أخذت أتأمل في العبارات الموجزة التي وصف الله بها عزَّ وجلّ رحلة الإسراء والمعراج، ، فاحترت وتعجبت لأن هذه البرقية القصيرة التي لا تزيد عن سطر ونصف، جمعت فأوعت، جمعت كل شئ يتعلق بهذه الرحلة، سواء عن صاحبها، أو ما دار من الخلاف بين المختلفين من بعده، هل كان بالروح أو بالجسم أو بهما معاً؟
وسواء فيما يتعلق بكيفية رؤيته لهذه الحقائق في هذه البرهة من الزمان، كل شئ يتعلق بهذه الرحلة المباركة ذكرته هذه الكلمات القصيرة:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (1الإسراء).
فأول شُبهة يعترض عليها أصحاب العقول وردّدها المستشرقون فيما بيننا لأنهم يحكمون بعقولهم في الأشياء ولا يدرون أن العقل الذي يحكمون به لا يعلمون عنه إلى يومنا هذا قليلاً ولا كثير
أين العقل؟ وكيف يعمل العقل؟ وكيف تُخزّن المعلومات في العقل؟ وكيف تُستحضر الصور من العقل؟ والمناظر والألفاظ المصاحبة لها من العقل؟ لا يعرفون حتى يومنا هذا لا قليلاً ولا كثيراً عن هذا الأمر.
عرفوا المخ وهو الذي يُسيّر الجهاز العصبي في جسم الإنسان، لكن العقل بما فيه من ذاكرة، وما فيه من حافظة، وما فيه من قوة خيال، وما فيه من قوة تصور، وما فيه من إدراك، أين هو؟ لا يعلمون ولن يعلموا إلا إذا علَّمهم الله عزَّ وجلّ وكاشفهم ببعض ما فيه، فإذا كنا لا نعلم شيئاً قليلاً أو كثيراً عن العقل فكيف نحكّم العقل فيمن صنعه؟
وكيف نحكم بهذا العقل على مَنْ خلقه؟ وكيف نجعله حاكماً على مَنْ أوجده؟ إن هذا لهو الضلال البعيد الذي وقع فيه الكافرون، وأرادوا أن يرددوه بيننا جماعة المؤمنين، ولكن الله عزَّ وجلّ يحفظ عباده المؤمنين من الزيغ، لأنهم يقولون في كل وقت وحين:
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (8آل عمران).