أدب المؤمن عند البلاء
وعدنا الله عز وجل في هذه الدار، واسمها دار امتحان:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ }(2الملك)
ويبلوكم يعني يختبركم، أو يمتحنكم، وفيم يمتحننا؟ ذكر مواد الامتحان:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ }(155البقرة)
هذه أنواع البلاء التي ذكرها تعالى، وماذا نفعل يا رب؟
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}
فأول شيء الصبر عند نزول القضاء، مع الأخذ بكل ما في وسعي من الأسباب لدفع القضاء، فليس معنى الصبر أن أسكت كما يحدث من بعض الجاهلين عندما يمرض يقولون له: هيا نذهب بك للطبيب، فيقول: لا، لو أن الله كتب لي الشفاء سأُشفى بدون طبيب، فهل هذا الكلام يتماشى مع السنة النبوية؟ لا، لقوله صلي الله عليه وسلم :
{ يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً }(1)
وقد يكون في آخر حياته وينتظر الموت ويقول: لا داعي أن أذهب لطبيب أو آخذ دواء فأنا أنتظر الموت، وما المانع؟! فأنا لو عشتُ ساعة واحدة في الدنيا أعيشها في راحة أفضل من أن أعيشها في عناء وبلاء، فما دمت أنا في الدنيا لا أترك الأسباب.
فيصبر، ويأخذ بالأسباب، ويأخذ بسبب الأسباب وهو الدعاء، فأي أمر تريد أن يحققه الله لك في الدنيا فعليك بأمرين إثنين، تأخذ بالأسباب ومعها الدعاء، فإذا أخذت بالأسباب وذهبت للطبيب واشتريت العلاج، ولم ترجع إلى الله ولم تدعو الله، فتكون كالطائر الذي يطير بجناح واحد، وإذا أخذت بالدعاء وتركت الأسباب فأيضاً نفس الأمر، لكن لا بد أن تأخذ بالإثنين معاً، أسعى إلى رزقي وأدعو الله ليجعل البركة في رزقي، فالدعاء لن يزيد الرزق، ولكن يجعل البركة فيه، والبركة يعني الزيادة، فيزيد هذا الرزق عن طريق الدعاء، وهكذا أي أمر يحتاج المؤمن إلى إنجاحه لا بد فيه من الأخذ بالأمرين معاً، يأخذ بالأسباب ثم يدعو حضرة الكريم الوهاب سبحانه وتعالي ، وهذا لا بد أن ينجح قصده، ويبلِّغه الله سبحانه وتعالي أمله.
الأدب الآخر أن لا يشتكي الله إلى خلقه! كثير من الناس الآن يقول: لماذا أنا يا رب اخترتني وابتليتني بكذا وكذا؟ وفلان لا يصلي ولا يقوم بأي طاعة من الطاعات ووسعت عليه الأرزاق، وباركت له في صحته وفي أولاده، ومثل هذا لا يرى إلا الظاهر، لكن لو تعمقتُ قد أجده يعيش في جهنم وأنا لا أدري، لأننا ننظر للمظاهر فقط.
هل يوجد إنسان في الدنيا كلها من أولها إلى آخرها قديماً أو حديثاً يخلو من بلاء؟ لا يوجد، ولكن منهم من يصبر ويشكو إلى الله ويأخذ بالأسباب، ولا يُحدِّث خلق الله بما ابتلاه به الله ... لأني عندما أُحدِّث الخلق، ماذا سيصنعون لي؟ إن كانوا أعداء سيشمتون فيَّ، وإن كانوا أودَّاء سيقولون لا بد أنك أخطأت في شيء، أو تركت شيء، ويؤنبوني ويوبخوني، لا هؤلاء يستطيعوا أن يرفعوا عني البلاء، ولا هؤلاء يستطيعوا عمل شيء في هذا البلاء، فلمن أشتكي؟ لله عز وجل ، ولذلك أحفظوا هذا الحديث وعوه واعملوا به، فإن من عمل به كان من كُمَّل الصالحين، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
{ مِنْ كُنُوزِ الْبِرِّ كِتْمَانُ الْمَصَائِبِ }(2)
من كنوز البر أن تكتم المصائب، فماذا يصنع لك الذين تقول وتشتكي لهم؟ لا شيء، لكن الله عز وجل قال:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (60غافر)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ }(الأنبياء)
وهكذا، فهل أترك هذا وأذهب لهؤلاء؟
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضب
فلِمَ أذهب لمن يعبس في وجهي، أو الذي يقول لي كلمات جارحة أو مؤلمة أو فيها تأنيب؟ وأترك باب العزيز الحميد الذي إن قلت: يا رب، يقول: لبيك عبدي، لك ما تريد عندي.
جامع الترمذي وسنن أبي داود عن أسامة بن شريك رضي الله عنه
شعب الإيمان للبيهقي ومسند الروياني عن ابن عمر رضي الله عنهما
من كتاب القول السديد
لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
وعدنا الله عز وجل في هذه الدار، واسمها دار امتحان:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ }(2الملك)
ويبلوكم يعني يختبركم، أو يمتحنكم، وفيم يمتحننا؟ ذكر مواد الامتحان:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ }(155البقرة)
هذه أنواع البلاء التي ذكرها تعالى، وماذا نفعل يا رب؟
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}
فأول شيء الصبر عند نزول القضاء، مع الأخذ بكل ما في وسعي من الأسباب لدفع القضاء، فليس معنى الصبر أن أسكت كما يحدث من بعض الجاهلين عندما يمرض يقولون له: هيا نذهب بك للطبيب، فيقول: لا، لو أن الله كتب لي الشفاء سأُشفى بدون طبيب، فهل هذا الكلام يتماشى مع السنة النبوية؟ لا، لقوله صلي الله عليه وسلم :
{ يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً }(1)
وقد يكون في آخر حياته وينتظر الموت ويقول: لا داعي أن أذهب لطبيب أو آخذ دواء فأنا أنتظر الموت، وما المانع؟! فأنا لو عشتُ ساعة واحدة في الدنيا أعيشها في راحة أفضل من أن أعيشها في عناء وبلاء، فما دمت أنا في الدنيا لا أترك الأسباب.
فيصبر، ويأخذ بالأسباب، ويأخذ بسبب الأسباب وهو الدعاء، فأي أمر تريد أن يحققه الله لك في الدنيا فعليك بأمرين إثنين، تأخذ بالأسباب ومعها الدعاء، فإذا أخذت بالأسباب وذهبت للطبيب واشتريت العلاج، ولم ترجع إلى الله ولم تدعو الله، فتكون كالطائر الذي يطير بجناح واحد، وإذا أخذت بالدعاء وتركت الأسباب فأيضاً نفس الأمر، لكن لا بد أن تأخذ بالإثنين معاً، أسعى إلى رزقي وأدعو الله ليجعل البركة في رزقي، فالدعاء لن يزيد الرزق، ولكن يجعل البركة فيه، والبركة يعني الزيادة، فيزيد هذا الرزق عن طريق الدعاء، وهكذا أي أمر يحتاج المؤمن إلى إنجاحه لا بد فيه من الأخذ بالأمرين معاً، يأخذ بالأسباب ثم يدعو حضرة الكريم الوهاب سبحانه وتعالي ، وهذا لا بد أن ينجح قصده، ويبلِّغه الله سبحانه وتعالي أمله.
الأدب الآخر أن لا يشتكي الله إلى خلقه! كثير من الناس الآن يقول: لماذا أنا يا رب اخترتني وابتليتني بكذا وكذا؟ وفلان لا يصلي ولا يقوم بأي طاعة من الطاعات ووسعت عليه الأرزاق، وباركت له في صحته وفي أولاده، ومثل هذا لا يرى إلا الظاهر، لكن لو تعمقتُ قد أجده يعيش في جهنم وأنا لا أدري، لأننا ننظر للمظاهر فقط.
هل يوجد إنسان في الدنيا كلها من أولها إلى آخرها قديماً أو حديثاً يخلو من بلاء؟ لا يوجد، ولكن منهم من يصبر ويشكو إلى الله ويأخذ بالأسباب، ولا يُحدِّث خلق الله بما ابتلاه به الله ... لأني عندما أُحدِّث الخلق، ماذا سيصنعون لي؟ إن كانوا أعداء سيشمتون فيَّ، وإن كانوا أودَّاء سيقولون لا بد أنك أخطأت في شيء، أو تركت شيء، ويؤنبوني ويوبخوني، لا هؤلاء يستطيعوا أن يرفعوا عني البلاء، ولا هؤلاء يستطيعوا عمل شيء في هذا البلاء، فلمن أشتكي؟ لله عز وجل ، ولذلك أحفظوا هذا الحديث وعوه واعملوا به، فإن من عمل به كان من كُمَّل الصالحين، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
{ مِنْ كُنُوزِ الْبِرِّ كِتْمَانُ الْمَصَائِبِ }(2)
من كنوز البر أن تكتم المصائب، فماذا يصنع لك الذين تقول وتشتكي لهم؟ لا شيء، لكن الله عز وجل قال:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (60غافر)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ }(الأنبياء)
وهكذا، فهل أترك هذا وأذهب لهؤلاء؟
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضب
فلِمَ أذهب لمن يعبس في وجهي، أو الذي يقول لي كلمات جارحة أو مؤلمة أو فيها تأنيب؟ وأترك باب العزيز الحميد الذي إن قلت: يا رب، يقول: لبيك عبدي، لك ما تريد عندي.
جامع الترمذي وسنن أبي داود عن أسامة بن شريك رضي الله عنه
شعب الإيمان للبيهقي ومسند الروياني عن ابن عمر رضي الله عنهما
من كتاب القول السديد
لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد