فضيلة الشيخ / فوزى محمد أبو زيد
خطبة الجمعة: 26/7/2019 موافق 23 ذي القعدة 1440 هـ
{لماذا فرض الله تبارك وتعالى الحج؟}
الحمد لله رب العالمين، أشرق بوجهه الجميل على البيت الذي بناه لحضرته إبراهيم الخليل، فهامت الأرواح والقلوب شوقاً إلى زيارته رغبةً في لقاء حضرة الجليل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يحده زمان، ولا يحويه مكان، ولا يعبر عن حضرته لسان، ولا يتحمَّل ذرةً من أنواره قلبٌ ولا جنان، بل هو كما وصف نفسه بنفسه فس القرآن:
" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (11الشورى).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أقام الله به معالم مناسك الهدى، بعد أن اندرست بعد إبراهيم خليل الرحمن، فأحيا الشريعة والملة وبين الطريقة القويمة للحج إلى بيت الله، وقال لنا وللمسلمين من قبلنا ومن بعدنا:
(خذوا عني مناسككم).
[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ـ رواه أحمد ومسلم والنسائي].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد خير من صلى لله وقام وصام، وخير من اعتمر وحج وطاف وسعى بين الركن والمقام، وخير من وقف بعرفات، ولأجله أنزل الله علينا ما لا يعد ولا يحد من أنواع الإكرام.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل من مشى على هديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
سؤالٌ ربما يدور بخلد كل مسلم:
كيف تم فرض فريضة الحج على المسلمين؟ ولماذا فرضها الله تبارك وتعالى على المؤمنين؟ وهو غنيٌ عن مشقتنا ودفع أموالنا وإرهاقنا أجمعين؟
لما أراد الله تبارك وتعالى قبل خلق آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، أراد تكريم عظماء الملائكة فشاورهم في الأمر وقال كما في القرآن:
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الارْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (30البقرة).
كانت الأرض يسكنها قبائل من الجن قبل خلق آدم، وملأوها حروباً وقتلاً وتقتيلا، فلما شاع أمرهم أمر الله الملائكة أن تهبط إلى الأرض فتزيلهم وتطهرها منهم، فلما أخبرهم أنه سيجعل في الأرض خليفة، ظنُّوا على حسب رؤيتهم القاصرة أن هذا الخليفة سيكون كالجن الذين سكنوا في الأرض من قبل، فقالوا:
" قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ " (30البقرة).
وزكُّوا أنفسهم لأنهم كما قال الله في شأنهم:
" لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " (6التحريم).
كأنهم يقصدون نحن أولى بهذا المنصب، فنحن الذين ننزهك أي نقدسك، ونسبح لك ونصلي لك ونقوم لك بالعبادة على الدوام، فقال الله تعالى:
" إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (30البقرة).
فعلموا أنهم أخطأوا وأساءوا الأدب في الإجابة مع حضرة الله، وكان ينبغي عليهم أن يفوضوا الأمر إلى حضرته، ويقولون له: أنت أعلم بمرادك.
وأرادوا أن يكفروا عن خطأهم والله عز وجل جعل لهم بيتاً معمورا وهو بيتٌ من النور مقابل الكعبة المباركة فوق السماء السابعة، فذهبوا حوله يطوفون ويطفون أي يدورون دورةً كاملة يستغفرون ويتوبون ويطلبون من الله الإقالة من العثرة التي وقعوا فيها.
فلما إنتهوا من طوافهم وقبل الله عز وجل توبتهم، قال لهم: إهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم يأتون إليه فيطوفون كما طفتم، فأغفر لهم كما غفرت لكم.
فنزل الملائكة ـ وكان هذا أول بناءٍ للبيت ـ بناه الملائكة الكرام في هذا الموضع بأمرٍ من ذي الجلال والإكرام تبارك وتعالى.
وعندما خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام، وخلق من ضلعه حواء، وقال لهما:
أسكن أنت وزوجك الجنة ولا تأكلا من هذه الشجرة، فعصى آدم ربه فغوى كما قال الله وأكلا من الشجرة التي نهاه عنها مولاه.
ما الشجرة وما نوعها؟
أمرٌ سكت عنه الجليل، فلا ينبغي أن نبحث عنه ولا نتكلم فيه في القال والقيل، فهو أمرٌ خفي ولو كان فيه سرٌ جلي لأظهره الله تبارك وتعالى لنا وما أخفاه علينا.
وبمجرد أن أكل من الشجرة نزلت ملابسه وملابس زوجته، وبدت لهما يعني ظهرت لهما عوراتهما، وأُهبطا إلى الأرض.
ونزل آدم في بلاد الهند، ونزلت حواء في جدة من بلاد الحجاز، وأخذ آدم يضرع إلى الله ويتوب إلى الله، قيل في بعض الروايات أنه مكث ثلاثمائة عامٍ يضرع ويتوب إلى الله تبارك وتعالى، حتى نزل عليه الأمين جبريل فقال:
يا آدم إذهب إلى بيت الله وطُف حوله يغفر لك الله تبارك وتعالى.
فجاء آدم من بلاد الهند إلى مكة ماشياً ولم يكن على ظهر البسيطة من الإنس غيره هو وزوجه وهما بعيدان عن بعض في تلك الآنات.
ووصل إلى البيت ووضع صدره في الجزء الذي هو بين باب البيت والحجر الأسعد، وألصق صدره بالبيت ورفع يديه على جدار البيت وأخذ يقول لرب البيت تبارك وتعالى:
[اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، اللهم ارزقني إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أُحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت، إنك على كل شيئ قدير].
فناداه الله تبارك وتعالى:
(يا آدم قد دعوتنا بدعوات، فاستجبنا لك، وغفرنا لك، وكل من جاء من ذريتك إلى هذا البيت وطاف حوله، غفرنا له ذنبه ووسعنا له رزقه ونزعنا الفقر من بين عينيه ووضعنا اليقين والإيمان في قلبه، وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه).
[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
أو كما قال:
أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتفين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، ناصر الضعفاء والفقراء والمساكين .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد النور المبين، وآله الغُر الميامين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
تعالوا نطالع كشف المنح الإلهية التي يمنحها الله رضي الله عنه لحجاج بيته الحرام:
وشرط هذه المنح كلها أن يكون ماله من حلال، وأن تكون نيته خالصةً لوجه الله، لا يبغي من وراء هذا الحج لا سمعة ولا رياء ولا شهرة، فإذا كان على هذا المنوال، ومشى على منهج الحبيب صلى الله عليه وسلَّم في حجته المباركة، يُكرمه الله عز وجل بعدد من المنح نجتذب بذكر بعضها خوفاً من الإطالة.
أول منحة:
أن الله يغفر له كل ما مضى من الذنوب، فيرجع طاهراً كيوم ولدته أُمه له الحسنات، وحفظ الله تبارك وتعالى ومحا بفضله عنه الذنوب والسيئات.
المنحة الثانية:
أن الله عز وجل يرزقه كارت الأمان يوم لقاء حضرة الرحمن.
فهو في أمانٍ في لحظة الموت، فيموت على خير موتة يحبها الله ويرضاها.
وهو في أمان من سؤال الملكين في القبر.
وهو في أمان من أهوال يوم القيامة.
وهو في أمن من دخول جهنم، لأن الله قال عن هذا البيت:
" وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا " (97آل عمران).
يحظى بالأمان من الرحمن تبارك وتعالى.
المنحة الثالثة:
أن الله عز وجل يضمن له إن حافظ على العمل الصالح بعد حجته ولم يرجع إلى ما كان فيه فيما مضى من الذنوب والعيوب أن يدخله الجنة، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
المنحة الرابعة:
أن الله يستجيب له الدعاء ويحقق له الرجاء ويجعل دعاءه حتى لمن دعا له مجاباً، واستغفاره لمن يستغفر له مقبولاً، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله ينظر إلى أهل عرفات ويباهي بهم ملائكة السماوات فيستجيب لهم الدعاء، ويحقق لهم الرجاء).
[الصحيحان عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج).
[البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ولذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين يستقبلون الحجيج بالترحاب بعد رجوعهم، ويقولون للحاج الراجع من فضل الله:
إستغفر لنا، لأن استغفاره مقبولٌ ولا يُرد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم.
المنحة الخامسة:
أن كل الذي ينفقه في سبيل هذه السفرة الموفقة من مال :
أولاً:
يُضاعف له كما قال صلى الله عليه وسلَّم:
(النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسعمائة ألف درهم).
[عن عليٍّ رضي الله عنه رواه الحاكم ووافقه الألباني].
ثانياً:
لابد أن يخلفه الله عليه أو على ذريته من بعده، فكأنه لم يدفع شيئاً، لأن الله قال:
" مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " (39سبأ).
منحٌ لا تعد ولا تحد، أكتفي منها بهذا النذر اليسير عسى الله أن يبلغنا أجمعين ذلك وأن نكون جميعاً أهلاً لذلك.
اللهم ارزقنا أجمعين حج بيتك الحرام، كراتٍ ومرات، وزيارة روضة حبيبك المصطفى، واجعلنا ممن تدعوهم إلى زيارتك في بيتك الحرام، وتوفقهم على الوصول إلى ذلك بإكرامٍ منك وإنعام.
اللهم أحفظ الحجيج وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين ولا تجعل بينهم ولا حولهم شيئاً يخيفهم ويروعهم واجعلهم في جوار بيتك آمنين يا أكرم الأكرمين.
خطبة الجمعة: 26/7/2019 موافق 23 ذي القعدة 1440 هـ
{لماذا فرض الله تبارك وتعالى الحج؟}
الحمد لله رب العالمين، أشرق بوجهه الجميل على البيت الذي بناه لحضرته إبراهيم الخليل، فهامت الأرواح والقلوب شوقاً إلى زيارته رغبةً في لقاء حضرة الجليل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يحده زمان، ولا يحويه مكان، ولا يعبر عن حضرته لسان، ولا يتحمَّل ذرةً من أنواره قلبٌ ولا جنان، بل هو كما وصف نفسه بنفسه فس القرآن:
" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (11الشورى).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أقام الله به معالم مناسك الهدى، بعد أن اندرست بعد إبراهيم خليل الرحمن، فأحيا الشريعة والملة وبين الطريقة القويمة للحج إلى بيت الله، وقال لنا وللمسلمين من قبلنا ومن بعدنا:
(خذوا عني مناسككم).
[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ـ رواه أحمد ومسلم والنسائي].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد خير من صلى لله وقام وصام، وخير من اعتمر وحج وطاف وسعى بين الركن والمقام، وخير من وقف بعرفات، ولأجله أنزل الله علينا ما لا يعد ولا يحد من أنواع الإكرام.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل من مشى على هديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
سؤالٌ ربما يدور بخلد كل مسلم:
كيف تم فرض فريضة الحج على المسلمين؟ ولماذا فرضها الله تبارك وتعالى على المؤمنين؟ وهو غنيٌ عن مشقتنا ودفع أموالنا وإرهاقنا أجمعين؟
لما أراد الله تبارك وتعالى قبل خلق آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، أراد تكريم عظماء الملائكة فشاورهم في الأمر وقال كما في القرآن:
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الارْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (30البقرة).
كانت الأرض يسكنها قبائل من الجن قبل خلق آدم، وملأوها حروباً وقتلاً وتقتيلا، فلما شاع أمرهم أمر الله الملائكة أن تهبط إلى الأرض فتزيلهم وتطهرها منهم، فلما أخبرهم أنه سيجعل في الأرض خليفة، ظنُّوا على حسب رؤيتهم القاصرة أن هذا الخليفة سيكون كالجن الذين سكنوا في الأرض من قبل، فقالوا:
" قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ " (30البقرة).
وزكُّوا أنفسهم لأنهم كما قال الله في شأنهم:
" لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " (6التحريم).
كأنهم يقصدون نحن أولى بهذا المنصب، فنحن الذين ننزهك أي نقدسك، ونسبح لك ونصلي لك ونقوم لك بالعبادة على الدوام، فقال الله تعالى:
" إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (30البقرة).
فعلموا أنهم أخطأوا وأساءوا الأدب في الإجابة مع حضرة الله، وكان ينبغي عليهم أن يفوضوا الأمر إلى حضرته، ويقولون له: أنت أعلم بمرادك.
وأرادوا أن يكفروا عن خطأهم والله عز وجل جعل لهم بيتاً معمورا وهو بيتٌ من النور مقابل الكعبة المباركة فوق السماء السابعة، فذهبوا حوله يطوفون ويطفون أي يدورون دورةً كاملة يستغفرون ويتوبون ويطلبون من الله الإقالة من العثرة التي وقعوا فيها.
فلما إنتهوا من طوافهم وقبل الله عز وجل توبتهم، قال لهم: إهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم يأتون إليه فيطوفون كما طفتم، فأغفر لهم كما غفرت لكم.
فنزل الملائكة ـ وكان هذا أول بناءٍ للبيت ـ بناه الملائكة الكرام في هذا الموضع بأمرٍ من ذي الجلال والإكرام تبارك وتعالى.
وعندما خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام، وخلق من ضلعه حواء، وقال لهما:
أسكن أنت وزوجك الجنة ولا تأكلا من هذه الشجرة، فعصى آدم ربه فغوى كما قال الله وأكلا من الشجرة التي نهاه عنها مولاه.
ما الشجرة وما نوعها؟
أمرٌ سكت عنه الجليل، فلا ينبغي أن نبحث عنه ولا نتكلم فيه في القال والقيل، فهو أمرٌ خفي ولو كان فيه سرٌ جلي لأظهره الله تبارك وتعالى لنا وما أخفاه علينا.
وبمجرد أن أكل من الشجرة نزلت ملابسه وملابس زوجته، وبدت لهما يعني ظهرت لهما عوراتهما، وأُهبطا إلى الأرض.
ونزل آدم في بلاد الهند، ونزلت حواء في جدة من بلاد الحجاز، وأخذ آدم يضرع إلى الله ويتوب إلى الله، قيل في بعض الروايات أنه مكث ثلاثمائة عامٍ يضرع ويتوب إلى الله تبارك وتعالى، حتى نزل عليه الأمين جبريل فقال:
يا آدم إذهب إلى بيت الله وطُف حوله يغفر لك الله تبارك وتعالى.
فجاء آدم من بلاد الهند إلى مكة ماشياً ولم يكن على ظهر البسيطة من الإنس غيره هو وزوجه وهما بعيدان عن بعض في تلك الآنات.
ووصل إلى البيت ووضع صدره في الجزء الذي هو بين باب البيت والحجر الأسعد، وألصق صدره بالبيت ورفع يديه على جدار البيت وأخذ يقول لرب البيت تبارك وتعالى:
[اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، اللهم ارزقني إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أُحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت، إنك على كل شيئ قدير].
فناداه الله تبارك وتعالى:
(يا آدم قد دعوتنا بدعوات، فاستجبنا لك، وغفرنا لك، وكل من جاء من ذريتك إلى هذا البيت وطاف حوله، غفرنا له ذنبه ووسعنا له رزقه ونزعنا الفقر من بين عينيه ووضعنا اليقين والإيمان في قلبه، وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه).
[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
أو كما قال:
أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتفين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، ناصر الضعفاء والفقراء والمساكين .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد النور المبين، وآله الغُر الميامين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
تعالوا نطالع كشف المنح الإلهية التي يمنحها الله رضي الله عنه لحجاج بيته الحرام:
وشرط هذه المنح كلها أن يكون ماله من حلال، وأن تكون نيته خالصةً لوجه الله، لا يبغي من وراء هذا الحج لا سمعة ولا رياء ولا شهرة، فإذا كان على هذا المنوال، ومشى على منهج الحبيب صلى الله عليه وسلَّم في حجته المباركة، يُكرمه الله عز وجل بعدد من المنح نجتذب بذكر بعضها خوفاً من الإطالة.
أول منحة:
أن الله يغفر له كل ما مضى من الذنوب، فيرجع طاهراً كيوم ولدته أُمه له الحسنات، وحفظ الله تبارك وتعالى ومحا بفضله عنه الذنوب والسيئات.
المنحة الثانية:
أن الله عز وجل يرزقه كارت الأمان يوم لقاء حضرة الرحمن.
فهو في أمانٍ في لحظة الموت، فيموت على خير موتة يحبها الله ويرضاها.
وهو في أمان من سؤال الملكين في القبر.
وهو في أمان من أهوال يوم القيامة.
وهو في أمن من دخول جهنم، لأن الله قال عن هذا البيت:
" وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا " (97آل عمران).
يحظى بالأمان من الرحمن تبارك وتعالى.
المنحة الثالثة:
أن الله عز وجل يضمن له إن حافظ على العمل الصالح بعد حجته ولم يرجع إلى ما كان فيه فيما مضى من الذنوب والعيوب أن يدخله الجنة، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
المنحة الرابعة:
أن الله يستجيب له الدعاء ويحقق له الرجاء ويجعل دعاءه حتى لمن دعا له مجاباً، واستغفاره لمن يستغفر له مقبولاً، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله ينظر إلى أهل عرفات ويباهي بهم ملائكة السماوات فيستجيب لهم الدعاء، ويحقق لهم الرجاء).
[الصحيحان عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج).
[البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ولذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين يستقبلون الحجيج بالترحاب بعد رجوعهم، ويقولون للحاج الراجع من فضل الله:
إستغفر لنا، لأن استغفاره مقبولٌ ولا يُرد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم.
المنحة الخامسة:
أن كل الذي ينفقه في سبيل هذه السفرة الموفقة من مال :
أولاً:
يُضاعف له كما قال صلى الله عليه وسلَّم:
(النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسعمائة ألف درهم).
[عن عليٍّ رضي الله عنه رواه الحاكم ووافقه الألباني].
ثانياً:
لابد أن يخلفه الله عليه أو على ذريته من بعده، فكأنه لم يدفع شيئاً، لأن الله قال:
" مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " (39سبأ).
منحٌ لا تعد ولا تحد، أكتفي منها بهذا النذر اليسير عسى الله أن يبلغنا أجمعين ذلك وأن نكون جميعاً أهلاً لذلك.
اللهم ارزقنا أجمعين حج بيتك الحرام، كراتٍ ومرات، وزيارة روضة حبيبك المصطفى، واجعلنا ممن تدعوهم إلى زيارتك في بيتك الحرام، وتوفقهم على الوصول إلى ذلك بإكرامٍ منك وإنعام.
اللهم أحفظ الحجيج وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين ولا تجعل بينهم ولا حولهم شيئاً يخيفهم ويروعهم واجعلهم في جوار بيتك آمنين يا أكرم الأكرمين.