حسن أحمد حسين العجوز



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حسن أحمد حسين العجوز

حسن أحمد حسين العجوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حسن أحمد حسين العجوز

منتدى علوم ومعارف ولطائف وإشارات عرفانية



    فضائل يوم عرفة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1942
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    فضائل يوم عرفة Empty فضائل يوم عرفة

    مُساهمة من طرف Admin الأحد يوليو 10, 2022 9:47 am

    فضائل يوم عرفة
    الحمد لله ربِّ العالمين، أكمل على عباده المؤمنين المنَّة، وجعل لهم عيدين في يوم واحد، ليشملهم جميعاً بكرمه ومعرفته وجوده وإكرامه. سبحانه .. سبحانه!! يعطي لا من قلة، ويغفر وليس لعلة، وإنما يعطي عطاءاً لا ينفد، ويغفر للقريب وللمبعد، لأنه عزَّ وجلَّ غفَّار الذنوب، وستَّار العيوب.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ بالجُودِ معروف، وبالكرم موصوف، لو وقف الخلق جميعاً على حياض حضرته، فسألوه من خيره وبرِّه وفضله وكرامته، فأعطى كل سائل مسألته، ما نقص ذلك من ملكه إلاَّ كما ينقص المخيط إذا وضع في البحر.
    وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، اختاره الله عزَّ وجلَّ لكمال رسالته، ولإتمام شريعته، وجعل له عيدين لتحتفل العوالم كلُّها معه صلى الله عليه وسلم بتمام الدين، وأنْزَلَ عليه في هذا اليوم الأغر الميمون: ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [ (3-المائدة).
    اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي بلَّغ عن الله فأحسن البلاغ، وأدَّى عن الله فأحسن الأداء، واجْزِهِ يا الله عنا خير الجزاء، واحشرنا في زمرته يوم اللقاء، واجعلنا تحت لواء شفاعته أجمعين. آمين .. يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
    فيا إخواني ويا أحبابي في الله ورسوله: تفضل الله عزَّ وجلَّ على المؤمنين أجمعين - سواء الحجاج، أو المعتمرين، أو المقيمين في بلدانهم مثلنا - تفضَّل الله على الجميع بهذا اليوم، فجعل يوم عرفة يوافق يوم الجمعة، وقد قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه: لقد نزلت عليكم آية، لو نزلت علينا لجعلنا يومها عيداً، قال: وما تلك الآية؟ قالوا: قول الله عزَّ وجلَّ ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا[ (3-المائدة). فقال رضى الله عنه: أشهد أنها نزلت في يوم عيدين اثنين، نزلت في يوم عرفة وكان يوم جمعة.
    فيوم عرفة يوم عيد، ويوم الجمعة يوم عيد. يوم عرفة يوم عيد لحجاج بيت الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يَتَنَزَّلُ لصباح هذا اليوم إلى السماء الدنيا، ويأمر الملائكة أجمعين أن يتنزلوا ليشاهدوا هذا الحفل العظيم، حتى أن الملائكة الموكلين بالأعمال، يعطيهم إذناً أن ينتهوا ويتركوا الأعمال ليشهدوا حجاج بيت الله، وهم واقفون ضارعين متبتلين، مخبتين بين يدي الله عزَّ وجلَّ، فإذا شهدوهم أو رأوهم، قال الله عزَّ وجلَّ لهم - مباهياً بعباده المؤمنين للملائكة المقربين: { يَا مَلائِكَتِي: انْظُرُوا إلى عِبَادِي شُعْثاً غُبْراً، أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إليَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ، وَشَفَعْتُ رَعِيَّتَهُمْ ،وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنِيهِمْ جَميعَ مَا سألوني }[2].
    فيتجلى عليهم الغفَّار، فيغفر لهم جميع الذنوب والأوزار، ما داموا قد تحروا المال الحلال، والزاد الحلال، والنفقة الحلال، وهم متوجهون لله عزَّ وجلَّ. ولذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:{ أعظم الناس ذنباً مِنْ وقف بعرفة فظنَّ أنَّ الله لم يغفر له }[3].
