إصلاح الأفراد والمجتمعات
بأخلاق الإسلام
خطبة الجمعة لفضيلة
الشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله رب العالمين أنعم علينا بالقرآن وهدانا أعظم هدية في الدنيا والآخرة وهي هدية النبي العدنان، ومنَّ علينا بفضله وكرمه وجوده لا بعملٍ منا عملناه، ولا بشيء قدمناه
وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، بيده وحده صلاح الأحوال وعنده وحده تحقيق الآمال
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، اختاره الله عز وجل لسعادة الدنيا لمن اتبعه، والنعيم في الدار الآخرة لمن عمل بما جاء به وكان معه.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد رسول الثقلين، والمؤيد من الله عز وجل في الكونين،
صلى الله عليه وعلى آله الذين آزروه واتبعوه، وأصحابه الذين اقتدوا بهديه ونصروه، واجعلنا معهم أجمعين وأيدنا بتأييدهم، وانصرنا بنصرهم إنك يا ربنا نعم المولى ونعم النصير.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
قضية القضايا في عصرنا هذا في العالم كله، فالعالم كله حتى الدول العُظمى احتارت في كيفية إصلاح المجتمعات بعد تفشي الرشاوى، وانتشار الفساد والغش التجاري والغش في كل الأصناف والأنواع في كل المجالات، وكل حينٍ نسمع عن أعتى الشركات العالمية وقد وقعت في هذا الشرك، وأعظم الشخصيات العالمية وقد وقعت في هذا الخداع، وأصبح الكل يشكوا.
ما كيفية العلاج والخروج من هذا المأزق؟
ونحن مع أننا مسلمين ومؤمنين نجأر بالشكوى أجمعين،
فمنا من يشكو من داخل بيته، فهو عاجزٌ عن إصلاح زوجته، أو عاجز عن إصلاح ابنه أو ابنته،
والجميع يشكوا من إصلاح حال الجماعة،
لأن الكل خالف أمر الله ورفض السمع والطاعة، وكلٌ يمشي على هواه، وتفشَّت أنواع الفساد في المجتمع كما نرى.
ما العلاج؟
رأى بعض الأمم في هذا العصر أن العلاج في تشديد القوانين، ولم نجد نتيجة لهذا تُذكر إلى الآن،
ورأى البعض أن العلاج في تغيير الدساتير، وغيروا الدساتير ولم يكن لها أثرٌ كبيرٌ أو صغيرٌ كما نرى في هذه المجتمعات.
وبعضهم رأى العلاج في التكنولوجيا الحديثة في اكتشاف واختراع أجهزةٍ حديثة تتنصّت على الخلق،
جهازٌ لكشف الكذب وجهاز لكشف المفرقعات وجهاز لكشف كذا وكذا، ونجد الأجهزة تقف عاجزة أمام حيل المفسدين في الأرض في كل زمانٍ ومكان.
ونسينا أو تناسينا أن عندنا تجربة إلهية ربانية أنزلها الله وطبقها الحبيب المصطفى صلوات الله وتسليماته عليه، وكانت نتيجتها ما زال يشهد لها االعالم كله،
الأمن والأمان في كل زمانٍ ومكان حتى تحقق قوله صلى الله عليه وسلَّم مع شدة تخلف الأساليب الحضارية في هذا الزمان:
(يُوشك أن تمشي الظعينة ـ (يعني المرأة الوحيدة )ـ من حضر موت إلى بلاد الشام لا تخاف إلا الله) (رواه البخاري عن عدي بن حاتم)
لا يتعرَّض لها أحد، ولا يؤذيها أحد، وليس معها كفيل إلا الواحد الأحد الفرد الصمد عز وجل.
ما النظرية الإسلامية التي حققت للإنسان وللمجتمعات الصلاح والإصلاح؟
نظرية الإسلام تقوم على إصلاح الإنسان، فالإنسان هو الذي يستخدم كل هذه المعدات، وهو حجر الزاوية في كل هذه الآنات،
كيف نصلح الإنسان؟
من أراد أن يصلح ولده أو يصلح زوجه أو يصلح من حوله فعليه بحديث النبي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(ألا إن في الجسد لمضغة إذا صلُحت صلُح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) (البخاري ومسلم)
وإصلاح القلب لا يكون إلا على شرع الله،
بأن يُخرج منه كل ما حرمَّه عليه الله من الحقد والحسد والبُغض والكُره والغل والغش وأي إساءة إلى خلق الله، لأن الله يقول في قلوب المؤمنين:
"وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ" (47الحجر).
ويملأ هذا القلب بالصفات التي وصف الله بها حبيبه الأمين وأصحابه المقربين ومن بعدهم من الصالحين والمقربين:
كالشفقة والعطف والحنان والرأفة والمودة والمحبة والألفة والصفح والعفو لجميع المسلمين والمسلمات.
بالله عليكم قلبٌ هذا حاله كيف يكون وضعه بين الخلق؟
خاصَّة أن الإسلام حريصٌ في هذه المنظومة الإلهية على أن يقوِّي رادار القلب حتى يجعله يراقب الله، فيكون الله عز وجل منه على بال لا يغيب عنه نظر الله إليه طرفة عينٍ ولا أقل.
عندما يتوجَّه في أي زمان أو مكان إلى أي إنسان أو إلى أي مكان، يرنُّ في داخل قلبه قول حضرة الرحمن:
"وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (4الحديد).
ماذا يصنع؟ وماذا يفعل؟
وهو يرى أن القوي الفعال لما يريد يطلع عليه، ويسجِّل كل شيء عليه، وسيحسبه يوم الدين عليه،
لابد أن يرجع الإنسان، وإن لم يرجع في المرة الأولى فسيرجع من المرة الثانية ويعمل العمل الصالح الذي يحبه حضرة الرحمن ورسوله صلى الله عليه وسلَّم.
هل رأيتم في مجتمعنا العصري في أي دولة من دول العالم مجرماً يذهب إلى العدالة من تلقاء نفسه ويسلِّم نفسه ويعترف بجريمته ويطلب إقامة الحد عليه؟
لم يحدث ذلك إلا في شريعة النبي الأمين، تذهب إليه المرأة وتقول: زنيت يا رسول الله، ويذهب إليه الرجل ويقول: زنيت يا رسول الله، ويلتمس له الحبيب المعاذير، فيقول:
(لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)( البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)
يريد أن يلتمس له الأعذار ـ لكنه يقول: طهِّرني يا رسول الله، فإن طهارة الدنيا أخَّف وأهون من عذاب الآخرة.
كان هذا في مجتمع النبي ومن كانوا بعده من أصحاب النبي في عصر الخلفاء الراشدين والأئمة الصالحين أمثال عمر بن العزيز ومن بعدهم أجمعين.
فكان الناس آمنين في أوطانهم،
لم يكن على أبواب المدينة ولا مكة ولا غيرها أقفالٌ ولا مفاتيح، ، ومع هذا كانوا في أمنٍ وأمان، لأنهم طبقوا مراقبة الله وأصلحوا القلوب لحضرة الله جل وعلا.
لم يكن في أسواقهم مفتشين للتموين ولا مباحث ولا غيرها لأن التجار يطبقون المبادئ الإلهية من أنفسهم.
جاء لابن سيرين رضي الله عنه أربعين وعاءً مملوءةٌ بالسمن، فأمر صبيانه بوضعها في المخزن، وجاء له أحدهم وقال يا سيدي دخل فأرٌ في وعاءٍ في أوعية السمن،
قال: هل تعلم ما هو؟ قال: لا،
قال: إذن نسكب الأوعية الأربعين،
لأنه لا يريد غش المسلمين.
وهذا أبو حنيفة رضي الله تبارك وتعالى عنه يأمر صبيه بفتح الحانوت في صباح يومٍ وكان يتاجر في الخزِّ ـ الحرير ـ وعندما فتح المحل جاءه مشتري اشترى منه ثوباً بالأمس وقال:
يا سيدي اشتريت هذا الثوب منك بالأمس ولم ترغب فيه أمي وأريد ردَّه، قال:
كم دفعت فيه؟ قال: كذا، قال: خذ ـ ثم قال للغلام: غلِّق الحانوت فلا حاجة لنا في البيع والشراء في هذا اليوم،
فقال له الغلام: ولم يا سيدي؟
قال: إني جئت اليوم إلى الحانوت وفي نيتي أن أعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
(من أقال نادماً صفقته ـ يعني بيعته ـ أقال الله عز وجل عثرته يوم القيامة)( رواه أبو داوود والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
أين ذلك من الذين يكتبون ـ البضاعة المباعة لا تسترد ولا تستبدل ـ
من أي شريعة جاءوا بهذه العبارة،
وبأي قانون جاءوا بهذه العبارة، وهي تخالف شرع السماء،
كانوا أجمعين يراقبون الله عز وجل في كل وقتٍ وحين ويحبون الخير لكلهم كما يحبون الخير لأنفسهم،
قال فيهم صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يُؤمِنُ أحدُكم حتَّى يحبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنفسِهِ (رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه)
أو كما قال:
(أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
****الخطبة الثانية****
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بالهدى واليقين وجعلنا من عباده المسلمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وأنصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
ليكن هذا طريقكم لإصلاح أحوال أولادكم وأبنائكم وزوجاتكم،
اعلموا علم اليقين أن البضاعة التي تصلح الأفراد والجماعات أن تمتلئ القلوب بخشية الله والخوف من الله ومراقبة الله والمحبة والمودة لجميع خلق الله، والشفقة والحنان لجميع المسلمين،
فنوقر كبيرهم، ونرحم صغيرهم، ونعطف على فقيرهم وعلى مسكينهم، ونشفق على مريضهم ولا يكون ذلك إلا إذا تحلى القلب بحلة الإيمان التي زينها في قلوبنا الرحمن وقال لنا فيها في القرآن:
"حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ" (7الحجرات).
أما من أراد أن يقوِّم أولاده بالخوف منه وبالعصا فلن تجدي هذه الطريقة، ولن تفلح هذه المسألة،
مرِّنه على الخوف من الله وليس الخوف منك،
مرنه ودربه على خشية الله تجده دائماً وأبداً طائعاً لمولاه ومحفوظاً من الخطايا جميعها، لأن الذي حفظه هو مراقبته لمولاه جل في علاه.
وكذلك الشأن في الدواوين الحكومية
وكذلك الشأن في كل الأعمال الاجتماعية
نحن في أمَّس الحاجة لا إلى مراقبة الشرطة ولا المخبرين، ولكن إلى مراقبة رب العالمين، مع التأكيد بمعرفة الإنسان معرفةً كاملة أنه عز وجل:
لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء "يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُور"(19 غافر)
ومع ذلك جعل عليك كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، وجعل جوارحك تسجِّل عليك كل ما تفعله وتنطق به يوم الدين:
"وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ" (21فصلت).
فعندما يعرف الإنسان ذلك ويتأكد من ذلك يقي نفسه وأهله من المهالك.
🤲نسأل الله عز وجل أن يُصلح أحوالنا وأحوال أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين،
🤲🤲ثم الدعاء 🤲🤲
وللمزيد من الخطب
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد