قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (21الأحزاب).
هذه الآية على صغرها تحتوي على ما في السورة كلها من علوم نافعة، ومن أخلاق كريمة، ومن عقيدة حقة، ومن أسوة فاضلة، بل تحتوي على خلاصة القرآن الكريم، فالقرآن الكريم على علوه وفضله، ما جاء لنا، وما أنزله علينا ربنا، إلا ليعلمنا فيه كيف نقتدي برسول الله؟، وكيف نتشبه به؟، وحقيقة التأسي به.
بل إن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علو بيانها، ومع رفعة شأنها جاءت موضحة للطريقة الصحيحة لمتابعة رسول الله، لأن متابعته صلى الله عليه وسلم سرُّ النجاح لنا في دنيانا وفي أخرانا، وسرُّ رضا الله جلَّ وعلا عنا، فلن ننال رضا الله إلا بحسن متابعة رسول الله،
ولن ننال ما نرجوه عند الله في الدين والدنيا والآخرة إلا إذا كنا قريبين من رسول الله في صفاته، قريبين منه في أخلاقه، قريبين منه في عبادته، متشبهين به في معاملاته، بل إن الأمر يوم القيامة يوزن بما كان يعمله رسول الله؛ فصلاة المؤمنين توزن بصلاة رسول الله،
فكلما اشتد شبه الصلاة من أحدنا بصلاة رسول الله في ركوعها وسجودها وفي خشوعها كان قريباً من رسول الله في الجنة، وكان بجواره في ظل العرش، وكان من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وكلما تشبه الإنسان على قدر استطاعته برسول الله في حياته، كلما نال من الله إنعامه وفضله، وكان مع رسول الله في درجة واحدة.
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ َقُالُ: { جَاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ. فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلمَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ }(1)
ولذلك خاطبكم ربكم، وقال لكم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، قدوة سليمة وحكيمة وعظيمة، (لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (الأحزاب)، أي: من كان يريد الله، ورضاء الله، وفرج الله، وفضل الله، وكرم الله، وعطف الله، ومحبة الله، وود الله، فعليه بالتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه أن يجعل نصب عينيه صورة رسول الله المعنوية أمامه يقتدي بفعاله، ويتشبه بخصاله.
صحيح البخارى.