رمضان شهر الانتصارات
خطبة الجمعه
لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، أنزل القرآن في ليلة الفرقان، للهدى والبيان، والذكر والتبيان، فمن آمن به وصدَّق حاز الجنان، ومن كذّب به وأشرك لحقه الخزي والذل والخسران.
وأشهد أن لا إله إلا الله، يعزُّ من أطاعه، وينصره على من عاداه، ويقيم به للحق دولة وللدين قومة، وللإسلام صولة، وللقرآن جولة.
وأشهد أن سيدنا محمداً نبيُّ الله ورسوله، أقام به الملّة العوجاء، ونشر به الشريعة السمحاء، فهدى به بعد ضلالة، وعلّم به بعد جهالة، وأعزَّ به بعد ذلَّة، وجمع به بعد فرقة، وأغنى به بعد فاقة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، الذي فرق الله به بين الحق والباطل، فأقام به دولة الحق، وهدم به دولة الباطل،
صلى الله عليه وعلى آله الكرام، وأصحابه العظام، وأتباعه الذين نصرهم الله على أنفسهم، حتى أحيوا في مملكتهم وفي عالمهم دولة الإسلام، وشريعة الحق، وأصبحوا أنجماً ظاهرة مضيئة في أفق النبوة. رضي الله عنهم وألحقنا بهم على خير، آمين.....
أما بعد
فيا إخواني ويا أحبابي:
المسلمون المعاصرون أعطوا فكرة لأنفسهم وللعالم أن شهر رمضان شهر الصيام هو شهر الكسل وشهر الخمول وشهر ترك العمل، حتى أنه أصبح الانطباع عند معظم الناس لو كان لأحد مصلحة يريد أن يقضيها، يقول له: انتظر بعد شهر رمضان، فلا أحد يعمل في رمضان.
وهل رمضان شهر الكسل؟!! سبحان الله!!
لكن عندما ننظر إلى تاريخ الإسلام الناصع نجد أن المعارك الحربية الكبيرة الشهيرة كلها كانت في شهر رمضان،
مثل غزوة بدر،
وفتح مكة،
ودخول الأندلس،
ومعركة عين جالوت،
ومعركة العاشر من رمضان؟!
لماذا كانت الانتصارات الكبرى في شهر رمضان بالذات؟
لأن الله عز وجل يُعطي العبد الصائم قوةً من عنده لا يقدرها إلا القادر تبارك وتعالى.
إنَّ سرَّ انتصار المسلمين في أي معركة، وضع الله عزَّ وجل له مفاتيح في كتابه،
أولها:
جعل النصر ليس بالقوة، ولا بالعدد ولا بالخُطط، ولا بالتكتيكات فقط، وإنما كما قال عزَّ وجل:
"وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ"
(10-الأنفال).
فالنصر في البداية والنهاية من الله عزَّ وجل،
ولذلك ورد في أخبار غزوة بدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده حفنة من التراب، ورمى بها في وجوه الأعداء، قائلاً:
(شاهت الوجوه).
فأصابت كل مشرك،
فما السرُّ فى ذلك؟
السرُّ فى ذلك فى قوله تعالى:
"وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى"
(17-الأنفال).
ولذا قال للمسلمين لاحقاً – لما أخذت بعضهم نشوة النصر، فافتخر بقتله لصناديد أهل الكفر- قال تعالى لهم مُعلّماً ومُؤدبّاً:
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ"
(17-الأنفال).
فأنتم أمسكتم بالسيوف وضربتم، ولكن الله هو الذي أمدَّكم بالقوة، وأوصلها إلى رقاب الأعداء فقتلتهم.
فالنصر بداية من الله عزَّ وجل، ولكن هذا لا ينافى قول الله عزَّ وجل لنا:
" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"
(60-الأنفال).
فكل ما في إمكاناتكم من قوة جهّزوها، وتدربوا عليها، واستعدوا لها، لكن لابد مع القوة من استمداد النصر من عند الله عزَّ وجل، لأن لله عزَّ وجل أسلحة في القتال تحقق النصر لا يعطيها إلا لعباده المؤمنين، وقد أشار إليها مُجْملاً سيدنا عمر بن الخطاب - في كتابه الذي أرسله إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص في غزوه لبلاد فارس - وكان مما قاله له فيه:
{ مُرْ الجند بطاعة الله عزَّ وجل، فإنا لا ننتصر بعدد ولا عُدد، وإنما ننتصر بالمدد من الله عزَّ وجل. والله عزَّ وجل يمدّ بمدده من أطاعه ونصر شرعه، أما إذا عصى الجند الله، فإنهم يتساوون مع أعدائهم وهم أكثر منّا عَدَّاً وعُدداً فتكون النصرة لهم}.
وهذا هو المفتاح الكريم الثاني للنصر,
فإذا أقمنا حدود الله وطبقنا شرائعه، جاءنا النصر من عند الله عزَّ وجل.
ومن أول ما يأتي به النصر من الله قذف الرعب في قلوب الأعداء.
وهذا سلاح قال فيه صلى الله عليه وسلم:
{ نصرت بالرعب مسيرة شهر} [متفق عليه من حديث أبي هريرة].
فعندما علم النبيُّ أن ملك الروم جهّز أكثر من خمسمائة ألف، وأعلن أنه سيتوجه لمحق هذا النَّبيِّ، جهَّز صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفاً، وخرج من المدينة في وقت صيف كان شديد الحرارة، وبمجرد خروجه من المدينة طارت الأنباء إلى قيصر الروم بخروجه صلى الله عليه وسلم - وبينهما ما يزيد عن الألف كيلومتر - فما كان من قيصر الروم إلا أن ترك بلاد الشام كلها وذهب إلى عاصمة ملكه في القسطنطينية، رعباً وفزعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك - في شمال الجزيرة - فلم يجد من الروم جنداً ولا جيشاً ولا أحداً في مقابلته.
فالسلاح الأعظم الذي نصر الله عزَّ وجل به المسلمين في كل حروبهم في شهر رمضان.
"وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
" (2-الحشر) .
إخواني المؤمنين:
ولماذا كان النصر حليف أهل الإيمان في شهر رمضان بالذات؟
لأن شهر رمضان شهر الصبر،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ} (رواه أحمد في مسنده والدرامي في سننه والسيوطي في الفتح الكبير عن رجل من بني سليم).
"والصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ"[ جامع المسانيد والمراسيل، عن ابن مسعودرضي الله عنه].
فما شأن الصبر بالنصر؟
يقول الله عزَّ وجل:
"إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا" (65-الأنفال).
وبفحص هذه الظاهرة علمياً، نجدُّ الحقَّ عزَّ وجل ركَّب طاقات أعضاء الإنسان جميعاً على أن يقوم جزء يسير منها بالعمل في الحياة الطبيعية، وادخر باقي الطاقات حتى تتفجر للمؤمن الصابر في الوقت المناسب.
فالعضلات جميعاً تعمل ببعض طاقاتها، وعند الاستثارة تعمل بكل طاقاتها، فتقوى عشرة أمثال طاقاتها الأولى. وكذا طاقات الجهاز العصبي، تعمل عملها الطبيعي، وحتى خلايا الكلْية والكبد تعمل بعشر طاقاتها، وعند الطوارئ تراها وقد زاد إنتاجها إلى عشرة أمثالها.
فترى المؤمن الصابر - عند الطوارئ النفسية- فرحاً مستبشراً، لأنه بصبره تزداد طاقة إنتاجه
والنتيجة
" إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ " (65-الأنفال).
وقد تم في السنين الأخيرة اكتشاف مادة الأندر وفين - وهى مادة كيميائية، تفرزها خلايا المخ، خاصة القشرة العليا من فصي المخ، وهى مادة تزداد في دم الإنسان كلما زاد صبره على الآلام المختلفة، وكلما زادت إرادته في إنجاز عمل خاص، وهى التي تعين الإنسان على وقف الألم، وعلى زيادة التحمل، وعلى استقرار طاقاته وهو يواجه الصعوبات والمخاطر.
ولذا فالمؤمن تكون قوته في وقت الشدة عشرة أضعاف قوته العادية لأنه تدّرع بدرع الصبر، ودرع الصبر لا يكون إلا لأهل الإيمان وهذا حالهم الجلي في شهر الصبر شهر رمضان.
قال صلى الله عليه وسلم:
(الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ) (رواه أحمد في مسنده والدرامي في سننه والسيوطي في الفتح الكبير عن رجل من بني سليم).
أو كما قال
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله مُعِزٌّ لعباده المؤمنين، وناصرٌ لأحبابه المستضعفين.
وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب اللواء المعقود، والنصر المعهود، وآله وصحبه الركع السجود، وكل من تبعهم بخير إلى يوم الوفود.
(أما بعد)..
إخواني وأحبابي:
ما أبرز مقومات النصر في كتاب الله لجند الله؟
أولاً:
عدم الغرور وذلك لقول الله:
"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ " (123-آل عمران).
ثانياً:
الخطة الواضحة في قوله جل شأنه:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ. وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (25،26-الأنفال).
فهذه الخطة أساس النصر بالنسبة للمسلمين مبنية على خمسة أسس:
الثبات، وعدم الغفلة عن ذكر الله -
ولذلك شرع الله صلاة الخوف أثناء القتال حتى لا يترك الصلاة قبل المعركة أو أثناءها،
ورسول الله سنَّ لنا في هذه المعركة سلاح الدعاء،
فكان هناك من يحارب بالسلاح وهناك من يحارب بالدعاء،
وجلس رسول الله يدعو حتى نزلت عباءته من على أكتافه، ويقول له سيدنا أبو بكر:
يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك، فإن الله منجزٌ لك ما وعدك. فقال له صلى الله عليه وسلم :
أبشر يا أبا بكر، فإني أرى جبريل ومعه الملائكة، وإني أرى مصارع القوم.
وكذلك كان المسلمون بعد ذلك في أي معركة من المعارك المهمة، فالمجاهدون يحاربون، والذين يجلسون في المدينة يدعون الله،
وكان للأزهر دور كبير في هذا المجال، وكان في أي معركة من المعارك يجتمع العلماء في الأزهر يقرأون القرآن وصحيح البخاري من أجل نصر المجاهدين، وعندما يصل القائد يقول لهم:
لقد انتصرنا بدعائكم وليس بأسلحتنا وقوتنا.
والثالث:
هو طاعة الله ورسوله وإقامة شرعه.
والرابعة:
هي اجتماع الكلمة و عدم النزاع.
والخامسة:
هي الصبر كما سبق و بينا سرَّه.
فهذه هي الخطة المحكمة، والتي كانت بدرٌ مسرحاً متكاملاً لتنفيذها وظهورها.
اللهم انصرنا على نفوسنا وعلى أهوائنا، وعلى شهواتنا وعلى أعدائنا، نصراً مؤزراً يا خير الناصرين...
ثم الدعاء
وللمزيد من الخطب
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد ابوزيد
=AZUU6Di7QYsvBr6Y70e5h6RFbIWD9kCUB0S0ONuFEWq28fbdQ-XzTPqNtC0y6E0CRaIA_D7dTeSU58QTe2bCrU-NyYRMsV3ranIBXhIE0dNY9BnNi4hwSgPiDsp8qE40jBUxWLFGZ35IzugeeMTY55x7&__tn__=EH-R]
=AZUU6Di7QYsvBr6Y70e5h6RFbIWD9kCUB0S0ONuFEWq28fbdQ-XzTPqNtC0y6E0CRaIA_D7dTeSU58QTe2bCrU-NyYRMsV3ranIBXhIE0dNY9BnNi4hwSgPiDsp8qE40jBUxWLFGZ35IzugeeMTY55x7&__tn__=EH-R]
=AZUU6Di7QYsvBr6Y70e5h6RFbIWD9kCUB0S0ONuFEWq28fbdQ-XzTPqNtC0y6E0CRaIA_D7dTeSU58QTe2bCrU-NyYRMsV3ranIBXhIE0dNY9BnNi4hwSgPiDsp8qE40jBUxWLFGZ35IzugeeMTY55x7&__tn__=EH-R]
=AZUU6Di7QYsvBr6Y70e5h6RFbIWD9kCUB0S0ONuFEWq28fbdQ-XzTPqNtC0y6E0CRaIA_D7dTeSU58QTe2bCrU-NyYRMsV3ranIBXhIE0dNY9BnNi4hwSgPiDsp8qE40jBUxWLFGZ35IzugeeMTY55x7&__tn__=EH-R]
٥٨
محمد محمد على ابراهيم، أبوالحجاج حسن إسماعيل أحمد و٥٦ شخصًا آخر
٢٣ تعليقًا
٨٤ مشاركة
أعجبني
تعليق
مشاركة