لم جعلنا الله في هذا اليوم نحتفي بسيدنا إبراهيم
خطبة عيد الأضحى لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
*************************************
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما وقف الحجيج على جبل عرفات، الله أكبر ما نظر الله عزَّ وجلَّ لهم بحنانه وغفر لهم واستجاب لهم الدعوات، الله أكبر ما باهى الله بالحجيج ملائكة السماوات وقال: (يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين من كل فجٍّ عميق، قد جاءوا يطلبون مغفرتي ورحمتي، أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم) .
الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما وفَّق الموفق المؤمنين المُكرمين إلى طاعته، الله أكبر ما هيأ لهم الأسباب ليذهبوا إلى أشرف مكان في أرضه وسماواته، الله أكبر ما هيأ لهم القلوب، وحبَّبهم حبًّا شديداً في طاعة علام الغيوب. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر لمن وفقه الجليل لاتباع سنة الخليل، الله أكبر لمن أكرمه مولاه أن يُفدي نفسه وأولاده اليوم من عذاب الله، الله أكبر لمن نظر الله إليه بحنانه، وجعله يُثبت بالبرهان صدق إيمانه.
الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلا.
لا إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. الله أكبر، الله أكبر الله ولله الحمد.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ..
الحمد لله على نعمة الإيمان، وعلى كمال النعمة بالإسلام. ..
الحمد لله الذي اختارنا من أمة سيِّد الأنام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا بلا عملٍ قدَّمناه،
ولا شيءٍ أسديناه، وإنما الإيمان كلُّه نعمةٌ وفضلٌ من الله، قال عزَّ وجلَّ في قرآنه الكريم:
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (7الحجرات)
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فلا هادي إلا من هداه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والهدى بيده وحده عزَّ وجلَّ، لا يملكه أحدٌ سواه.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ هادياً إلى الخلق بإذنه، وآذنه الله عزَّ وجلَّ بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فكان كما قال في شأنه عز شأنه:
( وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) (46الأحزاب)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
كل عامٍ وأنتم بخيرٍ أجمعين،
نسأل الله عزَّ وجلَّ بادئ ذي بدء أن يجعل هذا العام عام خيرٍ علينا وعلى بلدنا وعلى بلدان المسلمين أجمعين، وأن يمحو فيه الشر والأشرار، ويقضي على الفجار والفسقة والكفار، وينصر الصالحين والصادقين والأبرار، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
لِـمَ جعل الله عزَّ وجلَّ لنا هذا اليوم من كل عام نحتفي فيه بأبي الأنبياء إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام؟
ذكر الله عزَّ وجلَّ الأنبياء المقرَّبين في القرآن، واكتفى بذكرهم في كتابه أن نطالع سيرهم ولو مرةً واحدةً في العمر، ولكنه عزَّ وجلَّ قرَّر علينا أن نطالع أبي الأنبياء كل عام، وأن نتدبر أحداث حياته، وأن نعيش في ذكرياته، ...
لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ بذلك؟
أمرنا الله عز وجل بذلك لأن أبو الأنبياء دعا، وكان من جملة دعائه التي أجابه إليه الله:
( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) (84الشعراء)
طلب من الله عزَّ وجلَّ أن يكون له لسان صدقٍ في الأمة الآخرة؛ أمة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلَّم، فنحن نذكره في كل صلاة عندما نصلي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ونذكر حياته وسيرته كلها في هذا اليوم الكريم، لماذا؟
لأنه أول المسلمين وأول المؤمنين ولنا فيه أُسوةٌ أجمعين، فإن الإيمان الذي ارتضاه الله عز وجل لنا دينا، وأمرنا به في كل حركاتنا وسكناتنا، قال الله عز وجل في شأنه (1: 3العنكبوت):
(الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
كلنا آمنا بالله وهذه دعوى وحُجَّة تحتاج إلى برهانٍ على صدق هذه الدعوى، وإلى دلائل تدُل على صدق المؤمن بها، وعلى تقواه لمن آمن به وهو مولاه عزَّ وجلَّ.
فاقتضت مقتضيات الإيمان أن يجعل الله عزَّ وجلَّ في حياة أهل الإيمان ابتلاءات يتعرضون لها في كل وقتٍ وآن، فإذا كان سائراً على درب الإيمان تمسَّك بهدي الله، وحافظ على شرع الله، فوقاه مولاه ونصره على كل من عاداه، وجعل له من كل ضيقٍ مخرجاً، ومن همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام - وهو الحُجة لنا ولجميع الأنام - آمن بالله، وكذَّبه قومه، وكان ملكهم يدَّعي أنه إلهٌ يُعبد من دون الله، فحاججه وخاصمه وجادله، ولم تثبت حجته أمام إبراهيم لأنه قال له (258البقرة):
(فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)
فما كان منه من شدة غيظه إلا أن أوقد له ناراً عظيمة، وهدَّده إما أن يرجع عما هو فيه من الإيمان أو يلقيه في هذه النيران. فصدق إبراهيم في عهده مع مولاه، ولم يبالي بما جهزَّه له عدو الله، وآثر الإيمان، وتمسَّك بالحُجَّة والبرهان، فلما أُلقِيَ في النيران لتمسكه بالحنان المنان، كانت النتيجة له ولكل من تمسك في حياته بالإيمان أن يأتيه قول الرحمن عزَّ وجلَّ:
( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (69الأنبياء)
لو قال الله يا نار كوني برداً، لكانت النار من شدة برودتها وثلجها تُميت إبراهيم، لكن الله قال: (كوني برداً وسلاماً) أي: برداً لا يؤذي، وكانت النار وقد جُهزِّت لتستمر إلى فترة طويلة،
فماذا يصنع إبراهيم وهو في النار؟
زاد في إصراره على إيمانه بالله، ضجَّت ملائكة الله وقالوا: يا إلهنا، خليلك يُلقى به في النار!!، فقال الله تعالى لهم: هل استغاث بكم؟!، إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه، قالوا: لابد لنا من ذلك، قال: فأرسلوا كبيرهم، فأرسل الله عزَّ وجلَّ الأمين جبريل، فذهب جبريل، وإبراهيم قد اُلقي به في الفضاء وعلى وشك أن ينزل في النار، وقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟، قال: أما إليك فلا، قال: فلله عزَّ وجلَّ؟، قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
فكانت النتيجة أن الله عزَّ وجلَّ أمر جبريل أن يأتي لإبراهيم بشجرة من الجنة ويضعها في وسط النار، ويصنع عيناً تفور بالماء بجوارها، فيشرب من الماء، ويتوضأ من الماء، ويأكل من الثمار تسقط من الشجرة وهو في وسط النار؛ يذكر مولاه آنساً بقربه ورضاه، والأعداء يظنون أن النار قد أتت عليه، بينما النار لم تحرق إلا حباله التي قيدوه وكتفوه بها.
وظل على هذا الحال مدة شهرين تامين حتى أُطفئت النار فوجدوا معجزة الله عزَّ وجلَّ، وهذه معجزة الله عزَّ وجلَّ مع أهل الإيمان، على مدى الزمان.
فكل من تمسك في عمله بالحلال، وأصَّر على أن يأكل بما يطابق شرع الله، ولا يتعدَّى حدود الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحفظه في ظلمات هذه الحياة كما حفظ إبراهيم خليل الله. بل إن الله عز وجل يجعل له كل من حوله يسعى في رضاه، يبارك له في زوجه ويجعلها تحت طاعته على الدوام، حتى ولو ألقاها في صحراء جرداء لا فيها زرعٌ ولا فيها ماء، وعندما وضعها هناك ومشى، قالت:
يا إبراهيم، لمن تتركنا هاهنا؟!!، فلم يجبها، فكررت النداء ثلاث مرات فلم يجبها، فقالت: أالله أمرك بهذا؟، قال: نعم، قالت: إذن لا يضيِّعنا!!!.
حوَّل الله عزَّ وجلَّ زوجته إلى زوجةٍ مباركة، تُعين زوجها على طاعة الله، وعلى موجبات الإيمان بالله جلَّ في علاه. بل إن الصبي الصغير الذي لم يبلغ الثلاثة عشر عاماً، عندما رأى إبراهيم رؤياه وقصَّها عليه وهو ولدٌ صغير وقال(102الصافات):
( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى )
لم يكذبه، ولم يقل له أن هذه خيالات، أو أن هذا حلمٌ من الشيطان، بل أيدَّه فيما دعاه إليه الرحمن وقال(102الصافات):
( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ )
ثم كان هذا الغلام هو الذي وضع الخُطة لأبيه لتنفيذ رؤياه!!!،
قال: يا أبت لا تخبر أمي، ونخرج إلى منى على أننا خارجين لنرعى الغنم ونجمع الحطب، وأخذ المدية - أي السكين - والحبل وخبأهما، فلما وصلا إلى منى قال:
يا أبت، اشحذ المدية جيداً حتى لا تتردد في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ، واخلع قميصي من على جسمي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن عليَّ، وكُبَّني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة والرحمة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ. فقال إبراهيم: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل.
فلما أسلما وتله للجبين جاءت الإغاثة من الله عزَّ وجلَّ لأهل الإيمان، ففداه الله عزَّ وجلَّ بذبحٍ عظيم.
وإن الذبح العظيم هو الخروف الذي قدَّمه هابيل لما تصارع هو وقابيل على الزواج بأخته، أمرهما الله عزَّ وجلَّ أن يقدما قرباناً، فقدَّم قابيل قربانه من الزرع لأنه صاحب زرع، واختار أخسَّه وأرداه لله. وكان هابيل صاحب رعي، فاختار أنضج كبش في غنمه وقدَّمه لمولاه. وكان علامة القبول أن تنزل سحابة من عند الله فتأخذ القربان الذي تقبله الله جلَّ في علاه، فنزلت السحابة وأخذت القربان وتُرك يرعى في الجنان حتى أنزله الله عزَّ وجلَّ لإبراهيم ليفدي به إسماعيل، لأن الله عز وجل جعله حُجَّة لأهل الإيمان قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خدعتهم الأماني وغرَّهم بالله الغرور، وقالوا: نحسن الظن، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل)[ روى ابن النجار عن الحسن البصري عن أنس رضي الله عنه]
فتوبوا إلى الله جميعاً لعلكم تفلحون، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ، ..الله أكبر ولله الحمد. ..
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا،
الحمد لله على ما أولانا، والشكر على ما أعطانا،
ونسأله عزَّ وجلَّ المزيد لنا من النعم الإيمانية في الدنيا، والنعم والخيرات المعيشية المباركة على الدوام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
جعل الله عزَّ وجلَّ للإيمان امتحاناً قال فيه الله عزَّ وجلَّ في محكم القرآن:
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الامْوَالِ وَالانْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (155، 156البقرة)
وقد فهم كثيرٌ من المؤمنين هذا الأمر على غير واقعه، فكثيرٌ منهم نسمعهم يشكون الله عزَّ وجلَّ إذا حدث لهم ابتلاء، بل إنهم يجزعون عند حدوث أي بلاء، مع أن الابتلاء للمؤمن له عدة فوائد:
أما الفائدة الأولى: فإن الله عزَّ وجلَّ - لمحبته للمؤمنين - اقتضت حكمته الإلهية، وإرادته الربانية، أن يطهِّرهم في هذه الدار الدنية من كل الذنوب والمعاصي والعيوب، حتى يخرجوا من الدنيا وليس عليهم شيء يحاسبهم عليه حضرة علام الغيوب،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
"مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"((رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها)
ولا يزال يكفِّر الله عنه من الخطايا حتى يمشي في الأرض - كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة)( (رواه أحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه)
يمشي كالملائكة الكرام ليس عليه ذنبٌ يحاسب عليه، ولا سيئة يُلام عليها، ولا أمرٌ يُعاتب عليه، لأن الله يحاسبه أولاً بأول.
