العارفون والصالحون من بدايتهم، نزعوا الهوى من النفوس، وجعلوا هواهم الأوحد في المليك القدوس :
قد كان لي قبل أهواء مفرقـة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
إذا كان الغافل له هوى في النساء أو في المال أو في الأكل أو في أي شهوة أو غرض، فإن الذي عرف الله عينه لا تلتفت لحظةً هنا أو هناك. فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهده الله كل الجمالات من الجنَّات والعرش والكرسي، لكنه كما أثنى عليه ربه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
فلم يلتفت هنا أو هناك، وهل بعد جمال الله وكمال الله ينظر إلى شئ؟ وهل هناك ما يطرف العين بعد هذه الجمالات والكمالات، وكذلك الذي يرى الحَبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم هل يريد أن يرى شيئا بعده؟
قد كان لي قبل أهواء مفرقـة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذاتك يا ديـنى ودنيائــى
فالذي اشتغل بالله حقا وصدقا لا يلتفت لغيره طرفة عين ولا أقل، وهؤلاء هم الرجال الصادقون، الذين قال الله فيهم: {اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة119
لماذا؟ لتكونوا معهم على الأقل، فمن أحب قوما حشر معهم أو تكونوا منهم، وهذا الذي عنده همَّة وعزيمة فإما أن نكون معهم، أو منهم. فالذي منهم يرث، وماذا يرث؟ يرث علما ونوراً وحالاً وفتحاً وكشفاً والهاماً وفضلاً من ميراث الحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم: {إنما نورث علما ونورا}{1}
أي يأخذ حظه من العلم، أو حظه من النور، وما العلم الذي تركه رسول الله؟ علم القرآن، وعلوم الحقائق، وعلوم الدقائق، وعلوم الرقائق، وعلوم الفتح، وعلوم الكشف، وعلوم الفضل، علوما، يقول فيها الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
فلو أنى أبـوح ببعض ما بي لأحـرقت المشارق والمغارب
وولعت القلوب بحب ذات تحــلى من حلاها كل طالب
ويقول أيضا رضي الله عنه:
لو ذاق أهل البعد بعض مدامتى تركوا الجدال وأحرقوا علم الرسوم
علوماً، يقول فيها الإمام على رضي الله عنه: " لو فسرتُ فاتحة الكتاب بما أعلم، لوقرتم سبعين بعيرا"، علوما ليس لها حصر، من أين جاءت هذه العلوم؟ هذه وراثة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست دراسة بإعمال الفكر والعقل والمشاهدة أو التجربة، بل هي وراثة نبوية مصطفوية فعلوم الوراثة غير علوم الدراسة
فعلوم الدراسة: ربما يفنى المرء حياته كلها، ولا يستطيع أن يبلغ الغاية في التعمق في ميدان واحد من هذه الميادين، كما نرى. لكن علوم الوراثة: يحصل الإنسان فيها ما يشاء من العلوم في أقل من لمح البصر، إذا فتحوا له الباب وأدخلوه الرحاب، وكسوه حلة الأحباب، وجمَّلوه بجمال هذا الجناب، فإن كنوز فضل العلي الوهاب تنزل عليه بغير حساب: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} النور38
وهذه العلوم هي التي عاش فيها وبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكن أحدث نظرية تربوية في وزارة التربية والتعليم، أو التعليم الجامعي، يقولون فيها: نحن نوجه الطالب ليحصل المعلومة بنفسه، هذه هي النظرية القرآنية الإسلامية فرسول الله كان يوجههم وهم يحصِّلون، أي يحصِّلون من الملأ الأعلى، وبعضهم كان يحصل من الآيات التي في الكائنات.
ولو تصفحنا كتب الصالحين الموجودة - لأن كثيرا منها ضاع عندما دخل المغول بغداد، فقد ألقوا هذه الكتب في نهر دجلة حتى صنعوا منها جسرا من الكتب، وضاعت هذه العلوم - لوجدنا الصالحين عندما يتحدثون عن خواص الأشياء كخواص النباتات أو الحيوانات أو النجوم؛ فإنهم يكشفون عن حقائق - ربما يكون العلم الحديث لم يصل إلي كل حقائقها بعد، مثال ذلك: ما الذي يلون النبات والثمار؟ ويضع فيه الطعم؟ ويضع فيه الروائح؟ ويصنع شكله وحجمه؟
علميا: يقولون جينات الوراثة فى البذور تحمل أصل ذلك، والغذاء يقويه وينميه بعد ذلك، وهذا علم قد ثبت بلا شك. ولكننا نقول لهم أنه هذه ليست الحقيقة كلها إذا كان الهواء ليس له طعم ولا لون ولا شكل، والأرض كذلك ليس بها طعم ولا لون ولا رائحة، والماء أيضا ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، وهذه هي المكونات التي تشكل العناصر التي تغذى النبات، فمن أين جاءت إذاً الطعوم والألوان والروائح للثمار التي نراها ونتناولها؟ وكيف تشكَّلت أحجامها؟ فهل الجينات وحدها وفقط قادرة على القيام بكل ذلك؟ أم إن هناك أسرار أخرى لم يصل إليها العلم بعد؟
العارفون الذين يكتشفون خواص الأشياء، مثل الإمام أبى العزائم، وغيره من رجال السلف الصالح، عندما ينظر أحدهم إلى النباتات؛ فإنها تتحدث معه، وتخبره عن الفوائد التي بها فيكتب هذه الفوائد، بعد سماعها من النبات نفسه، فهو الذي يعطيه خواص ذاته، فيكون حديثه عن هذا الشأن، ليس تأليفا ولا تخمينا. ولذلك، فالإمام أبو العزائم قال في هذا المجال:
هناك نجوم مخصصة لذلك، وقد أختصها الله بهذه الصفات، فهناك نجوم خاصة بالمذاقات للنباتات والفواكه، وهناك نجوم خاصيتها تعطي لها الروائح، ونجوم خاصة تعطي لها الشكل والحجم. ونحن جميعا قد لاحظنا هذا الموضوع عندما تكبر الخضراوات، ويزداد حجمها في الليالي المقمرة، وأصحاب الأراضي والمزارعون يعرفون ذلك بالفطرة، أن الليالي القمرية تكبر فيها الخضراوات والفواكه، لأن مجموعة النجوم الثمرية تظهر في هذا الوقت، وهي التي تتولى نمو الثمار. لكن مَنْ مِن العلماء يستطيع أن يكتشف هذه الحقيقة بالأجهزة ؟ والمعدات المادية ؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال، وإن كانوا يحاولون جهدهم
وقد أثبتوا أن جاذبية القمر والشمس تساهم مساهمة فاعلة فى جذب البراعم والنباتات لتخرج من الأرض وتتجه لأعلى عند نموها، فإن كانت جينات الوراثة فيها خطة النمو فإن القمر والشمس يساهمان فى تنفيذها بما ينفع الحياة، وأثبت العلم أن هناك ألاف من انواع الآشعة القادمة من السماء من النجوم وغيرها منها ما يعرفون طبيعته، وأغلبها مجهول لهم ولم يستطيعوا أن يعرفوا تأثيره بعد، فما وصلوا بالتجربة والإختبار إلى ما ألهم الله به الأخيار، قال عز وجل فى النجوم: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} النحل16
أي يهتدوا بها في ظلمة الليل ليس إلى الإتجاهات فحسب، ولكن إلى المذاقات والألوان وإلى الروائح وغيرها فقد خصها الحي القيوم بذلك، فالدراسة لا تستطيع أن تحصل هذه العلوم، لكن الذي يكتشفها علوم الوراثة.
[SIZE="3"]{1} سنن أبي داود وسنن ابن ماجة عن أبي الدر داء بلفظ {إن الأنبياء لا يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر}.
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%D5%E6%DD%ED%C9%20%DD%EC%20%C7%E1%DE%D1%C2%E4%20%E6%C7%E1%D3%E4%C9%20-%D82&id=19&cat=6
[URL="http://www.fawzyabuzeid.com/downbook.php?ft=pdf&fn=Book_Sophyia_in_quran_wasunna_E2.pdf"][SIZE="5"]منقول من كتاب {الصوفية فى القرآن والسنة} لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً[/SIZE][/URL]
https://www.youtube.com/watch?v=nhDOHRJ__5U
[/size]قد كان لي قبل أهواء مفرقـة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
إذا كان الغافل له هوى في النساء أو في المال أو في الأكل أو في أي شهوة أو غرض، فإن الذي عرف الله عينه لا تلتفت لحظةً هنا أو هناك. فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهده الله كل الجمالات من الجنَّات والعرش والكرسي، لكنه كما أثنى عليه ربه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
فلم يلتفت هنا أو هناك، وهل بعد جمال الله وكمال الله ينظر إلى شئ؟ وهل هناك ما يطرف العين بعد هذه الجمالات والكمالات، وكذلك الذي يرى الحَبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم هل يريد أن يرى شيئا بعده؟
قد كان لي قبل أهواء مفرقـة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذاتك يا ديـنى ودنيائــى
فالذي اشتغل بالله حقا وصدقا لا يلتفت لغيره طرفة عين ولا أقل، وهؤلاء هم الرجال الصادقون، الذين قال الله فيهم: {اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة119
لماذا؟ لتكونوا معهم على الأقل، فمن أحب قوما حشر معهم أو تكونوا منهم، وهذا الذي عنده همَّة وعزيمة فإما أن نكون معهم، أو منهم. فالذي منهم يرث، وماذا يرث؟ يرث علما ونوراً وحالاً وفتحاً وكشفاً والهاماً وفضلاً من ميراث الحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم: {إنما نورث علما ونورا}{1}
أي يأخذ حظه من العلم، أو حظه من النور، وما العلم الذي تركه رسول الله؟ علم القرآن، وعلوم الحقائق، وعلوم الدقائق، وعلوم الرقائق، وعلوم الفتح، وعلوم الكشف، وعلوم الفضل، علوما، يقول فيها الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
فلو أنى أبـوح ببعض ما بي لأحـرقت المشارق والمغارب
وولعت القلوب بحب ذات تحــلى من حلاها كل طالب
ويقول أيضا رضي الله عنه:
لو ذاق أهل البعد بعض مدامتى تركوا الجدال وأحرقوا علم الرسوم
علوماً، يقول فيها الإمام على رضي الله عنه: " لو فسرتُ فاتحة الكتاب بما أعلم، لوقرتم سبعين بعيرا"، علوما ليس لها حصر، من أين جاءت هذه العلوم؟ هذه وراثة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست دراسة بإعمال الفكر والعقل والمشاهدة أو التجربة، بل هي وراثة نبوية مصطفوية فعلوم الوراثة غير علوم الدراسة
فعلوم الدراسة: ربما يفنى المرء حياته كلها، ولا يستطيع أن يبلغ الغاية في التعمق في ميدان واحد من هذه الميادين، كما نرى. لكن علوم الوراثة: يحصل الإنسان فيها ما يشاء من العلوم في أقل من لمح البصر، إذا فتحوا له الباب وأدخلوه الرحاب، وكسوه حلة الأحباب، وجمَّلوه بجمال هذا الجناب، فإن كنوز فضل العلي الوهاب تنزل عليه بغير حساب: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} النور38
وهذه العلوم هي التي عاش فيها وبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكن أحدث نظرية تربوية في وزارة التربية والتعليم، أو التعليم الجامعي، يقولون فيها: نحن نوجه الطالب ليحصل المعلومة بنفسه، هذه هي النظرية القرآنية الإسلامية فرسول الله كان يوجههم وهم يحصِّلون، أي يحصِّلون من الملأ الأعلى، وبعضهم كان يحصل من الآيات التي في الكائنات.
ولو تصفحنا كتب الصالحين الموجودة - لأن كثيرا منها ضاع عندما دخل المغول بغداد، فقد ألقوا هذه الكتب في نهر دجلة حتى صنعوا منها جسرا من الكتب، وضاعت هذه العلوم - لوجدنا الصالحين عندما يتحدثون عن خواص الأشياء كخواص النباتات أو الحيوانات أو النجوم؛ فإنهم يكشفون عن حقائق - ربما يكون العلم الحديث لم يصل إلي كل حقائقها بعد، مثال ذلك: ما الذي يلون النبات والثمار؟ ويضع فيه الطعم؟ ويضع فيه الروائح؟ ويصنع شكله وحجمه؟
علميا: يقولون جينات الوراثة فى البذور تحمل أصل ذلك، والغذاء يقويه وينميه بعد ذلك، وهذا علم قد ثبت بلا شك. ولكننا نقول لهم أنه هذه ليست الحقيقة كلها إذا كان الهواء ليس له طعم ولا لون ولا شكل، والأرض كذلك ليس بها طعم ولا لون ولا رائحة، والماء أيضا ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، وهذه هي المكونات التي تشكل العناصر التي تغذى النبات، فمن أين جاءت إذاً الطعوم والألوان والروائح للثمار التي نراها ونتناولها؟ وكيف تشكَّلت أحجامها؟ فهل الجينات وحدها وفقط قادرة على القيام بكل ذلك؟ أم إن هناك أسرار أخرى لم يصل إليها العلم بعد؟
العارفون الذين يكتشفون خواص الأشياء، مثل الإمام أبى العزائم، وغيره من رجال السلف الصالح، عندما ينظر أحدهم إلى النباتات؛ فإنها تتحدث معه، وتخبره عن الفوائد التي بها فيكتب هذه الفوائد، بعد سماعها من النبات نفسه، فهو الذي يعطيه خواص ذاته، فيكون حديثه عن هذا الشأن، ليس تأليفا ولا تخمينا. ولذلك، فالإمام أبو العزائم قال في هذا المجال:
هناك نجوم مخصصة لذلك، وقد أختصها الله بهذه الصفات، فهناك نجوم خاصة بالمذاقات للنباتات والفواكه، وهناك نجوم خاصيتها تعطي لها الروائح، ونجوم خاصة تعطي لها الشكل والحجم. ونحن جميعا قد لاحظنا هذا الموضوع عندما تكبر الخضراوات، ويزداد حجمها في الليالي المقمرة، وأصحاب الأراضي والمزارعون يعرفون ذلك بالفطرة، أن الليالي القمرية تكبر فيها الخضراوات والفواكه، لأن مجموعة النجوم الثمرية تظهر في هذا الوقت، وهي التي تتولى نمو الثمار. لكن مَنْ مِن العلماء يستطيع أن يكتشف هذه الحقيقة بالأجهزة ؟ والمعدات المادية ؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال، وإن كانوا يحاولون جهدهم
وقد أثبتوا أن جاذبية القمر والشمس تساهم مساهمة فاعلة فى جذب البراعم والنباتات لتخرج من الأرض وتتجه لأعلى عند نموها، فإن كانت جينات الوراثة فيها خطة النمو فإن القمر والشمس يساهمان فى تنفيذها بما ينفع الحياة، وأثبت العلم أن هناك ألاف من انواع الآشعة القادمة من السماء من النجوم وغيرها منها ما يعرفون طبيعته، وأغلبها مجهول لهم ولم يستطيعوا أن يعرفوا تأثيره بعد، فما وصلوا بالتجربة والإختبار إلى ما ألهم الله به الأخيار، قال عز وجل فى النجوم: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} النحل16
أي يهتدوا بها في ظلمة الليل ليس إلى الإتجاهات فحسب، ولكن إلى المذاقات والألوان وإلى الروائح وغيرها فقد خصها الحي القيوم بذلك، فالدراسة لا تستطيع أن تحصل هذه العلوم، لكن الذي يكتشفها علوم الوراثة.
[SIZE="3"]{1} سنن أبي داود وسنن ابن ماجة عن أبي الدر داء بلفظ {إن الأنبياء لا يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر}.
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%D5%E6%DD%ED%C9%20%DD%EC%20%C7%E1%DE%D1%C2%E4%20%E6%C7%E1%D3%E4%C9%20-%D82&id=19&cat=6
[URL="http://www.fawzyabuzeid.com/downbook.php?ft=pdf&fn=Book_Sophyia_in_quran_wasunna_E2.pdf"][SIZE="5"]منقول من كتاب {الصوفية فى القرآن والسنة} لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً[/SIZE][/URL]
https://www.youtube.com/watch?v=nhDOHRJ__5U