فصل في التعليل بخشية عبادة القبر
وإذا ثبت ذلك فالعلة المذكورة قد انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين وتنشئتهم على التوحيد الخالص واعتقاد نفي الشريك مع الله تعالى ، وأنه سبحانه وتعالى المنفرد بالخلق والإيجاد والتدبير والتصريف . لا فاعل غيره ولا مؤثر في ملكه سواه وأن المخلوق الحي لا قدرة له على جلب منفعة لنفسه زلا دفع مضرة عنها إلا بخلق الله تعالى وإيجاده فضلاً عن الميت المقبور ، وبانتفاء العلة ينتفي الحكم المترتب عليها ، وهو كراهة اتخاذ المساجد والقباب على قبور الأولياء والصالحين ، فإن من يتخذها عليهم لا يفعل ذلك لأجل أن يعبدهم ويتخذ قبورهم مساجد يسجد إليها من دون الله تعالى ، أو يجعلها قبلة يصلى إليها ، بل هذا ما سمع في هذه الأمة ولا وجد قط من مسلم يدين بدين الإسلام .
وإنما قصد بتلك القباب مجرد الاحترام وتعظيم قبور الصالحين وحفظها من الامتهان والاندراس الذي ينعدم به الانتفاع بزيارتهم والتبرك بهم ، فإذا فرض وجود من بنى قبة أو مسجداً على قبر ليعبده ويتخذه قبلة فهذا كافر مرتد يجب قتله وهدم ما بناه ، لأنه لم يبن مسجداً بل بنى كنيسة في صورة مسجد مع أن شيئاً من هذا لم يقع في هذه الأمة والحمد لله .
وكون بعض جهلة العوام يأتي عند قبور الصالحين من التعظيم ما يشبه صورته صورة العبادة لا يكون موجباً لكراهة البناء ، لأن ذلك لم يأت من جهة البناء ولا هو العلة فيه ، إنما علته الجهل بطرق التعظيم والحد اللائق به شرعاً ، ولو كان البناء هو علة ذلك للزم ألا يتخلف عند وجوده مع أن جل من يزور الأولياء المتخذ عليهم القباب والمساجد لا يوجد منه ذلك ، وإنما يوجد من قليلين جداً من بعض جهلة العوام . كما أنه يلزم أن لا يوجد إلا عند القبور المبني عليها مع أننا نرى بعض الجهلة يفعل ذلك أيضاً ببعض قبور الأولياء التي لم يبن عليها مسجد ولا قبة ةليس عليهم بناء أصلاً ، ونراهم يحلفون بهم وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك .
وهم مع ذلك بعيدون عن قبورهم بل وعن مدنهم وعن أقطارهم فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هوكفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني ( رضي الله عنه ) الموجود ضريحه ببغداد وبعد ما بين العراق والمغرب بعد بين المشرق والمغرب وكلهم لم يروا قبر الجيلاني ولا رأوا من رآه ولا من رأى من رآه إلى ما شئت من الإضافات ، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء فيسجد له ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والإلتجاء ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى .
بل رأيت أنا من يفعل هذا بقبور الأولياء ورأيت من يفعله مع الأحياء منهم فلو كان جهلهم هذا يوجب تحريم البناء على القبر لأوجب تحريم الصلاح والولاية وتقوى الله تعالى التي ينشأ عنها اعتقادهم المؤدي إلى افتنان الجهلة بهم .
فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام ابن مشيش ( رضي الله عنه ) إنه الذي خلق الدين والدنيا ! . ومنهم من قال والمطر نازل بشدة : يا مولانا عبد السلام ألطف بعبادك !! . فهذا كفر لم ينشأ عن مسجد ولا قبة فإن القطب ابن مشيش ( رضي الله عنه ) ليس عليه مسجد ولا زاوية ولا قبة ، وإنما هو على رأس جبل بعيد عن الأبنية وحوله حوش بسيط غير مسقف ، وداخل الحوش شجر وعشب وأحجار . والقبر لا يظهر له أثره ولا يعرف موضعه أحد ، ومع هذا وصل اعتقاد العوام فيه إلى ما سمعت ! . وكم من ولي عليه قبة عظيمة ومسجد ضخم واسع لا يزوره أحد بالإضافة إلى أنه يعتقد فيه إلى هذا الحد فإذا ليس ذلك من البناء ولا من القبة و المسجد ، وإنما هو فرط الاعتقاد الذي قد ينشأ من ظهور الكرامات المتتابعة على يد ذلك الولي حتى يحصل بها التواتر وترسخ مكانته في نفوس الناس سواء الموجود في بلاده أو البعيد عنه ، فلم يبق للمسجد والقبة في ذلك أثر أصلاً ، وهؤلاء القرنيون النجديون قد هدموا القباب التي كانت بمكة والمدينة على الشهداء ومشاهير أهل البيت ، وصيروا قبورهم مستوية بالأرض ومع ذلك فالناس يهرعون لزيارة تلك القبور ويتوسلون بها ويستغيثون عندها .
ولولا أن ابن سعود جاعل خفراء على مثل قبر حمزة سيد الشهداء ( رضي الله عنه ) يمنعون الناس من تقبيل القبر والسجود له ورفع الصوت بالاستغاثة به لما انقطع ذلك ولا ذهب بانهدام القبة فحمزة رضي الله عنه هو حمزة بقبة أو دون قبة وفاطمة الزهراء هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبة أو بدون قبة . وخديجة أم المؤمنين كذلك ومالك هو الإمام مالك . وهكذا سائر المدفونين بالبقيع والمعلاة من المشاهير لا دخل للبناء والقبة والمسجد في تعظيمهم وزيارتهم ، وإنما الباعث على ذلك هو الاعتقاد الناشئ عن ولايتهم وصلاحهم ومكانتهم السامية عند ربهم الذي وضع لهم المحبة والاعتقاد في القلوب .
فكان على الجهلة القرنيين المبتدعة الضالين أن يهدموا الاعتقاد ويقلعوا أثره من النفوس ويقضوا على الصلاح والولاية والتقوى والخشية التي يكرم الله تعالى صاحبها ، بوضع ذلك في القلوب حتى يستريحوا من تعظيم المخلوق والتوسل والاستغاثة به .
أم هدم البناء فلا يأتي لهم بنتيجة ولو أتى بها لما احتاجوا إلى حراس عند القبور يمنعون من ذلك بعد الهدم .
فأنا زرت قبر حمزة ( رضي الله عنه ) بعد هدم البناء الذي عليه بأزيد من خمس عشرة سنة ووجدت الحارس قائماً عند قبره يمنع الزوار من القرب من القبر والتمسح به وتقبيله ، ولم يكف مضي خمس عشرة سنة على الهدم في قلع ذلك من النفوس . وهكذا يبقى ذلك ما بقي الإيمان ومحبة الله تعالى ورسوله ومحبة أوليائه وأصفيائه . والمقصود أن البناء لا دخل له في تحقيق علة النهي وثبوتها في هذه العصور المتأخرة ، بل ذلك قد زال من البناء وانتقل إلى المحبة والاعتقاد فلم يبق حكم متعلق بالبناء ، وكان المتمسك بظاهر النهي المعرض عن تحقيق علته ومراد الشارع منه مخطئاً في حكمه غير مصيب في اجتهاده وفهمه
وإذا ثبت ذلك فالعلة المذكورة قد انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين وتنشئتهم على التوحيد الخالص واعتقاد نفي الشريك مع الله تعالى ، وأنه سبحانه وتعالى المنفرد بالخلق والإيجاد والتدبير والتصريف . لا فاعل غيره ولا مؤثر في ملكه سواه وأن المخلوق الحي لا قدرة له على جلب منفعة لنفسه زلا دفع مضرة عنها إلا بخلق الله تعالى وإيجاده فضلاً عن الميت المقبور ، وبانتفاء العلة ينتفي الحكم المترتب عليها ، وهو كراهة اتخاذ المساجد والقباب على قبور الأولياء والصالحين ، فإن من يتخذها عليهم لا يفعل ذلك لأجل أن يعبدهم ويتخذ قبورهم مساجد يسجد إليها من دون الله تعالى ، أو يجعلها قبلة يصلى إليها ، بل هذا ما سمع في هذه الأمة ولا وجد قط من مسلم يدين بدين الإسلام .
وإنما قصد بتلك القباب مجرد الاحترام وتعظيم قبور الصالحين وحفظها من الامتهان والاندراس الذي ينعدم به الانتفاع بزيارتهم والتبرك بهم ، فإذا فرض وجود من بنى قبة أو مسجداً على قبر ليعبده ويتخذه قبلة فهذا كافر مرتد يجب قتله وهدم ما بناه ، لأنه لم يبن مسجداً بل بنى كنيسة في صورة مسجد مع أن شيئاً من هذا لم يقع في هذه الأمة والحمد لله .
وكون بعض جهلة العوام يأتي عند قبور الصالحين من التعظيم ما يشبه صورته صورة العبادة لا يكون موجباً لكراهة البناء ، لأن ذلك لم يأت من جهة البناء ولا هو العلة فيه ، إنما علته الجهل بطرق التعظيم والحد اللائق به شرعاً ، ولو كان البناء هو علة ذلك للزم ألا يتخلف عند وجوده مع أن جل من يزور الأولياء المتخذ عليهم القباب والمساجد لا يوجد منه ذلك ، وإنما يوجد من قليلين جداً من بعض جهلة العوام . كما أنه يلزم أن لا يوجد إلا عند القبور المبني عليها مع أننا نرى بعض الجهلة يفعل ذلك أيضاً ببعض قبور الأولياء التي لم يبن عليها مسجد ولا قبة ةليس عليهم بناء أصلاً ، ونراهم يحلفون بهم وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك .
وهم مع ذلك بعيدون عن قبورهم بل وعن مدنهم وعن أقطارهم فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هوكفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني ( رضي الله عنه ) الموجود ضريحه ببغداد وبعد ما بين العراق والمغرب بعد بين المشرق والمغرب وكلهم لم يروا قبر الجيلاني ولا رأوا من رآه ولا من رأى من رآه إلى ما شئت من الإضافات ، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء فيسجد له ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والإلتجاء ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى .
بل رأيت أنا من يفعل هذا بقبور الأولياء ورأيت من يفعله مع الأحياء منهم فلو كان جهلهم هذا يوجب تحريم البناء على القبر لأوجب تحريم الصلاح والولاية وتقوى الله تعالى التي ينشأ عنها اعتقادهم المؤدي إلى افتنان الجهلة بهم .
فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام ابن مشيش ( رضي الله عنه ) إنه الذي خلق الدين والدنيا ! . ومنهم من قال والمطر نازل بشدة : يا مولانا عبد السلام ألطف بعبادك !! . فهذا كفر لم ينشأ عن مسجد ولا قبة فإن القطب ابن مشيش ( رضي الله عنه ) ليس عليه مسجد ولا زاوية ولا قبة ، وإنما هو على رأس جبل بعيد عن الأبنية وحوله حوش بسيط غير مسقف ، وداخل الحوش شجر وعشب وأحجار . والقبر لا يظهر له أثره ولا يعرف موضعه أحد ، ومع هذا وصل اعتقاد العوام فيه إلى ما سمعت ! . وكم من ولي عليه قبة عظيمة ومسجد ضخم واسع لا يزوره أحد بالإضافة إلى أنه يعتقد فيه إلى هذا الحد فإذا ليس ذلك من البناء ولا من القبة و المسجد ، وإنما هو فرط الاعتقاد الذي قد ينشأ من ظهور الكرامات المتتابعة على يد ذلك الولي حتى يحصل بها التواتر وترسخ مكانته في نفوس الناس سواء الموجود في بلاده أو البعيد عنه ، فلم يبق للمسجد والقبة في ذلك أثر أصلاً ، وهؤلاء القرنيون النجديون قد هدموا القباب التي كانت بمكة والمدينة على الشهداء ومشاهير أهل البيت ، وصيروا قبورهم مستوية بالأرض ومع ذلك فالناس يهرعون لزيارة تلك القبور ويتوسلون بها ويستغيثون عندها .
ولولا أن ابن سعود جاعل خفراء على مثل قبر حمزة سيد الشهداء ( رضي الله عنه ) يمنعون الناس من تقبيل القبر والسجود له ورفع الصوت بالاستغاثة به لما انقطع ذلك ولا ذهب بانهدام القبة فحمزة رضي الله عنه هو حمزة بقبة أو دون قبة وفاطمة الزهراء هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبة أو بدون قبة . وخديجة أم المؤمنين كذلك ومالك هو الإمام مالك . وهكذا سائر المدفونين بالبقيع والمعلاة من المشاهير لا دخل للبناء والقبة والمسجد في تعظيمهم وزيارتهم ، وإنما الباعث على ذلك هو الاعتقاد الناشئ عن ولايتهم وصلاحهم ومكانتهم السامية عند ربهم الذي وضع لهم المحبة والاعتقاد في القلوب .
فكان على الجهلة القرنيين المبتدعة الضالين أن يهدموا الاعتقاد ويقلعوا أثره من النفوس ويقضوا على الصلاح والولاية والتقوى والخشية التي يكرم الله تعالى صاحبها ، بوضع ذلك في القلوب حتى يستريحوا من تعظيم المخلوق والتوسل والاستغاثة به .
أم هدم البناء فلا يأتي لهم بنتيجة ولو أتى بها لما احتاجوا إلى حراس عند القبور يمنعون من ذلك بعد الهدم .
فأنا زرت قبر حمزة ( رضي الله عنه ) بعد هدم البناء الذي عليه بأزيد من خمس عشرة سنة ووجدت الحارس قائماً عند قبره يمنع الزوار من القرب من القبر والتمسح به وتقبيله ، ولم يكف مضي خمس عشرة سنة على الهدم في قلع ذلك من النفوس . وهكذا يبقى ذلك ما بقي الإيمان ومحبة الله تعالى ورسوله ومحبة أوليائه وأصفيائه . والمقصود أن البناء لا دخل له في تحقيق علة النهي وثبوتها في هذه العصور المتأخرة ، بل ذلك قد زال من البناء وانتقل إلى المحبة والاعتقاد فلم يبق حكم متعلق بالبناء ، وكان المتمسك بظاهر النهي المعرض عن تحقيق علته ومراد الشارع منه مخطئاً في حكمه غير مصيب في اجتهاده وفهمه