    وهل يغفر الله لهم ما بينه وبينهم فقط، أو يتجلى ويغفر لهم جميع الذنوب؟ إن الله عزَّ وجلَّ - على الحقيقة يا إخواني - يغفر لهم جميع الذنوب، ما ظهر منها وما بطن، ما صغر منها وما كبُر، ما كان بينهم وبين الله، وما كان بينهم وبين أحدٍ من خلق الله. وإليكم الدليل على ذلك من حديث سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
    { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ: أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ، فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ، وَغَفَرْتَ لِلْظَّالِمِ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ.، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضى الله عنه: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟!! أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ. قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ} [4].
    ومن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: { إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ } [5].
    وقال صلى الله عليه وسلم: { إن الله يتجلى لأهل عرفة فيغفر لهم الذنوب جميعاً }[6]، فقال سيدنا عمر: يا رسول الله أهذا لنا خاصة أم لنا ولمن بعدنا؟ فأخبرهم صلى الله عليه وسلم: أن هذا لهم ولمن بعدهم إلى يوم القيامة ... { إذا كان يوم عرفة نزل الله عزَّ وجلَّ إلى السماء الدنيا، ونظر إلى خلقه، فغفر لهم جميعاً. فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هذا لكم وللناس من بعدي }[7]، فأخذ سيدنا عمر رضى الله عنه يحجل من شدة الفرح ويقول: قد فاض خير ربنا وطاب، قد فاض خير ربنا وطاب.
    فذلك اليوم - يا إخواني - يوم غفران الذنوب، وستر العيوب، بل إن الله عزَّ وجلَّ - من فضله وكرمه - لا يغفر للحاج في نفسه فقط، بل كما يقول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: { يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ }[8]. فإذا استغفر الحاج لرجل هنا أو امرأة هنا، فإن الله من فضله وجوده وكرمه يقبل هذا الاستغفار، ويغفر لأهله وذويه الذين يستغفر لهم على بساط ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ. فإذا غفر لهم الذنوب، وضمن عنهم التبعات، وغفر لهم ذنوب ذويهم وأحبابهم، قال لهم: ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (60-غافر)، فينظر إلى دعائهم فيستجيب لهم الدعاء، ويحقق لهم الرجاء، ويلبي لهم المطالب.
    لماذا؟!! لأنهم جاءوا إلى الله عزَّ وجلَّ وقد خرجوا من حولهم وطولهم، ولبسوا في إحرامهم أكفانهم عند موتهم، ووقفوا بين يدي ربِّهم، وهم يستحضرون يوم الجمع على الله. فالجميع سواسية أمام الله، ليس هناك أمير أو حقير، ولا وزير ولا خفير، وليس هناك غنيٌّ أو فقير، ولا ذو طول أوضعيف، بل الكل بين يدي الله يلبسون الأكفان البيضاء، وقد تجردوا من الحول، وقد تجردوا من الطول، وقد تركوا خلفهم مناصبهم وعشائرهم، وأولادهم وبلادهم، وأموالهم وكل شئ يتباهون به في هذه الحياة، ووقفوا بين يدي الله، وقدموا بين أيديهم ذنوبهم ومعاصيهم وقبائحهم، يرجون من الله أن يغفرها لهم.
    فالرحمن الرحيم يرحمهم، ويرحم ضعفهم، ويرحم فقرهم، ويرحم ذلَّهم، فيغفر لهم، ويستجيب لهم، ويردُّهم كما ولدتْهم أمهاتهم، كما قال النبي الكريم: {مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[9].
    هذا اليوم الكريم - يا إخواني - في السنوات العادية، فما بالكم إذا وافق هذا اليوم يوم الجمعة؟ وهو اليوم الذي احتفل به الله مع نبيِّ الله، ومع أصحاب رسول الله، ومع ملائكة الله بتمام نزول شرع الله، وبإتمام دين الله، الذي اختاره الله عزَّ وجلَّ ديناً قيماً يملأ حياة الناس بالإيمان، والمحبة والسلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
    فإذا وافق يوم الجمعة، فقد وافق حجَّة النبيِّ في حجَّة الوداع - صلى الله عليه وسلم - ويوافق اليوم الذي سنقوم فيه للقيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمعَةِ }[10].
    فهؤلاء القوم في هذا اليوم كأنهم يستحضرون يوم القيامة، ويوم القيامة سيكون يوم جمعة، وسنخرج فيه جميعاً من قبورنا ومن لحودنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا، ليس لنا لباس يواري سوءاتنا إلاَّ من له تُقَى عند الله، وعمل صالح قدمه إلى الله، ومن هنا قال القائل:
    إذا المرءُ لم يلبسْ ثياباً من التُّقَى
    تَقَلَّبَ عُرياناً وإن كان كاسياً
    وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربِّهِ
    ولا خَيْرَ فِيمَنْ كان لله عاصياً
    نقوم جميعاً في هذا اليوم وليس معنا مدخراتنا، وليس معنا دفاتر شيكاتنا، وليس معنا ما نحتفظ به من صنوف أموالنا، لأننا نخرج إلى الله، ويجول في آذاننا قول الله: ]وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ[ (94-الأنعام). فلا يستطيع أن يباهي في ذلك اليوم ببنيه، ولا بأخيه ولا بذويه، ولابفصيلته التي تأويه، بل إن الإنسان في هذا اليوم العظيم لا ينفعه إلا ما قدمت يداه.
    فما أكرم هذا اليوم على الله!! فلا تشغلوا أنفسكم - يا عباد الله - ولو من هذه اللحظة إلى غروب الشمس إلا بطاعة الله، أو بذكر الله، أو بالاستغفار لله، أو بالندم على ما ارتكبناه، حتى يتفضل علينا الله مع حجاج بيت الله، فَيَعُمَّنّا جميعاً بغفرانه، ويحفنا جميعاً برضوانه، ويغفر لنا معهم، ويستجيب لنا الدعاء معهم، لأننا نشاركهم في الإنابة، ونشاركهم في التوبة، ونشاركهم في الاستغفار، ونشاركهم في الدعاء.
    قال صلى الله عليه وسلم: { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ }[11].
    وقال صلى الله عليه وسلم:{التائب حبيب الرحمن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}[12].
    ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي هدانا لكتابه، وجعلنا من أمة خير أحبابه، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يهدينا لطريق صوابه، وأن يحفظنا من المخالفة لجنابه، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ غفَّارٌ للذنوب، وستَّارٌ للعيوب، وفرَّاجٌ للكروب، وكاشفٌ لكل الهموم.
    وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، هدانا للصراط المستقيم، وهدانا للحجة، وأظهر لنا المحجة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارِها، لا يزيغ عنها بعده إلاَّ هالك.
    اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشرّ، ونجِّنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
    فيا إخواني ويا أحبابي في الله ورسوله: نذكر في عجالة سريعة، ما يجب علينا جميعاً أن نتبعه في هذا اليوم، وفي هذه الأيام التالية إن شاء الله: فأول ما يجب علينا في هذا اليوم وفيما بعده أن نكبِّر الله عزَّ وجلَّ عقب كل صلاة، وهذا التكبير سُنَّة، يقول فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَكبِِيرِ}[13]، ووقته يبدأ من صلاة الفجر في هذا اليوم - في يوم عرفة - إلى عصر اليوم الرابع من ايام العيد إن شاء الله.
    نكبِّرُ جميعاً، ونحن نكبِّر إذا صلينا في بيت الله في جماعة، لكن يجب أن نعلم أن التكبير لكل مصلٍّ ولو صلى بمفرده، فلو جئت بعد الجماعة فعليك أن تكبِّر عقب الصلاة، حتى الذي يصلِّي نوافل زائدة، أو من يصلي الضحى، أو من يصلي قيام الليل، عليه - بعد هذه النوافل - أن يكبِّر الله عزَّ وجلَّ، حتى لو حضرنا جنازة في هذه الأيام فعلينا أن نكبِّر عقب صلاة الجنازة، تأسياً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلينا أن نأمر نساءَنا وبناتِنا أن يكبرن في البيوت، وإن كن يكبرن بصوت خافت، لكن عليهن أيضاً أن يكبرن - عقب كل صلاة- الله عزَّ وجلَّ في هذه الأيام المباركة.
    ثم علينا بعد ذلك أن نشغل هذا الوقت - كما يعمل حجاج بيت الله - بطاعة الله إلى آذان المغرب، نقوم جميعاً بين يدي الله مخبتين، منيبين تائبين، مسبحين مهللين، مكبرين تالين لكتاب الله عزَّ وجلَّ، إلى هذا الوقت والحين. ثم علينا بعد ذلك أن نتجهز لصلاة العيد، فنقَلِّم أظافرنا، ونحلق شعورنا، إلاَّ مَنْ كان عنده أضحية، فالسُّنَّةُ في حقِّه هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَتْ أَيَّامُ الْعِشْرِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ أَظْفَارِهِ حتى يذبح أضحيته }[14].
    يعني لا يَحْلِق حتى لصلاة العيد، لأن الأضحية لا تنفع ولا يكون لها ثوابها إلا بعد أداء صلاة العيد، فالذي عنده أضحية لا يحلق شعره ولا يقصر ظفره، حتى يصلي العيد ويذبح أضحيته، وذلك لكمال تشبهه بحجاج بيت الله الحرام، فإنهم لا يقصرون، ولا يقلمون، إلا بعد أن يرمون جمرة العقبة، ويذبحون الهدى لله، ثم يحلقون شعورهم، ويقلمون أظافرهم.
    فعلينا أن نحلق شعورنا لغير المضحي، ونقلم أظافرنا، ثم نغتسل ليلة العيد أو صباح العيد ونقول: نويت الاغتسال - غسل العيد - سُنَّةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لله تعالى. أو نستحضر هذه المعاني بقلوبنا فالنيَّة محلها القلب.
    فإذا أصبح الغد - وهو يوم العيد - نلبس خير ما عندنا، ويستحسن أن تكون الثياب جديدة، فإذا لم يكن عندنا جديد فنلبس خير ما عندنا، فإذا لم يوجد نلبس الثياب البيضاء، ونضع العطر، ونخرج من البيت ومعنا أولادنا نكبِّر الله عزَّ وجلَّ - من لحظة الخروج من البيت - في بيتنا، وفي شوارعنا، بصوت عال حتى ندخل إلى بيت الله عزَّ وجلَّ لنكبِّر مع المكبِّرين.
    فعلينا أن نفرِّح بيوتنا، ونفرِّح طرقاتنا، ونفرِّح شوارعنا، بالتكبير فيها ونحن سائرون فيها، فإذا صلينا العيد جلسنا لسماع الخطبة من الإمام، ثم بعدها نصافح إخواننا المؤمنين، وننْزِع الغلَّ والشُّحَّ، والحقد والكره من الصدور، ونرجع من طريق آخر حتى نكثر من السلام على المؤمنين، فنسلم على قوم آخرين في طريقنا غير الذين سلمنا عليهم في مجيئنا.
    نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر علينا عيوبنا، وأن يجعلنا من الذين يشملهم في هذا اليوم بغفرانه، ويكتب لهم جنات رضوانه، ويحل عليهم كرمه وإحسانه.
    اللهم إنا قد قصَّرت بنا النفقة، وكنا نود أن نكون بين يديك في وسط هؤلاء الحجيج، فلا تحرمنا من المغفرة التى تغفر بها لهم، ولا تحرمنا إجابة الدعاء الذي تتفضل به عليهم.
    الله اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ووفق ولاة أمورنا والمسلمين أجمعين - حكام ومحكومين - لما تحبه وترضاه.
    عباد الله: اتقوا الله } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (90-النحل).
    ******************
    [1] كانت هذه الخطبة يوم وقفة عرفة 9 من ذي الحجة 1414هـ الموافق 20/5/1994م بمسجد سيدي سعد الدين الجيباوي بقرية البندرة - مركز السنطة - غربية.
    [2] رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق على أنس.
    [3] قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، وجدنا ذلك فى كشف الخفاء .
    [4] رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه.، الترغيب والترهيب وغيره.
    [5] رواه صاحب الترغيب والترهيب عن أنس.
    [6] رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق عن أنس.
    [7] رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن عائشة.
    [8] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.
    [9] رواه الدار قطنى في سننه، وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.
    [10] رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه والحاكم في المستدرك وأبي داود في سننه والترمذي والنسائي وأحمد وأي يعلى عن أبي هريرة.
    [11] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.
    [12] أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.
    [13] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الكبير عن أبي هريرة.
    [14] رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ومسلم والبيهقي في سننه عن أم سلمة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 7:47 pm