قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} هود
هي سنة الخلق، متى تعلم أن الزمن فاضلاً؟ إذا كان لا يوجد خلافٌ ولا اختلاف، وهذا مارأيناه ونحن صغاراً، أن البلاد كلها ليس فيها خلاف، لماذا؟ لأن الوضع كان كله لرجال الأزهر، فالطالب الذي كان لم يزل في الإبتدائية الأزهرية كان من يخطب الجمعة في البلد، وكان يُصلي بالناس، وهو من يُفتي بالناس، وعندما جاء مُدَّعو العلم وجعلوا أنفسهم العلماء، وغيرهم ليس بعلماء وابتدعوا أول بدعة في الدين تخالف نهج الأولين والآخرين وهي سبُّ العلماء الأحياء والأموات، بالتجريح والشتم والسب واللعن، حتى أن الناس يخافون من بذاءة ألسنتهم، وليس ما يمنع بعد ذلك أنه يتعارك ويُحدث مشاكل ويظن أنه على الحق، ومن أين جاءت هذه البدع؟ جاءتنا من الوهابية وما تفرَّع من هذه الأفكار التي دخلت إلى بلادنا من البلاد المجاورة، وهي التي فعلت هذه المشاكل الآن. فعندما كانت مصر ورجال الأزهر وفقط ـ هل كان هناك مشاكل في أى بلد؟، هل كنت تجد طالب علم يتجرأ على الإمام الفلاح الذي يصلي بنا ويقول له: أنت لا تصلح لأن تكون إماماً؟، لم يكن يحدث ذلك، وكان العلماء يخطبون الجُمع بقراءة من الورق المكتوب، وكان بعضهم يحفظ ثلاثة أو أربعة خطب ويدور بها على البلاد ولم يكن أحدٌ يتكلم. ولما جاءت الفتنة التي حدثت والتي تنبأ بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها وقد قال في شأنها: {تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ}{1}
وها هي كالليل تماماً، ومتى يا رسول الله؟ قال: {يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ: مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}{2}
سفهاء الأحلام، فيكون معه دكتوراه، ولكنه سفيهٌ في العلم ويتكلم بما يُسفِّه به عقول الناس. يكون معه دكتوراه وأستاذٌ في الجامعة، ما الذي يجعله يظهر على التلفاز ويقول: أن ماء زمزم لسيت شفاء، وأن صوم رمضان ليس فيه شفاء؟ سَفَهٌ عقليٌ غير منضبط، والنصيحة تقول له: إذا ابتليتم فاستتروا، ولا تفضح نفسك على الملأ. ثم أين هي الأدلة التي معك، قالوا له: ومن أين لك بذلك؟ قال: أن رجلاً من السعودية عمل بحثاً وقال فيه كذا، وأين هذا البحث؟ قال: لا أعرف أين هو، وطالما أنك لا تعرف أين نشره فلماذا تنشر هذا الفكر؟ وتلغي كلام النبوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام: {صُومُوا تَصِحُّوا}{3}
فيقول ليس فيه صحَّة، نقول له: ليس فيه صحة للمريض، فإذا كان عنده داءٌ عضال فهذا يأمره الدين أن يفطر. وفي أكل لحم الخنزير نفس الأمر لأنه لم يرُد عليه أحد، وأخذ برأيه في أن الخنزير إذا أكل في مكان نظيف وأشرف عليه أطباء فلن يكون فيه دودة شريطية، ونسي ولم يُذكِّره أحدٌ بأن الشيخ محمد عبده حدث معه نفس الموقف عندما زار فرنسا، وقالوا له: تعالى لترى مزارع الخنازير، ورآها مزارع نظيفة وفيها رقابة بيطرية وطعام وغيره، وقالوا له: لماذا يُحرِّم الإسلام أكل لحم الخنزير؟ فقال لهم: ائتوني بدجاجة أنثى وديكين بالغين، فأتوا له بدجاجة وديكين، فالديكان كادا يقتلان بعضهما من أجل الدجاجة، فقال لهم: ائتوني بخنزيرين ذكوراً وخنزيرة، وكلهم في وقت هياج الشهوة، فأتوا له بذلك، فوجدوا الخنزيرين الذكور يعاونان بعضهما على الإتيان بالخنزيرة الأنثى، فقال لهم: الخنزير ليس عنده غيرة على أنثاه، ومن أكل لحم الخنزير فقد الغيرة التي أمر بها الدين، ولذلك فليس عندكم غيرة نهائياً، وهل هناك عندهم غيرة؟ لا يوجد، فالرجل يكون في بيته وزوجته تأتي برجلٍ آخر وتدخل معه حجرة النوم أمامه وهو جالس في الخارج ولا يستطيع التكلم، فلم يُذكِّره أحدٌ بهذه الحقيقة، وكل ما تحدث فيه عن الميكروبات والفيروسات والطب فقط، لكن الإمام محمد عبده ألهمه الله بالسبب الجوهري أن من يأكل من هذه اللحوم تظهر فيه أمراضها، ولذلك نهانا الإسلام عن أكل لحوم الطيور التي تأكل في المزابل والفضلات، لماذا؟ لأنها ستمرُض، فإذا أكلت من لحمها فتمرض أنت كذلك
وقد روى فيهم وفى أمثالهم سيدنا أبو سعيد الخدرى كما ورد بصحيح مسلم أنه قال: {بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ بِالْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، إِلَى رَسُولِ اللّهِ . فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلاَبٍ، وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهانَ. قَالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ. فَقَالُوا: أَيعْطِي صَنادِيدَ نَجْدٍ وَيدَعُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ لأَتَأَلفَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَة. مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ. غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ. نَاتِىءُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللّهَ.يَا مُحَمَّدُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِعِ اللّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي؟قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ. يرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ ضِئْضِىءْ هذَا قَوْماً يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ. وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ}
ألا يحدث هذا الآن؟ القتل الآن للمسلمين، والمستريح الآن في الشرق الأوسط هم اليهود في إسرائيل، من الذي يُضرب الآن؟ المسلمين بأيدي المسلمين ويظنون أنه جهادٌ في سبيل الله، ويقومون بالعمليات الإنتحارية التي نسمع عنها، وهل الإسلام فيه عمليات إنتحارية؟ نسأل العلماء الشرعيين عن ذلك؟ حتى مع الأعداء فلا يحل ذلك: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة195
ولكنهم أرادوا ذلك لتدمير بلاد المسلمين، والآن تُدمَّر بلاد الإسلام بأيدي المسلمين، من الذي دمَّر سوريا؟ ومن الذي دمَّر العراق وليبيا؟ ومن قبلهم الصومال وأفغانستان، من الذي دمَّر هذه البلاد؟ المسلمون، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: {فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، وقال:لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ}
ولذلك لن ينفع معهم شيئاً، فالذين يتشدقون ويقولون: لا تنفع معهم الشدة ولكن نكلمهم، وهل سيغيرون فكرهم؟، فهل لأحدٍ منهم استعدادٌ لتغيير فكره؟، مستحيل، فهؤلاء هم السفهاء في عصرنا هذا، فنريد أن نكون جميعاً مع جماعة المسلمين، وما يجتمع عليه علماء المسلمين وخاصة علماء الوسطية الذين يؤموننا من الأزهر الشريف وعلماؤه الأجلاء. فإذا كان هناك من الأزهر مع الطائفة الأخرى، فقد خرج عن ثيابه الأزهرية وليس لنا شأنٌ به فلم يعد أزهرياً، لأن الأزهري يمشي على نهج الوسطية، لكن أزهرى ولبس العباية النجدية فليس لنا شأنٌ به
{1} جامع الترمذي ومسند أحمد
{2} البخاري ومسلم
{3} ابن السنـي وأبو نعيـم فـي الطب
http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D9%86/
منقول من كتاب {شرف شهر شعبان} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً
[flash(300,150)]WIDTH=0 HEIGHT=0[/flash]