ومع أن الله عزَّ وجلَّ يُنزل البلاء لذلك، إلا أن الله عزَّ وجلَّ رفقاً بعباده المؤمنين قبل أن يُنزل البلاء يجهِّز العبد باللطف النازل من الله ومن السماء، فيُنزل جند اللطف على قلب العبد، ويُهيئه لقبول أمر الله، حتى لا يعترض على مولاه، ولا يشكو الله إلى خلق الله، فيصير بذلك مستحقاً للدرجات العُلى في الجنة عند الله.
وإذا كان المؤمن ليس عليه ذنوب، فإن الله يرفع درجاته في الجنة بما يبتليه ولا يصل إليه بعمله،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)( رواه بن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فهنيئاً لمن يرضى بقضاء الله، ويُسلِّم مراده لمراد الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحوِّل حياته كلها في الدنيا إلى جنة طيبة يقول فيها الله:
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (97النحل).
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
إننا مطالبون في هذا اليوم بأعمال تُرضي الله:
أولاً: الأضَّحية ، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء)( البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما)
ثانياً: ثم علينا بعد ذلك أن نهنئ إخواننا الذين نعيش معهم، ونصلي معهم، ونتحرَّك معهم بهذا العيد، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ لهذه التهنئة ثواباً لا يعدُّ ولا يحدّ، فالبسمة في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وإذا صافحت أخاك فإن الله عزَّ وجلَّ يغسل ذنوبك أنت وأخوك،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا التقى المسلمان فتصافحا تحاتت ـ يعني نزلت ـ ذنوبهما كما يتحاتُّ ورق الشجر) (أخرج الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه)
ثم علينا بعد ذلك أن نَصِلَ ذوي الأرحام، فإن الرحم تشكو قاطعها يوم القيامة وتجأر إلى الله عزَّ وجلَّ، فيقول الله عزَّ وجلَّ:
(أنا الرحمن وأنتِ الرحم، وعزتي وجلالي لأصل من وصلكِ، وأقطع من قطعكِ)[ كنز العمال عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده].
فضلاً عن أن صلة الأرحام فيها منافع لا تعدّ، من جملتها ما قال فيها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
(من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) (متفق عليه)
تجعل عمر الإنسان مباركاً يستغله في الصالحات والطاعات، ولا يستنزفه في المعاصي والمحذورات، صلة الأرحام أكَّد عليها نبينا الكريم لأنها من أخلاق المؤمن في هذا اليوم العظيم.
وعندي أنّ من الخير في هذا اليوم صلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران والعفو عمن آذى، وطلب العفو من المظلوم، والتقرب إلى الله ببذل فضل المال إلى الفقراء، حتى يكون تقرب إلى الله بماله ونفسه، وبذل في سبيل الله ما يبخل به غيره،
وبذلك أبشره أنه صار ممن يحبهم الله تعالى بدليل قوله عز وجل ( لا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. فَإِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي، أعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي، أَعَذْتُهُ ) (البخاري ومسلم عن أبي هريرة)
و الفقراء والمساكين، قال صلى الله عليه وسلَّم فيهم:
(أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)[رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر، رضي الله عنهما]
والمؤمن دائماً يشكر مولاه على عطاياه ليستزيد من نعم الله، ويدخل في قول الله:
( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ ) (7الرعد)
وخير شكرٍ لنا أجمعين على أن وفقنا الله لقيام هذه الأيام الفائتة بالصيام والطاعات، والتوفيق لأدا صلاة العيد أن نُخرج صدقة للفقراء والمساكين طلباً لوجه الله، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار)[مسند الشهاب عن معاذ رضي الله عنه]. ..... ثم الدعاء ..
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (180: 182الصافات).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
للمزيد اضغط الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
***************************************
http://www.fawzyabuzeid.com/
خطبة عيد الأضحى لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
*************************************
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما وقف الحجيج على جبل عرفات، الله أكبر ما نظر الله عزَّ وجلَّ لهم بحنانه وغفر لهم واستجاب لهم الدعوات، الله أكبر ما باهى الله بالحجيج ملائكة السماوات وقال: (يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين من كل فجٍّ عميق، قد جاءوا يطلبون مغفرتي ورحمتي، أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم) .
الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما وفَّق الموفق المؤمنين المُكرمين إلى طاعته، الله أكبر ما هيأ لهم الأسباب ليذهبوا إلى أشرف مكان في أرضه وسماواته، الله أكبر ما هيأ لهم القلوب، وحبَّبهم حبًّا شديداً في طاعة علام الغيوب. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر لمن وفقه الجليل لاتباع سنة الخليل، الله أكبر لمن أكرمه مولاه أن يُفدي نفسه وأولاده اليوم من عذاب الله، الله أكبر لمن نظر الله إليه بحنانه، وجعله يُثبت بالبرهان صدق إيمانه.
الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلا.
لا إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. الله أكبر، الله أكبر الله ولله الحمد.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ..
الحمد لله على نعمة الإيمان، وعلى كمال النعمة بالإسلام. ..
الحمد لله الذي اختارنا من أمة سيِّد الأنام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا بلا عملٍ قدَّمناه،
ولا شيءٍ أسديناه، وإنما الإيمان كلُّه نعمةٌ وفضلٌ من الله، قال عزَّ وجلَّ في قرآنه الكريم:
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (7الحجرات)
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فلا هادي إلا من هداه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والهدى بيده وحده عزَّ وجلَّ، لا يملكه أحدٌ سواه.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ هادياً إلى الخلق بإذنه، وآذنه الله عزَّ وجلَّ بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فكان كما قال في شأنه عز شأنه:
( وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) (46الأحزاب)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
كل عامٍ وأنتم بخيرٍ أجمعين،
نسأل الله عزَّ وجلَّ بادئ ذي بدء أن يجعل هذا العام عام خيرٍ علينا وعلى بلدنا وعلى بلدان المسلمين أجمعين، وأن يمحو فيه الشر والأشرار، ويقضي على الفجار والفسقة والكفار، وينصر الصالحين والصادقين والأبرار، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
لِـمَ جعل الله عزَّ وجلَّ لنا هذا اليوم من كل عام نحتفي فيه بأبي الأنبياء إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام؟
ذكر الله عزَّ وجلَّ الأنبياء المقرَّبين في القرآن، واكتفى بذكرهم في كتابه أن نطالع سيرهم ولو مرةً واحدةً في العمر، ولكنه عزَّ وجلَّ قرَّر علينا أن نطالع أبي الأنبياء كل عام، وأن نتدبر أحداث حياته، وأن نعيش في ذكرياته، ...
لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ بذلك؟
أمرنا الله عز وجل بذلك لأن أبو الأنبياء دعا، وكان من جملة دعائه التي أجابه إليه الله:
( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) (84الشعراء)
طلب من الله عزَّ وجلَّ أن يكون له لسان صدقٍ في الأمة الآخرة؛ أمة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلَّم، فنحن نذكره في كل صلاة عندما نصلي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ونذكر حياته وسيرته كلها في هذا اليوم الكريم، لماذا؟
لأنه أول المسلمين وأول المؤمنين ولنا فيه أُسوةٌ أجمعين، فإن الإيمان الذي ارتضاه الله عز وجل لنا دينا، وأمرنا به في كل حركاتنا وسكناتنا، قال الله عز وجل في شأنه (1: 3العنكبوت):
(الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
كلنا آمنا بالله وهذه دعوى وحُجَّة تحتاج إلى برهانٍ على صدق هذه الدعوى، وإلى دلائل تدُل على صدق المؤمن بها، وعلى تقواه لمن آمن به وهو مولاه عزَّ وجلَّ.
فاقتضت مقتضيات الإيمان أن يجعل الله عزَّ وجلَّ في حياة أهل الإيمان ابتلاءات يتعرضون لها في كل وقتٍ وآن، فإذا كان سائراً على درب الإيمان تمسَّك بهدي الله، وحافظ على شرع الله، فوقاه مولاه ونصره على كل من عاداه، وجعل له من كل ضيقٍ مخرجاً، ومن همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام - وهو الحُجة لنا ولجميع الأنام - آمن بالله، وكذَّبه قومه، وكان ملكهم يدَّعي أنه إلهٌ يُعبد من دون الله، فحاججه وخاصمه وجادله، ولم تثبت حجته أمام إبراهيم لأنه قال له (258البقرة):
(فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)
فما كان منه من شدة غيظه إلا أن أوقد له ناراً عظيمة، وهدَّده إما أن يرجع عما هو فيه من الإيمان أو يلقيه في هذه النيران. فصدق إبراهيم في عهده مع مولاه، ولم يبالي بما جهزَّه له عدو الله، وآثر الإيمان، وتمسَّك بالحُجَّة والبرهان، فلما أُلقِيَ في النيران لتمسكه بالحنان المنان، كانت النتيجة له ولكل من تمسك في حياته بالإيمان أن يأتيه قول الرحمن عزَّ وجلَّ:
( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (69الأنبياء)
لو قال الله يا نار كوني برداً، لكانت النار من شدة برودتها وثلجها تُميت إبراهيم، لكن الله قال: (كوني برداً وسلاماً) أي: برداً لا يؤذي، وكانت النار وقد جُهزِّت لتستمر إلى فترة طويلة،
فماذا يصنع إبراهيم وهو في النار؟
زاد في إصراره على إيمانه بالله، ضجَّت ملائكة الله وقالوا: يا إلهنا، خليلك يُلقى به في النار!!، فقال الله تعالى لهم: هل استغاث بكم؟!، إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه، قالوا: لابد لنا من ذلك، قال: فأرسلوا كبيرهم، فأرسل الله عزَّ وجلَّ الأمين جبريل، فذهب جبريل، وإبراهيم قد اُلقي به في الفضاء وعلى وشك أن ينزل في النار، وقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟، قال: أما إليك فلا، قال: فلله عزَّ وجلَّ؟، قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
فكانت النتيجة أن الله عزَّ وجلَّ أمر جبريل أن يأتي لإبراهيم بشجرة من الجنة ويضعها في وسط النار، ويصنع عيناً تفور بالماء بجوارها، فيشرب من الماء، ويتوضأ من الماء، ويأكل من الثمار تسقط من الشجرة وهو في وسط النار؛ يذكر مولاه آنساً بقربه ورضاه، والأعداء يظنون أن النار قد أتت عليه، بينما النار لم تحرق إلا حباله التي قيدوه وكتفوه بها.
وظل على هذا الحال مدة شهرين تامين حتى أُطفئت النار فوجدوا معجزة الله عزَّ وجلَّ، وهذه معجزة الله عزَّ وجلَّ مع أهل الإيمان، على مدى الزمان.
فكل من تمسك في عمله بالحلال، وأصَّر على أن يأكل بما يطابق شرع الله، ولا يتعدَّى حدود الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحفظه في ظلمات هذه الحياة كما حفظ إبراهيم خليل الله. بل إن الله عز وجل يجعل له كل من حوله يسعى في رضاه، يبارك له في زوجه ويجعلها تحت طاعته على الدوام، حتى ولو ألقاها في صحراء جرداء لا فيها زرعٌ ولا فيها ماء، وعندما وضعها هناك ومشى، قالت:
يا إبراهيم، لمن تتركنا هاهنا؟!!، فلم يجبها، فكررت النداء ثلاث مرات فلم يجبها، فقالت: أالله أمرك بهذا؟، قال: نعم، قالت: إذن لا يضيِّعنا!!!.
حوَّل الله عزَّ وجلَّ زوجته إلى زوجةٍ مباركة، تُعين زوجها على طاعة الله، وعلى موجبات الإيمان بالله جلَّ في علاه. بل إن الصبي الصغير الذي لم يبلغ الثلاثة عشر عاماً، عندما رأى إبراهيم رؤياه وقصَّها عليه وهو ولدٌ صغير وقال(102الصافات):
( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى )
لم يكذبه، ولم يقل له أن هذه خيالات، أو أن هذا حلمٌ من الشيطان، بل أيدَّه فيما دعاه إليه الرحمن وقال(102الصافات):
( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ )
ثم كان هذا الغلام هو الذي وضع الخُطة لأبيه لتنفيذ رؤياه!!!،
قال: يا أبت لا تخبر أمي، ونخرج إلى منى على أننا خارجين لنرعى الغنم ونجمع الحطب، وأخذ المدية - أي السكين - والحبل وخبأهما، فلما وصلا إلى منى قال:
يا أبت، اشحذ المدية جيداً حتى لا تتردد في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ، واخلع قميصي من على جسمي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن عليَّ، وكُبَّني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة والرحمة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ. فقال إبراهيم: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل.
فلما أسلما وتله للجبين جاءت الإغاثة من الله عزَّ وجلَّ لأهل الإيمان، ففداه الله عزَّ وجلَّ بذبحٍ عظيم.
وإن الذبح العظيم هو الخروف الذي قدَّمه هابيل لما تصارع هو وقابيل على الزواج بأخته، أمرهما الله عزَّ وجلَّ أن يقدما قرباناً، فقدَّم قابيل قربانه من الزرع لأنه صاحب زرع، واختار أخسَّه وأرداه لله. وكان هابيل صاحب رعي، فاختار أنضج كبش في غنمه وقدَّمه لمولاه. وكان علامة القبول أن تنزل سحابة من عند الله فتأخذ القربان الذي تقبله الله جلَّ في علاه، فنزلت السحابة وأخذت القربان وتُرك يرعى في الجنان حتى أنزله الله عزَّ وجلَّ لإبراهيم ليفدي به إسماعيل، لأن الله عز وجل جعله حُجَّة لأهل الإيمان قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خدعتهم الأماني وغرَّهم بالله الغرور، وقالوا: نحسن الظن، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل)[ روى ابن النجار عن الحسن البصري عن أنس رضي الله عنه]
فتوبوا إلى الله جميعاً لعلكم تفلحون، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ، ..الله أكبر ولله الحمد. ..
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا،
الحمد لله على ما أولانا، والشكر على ما أعطانا،
ونسأله عزَّ وجلَّ المزيد لنا من النعم الإيمانية في الدنيا، والنعم والخيرات المعيشية المباركة على الدوام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
جعل الله عزَّ وجلَّ للإيمان امتحاناً قال فيه الله عزَّ وجلَّ في محكم القرآن:
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الامْوَالِ وَالانْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (155، 156البقرة)
وقد فهم كثيرٌ من المؤمنين هذا الأمر على غير واقعه، فكثيرٌ منهم نسمعهم يشكون الله عزَّ وجلَّ إذا حدث لهم ابتلاء، بل إنهم يجزعون عند حدوث أي بلاء، مع أن الابتلاء للمؤمن له عدة فوائد:
أما الفائدة الأولى: فإن الله عزَّ وجلَّ - لمحبته للمؤمنين - اقتضت حكمته الإلهية، وإرادته الربانية، أن يطهِّرهم في هذه الدار الدنية من كل الذنوب والمعاصي والعيوب، حتى يخرجوا من الدنيا وليس عليهم شيء يحاسبهم عليه حضرة علام الغيوب،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
"مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"((رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها)
ولا يزال يكفِّر الله عنه من الخطايا حتى يمشي في الأرض - كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة)( (رواه أحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه)
يمشي كالملائكة الكرام ليس عليه ذنبٌ يحاسب عليه، ولا سيئة يُلام عليها، ولا أمرٌ يُعاتب عليه، لأن الله يحاسبه أولاً بأول.
