إن الغفلة عن الله وعن ذكر الله ذنب يستوجب التوبة منا جميعاً يا عباد الله.
الطاعة التي نحن فيها الآن كالصلاة تحتاج منا إلى خشوع قلب، وحضور نفس، من أولها إلى آخرها، فإذا غفل الإنسان فيها ولابد أن ذلك يحدث
كأن يتذكر البيت وما فيه، أو الشارع وما به، أو حوار حدث بينه وبين إنسان، أو مشكلة بينه وبين الجيران، فيجد نفسه وقد انتهى من الفاتحة أو التشهد لأنه انتهى من قرآتها ولا يدري ما دار، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه:
(إِنَّما يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاتِهِ ما عَقَلَ مِنْهَا).
فاللحظات التي يسهو فيها المرء عن الله تحتاج إلى توبة حتى يتقبلها الله، ولذلك كان من سُنَّةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع صحبه الكرام أن يستغفروا الله عزَّ وجلَّ عقب كل صلاة. لِمَ يستغفرون وقد خرجوا من الطاعة؟!!! من التقصير والغفلة والسهو الذي حدث لهم أثناء الصلاة.
مثال آخر: نحن والحمد لله أكرمنا الله بالصلاة، لكن إذا سمعت الآذان وأنا في بيتي، أو في عملي وقد انتهيت من أدائه، وجالس على المكتب أتحدث مع رفاقي، أو في الطريق، أو في السوق
عليَّ أن أترك كل ما في يدي لألبِّي نداء الله في الوقت والحال، فإذا فعلت كما يحدث من أغلبنا أؤخر الظهر حتى يقترب العصر بدون عذر شرعي، أو أؤخر المغرب إلى مقربة من العشاء بدون عذر شرعي، والأعذار بينتها شريعة الواحد القهار، وفصَّلها لنا المختار صلَّى الله عليه وسلَّم.
يا أيها المسلمون والمسلمات: هذا الذى ذكرنا هو ذنب ولكننا لا نحاسب أنفسنا عليه، وإنَّ الله عاتب قوماً فيه فقال:
(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (4، 5الماعون)
الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، والذين يُجْمِلُون الصلاة مع الصلاة، والذي يؤخر الصبح إلى أن تطلع الشمس ويصليه قضاء ولا يندم ولا يحس بأسى على ما فعل، ولا على أنه فعل شيئاً قبيحاً في نظر الله - مع أنه ذنب كبير سيعلم عاقبته يوم لقاء الله عزَّ وجلَّ. لماذا؟ لأنه قال لنا أجمعين:
(إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (103النساء).
الوقت الذي حدده الله لابد أن نقيم الصلاة فيه، إلا إذا كان هناك مانع شرعي، من مرض قاهر، أو سفر أو حادث في الحال، كحريق أو غريق أو ما شابهه، ولابد من الإسراع في علاجه، لكن ما دمت جالساً أتحدث ما عُذري؟ لماذا لا أتوقف وأقول له: تعالَ نصلي ثم نرجع نكمل حديثنا؟ لماذا لا أقول للمسلم
إذا زارني: هيَّا بنا نؤدي الصَّلاة ثم نرجع نكمل ما كنا نخوض فيه؟ وأن الصلاة لا عذر للمرء في تأجيلها أو تأخيرها إلا إذا وافق العذر ما بيَّنه رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم.
مثال آخر: نصوم في شهر رمضان عن الأكل والشرب والجماع، ولكننا لا نصوم عن اللغو وقد لا نصوم عن النظرة المحرمة وقد لا نصوم عن الكذب وقد لا نصوم عن الغِيبَةِ والنميمة ونظن أن صومنا صحيحٌ وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(خَمْسُ خِصَالٍ يُفَطرْنَ الصَّائِمَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ) (1)
مثال ثالث: أرسل الله إلينا خير كتاب وأمرنا بتلاوته، ولم يشق علينا في قراءته، بل قال لنا أجمعين:
(فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (20المزمل).
وإذا كنا لا نتذكره إلا في رمضان، فهذا ذنب في حق أنفسنا يحاسبنا عليه الديان عزَّ وجلَّ. كيف لا نسوِّي على الأقل وهذا لا يجوز بين تلاوة القرآن وتصفحه وتصفح الصحف والمجلات التي فيها كذا وكذا من شرور هذه الحياة فمثل هذا ذنب لا يشعر به الإنسان
وهذه القائمة طويلة لا نستطيع عدها كلها، وحسبنا ما أشرنا إليه من بعضها من الذنوب التي لا يفطن إليها المرء، ويقع فيها ولا يحسبها ذنوباً. إن هذه كلها تحتاج منا في شهر رجب أن نتوب منها أجمعين إلى الله عزَّ وجلَّ، فقولوا جميعاً: (تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أن لا نعود إلى ذنب أبداً، تبنا إلى الله من كل ذنب صغير أو كبير، علمناه أو جهلناه، فيما مضى أو فيما بقى لنا من عمرنا)،
(1)(فى تخريج أحاديث الإحياء العراقي: أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث عمار بن ياسر بنحوه).
http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%87%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D8%B1%D8%AC%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85/