نيَّة الصائم وثواب عمله 1
الحمد لله ربِّ العالمين، يحبٌّ عباده المؤمنين فيدعوهم إلى التطهر والتوبة في كل وقت وحين، يفتح لهم أبواب العبادات ليرفعهم عنده درجات، ويدعوهم إلى الطاعات والنوافل والقربات ليعطيهم بذلك عنده يوم الجزاء منحاً وعطاءات وإكرامات.
سبحانه سبحانه، هو الرحيم بعباده، اللطيف بخلقه، الذي يسعى بهم إليه، ويدلُّهم على العمل الصالح المرضى إليه، ويبين لهم أبواب الخير والبرِّ المقبولة عنده ولديه.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، لا تضرُّه معصية العاصين، كما لا تنفعه طاعة الطائعين، وإنما الأمر كما قال عن نفسه في قرآنه:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)
(15-الجاثية)
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، الذي اصطفاه وحباه، وقربّه وأدناه، وجعله رحمة مهداة، ونعمة مسداة، لجميع خلق الله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وارزقنا جميعاً حسن اتباعه فى الدنيا، وشفاعته العظمى فى الآخرة، وجواره في جنات النعيم. آمين ... آمين. يا ربَّ العالمين.
أما بعد.. فيا إخواني ويا أحبابي في الله:
نحن نستعد جميعاً الآن لاستقبال شهر رمضان وفريضة الصيام.
كيف نستعد؟ وكيف نتجهز لاستقبال شهر الصوم؟
أما العوام فيستعدون بتجهيز المأكولات والمشروبات، والمسلِّيات والأمور التي يضيِّعون بها الأوقات، فتكون عليهم يوم القيامة حسرات ومصيبات. فالذين يضيعون أوقات رمضان في المسلِّيات والمسلسلات الهابطات، سيقولون جميعاً يوم القيامة كما أنبأ الله:
(يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ الله) (56الزمر)
ولا تنفع الحسرة في ذلك اليوم، ولا ينفع التوجع أو التألم في ذلك الآن، لأن يوم العمل قد فات، ويوم إعطاء الثواب أو العقاب هو الآت.
إذاً كيف يتجهَّز المسلم؟، وكيف يتجهَّز المؤمن؟
وكيف يستعد المحسن والموقن لشهر رمضان الكريم؟
أولاً: يجرِّد نيته، ويحضر سريرته، ويُصفّي نفسه وقلبه لله عزَّ وجل، ويُحدد لنفسه وجهة يطلبها من مولاه، ويبتغي بعمله في شهر الصيام تحقيق ما أمَّله من الله، والفوز بما يرجوه من كرم الله عزَّ وجل.
وأقل المؤمنين عند الله عزَّ وجل شأناً قال فيه صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً واحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)2.
وقال البخارى في كتابه الأدب أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ المِنْبَرَ فقَالَ:
(آمينَ، آمينَ، آمينَ. قيلَ: يَا رَسولَ اللَّهِ، إنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ المِنْبَرَ قُلْتَ: آمينَ آمينَ آمينَ، قال: إِنَّ جِبْرِيلَ أتَاني فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ: آمين)،
وفي رواية:
(شقى من أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له، فقلت: آمين).
فالذي يدرك شهر رمضان، ويوفقه الرحمن عزَّ وجل لحضور أيام شهر رمضان، عليه أن يستحضر في نفسه، وعليه أن ينوي في قلبه، وعليه أن يجهز في سريرته - من الآن - لماذا يصوم شهر رمضان؟
فإذا كان يصومه للعادة المرعية - كما يصوم الناس - ولم يحدد لنفسه وجهة عند رب الناس، فليس له أجر ولا ثواب عند الله عزَّ وجل، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى)3.
ومن يصومه خوفاً مِنْ لوم مَنْ حوله، ويتمنى في نفسه أن يذهب إلى مكان بعيد فيفطر فيه، هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيه:
(رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ)4.
لأنه يصوم عن غير اقتناع، وعن غير رضا بأمر الله، وعن غير محبة لتنفيذ شرع الله، والله عزَّ وجل لا يعطى الثواب إلا لمَنْ عمل العمل خالصاً ابتغاء وجهه عزَّ وجل:
(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
(110-الكهف)
إذاً ماذا يفعل المسلم؟
ينوى من الآن أن يصوم شهر رمضان لينال في نهايته شهادة بالغفران من الحنان المنان عزَّ وجل. فينوى الصيام لطلب المغفرة، وينوى الصيام لمحو ذنوبه، وستر عيوبه، وتكفير سيئاته، وزيادة حسناته عند الله عزَّ وجل. وهذا هو الذي أخذ بوجه من قوله سبحانه في بيان حكمة الصيام:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183البقرة)
لكي تأخذ نصيباً من ميراث التقوى، وينالك فضل من عطاء الأتقياء من الله عزَّ وجل، وأقل نصيب للأتقياء، وأدنى حظ للمسلمين والمؤمنين من عند الكريم عزَّ وجل، يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
{فَإذَا بَرَزُوا إلَى مُصَلاَّهُمْ يَقُولُ اللَّهُ عزَّ وجل لِلْمَلاَئِكَةِ: مَا جَزَاءُ الأَجِيرِ إذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: إلهَنَا وَسَيِّدَنَا، جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ. قَالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلاَئِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: يَا عِبَادِي سَلُونِي فَوَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لآِخِرَتِكُمْ إلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ}5.
فينصرفون من بين يدى الله عزَّ وجل وقد غفر لهم ذنوبهم، وأصبحوا بين يديه - كما يحب - تائبين طاهرين، أنقياء أبرياء، كما قال سبحانه في قرآنه:
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222البقرة).
والذي يريد المغفرة ماذا يعمل من أجل أن يأخذ المغفرة في شهر رمضان؟
ينظر إلى أبواب المغفرة التي فتحها الله لعباد الله، والتي بيَّنها ووضحها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ بها جميعاً ولا يترك باباً واحداً منها، عسى أن ينظر الله عزَّ وجل إليه وهو على هذا العمل، فيمُّن عليه بمغفرته سبحانه وتعالى، فعليه أن يصوم:
(إيماناً واحتساباً).
وكلمة (إيماناً) يعني عن اقتناع، يعرف حكمة الصيام، ويتعلم الأسباب التي من أجلها فرض الله علينا الصيام، سواء كانت أسباباً طبية، أو أسباباً نفسية، أو أسباباً اجتماعية، أو أسباباً شرعية، وإن لم يستطع أن يحصلها بنفسه يسأل فيها العلماء، حتى يصوم عن اقتناع تام، لأن الصيام فيه مصلحة عاجلة له في الدنيا في جسمه، وفيه منفعة أكيدة له في الدنيا في نفسه، وفيه أجر كبير في العقبى عند ربه عزَّ وجل، فيصوم كما قال صلى الله عليه وسلم في شأن هؤلاء:
(لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ)6
فالذي يعلم هذا الخير، والذي يعلم هذا البرَّ، يتمنى أن يكون هذا الشهر طوال العام. لا يتبرَّم منه، ولا يشكو منه، ولا يصدر منه في يوم من أيام الصيام كلماتٍ - مثل ما يقوله بعض العوام - لماذا طال اليوم هكذا؟ لماذا تأخر المغرب اليوم؟ لماذا طال هذا الشهر؟ كل هذه الكلمات عقوبات وحسرات على من يقولها - يا إخواني جماعة المؤمنين.
لأن المؤمن علم الحكمة التي من أجلها فرض الله عزَّ وجل علينا الصوم، فهو سبحانه وتعالى غنيٌّ عن تعذيب خلقه بالجوع، وخيره سبحانه وتعالى ملء أرضه وملء سمواته، وليس في حاجة إلى صيام خلقه ليوفر النفقات، أو يدخر الأقوات والأرزاق، وإنما لمنافع عاجلة ومنافع آجلة، يضيق الوقت بنا عن عدِّها وعن شرحها، وتحتاج إلى وقت آخر.
فالمسلم لابد أن يتعلمها حتى يصوم وهو راضٍ عن أمر الله، وهو راضٍ عن شرع الله، فيكون من الذين يقول فيهم الله:
(رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)
(8البينة) .
فإذا صام عن إيمان، جعل صيامه احتساباً، يعنى: طلباً لما عند الله، لا خوفاً من الخلق، ولا إعجاباً من النفس، ولا طلباً للشهرة ولا للسمعة، وإنما الصيام عمل يدرِّب المرء على الإخلاص في المعاملة للملك العلام عزَّ وجل.
فالصوم سرٌّ بين العبد وربِّه، لا يطلع عليه إلا الله، ولذلك لا يعطي الأجر والثواب عليه إلا الله عزَّ وجل. فعندما ترتفع الملائكة الكرام بعمل الصائمين إلى الملك العلام، فقد أعطاهم عزَّ وجل- وهم الكرام الكاتبون - قائمة بأسعار الحسابات الإلهية، والأخبار الربانية لعبادات المسلمين في كل وقت وحين، فينظرون إلى الصيام فلا يجدون فيما معهم من صحف أجره ولا ثوابه ولا فضله، فيرفعون الأمر لله عزَّ وجل فيقول الله سبحانه وتعالى:
( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عزَّ وجل: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)7فهو عزَّ وجل الذي يحدد الأجر ويحدد الثواب، ويحدد المكافأة على حسب نيَّة المرء عند صومه لله عزَّ وجل.
فمَنْ نوى بعمله المغفرة، أعطاه الله المغفرة،
ومّنْ نوى بعمله العتق من النيران، أدرجه الله عزَّ وجل في كشوف العتق من النيران، التي تنزل كل ليلة من ساحة الرضوان إلى ملائكة الرحمن، مكتوب تحتها ((هؤلاء عتقاء الله عزَّ وجل في تلك الليلة من النيران)).
عدد مَنْ فى الكشف في كل ليلة سبعون ألفاً، وفي ليلة الجمعة مثل باقي الأسبوع، وفي آخر ليلة من شهر رمضان ينزل كشفٌ جامعٌ من عند الرحمن فيه مثل عدد ما أعتق الله في سائر الشهر. فمن نوى بصيامه العتق من النيران أدرجه الرحمن في كشوفه.
ومن نوى بعمله أن يكرمه الكريم في ليلة القدر بدرجة من الدرجات العالية، ومنزلة من المنازل الراقية، كأن تسلم عليه الملائكة وتصافحه، أو يحظى بالسلام من الأمين جبريل عليه السلام، أو يتمتع في تلك الليلة برؤية المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، أو يحظى في هذه الليلة بسماع السلام بلا كيفية من حضرة السلام عزَّ وجل، يعطيه الله على قدر نيَّته، وعلى قدر سريرته، وعلى قدر إخلاصه في قصده لله عزَّ وجل.
يعطي الله كل واحد على قدر نيَّته.
قال سيدنا سلمان الفارسي رضى الله عنه وأرضاه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَىٰ صِيَامَهُ فَرِيضَةً وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعاً، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّىٰ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّىٰ فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّىٰ سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ.
وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَِ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ.
قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطِّر به الصائم. قال صلى الله عليه وسلم:
يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَىٰ هذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى مُذْقَةِ لَبَنٍ، أَوْ تَمْرَةٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِماً سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. وَهُوَ شَهْرٌ: أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَينِ تُرْضُونَ بِهَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَينِ لاَ غِنَىً لَكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ: فَشَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللَّتَانِ لاَ غِنىٰ لِكُمْ عَنْهُمَا: فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ) 8.
أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي مَنَّ علينا بالهدى والخير واليقين، وجعلنا من عباده المسلمين، وأشكره سبحانه وتعالى على أن وفقنا لإتباع أوامر هذا الدين، ونسأله عزَّ وجل أن يديم علينا تلك النعمة - نعمة التوفيق لشكره وحسن عبادته - حتى يتوفانا مسلمين، ويلحقنا بالصالحين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجِّنا واشفنا، وانصرنا على أعدائنا يارب العالمين. أما بعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون: استعدوا من الآن لتجهيز نفوسكم وإعدادها لطاعة الله، وتركها لما عنه نَهَى الله، وتجهيز قلوبكم للإكثار من ذكر الله ولتلاوة كتاب الله، وللإقبال على الأعمال الصالحة التي تُرضى عنا الله، واقطعوا أسباب القطيعة التي تجعل المرء إذا سأل لا يلبيه الله!! وإذا أطاع لا يقبل منه الله!! وأهمها عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام.
فمّنْ عقَّ والديه لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً، محقاً كان أو مبطلاً، ومن قطع أرحامه كانت الرحم هي التي تقف له بالمرصاد، لأن:
(الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ)
وقد وعدها ربُّ العباد عندما تعلَّقَتْ بالعرش وقال:
(مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكَ قَطَعْتُهُ)9
فَصِلُوا أرحامكم، وبِرُّوا آبائكم وأمهاتكم، واطلبوا المغفرة في من أسأتم لهم من عباد الله المسلمين، واطلبوا منه أن يسامحكم حتى ندخل على شهر الطاعة وشهر البركة وشهر الخير وليس بيننا وبين الله عزَّ وجل حجاب، فإن الحجاب الذي يحجب الدعوة الصالحة عن الوصول إلى الله هو ما ذكرناه!! إما عقوق لوالديه، أو قطيعة لأرحامه، وإما إصراره على معصية وعدم رغبته في التخلي عنها. فإذا تخلص المرء مما ذكرناه لم يكن بينه وبين الله حجاب، إذا سأله أعطاه، وإذا دعاه لباه. فهيا بنا جميعاً نتوب توبة نصوحاً إلى الله.
قولوا جميعاً:
((تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبدا، وبرئنا من كل شىء يخالف دين الإسلام)).
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا رب العالمين.
اللهم أعنَّا على الصيام والقيام، ووفقنا لفعل الصالحات وعمل القربات، واحفظنا من المعاصى والمخالفات، والأمراض والفتن والمعضلات.
اللهم اصلح الراعى والرعية، واجمعنا جامعة إسلامية.
عباد الله:
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
(90 النحل)
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة
1 كانت هذه الخطبة بمسجد الشهيد عبد المنعم رياض بمدينة بنها يوم الجمعة غرة رمضان 1417هـ/ 10 من يناير 1997م.
2 رواه البخارى في صحيحه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب.
4رواه أحمد والدارمى في مشكاة المصابيح عن أبي هريرة.
5 رواه ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
6 مجمع الزوائد وجامع المسانيد والمراسيل عن ابن مسعود رضي الله عنه.
7 رواه الدارمى في سننه وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة.
8 رواه ابن خزيمة في صحيحه وأورده صاحب مشكاة المصلبيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.
9 رواه البخارى وكثير غيره عن عائشة وأبى هريرة والحديث بتمامه : {الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ: قَالَ الله مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ }