عَرَق أهل الجنة

عَرَق أهل الجنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكان صلى الله عليه وسلم غزير العرق، ولكن عَرَقه ليس كسائر العرق، وإنما كما وصف أهل الجنة، وكان يُحب السيدة أم سليم أم أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، لأنها كانت من الصالحات، وعندما أراد طلحة بن عبيد الله أن يتزوجها وكان من كبار فرسان أهل المدينة، ومن كبار أغنياءها - وانظر إلى حكمتها - قالت له: مثلك لا يُردُّ، ولكن أنا مسلمة وأنت غير مسلم، ولا أريد منك غير شيء واحد؛ أن تنطق بالشهادتين، فإذا نطقت بهما فذاك مهري، فقال لها: أشاور نفسي، فذهب ثم عاد، وأسلم، وتزوجته وكان مهرها النُطق بالشهادتين!!، أين هذا من بناتنا في زمننا هذا؟!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

وكانت قبل ذلك قد نذرت إن أعطاها الله ولداً من زوجها الأول وهو مالك أن تجعله خادماً للكعبة، فرزقها الله بأنس، ولما هاجر النبي إلى المدينة كان عمر أنس عشر سنين، فجاءت به وقالت: يا رسول الله إني كنتُ وهبت ابني هذا للكعبة، واليوم أهبه لك ليكون خادماً لك.

فوهبته لرسول الله، وهنا أيضاً شيء من الذكاء وحُسن الحيلة والتصرف.

فكان النبي يُحبها، وكان يذهب إلى بيتها في وقت القيلولة، سواء موجودة أو غير موجودة يقيلُ في بيتها، وهذا من المحبة الزائدة لها رضي الله عنها وأرضاها.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نام يشتد عرقه أي يكون غزيراً، فاستيقظ ذات مرة وكان معها مناديل تُجفف بها عرقه، فقال:

{ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟، قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ، نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ }

طيبنا رائحته تكون غير نفاذة، فنضع عليه قطرات من هذا الإثير النبوي فتصبح رائحته ليس لها مثيل!!.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافح رجلاً تظلُّ رائحة رسول الله في يده عِدَّة أيام، وإذا مشى في طريق يعرفون أن رسول الله قد مشى في هذا الطريق من رائحته.

وإذا أرادوا أن يعرفوا مكانه يتحسَّسُون رائحته فيعرفون مكانه، فرائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم رائحة خاصة.

ومن عجائب الله الدالة على بديع إبداع صُنع الله أن كل إنسان له رائحة خاصة به، فلا تجد أن رائحة أحد كالآخر: {إنى لَأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَولآ أن تُفَندُونِ } (94يوسف) لم يقُل قميص يوسف، ولكنه قال: رائحة يوسف، لأنه يحفظها، أخذوا قميصه من مصر، ويعقوب كان في بيت المقدس، وبينهما مئات الكيلومترات، ومع ذلك شمَّ رائحة يوسف، وكان القميص ما زال في مصر، لأن قميص يوسف كان من الجنة، وهو القميص الواقي الذي وقى الله به سيدنا إبراهيم عندما أُلقي في النار، فقد نزل به سيدنا جبريل وألبسه له، وسيدنا إبراهيم أعطاه لابنته، وابنته لم تكن تُنجب، وعندما أنجب سيدنا يعقوب سيدنا يوسف، وتوفَّت أُمه، قالت لسيدنا يعقوب ائتني بيوسف ليعيش معي، ورغبت أن يظَّل يوسف عندها، وكان عندهم في شرع بني اسرائيل إذا سرق السارق وأُمسك به يكون عبداً لمن سرقه، فأرادت أن يظلُّ يوسف عندها، فألبسته قميص سيدنا إبراهيم، ثم سألوا عن القميص فوجدوا يوسف يلبسه، فقلوا إنه سرقه، وبذلك أصبح يوسف عبداً عندها، وهذه كانت حيلتها لتستبقي يوسف عندها ... هذا القميص كان من الجنة، وأشياء الجنة كلها تُشمّ من مسافة خمسمائة سنة ـ كما ورد في حديث حضرة النبي ـ والذي يقول فيه في أحداث العصر:

{ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُتَمَيِّلاتٌ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ }

يعني رائحتها تُشم من على مسافة خمسمائة سنة، فكان صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يعرفوا مكانه، يتتبعوا رائحته حتى يجدوا مكانه.

ورائحته ما زالت موجودة ويعلمها الصالحون:

فإذا صلَّى الواحد منهم على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلص وصفا قلبه يشم الرائحة، فيعرف أن رسول الله قد حضر، ولو شمَّ رائحته في مجلس يعرف أنه حضر في هذا المجلس، والذي لا يشم عنده زكام، لكن السليم يشم رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم،...

لأن رائحته صلى الله عليه وسلم مُميزة.

ذهب إليه رجل من الأنصار وقال له: ابنتي ستتزوج وأريد مساعدتك، فقال له:
{ مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ غَدًا فَتَعَالَ فَجِئْنِي بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ وَعُودِ شَجَرٍ، وَآيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ أَجِيفَ نَاحِيَةَ الْبَابِ، قَالَ:
فَأَتَاهُ بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ وَعَودِ شَجَرٍ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الْعِرْقَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى امْتَلأَتِ الْقَارُورَةُ، فَقَالَ: خُذْ، وَأْمُرْ بِنْتَكَ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَطَيَّبَ أَنْ تَغْمِسَ هَذَا الْعُودَ فِي الْقَارُورَةِ وَتطَيَّبَ بِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ إِذَا تَطَيَّبَتْ شَمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَائِحَةَ ذَلِكَ الطِّيبِ، فَسُمُّوا بَيْتَ الْمُطَيَّبِينَ }

هؤلاء القوم الطيب الذي عندهم ليس له مثيل، وهذه أحوال أهل الجنة، أعطاها الله لرسول الله وهو هنا في الدنيا.
====================
من كتاب خصائص النبي الخاتم
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد