الرئيسية
ترك الوصية =================
السؤال:كيف التصرف فيمن مات وله رصيد في البنك ولم يخبر به أحد؟
� طالما أخذ الإنسان شيئًا من أي جهة عامة أو خاصة ماديًا أو معنويًا فيكون مُطالب بالسداد لأن هذا ليس حقه، ولا بد لأولاده أن يسددوا الدَيْن.
هناك قوانين تنظيمية يضعها البنك، وليس لها علاقة بالقوانين الإلهية، والبنوك سنَّت هذه القوانين لتحقق أرباحًا، لأنهم لن يبحثوا عن التركة ولن يبحثوا عن الورثة والموظفين بالبنوك غير مهتمين بهذا العمل في البنك، فقالوا: من يموت فالمكاسب كثيرة وحصاد الأموال كثير، فندعه وشأنه.
لكن المال الذي أخذته هل حقي أم حق البنك؟
إذا كان حق البنك فلا بد أن أرد الحقوق إلى أهلها، وحتى أستطيع أن أتحقق من ذلك فيجب على كل مؤمن أن
ينفذ قول النبي ﷺ :
{ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ }[1] يعني لا ينام أحد أي ليلة إلا ويكتب وصيته في مفكرة أو في أجندة أو في نوتة، ويضعها في مكان معروف ويُعرِّف بها أهل بيته زوجته وأولاده، فيعرفون ما له ويعرفون ما عليه.
أناس كثيرون الآن يضعون أمولًا في البنوك دون معرفة أهلهم وذويهم، حتى أنهم يطلبون من البنوك ألا يعرف حساباتهم أحد، ولا يوقعون على استمارة تفيد بمن يستفيد من هذه الأموال في حالة موتهم،حتى النساء يفعلن ذلك خفية، فبعض السيدات أيضًا يقلن لبعضهن البعض لا تأمنين للرجال فلا بد أن يكون لك مال خاص بك، فتودعه بالبنك ولا أحد يعرفه،
فإذا مات من الذي يأخذ هذا المال؟ البنك، فلا هو انتفع به، ولا أولاده انتفعوا به، ولا حتى سينتفع به في الدار الآخرة، لأنه لم يتبرع به لأي جهة من جهات الخير. فلا بد أن يكون عندي وصية فيها ما لي وما عليَّ، ولا بد أن يكون مع الوصية مستند يثبت صحة ذلك، هذا التهاون الذي يفعله الناس ينافي شرع الله، فنحن إخوة من أم وأب، لكن قال لنا الله: ( وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ) (282البقرة) فلو خضعنا كلنا لشرع الله فلن يحدث بيننا مشاكل أبدًا.
فإن كان لي عند فلان كذا ومعي المستندات أضعها مع الوصية، وإذا كان عليَّ لأحد أيضًا يكون معه مستند أخذه عليَّ، بحيث أن الإنسان عندما يقابل الحنان المنان تبارك وتعالى يقول الأولاد: من كان له حاجة عند والدنا فليقُل، فكل الذين معهم مستند سيقولون لنا. وهذه الوصية لا بد للإنسان ألا ينام ليلة إلا وهي موجودة، وزوجته تعلم بذلك وأولاده يعلمون ما له وما عليه، لأنه قدورد في بعض الأثر: (من نام على غير وصية فمات لم يؤذن له بالنظر والكلام مع الله تبارك وتعالى يوم القيامة) لأنه خالف السُنَّة النبوية التي نزل بها خير البرية صلي الله عليه وسلم .
السلف الصالح كان الواحد منهم يوصي من الذي يُغسله ومن الذي يُصلي عليه، وهي سُنَّة عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم سيدنا عمر قال: يُصلي عليَّ صُهيب الرومي، وفعلًا نفذوا الوصية، وكان كل رجل من الصحابة يطلب ويحدد من يغسله ويصلي عليه.الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه عند موته قال: تصلي عليَّ السيدة نفيسة وتأخذوني إلى بيتها وهي تُصلي عليَّ، لأنه كان يصلي بها في بيتها صلاة التراويح في شهر رمضان كل عام.
ويُحكى عن الإمام الشافعي: أنه كان إذا تلا القرآن في الصلاة لم يستطع أحدٌ من المصلين خلفه أن يمنع عينه من البكاء من خشوعه وحلاوة صوته رضي الله تبارك وتعالى عنه وكذلك أوصى أن يغسله رجل كان تاجرًا، فذهبوا للرجل وقالوا له: إن الإمام الشافعي أوصى أن تغسله، فقال لهم: أين جريدته؟والجريدة هي الورقة التي كان يسجل فيها الديون التي عليه، لأنه كان قد أسس في بيته ومسجده مدرسة خاصة للطلاب، وكان يتحمل بكل التكاليف من الإقامة والطعام والشراب والكتب والأقلام والمحابر، وغير ذلك، فكان عندما تعجز نفقاته يستدين لينفق على طلاب العلم، ويسجل هذه الديون، فلما أتوا بالجريدة للرجل التاجر قال: عليَّ دينه، وهذا تغسيله الذي يقصده مني وليس تغسيله بالمياه.
فكانوا حريصون لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم { نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ }[2] من مات وعليه دين وأولاده لا يعرفون فلن يسدد عنه أحد، فيظل محبوس في قبره بدَينه حتى يؤدَّى عنه.وعن أبي هريرة رضي الله عنه :
{ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ }[3] ولذلك أَحرص ما يحرص عليه المسلم أن لا يكون عليه دينٌ ولو درهم لأحد من خلق الله، ولذلك شيخنا الشيخ محمد علي سلامة رضي الله عنه وأرضاه - وهو أستاذنا المربي - كان دائمًا ينبه علينا ويكرر التنبيه، ألا نشتري شيئًا إلا إذا كان معنا المال،
ولا نشتري شيئًا بالقسط، لماذا؟لأني لو مت ولم أسدد الأقساط، قد يقول الأولاد ليس لنا شأن بهذا الدَيْن، وخاصة في هذا الزمن الذي نحن فيه، فكثير من الأبناء قد لا يبكي على أبيه ولا على أمه، ويريد مصلحته فقط.
إذا كان ليس معك مال كاف للشراء فاصبر إلى أن يتوفر معك المال وتشتري ما تحتاجه، يعني ليس عندك تلفزيون أوثلاجة مثلًا فاصبر حتى تدخر ثمن التلفزيون وتشتريه نقدًا ولا تُدين نفسك لأحد، لكن القسط لا. مع أن البيع بالقسط حلال، لماذا؟ لأني آخذ من التاجر بضاعته وأوقف هذا المال عن التجارة، وهذا المال يجب أن أستفيد به وأتداوله بالتجارة حتى يحقق أرباحًا، فمثلًا اشتريت منه ثلاجة بأربعة آلاف جنيهًا فقد عطلت الاستثمار بالأربعة آلاف جنيهًا إلى أن أُسدد الأقساط، ولذلك أباح العلماء البيع بالقسط وقالوا: إنه حلال.ولكن هذا لا يكون إلا في الضرورة القصوى، والضرورة تُقدر بقدرها، والضرورة لا يحكم الفرد على نفسه بها، بل يعرض أمره على العلماء العاملين فيفتونه بشأنها.
لماذا منعنا فضيلة الشيخ محمد علي سلامة رضي الله عنه من الشراء بالقسط؟ حتى يظل الإنسان في حياته في ستر الله وغطاء الله تبارك وتعالى، لا يخطو خطوة إن كان في شراء شقة أو شراء فيلا أو شراء سيارة أو غيره إلا إذا كان معه المال الذي يسد به هذا الباب، حتى يكون مستريح البال.
فالمؤمن دائمًا حريص على أنه كل ليلة قبل أن ينام يكون مستريح البال ليس عليه شيء لأحد، فإذانمت ولم أؤذي أحدًا، ولم أُسيئ إلى أحد، فأكون جاهز للقاء الله. فلا بد للإنسان أن يوطن نفسه على عدم اللجوء إلى الدَيْن إلا في الضرورات التي يقال فيها: الضرورات تبيح المحظورات.============================
[1] البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما
[2] سنن الترمذي ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه
[3] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام 
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد 
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله 