{بعض إشارات القرآن الكريم}في قوله تعالى: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللهَ وَكَفَى بِالله حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ (40) (الأحزاب). بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:سنأخذ إشارات بسيطة لطيفة في الآيات التي استمعنا إليها الآن:إشارات القرآن هي صحيح تحتاج إلى أهل العيان، وليس أهل البيان لكننا نحاول أن نلطفها ونذيقها للأحباب بفضل الله تبارك وتعالى.الحقيقة يا إخوانا أن أرقى علوم الذوق لمن يريد أن يتعلم علوم الذوق الرفيع، فنسمع من يقول أن هناك برتوكولات يتعلموها في السلك الدبلوماسي، وبرتوكولات لرئاسة الجمهورية، وبرتوكولات لغيره ولغيره، فلا يوجد أرقى في الأذواق من كلام الخلاق سبحانه وتعالى عندما يكلم حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم ويقول له:﴿ عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ (43التوبة).ما هذا الجمال؟ فلم يقُل له: لم لم تأذن لهم؟ أو ولماذا أذنت لهم؟ لا في البداية يقول له:عفا الله عنك، يعني لا تحمل هم نهائياً، ولكن لم أذنت لهم.فهنا في الآية أيضاً سر غريب، هل قال: ماكان على النبي من حرج فيما فرض الله عليه؟ لا. ولكن قال:﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ ﴾ (38الأحزاب).أرأيتم الأدب العالي والذوق الراقي من رب العزة تبارك وتعالى؟لو قال: فرض الله عليه، فيكون أمراً مُحَّتماً لابد أن ينفذه، لكن فيما فرض الله له يعني أنت لك الخيار، وعلى كلتا الحالتين أنت عندنا خيار الأخيار، لأنه لم يصل إلى ذوقك أحدٌ بأي قدرٍ ومقدار.الذي فرضه عليه تدرج فيه وتركه، فالأول قال:﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ (79الإسراء).فعسى دائماً في القرآن بمعنى اللام وليس ترجي، يعني ليبعثك مقاما محموداً على الفور، وبعد ذلك قال له:﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلا ﴾ (4) (المزمل).وهذا على حسب راحتك، يعني حتى الفريضة أعطاه حرية آدائها، لكن الذي فرضه له بعض السادة الصالحين قالوا: نحن أيضاً بالقرآن مخاطبين، وعندما يقول لنا ربنا:ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، مالذي فرضه ربنا له علينا؟ هذا الذي نبحث عنه، الذي فرضه ربنا عليه هو حرٌ فيه، لكننا نبحث عما فرضه له علينا نحن، وهو لن يقوله من شدة ذوقه الرفيع، لا يقول.يعني في سياق القصة سيدنا رسول الله عمل وليمة كبيرة في زواج السيدة زينب بنت جحش، وبيت الزواج كان حجرةً واحدة لم يكن غيرها منزل العروس، والأكل في بيت العروس، والعروس دخلت فماذا تفعل؟ دخلت ووقفت في ركن من أركان الحجرة وظهرها لهم، ووقفت حتى ينتهوا من الأكل، فلم يكن عندهم ترابيزة سفرة والأكل كان على الأرض، وكلمة سفرة أصلاً بمعنى أن الأكل على الأرض، وليس على ترابيزة.وجماعة يأكلون ويمشوا ويأتي غيرهم، وجماعة أاكلون ويمشوا ويأتي غيرهم، حتى جاءت جماعة جلسوا وأخذوا يتكلمون، فسيدنا رسول الله إنتظر حتى يقوموا فلم يقوموا.فقام سيدنا رسول الله وطاف على نسائه الأخريات، وعاد فوجدهم كما هم، فاستحى أن يقول لهم قوموا، مع أن هذا حقه، فربنا سبحانه وتعالى تولى هذا الأمر بالنيابة عن حضرته:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ (35الأحزاب).يعني لا تقول ماذا نأكل اليوم؟ فت ولحم أو عيش، فالموجود كله خير وبركة.﴿ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ﴾ (35الأحزاب).يعني إنتهيت من الأكل فامشي على الفور:﴿ وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ﴾ (35الأحزاب) ـ منك هو هذا﴿ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي ﴾ (35الأحزاب).ولذلك السادة الصالحين ومنهم الإمام أبو العزائم عندنا عمل لنا كتاب إسمه مذكرة {المرشدين والمستشدين} فماذا يقول فيه؟[إذا دُعيت إلى وليمة فلا تذهب قبلها، ولا تمكث بعدها].إذا ذهبت قبلها فالجماعة يجهزوا أنفسهم للوليمة فمشغولين، وأنت تشغلهم وتعطلهم، وبعد الوليمة يكونوا تعبانين ويريدون أن يستريحوا، فكيف تقعد معهم؟فما هذا كله يا إخوانا؟ الأدب العالي والذوق القرآني الذي علمه لنا الله فيى كتاب الله تبارك وتعالى.ما الذي فرضه ربنا علينا لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا وأهلينا والناس أجمعين.وتوقيره ـ وتوقروه ـ وتوقيره يعني ماذا؟ إحترامه وتبجيله.﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ (63النور).ننادي على بعضنا يا علي يا موسى يا فلان، فهل ننادي على رسول الله بنفس النداء، لا بل نقول: يا رسول الله ـ يا نبي الله.إذا ذكرنا إسمه لابد أن تتقدمه بالسيادة، والله أمره أن يكلفنا بالسيادة، فقالأنا سيد ولد آدم ولا فخر).ومعناها أن الفخر ليس بالسيادة، ولكن الفخر بالعبودية لذات الله تبارك وتعالى.وإذا كان يأمر الأنصار بأن يقوموا لسعد بن معاذ ويقول لهم:قوموا لسيدكم، فالمجادل يقول:أنه قال (لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم لملوكها).أقول له: الحديث واضح يا أخي أليس عندك عقل؟الأعاجم كانوا يقوموا للملوك خوفاً منهم ورهبةً منهم، وهو لا يريد أن نقوم له خوفاً ورهبة، ولكن يريد أن نقوم له محبة، لكن لا خوف ورهبة منه صلى الله عليه وسلَّم:﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهمْ ﴾ (6الأحزاب).﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ (128التوبة).صلى الله عليه وسلَّم.عندما نصلي عليه صلى الله عليه وسلَّم كلما سمعنا إسمه، حتى ولو كان في الصلاة، والإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وكان حكيماً قال فيه صلى الله عليه وسلَّمعالمٌ من قريش يملأ الأرض علماً ونوراً).[رواه ابن أبي عاصم في " السنة" ، والبيهقي في " المعرف"].كان يُوجب التسييد في الآذان وفي التشهد، ولذلك كنا عندما نسمع الآذان في بلادنا ولا زلنا حالياً في الشرقية والذين لا يزالون شافعية يقولون:وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله، وفي التحيات والتشهد لابد كذلك، فيقول رضي الله عنه معلماً أنهم يقولون: لا تسيدوني في الصلاة، فيقول: هذا ليس بحديث، وليس حتى حديث ضعيف، لا بل موضوع، لأن كلام النبي لا يخالف قواعد اللغة العربية، ولو أن هذا الحديث صحيح كان في اللغة العربية يقول: لا تسودوني، لكن كلمة لا تسيدوني من أين أتوا بها؟فهذا ليس بحديث أبداً وهو كان إماماً في هذا الحديث رضي الله عنه.فقالوا له: فما حال من لا يسيِّد؟ قال لا شيئ، من ترك السيادة فقدجاء بالفرض، ومن أدَّى السيادة فقد جاء بالفرض وزاد الأدب.فلم نترك الأب يا إخوانا؟وإذا كان ربنا يقول عن نبي ـ ويعني لا توجد نسبه بينه وبين رسول الله ـ فيقول في حقه:﴿ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (39آل عمران).فماذا يكون حال نبينا؟فلابد لمن يُرد أن يكون من أهل الأدب التام مع الله ورسوله، فلا ينطق إسم حضرة النبي من غير لفظ السيادة، سيدنا محمد إن كان في الآذان أو في الإقامة أو في التشهد، وجائز أنه يترك التسييد في الأذان وفي الإقامة لبعض المنتقدين والمتشددين وهم كثيرون، ماشي نقول شيئ آخر:فما السنة في الآذان؟ أن المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، وبعدها يقول في سرِّه: أشهد أن لا إله الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، هؤلاء يقولهم في سره، وبعدها يجهر.فما المانع أن تقولها في سرك؟ هل يوجد مانع؟ فتكون قد عملت ما عليك وأخذت بالأدب الوافر مع رسول الله الكامل صلى الله عليه وسلَّم.لكن ستصلي عليه فلابد أن لا تترك لفظ السيادة أبداً، لأن الله قال في شأنه:﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ (9الفتح).من الذي قال وتوقروه؟ ربنا، وقال في الآية الأُخرى إياكم أن:﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ (63النور).وهل هو يداعبك؟ فمن يلعب معك أو يصاحبك أو يلعب معك لعبة أو غيره أو غيره ماشي تقول له يا فلان أو يا علان، وأنت حتى تستحي أن وتقول له يا سي فلان، يا سيد فلان، يا فلان بك، فما بالكم بالرسول وما بال هؤلاء.فلابد يا إخوانا وفرضٌ علينا أننا نوقر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.ومن توقيره صلى الله عليه وسلَّم أن لا نعرض الصلاة عليه بذكر إسمه الشريف صلى الله عليه وسلَّم للإهانة، وهذا ما يحدث كثيراً، كيف؟ واحد يتكلم مع آخر واحتدَّ النقاش يقول له: ما تصلي على النبي يا أخي، وهل هذا موضعٌ يقال فيه؟ معذرةً وفي لحظة الشدة يقول له: صل على النبي يا أخي؟ لا ينفع.جماعة يتشاجرون مع بعضهم وأنا تدخلت لأمنعهم هل يصح أن أقول لهم: صلوا على النبي يا جماعة؟ ما شأنهم والصلاة على النبي وهم في هذه الحالة في حالة توتر وغضب شديد؟فمن يُرد أن يصلي على النبي يكون في حالة استحضار وحضور مع الله، ويؤدي الصلاة وكأنه يرى حضرة النبي أمامه ويراه، فالصلاة لا تنفع في هذه الموضوعات.والأقسى منها الحلف بالنبي كذباً، وهذه يمكن مصيبة أولادنا الصغار عندنا كلهم، يسأله المدرس: لم لم تعمل الواجب يا ولد؟ يقول له: والنبي أنا عملته ولكنني نسيته في البيت، وهو لا عمله ولا شيئ، مالذي جعلنا أن نربيه على هذه الخُصلة الذميمة؟الذي حلف بحضرة النبي هو رب العزة:﴿ لَعَمْرُكَ ـ يعني وحياتك ـ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (72الحجر).فكيف أحلف بحضرة النبي كذباً؟ لا ينفع ولا يليق.الجماعة الوهابية يقولون: أن الإنسان لا يحلف إلا بالله للحديث الذي يقولمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).لكن ربنا نفسه حلف بالنبي كما قلت:﴿ لَعَمْرُكَ ـ وحياتك ـ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (72الحجر).أليبس هذا بقسمٌ؟ ومن الذي يقسم؟ رب العزة تبارك وتعالى، وفيه قسم آخر ولكن عند بعض أهل الإشارات:﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ (1النجم).والنجم هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهوى يعني نزل بعد رحلة المعراج، وفيه آية أخرى:﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ (75الواقعة).القرآن نزل منجماً أين؟﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ (194) (الشعراء).فمواقع النجوم هنا في الإشارة هي مواضع تنزل القرآن على سيدنا رسول الله الرؤف الرحيم، ولذلك قال:﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ (76الواقعة).إنه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ (79) (الواقعة).باطن القرآن ولب القرآن وحقيقة القرآن، لكن المصحف كل واحد يمسه ويلمسه ويبيعه، فأحيانا من يبيعه لا يكونوا مسلمين، لكن القرآن الآخر:وإنه لقران كريم في كتاب مكنون ـ والمصحف ليس مكنوناً ـ لا يمسه يعني لا يمس معانيه وأسراره إلا المطهرون ـ المتطهرين الذين طهرهم الله.فالآيات كثيرة في كتاب الله لمن أراد أن يفقه حقيقة الأدب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الأدب مع حضرته، وأن يجعلنا خاشعين خاضعين لكلام ربنا تبارك وتعالى، وأن يرزقنا دئماً وأبداً النظر إلى وجهه الكريم ورفقته يوم القيامة تحت لواء شفاعته.وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم