لو نظرنا إلى ما نحن فيه في مجتمعنا من علل وأمراض، لوجدنا الحكيم الأعظم صلى الله عليه وسلَّم قد وضع يده على الداء وشخص له الدواء الذي يمنح المجتمع كله العافية والرخاء إذا مشى على نهج حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم. وقد أشار إلى ذلك صلَّى الله عليه وسلَّم بإشارات حكيمة يعيها أولي الألباب، ويفقهها الأحباب، لأنها أمثال بسيطة وسهلة ليست غامضة على البُسطاء، ولا معقدة لا يعقلها إلا الفلاسفة والحكماء، بل أمثال ضربها لنا يعيها كل مسلم عادي.
من هذه الأمثال مَثَلٌ واحد نأخذه على سبيل العظة والعبرة؛ ونطبق عليه أحوالنا، ونقيس به أعمالنا وأفعالنا، ونتأسى بهديه في حياتنا، لعل الله عزَّ وجلَّ ينفعنا جميعاً بديننا في حياتنا ومماتنا بإذن الله، فقد ورد عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه:
{أَتَى عَلَى رَجُلٍ قدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لاَ يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزيدَ عَلَيهَا. قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هذَا؟ قَالَ: هذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ لاَ يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا} (1)
إن الله عزَّت قدرته وجلَّت حكمته جعل المبدأ العام لجميع الأنام، للخاص والعام، هو قوله عزَّ شأنه:
{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } (286البقرة)،
لم يكلف أحداً في الوجود إلا على قدر طاقته، وهو عزَّ وجلَّ أعلم بقواه وقدرته وحقيقته، ويحمل الإنسان على قدر القوى التي وهبها له الرحمن، وإذا زاد في تكليفه زاد في عطائه، لأنه عزَّ وجلَّ حكم عدل لطيف خبير، جعل القاعدة الإلهية لجميع البشر:
? وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ? (46فصلت) ...
فخلقك في الدنيا وكلّفك ببنين وبنات على قدر ما تتحمل، إن كنت تتحمل البنين وهبهم لك وأعانك على ذلك، وإن كنت تتحمل البنات وهبهن لك وأعانك على ذلك، وإن كنت تتحمل البنين والبنات وهبهم جميعاً لك وأعانك على ذلك، وجعل لك من الأرزاق التي قدّرها قبل الخلق وفيها قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إن الله خلق الخلق وقدَّر الأرزاق قبل خلق آدم بألفي عام }(2)
(1) الترغيب والترهيب رواه البزار عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره عن أبي هريرة
(2)رواه مسلم عن عمر مرفوعاً ولفظه: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام".