التجارة - ويلحقه الكافرون، فينثر كنانته بما فيها من سهام، ويقول لهم: (يا أهل مكة، تعلمون أنِّي من أرماكم، ووالله الذي نفسي بيده لن يصل إلىَّ واحدٌ منكم إلا ورميتُهُ بِسَهْمٍ من سهامي، فإذا فنيت سهامي سأمسك بسيفي، ولن تصلوا إلاَّ على أشلائي. أَوْ لا أدلُّكم على خير من هذا؟ قالوا: وماذا؟ قال: أدلكم على مالي فتذهبوا إليه وتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدلَّهم على ماله، وذهب بدينه ومبادئه ومُثُلِه. وإذا بالحقِّ عزَّ وجلَّ يرسل برقية عاجلة إلى سيِّدِ الخَلْقِ صلى الله عليه وسلم يقول له فيها: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ{ (207-البقرة).
وعندما وصل، قال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: { أبشر يَا أَبا يَحْيى: رَبِحَ البَيْعُ .. رَبِحَ البَيْعُ }[5]، أي بيع؟!! } إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ { (111-التوبة).
هكذا صاروا على هذا الحال!! فهذا رجل منهم يأتي بعد غزوة أحد، قائداً لتجارة كبيرة لقريش، آتية من بلاد الشام، ويشرح الله عزَّ وجلَّ صدره للإيمان، فلا يَصْبِرُ حتى يؤدي التجارة إلى أهلها، ثم رجع إلى المدينة ليعلن إيمانه. لكنه ذهب مباشرة إلى المدينة وأعلن إيمانه بين يدي رسول الله { فقد فرح به فرحاً كبيراً - لأنه كان زوج ابنته، ولكن الإسلام قد فرق بينهما - فوسوس إليه أحد المنافقين المنشغلين بالدنيا عن الدين، والذين يريدون أن يسخروا الدين في سبيل الحصول على عرض الدنيا، ولو كان في ذلك مخالفة لأوامر رب العالمين عزَّ وجلَّ، فقال له: يا هذا ما دُمْتَ قد آمنتَ فإن الكفار - كما تعلم - قد أخذوا أموال إخوانك المؤمنين، فلا ترجع إليهم واغنم هذا المال فإنه مال الكافرين !!!.
فما كان من الرجل - الذي شرح الله صدره للإسلام - إلاَّ أن صاح في وجهه قائلاً: (أهذه نصيحتك لأخيك!! فوالله ما كنتُ لأبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة!!)، فإن الإسلام دين الأمانة. ثم ذهب إلى مكة وردَّ الأمانات إلى أهلها، وقال يا معشر قريش: ماذا تعلمون عني؟ قالوا: خيراً قال: هل بقى لكم شئ عندي؟ قالوا: لا، وجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهدكم أني رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً {[6].
أيها الأخوة المؤمنون: ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذه الهجرة. أي هجرة؟!! هي التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم: { المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[7]. ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هجرة الفواحش - ما ظهر منها وما بطن، وإلى أن نهجر الغش - ولو كان فيه المكسب الكبير، وأن نترك الرشوة -ولو كان في ذلك علو شأننا وارتفاع منصبنا، لأن هذه مكاسب حرَّمها الله ويعاقب عليها العقاب الشديد.
لن ينصلح حالنا-أيها الأخوة المؤمنون-إلا إذا هجرنا المثل والمبادئ التي نشرها بيننا أهل الغرب؛ من الخُبْثِ والدهاء، والخِدَاع والمكر، والغشِّ والكذب - تحت أسماء ومسميات يعتقدون ويقولون أنها حضارة!! ويشيرون إلى من يتمسك بالأمانة أنه رجل جامد لا يصلح لهذا الزمان!! والرجل الذي يتمسك بالأمانة في التجارة ولا يغش يعاتبونه!! بل يعيِّرونه بأنه إنسان لا يريد أن يعيش! بل يريد أن يكون فقيراً بين الناس. نريد أن نقول كما قال القائل:
ليت الذى بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صح منك الود فالكل هيّن وكل الذي فوق التراب تراب
قال صلى الله عليه وسلم: {المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمؤمن من آمن جاره بوائقه، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[8].
أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي هدانا وجعلنا مسلمين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبِّتنا على الهدى واليقين، ويحفظنا من الفتن التي تنتشر في هذا الزمان، إلى أن نلقاه على الإيمان والإسلام أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تولَّى مَنْ آمن به واتقاه، وتعهده بالنُّصرة والرعاية ما دام في هذه الحياة، ووعده بأن يكون في جواره يوم لقاء الله. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، وحبيبه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: كثرت الفتن في هذا الزمان!! يتعرض لها المؤمن في طريقه، ويتعرض لها في عمله، ويتعرض لها في بيته، ويتعرض لها في وظيفته وفي مجتمعه. والمؤمن الذي سيفوز ويجوز يوم لقاء الله، هو الذي يقول فيه الله: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ { (23-الأحزاب).
المؤمن الذي يصدق مع عباد الله، فقد عاهدنا الله على جملة الأوامر التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مكارم الأخلاق التي تحلَّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمؤمن مهما عُرِضَتْ عليه أموال الدنيا، أو مناصب الدنيا، أو أهواء وشهوات الدنيا، لا يتغير مبدأه وتجعله يتخلى عن قيمه ومثله.
بقى شئٌ: أن شياطين المنافقين يوسوسون له، ويقولون له: إذا تمسكت فستكون هذه المصلحة بالرشوة من غيرك، فإذا لم تقبل الرشوة أنت فسيقبلها غيرك على نفسه. قال صلى الله عليه وسلم منبِّها ومحذِّراً لمثل هذا الحال: { كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك }[9]. وورد فى الأثر : (فإن تهاون إخوانك فاشدد أنت لئلا يُؤتَى الإسلامُ مِنْ قِبَلِك) .
يقولون له: إن هذا سيعرضك إلى كذا وكذا، ويقولون: لن تستطيع أن تعيش إلا إذا غششت، أو خدعت، أو نصبت، أو كذا .. أو كذا، مما نسمعه بين كثير من بلهاء الناس، لكن رب الناس يقول: } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - هذا في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ { (97-النحل).
لابد لأفراد مجتمعنا من الوحدة، وهذه الوحدة يدفعها الإيمان الصادق لله عزَّ وجلَّ. إن كلٌّ منا يقول: لماذا أنا فقط الذي أقف أمام التيار؟ ولماذا أنا فقط الذي أمتنع عن رشوة المسئولين هنا وهناك؟ ولِمَ أكون أنا بمفردي المتمسك بالأمانة هنا وهناك؟!! وهذا الذي ضيَّع مجتمعنا - يا إخواني المؤمنين.
وطوبى لعبد في هذا الزمان يتمسك بقيم الإيمان، ويمشي على مكارم الأخلاق التي جاء بها النبي العدنان، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: { اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ }[10].
فمن اعتز بالله - أيها الناس - فلن يستطيع أحد من العبيد أن يُذِلَّه، لأن العزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن تمسك بهدى الله فلن يستطيع النصابون أو المحتالون أن يضايقوه، لأن الله قال في قرآنه: } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { (2،3-الطلاق).
نريد أن يهجر المؤمنون في كلامهم الكذب والسبّ، والغيبة والنميمة، ونريد أن نسمع منهم الصدق والمروءة والأمانة، وهذه الأخلاق التي جاء بها رسولُ الكريم الخلاَّق. إذا قمنا بهذه الهجرة كنا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزَّ بغيره ) [11].
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبت الإيمان في قلوبنا، واليقين في أفئدتنا، وأن يعيننا على التمسك بمبادئ الإيمان، وتعاليم نبينا، وأن يجملنا بمكارم الأخلاق أجمعين، وأن يبغض إلينا أخلاق الكافرين والعصاة والفاسقين، وأن يجعلنا من خيار عباده المؤمنين.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، وآتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين، وبدِّل حالنا إلى أحسن حال يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا رب العالمين.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل موقع يا رب العالمين.
اللهم أصلح أفراد المسلمين وجمِّلهم بالصدق واليقين، وبارك في أقوات وأرزاق المسلمين، واجعلها أرزاقا حلالاً طيبةً مباركا لنا فيها يا رب العالمين.
عباد الله: اتقوا الله، } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
***************
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد النور بحدائق المعادي محافظة القاهرة يوم الجمعة 26/5/1995م الموافق 27 من ذي الحجة 1415هـ.
[2] رواه محمد بن اسحاق فى كتاب السيرة عن محمد بن كعب القرظى
[3] رواه صاحب مسند الشهاب عن أبي هريرة والإمام مالك في الموطأ والطبراني من حديث جابر.
[4] ابن خزيمة وابن أبي شيبة عن أنس
[5] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.
[6] وهناك رواية ثانية أورها صاحب المستدرك على الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها وغيرها من كتب السنة ( باختصار): { أن رسول الله بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، وقال لهم: إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالاً فَإِنْ تُحْسِنوا تَرُدّوا عَلَيْهِ الّذي لَهُ فَإِنّا نُحِبُّ ذلِكَ وَإِنْ أَبََيْتُمْ ذلِكَ فَهُوَ فَيْءُ الله الّذي أَفاءَهُ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قالوا: بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيا كريماً قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أردت أخذ أموالكم، فلما أداها الله عزّ وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله }
[7] رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو.
[8] متفق عليه.
[9] السنة لمحمد بن ناصر المروزي عن يزيد بن مرثد
[10] رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.
[11] مصنف ابن أبي شيبة، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام أتته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء فقالوا له: يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال،