أحباب الصالحين
أحباب الصالحين ينقسمون في الأمر العام إلى قسمين:
=============================
ألقسم الأول: المحبون، وهم الذين يحبون الصالحين، ويحبون أحوال الصالحين، ويحبون سماع سِير الصالحين، ويحبون زيارة الصالحين، ويحبون الكلام المروي عن الصالحين، وهؤلاء ليسوا على درجة هيِّنة، ولكنهم على درجة عالية يقول فيها سيدي أبو اليزيد البسطامي رضي الله تبارك وتعالى عنه: من أحبَّ سماع هذه العلوم فهو من أولياء الله،
ومن تجمَّل بها - يعني من يتكلم بها - فهو من الكُمَّل، والكمَّل قليل.
يعني كون الإنسان يحب هذه العلوم، ويحب هؤلاء الأقوام، فهو في منزلةٍ عظيمة عند الله تبارك وتعالى، ودخل في الصالحين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}
(9العنكبوت) دخل في الصالحين في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله.
وهؤلاء الصالحون من تمسك بهم، ومن اقتفى أثرهم لا يتخلون عنه طرفة عين في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم قومٌ كرام السجايا، حتى كان الناس وإلى وقتنا يقولون:
((من لازم الأعتاب ما خاب)) يعني من لزم أعتاب الصالحين لا يخيب أبداً.
والأعتاب ليس معناها كما يفهم الناس، الأعتاب الموصلة للأضرحة، ولكن هي المجالس التي توصل إلى أحوال هؤلاء الرجال، والتي فيها نهجهم، وفيها علومهم، وفيها أورادهم، وفيها فتح الله تبارك وتعالى عليهم، فهذه هي الأعتاب النورانية التي توصل إلى المراقي العلية التي بها ينال الإنسان أن يكون مع الصالحين.
فهذا يكفيه شرفاً وفخراً قوله صلى الله عليه وسلم :
{ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حَشَرَهُ اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِمْ } (1)
فماذا نريد أحسن من ذلك؟!!
ولمَّا ذكر سيدنا رسول الله هذا الحديث قال كثير من الصحب الكرام: نحن نحب الرسول، ونحب أبا بكر، ونحب عمر، ونحب الصحابة الأجلاء، فيا ربنا أكرمنا بهم وأدخلنا في زُمرتهم.
ونحن كلنا نُكرر هذا القول، فنحن كلنا نحب رسول الله، وصحبه المباركين، والأولياء والصالحين المُكرمين إلى يوم الدين.
فهؤلاء سيشفعون له عند الله، فلو حتى وقع في هفوة أو وقع في ذنب واستغاث بهم، فإنهم يرفعون أكُفَّ الضراعة إلى الله وكأنهم يقولون: يا ربنا من أجلنا اعفُ عنه وسامحه ولا تؤاخذه بهذا الذنب، ولا تعاقبه بهذا الوزر، ويستجيب الله تبارك وتعالى لهم.
رُوي أن الإمام الجُنيد رضي الله تبارك وتعالى عنه، كان له تلميذ، وكان يُصلي، وهو في أثناء الصلاة حدَّثته نفسه بشهوة حتى أنه أنزل وهو في الصلاة!!، فخرج من الصلاة ونام، ولما استيقظ من النوم فإذا وجهه مُسوَد!!
من جُرم الذنب الذي فعله، فيذهب إلى الإمام الجنيد رضى الله عنه فيعاتبه، ولكن لا يوبخه توبيخاً شديداً، لأن الصالحين يأخذون المريدين بالأخذ الهين اللين على منوال رب العالمين عز وجل ، فليس عندهم الزجر ولا التهديد وإنما بالملاطفة واللين، لأنهم يعرفون أن البشرية لو تحكمت في الإنسان إن لم تتدراكه عناية الرحمن فمصيره الوقوع في الذنب أو الخسران والعياذ بالله تبارك وتعالى، والله عز وجل من أجل ذلك سمَّى نفسه الغفور الرحيم التواب الكريم.
حتى أنه يُروى في بعض الأثر أن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام لما وقع في الذنب، استغاث بربه وقال: يا رب ألا عصمتني من الذنب؟ فقال الله: يا آدم إذا عصمتك وعصمت بنيك فلِمَ سميتُ نفسي بالتواب والغفار والعفو؟!!.
لمن أغفر؟! ولمن أعفو؟! ولمن أتوب؟! ولكن الله سمَّى نفسه بذلك لأنه يعلم أننا سنقع في ذلك، المهم أن يرجع المرء إلى الله فوراً، ولا يؤجل ولا يُسوِّف، يقول إمامنا أبو العزائم رضى الله عنه وارضاه وأرضاه:
اسمعوا فالذنب سرُّ الاقتراب
من هو المعلوم فى حلٍّ غياب
يكِـسر الذنب القلوب بوقعه
كـسره قُربٌ إلى نور الكتاب
وهي التي قال فيها ابن عطاء الله رضى الله عنه:
((رُبَّ معصية أورثت ذُلاً وانكساراً، خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكبارا))
الذنب يجعل الإنسان يشعر بأنه وضيع القيمة، وليس جليل الشأن، فيحجبه من مرض الكبر، ومن رداء الفخر، ويجعله يعلم قيمته وحقيقته، فيرجع إلى ربه تائباً منيباً، وهذا ما يُحبه الله وقال فيه في قرآنه:{ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهّرِينَ } (222البقرة)،
فصلَّى الإمام الجنيد رضى الله عنه ركعتان واستغاث بمولاه، فإذا بهذا الرجل يذهب عنه سواد وجهه، ويرجع إلى بياضه وحالته، فقال له رضى الله عنه : استغثتُ بالله عز وجل وتشفعتُ فيك سبعين مرة، حتى تاب عليك ولم يؤاخذك بهذا الذنب، وكشف عنك هذا الأمر.
وهذا الكلام لو تصفحنا سير الصالحين نجده كثيرٌ جداً لا يعد ولا يحد، لأن الله جعل لهم خاطراً عنده، فإذا سألوه أعطاهم، وإذا دعوه أجابهم، وإذا طلبوا منه لباهم في أي أمر من الأمور، وهم لا يطلبون من الله إلا ما فيه نفعٌ وفيه رفعةٌ لإخوانهم وأحبابهم، نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون منهم أجمعين.
================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزي
أحباب الصالحين ينقسمون في الأمر العام إلى قسمين:
=============================
ألقسم الأول: المحبون، وهم الذين يحبون الصالحين، ويحبون أحوال الصالحين، ويحبون سماع سِير الصالحين، ويحبون زيارة الصالحين، ويحبون الكلام المروي عن الصالحين، وهؤلاء ليسوا على درجة هيِّنة، ولكنهم على درجة عالية يقول فيها سيدي أبو اليزيد البسطامي رضي الله تبارك وتعالى عنه: من أحبَّ سماع هذه العلوم فهو من أولياء الله،
ومن تجمَّل بها - يعني من يتكلم بها - فهو من الكُمَّل، والكمَّل قليل.
يعني كون الإنسان يحب هذه العلوم، ويحب هؤلاء الأقوام، فهو في منزلةٍ عظيمة عند الله تبارك وتعالى، ودخل في الصالحين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}
(9العنكبوت) دخل في الصالحين في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله.
وهؤلاء الصالحون من تمسك بهم، ومن اقتفى أثرهم لا يتخلون عنه طرفة عين في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم قومٌ كرام السجايا، حتى كان الناس وإلى وقتنا يقولون:
((من لازم الأعتاب ما خاب)) يعني من لزم أعتاب الصالحين لا يخيب أبداً.
والأعتاب ليس معناها كما يفهم الناس، الأعتاب الموصلة للأضرحة، ولكن هي المجالس التي توصل إلى أحوال هؤلاء الرجال، والتي فيها نهجهم، وفيها علومهم، وفيها أورادهم، وفيها فتح الله تبارك وتعالى عليهم، فهذه هي الأعتاب النورانية التي توصل إلى المراقي العلية التي بها ينال الإنسان أن يكون مع الصالحين.
فهذا يكفيه شرفاً وفخراً قوله صلى الله عليه وسلم :
{ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حَشَرَهُ اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِمْ } (1)
فماذا نريد أحسن من ذلك؟!!
ولمَّا ذكر سيدنا رسول الله هذا الحديث قال كثير من الصحب الكرام: نحن نحب الرسول، ونحب أبا بكر، ونحب عمر، ونحب الصحابة الأجلاء، فيا ربنا أكرمنا بهم وأدخلنا في زُمرتهم.
ونحن كلنا نُكرر هذا القول، فنحن كلنا نحب رسول الله، وصحبه المباركين، والأولياء والصالحين المُكرمين إلى يوم الدين.
فهؤلاء سيشفعون له عند الله، فلو حتى وقع في هفوة أو وقع في ذنب واستغاث بهم، فإنهم يرفعون أكُفَّ الضراعة إلى الله وكأنهم يقولون: يا ربنا من أجلنا اعفُ عنه وسامحه ولا تؤاخذه بهذا الذنب، ولا تعاقبه بهذا الوزر، ويستجيب الله تبارك وتعالى لهم.
رُوي أن الإمام الجُنيد رضي الله تبارك وتعالى عنه، كان له تلميذ، وكان يُصلي، وهو في أثناء الصلاة حدَّثته نفسه بشهوة حتى أنه أنزل وهو في الصلاة!!، فخرج من الصلاة ونام، ولما استيقظ من النوم فإذا وجهه مُسوَد!!
من جُرم الذنب الذي فعله، فيذهب إلى الإمام الجنيد رضى الله عنه فيعاتبه، ولكن لا يوبخه توبيخاً شديداً، لأن الصالحين يأخذون المريدين بالأخذ الهين اللين على منوال رب العالمين عز وجل ، فليس عندهم الزجر ولا التهديد وإنما بالملاطفة واللين، لأنهم يعرفون أن البشرية لو تحكمت في الإنسان إن لم تتدراكه عناية الرحمن فمصيره الوقوع في الذنب أو الخسران والعياذ بالله تبارك وتعالى، والله عز وجل من أجل ذلك سمَّى نفسه الغفور الرحيم التواب الكريم.
حتى أنه يُروى في بعض الأثر أن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام لما وقع في الذنب، استغاث بربه وقال: يا رب ألا عصمتني من الذنب؟ فقال الله: يا آدم إذا عصمتك وعصمت بنيك فلِمَ سميتُ نفسي بالتواب والغفار والعفو؟!!.
لمن أغفر؟! ولمن أعفو؟! ولمن أتوب؟! ولكن الله سمَّى نفسه بذلك لأنه يعلم أننا سنقع في ذلك، المهم أن يرجع المرء إلى الله فوراً، ولا يؤجل ولا يُسوِّف، يقول إمامنا أبو العزائم رضى الله عنه وارضاه وأرضاه:
اسمعوا فالذنب سرُّ الاقتراب
من هو المعلوم فى حلٍّ غياب
يكِـسر الذنب القلوب بوقعه
كـسره قُربٌ إلى نور الكتاب
وهي التي قال فيها ابن عطاء الله رضى الله عنه:
((رُبَّ معصية أورثت ذُلاً وانكساراً، خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكبارا))
الذنب يجعل الإنسان يشعر بأنه وضيع القيمة، وليس جليل الشأن، فيحجبه من مرض الكبر، ومن رداء الفخر، ويجعله يعلم قيمته وحقيقته، فيرجع إلى ربه تائباً منيباً، وهذا ما يُحبه الله وقال فيه في قرآنه:{ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهّرِينَ } (222البقرة)،
فصلَّى الإمام الجنيد رضى الله عنه ركعتان واستغاث بمولاه، فإذا بهذا الرجل يذهب عنه سواد وجهه، ويرجع إلى بياضه وحالته، فقال له رضى الله عنه : استغثتُ بالله عز وجل وتشفعتُ فيك سبعين مرة، حتى تاب عليك ولم يؤاخذك بهذا الذنب، وكشف عنك هذا الأمر.
وهذا الكلام لو تصفحنا سير الصالحين نجده كثيرٌ جداً لا يعد ولا يحد، لأن الله جعل لهم خاطراً عنده، فإذا سألوه أعطاهم، وإذا دعوه أجابهم، وإذا طلبوا منه لباهم في أي أمر من الأمور، وهم لا يطلبون من الله إلا ما فيه نفعٌ وفيه رفعةٌ لإخوانهم وأحبابهم، نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون منهم أجمعين.
================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزي