لماذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؟
والمعتاد في دنيا الناس كما نرى الآن أن يهاجر الإنسان بحثاً عن المال، إذا كان لا يحصله في موطنه إلا بمشقة بالغة، أو يهاجر بحثاً عن منصب كريم إذا كانت نفسه تتوق إلى أن يكون رجلاً عظيماً، ولا يجد دواء لتلك العظمة في بلدته وموطنه،
أو يهاجر للعلاج إذا كان به داء أَعْىَ الأطباء في بلدته، فيهاجر بحثاً عن طبيب ماهر في بلد آخر ليعالجه من الداء الذي يشكو منه، وهذه الأشياء كلها قد عرضها الكافرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد اجتمعوا فيما بينهم بعد أن أَعْيَاهُمْ أَمْرُه، ولم يستطيعوا أن يُوقِفُوا زحفه المقدس على القلوب ليسوقها إلى حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ فأجمعوا رأيهم أن يرسلوا رجلاً منهم، يُعرض عليه كل ما تتوق إليه النفس البشرية، من أهواءٍ أو شهواتٍ أو ملذات
{فقد ذهب إليه عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَكَانَ سَيداً حَلِيماً قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ : يَـ?ا مَعْشَر قُرَيْشٍ أَلاَ أَقُومُ إِلى? هَـ?ذَا فَأُكَلمَهُ، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُوراً لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَها، فَنُعْطِيَهُ أَيُّهَا شَاءَ، وَيَكُفَّ عَنَّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رسولِ اللّهِ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلى?، فَقُمْ يَـ?ا أَبَا الْوَلِيدِ فَكَلمْهُ.
فَقَامَ عُتْبَةُ حَتّى? جَلَسَ إِلى? رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَـ?ا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السَّعَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؛ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفََّرْتَ مَنْ مَضى? مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِني أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا بَعْضَهَا. فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(قُلْ يَـ?ا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعُ).
فَقَالَ: يَـ?ا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ مِنْ هَـ?ذَا الْقَوْلِ مَالاً، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى? تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ شَرَفاً، شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتّى? لاَ نَقْطَعَ أَمْراً دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكاً، مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَـ?ذَا الَّذِي يَأْتِيَكَ رِئِياً، تَرَاهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطَّبِيبَ وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتّى? نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلى? الرَّجُلِ حَتّى? يُدَاوى? مِنْهُ، أَوْ لَعَلَّ هَـ?ذَا الَّذِي تَأْتِي بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، حَتّى? إِذَا فَرَغَ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمَعُ مِنْهُ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفَرَغْتَ يَـ?ا أَبَا الْوَلِيدِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاسْمَعْ مِني؟)، قَالَ: أَفْعَلُ.
فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم
.{حم. تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } (1:4- فصلت)،
فَمَضى? رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ، وَأَلْقى? بِيَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتّى? انْتَهى? رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّجْدَةِ منها فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ
قَدْ سَمِعْتَ يَـ?ا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْت، فَأَنْتَ وَذَاكَ } (1)
إذاً لماذا هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا السِّرَّ ندركه إذا عرفنا سرَّ بعثته
لماذا بُعِثْتَ ياحبيب الله؟
أجاب عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:
- { إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }(2)
فهو صاحب مبادئ ومثل وقيم وفضائل يريد أن يدعو الناس إليها، وأن يمشي الناس على هديها. وفي الحقيقة لا صلاح لأحوالنا، ولا صلاح لأحوال مجتمعنا، ولا صلاح لأحوال البشرية كلها، إلا إذا انتشرت هذه القيم الإيمانية التي من أجلها بُعِثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه محمد بن اسحاق فى كتاب السيرة عن محمد بن كعب القرظى
(2) رواه صاحب مسند الشهاب عن أبي هريرة والإمام مالك في الموطأ والطبراني من حديث جابر.
[*]http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%87%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية الهجرة ويوم عاشوراء} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
https://www.youtube.com/watch?v=dCG5RxFv57U