ومع أن الله عزَّ وجلَّ يُنزل البلاء لذلك، إلا أن الله عزَّ وجلَّ رفقاً بعباده المؤمنين قبل أن يُنزل البلاء يجهِّز العبد باللطف النازل من الله ومن السماء، فيُنزل جند اللطف على قلب العبد، ويُهيئه لقبول أمر الله، حتى لا يعترض على مولاه، ولا يشكو الله إلى خلق الله، فيصير بذلك مستحقاً للدرجات العُلى في الجنة عند الله.
وإذا كان المؤمن ليس عليه ذنوب، فإن الله يرفع درجاته في الجنة بما يبتليه ولا يصل إليه بعمله،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)( رواه بن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فهنيئاً لمن يرضى بقضاء الله، ويُسلِّم مراده لمراد الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحوِّل حياته كلها في الدنيا إلى جنة طيبة يقول فيها الله:
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (97النحل).
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
إننا مطالبون في هذا اليوم بأعمال تُرضي الله:
أولاً: الأضَّحية ، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء)( البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما)
ثانياً: ثم علينا بعد ذلك أن نهنئ إخواننا الذين نعيش معهم، ونصلي معهم، ونتحرَّك معهم بهذا العيد، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ لهذه التهنئة ثواباً لا يعدُّ ولا يحدّ، فالبسمة في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وإذا صافحت أخاك فإن الله عزَّ وجلَّ يغسل ذنوبك أنت وأخوك،
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا التقى المسلمان فتصافحا تحاتت ـ يعني نزلت ـ ذنوبهما كما يتحاتُّ ورق الشجر) (أخرج الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه)
ثم علينا بعد ذلك أن نَصِلَ ذوي الأرحام، فإن الرحم تشكو قاطعها يوم القيامة وتجأر إلى الله عزَّ وجلَّ، فيقول الله عزَّ وجلَّ:
(أنا الرحمن وأنتِ الرحم، وعزتي وجلالي لأصل من وصلكِ، وأقطع من قطعكِ)[ كنز العمال عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده].
فضلاً عن أن صلة الأرحام فيها منافع لا تعدّ، من جملتها ما قال فيها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
(من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) (متفق عليه)
تجعل عمر الإنسان مباركاً يستغله في الصالحات والطاعات، ولا يستنزفه في المعاصي والمحذورات، صلة الأرحام أكَّد عليها نبينا الكريم لأنها من أخلاق المؤمن في هذا اليوم العظيم.
وعندي أنّ من الخير في هذا اليوم صلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران والعفو عمن آذى، وطلب العفو من المظلوم، والتقرب إلى الله ببذل فضل المال إلى الفقراء، حتى يكون تقرب إلى الله بماله ونفسه، وبذل في سبيل الله ما يبخل به غيره،
وبذلك أبشره أنه صار ممن يحبهم الله تعالى بدليل قوله عز وجل ( لا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. فَإِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي، أعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي، أَعَذْتُهُ ) (البخاري ومسلم عن أبي هريرة)
و الفقراء والمساكين، قال صلى الله عليه وسلَّم فيهم:
(أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)[رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر، رضي الله عنهما]
والمؤمن دائماً يشكر مولاه على عطاياه ليستزيد من نعم الله، ويدخل في قول الله:
( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ ) (7الرعد)
وخير شكرٍ لنا أجمعين على أن وفقنا الله لقيام هذه الأيام الفائتة بالصيام والطاعات، والتوفيق لأدا صلاة العيد أن نُخرج صدقة للفقراء والمساكين طلباً لوجه الله، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار)[مسند الشهاب عن معاذ رضي الله عنه]. ..... ثم الدعاء ..
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (180: 182الصافات).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
للمزيد اضغط الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
***************************************
http://www.fawzyabuzeid.com/