إني أهيب بنفسي وأهيب بكم، أن تطالعوا قبساً من أسرار قصة الإسراء والمعراج بتدبر وتفكر، فإن فيها الشفاء لكثير من أمراضنا الاجتماعية، وفيها الدواء لكثير من مشاكلنا النفسية والعائلية، وفيها الحل الأمثل للقضاء على ما نحن فيه من نكد العيش، ومن هموم الأمراض، ومن تعب الأولاد، ومن سلوك الأفراد. كل هذه الأشياء دواؤها ذكره سيد الأنبياء صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الرحلة المباركة.
ودعونا نذكر مثالاً واحداً ، لو اتبعناه لسعدنا جميعاً في هذه الحياة، فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{رأيت جُحْرٍاً صَغِيرٍاً يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ، فَيُرِيدُ الثَّوَرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْث خَرَجَ فَلاَ يَسْتَطِيعُ. قلت: مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذَا الرَّجُلُ يَتَكَلّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلاَ يَسْتَطِيعُ} (1)
كل مشاكلنا سببها هذه الكلمة، فلو استطاع الإنسان المسلم أن يمسك لسانه إلا عما ينفعه، فلا يخرج منه القبيح، ولا يخرج منه السبّ ولا الشتم، ولا اللعن، ولا الغيبة ولا النميمة، ولا الكذب ولا قول الزور، ماذا يكون حالنا في مجتمعنا؟ إن المحاكم والله ستُغلق أبوابها في ذلك الحين، لأن المشاكل كلها بدايتها كلمة.
كلمة يقولها إنسان تُحرك إنساناً آخر، فيرد عليه بالمثل، ثم يتطاول الأمر فتمتد الأيدي، ثم يتطاول الأمر فتظهر الأسلحة، ثم يكون القتل أو الجرح، وتكون القضية وتكون النيابة وتكون المحاكمات، ما أغنانا عن هذا كله لو أمسكنا بألسنتنا حتى لا يحدث هذا بيننا، ربما يكون أفراد الأسرة جالسين في هناءة بال وفي صفاء حال، وواحد منهم يقول كلمة واحدة تعكر هذا الصفو!! بل تقلب البيت رأساً على عقب كلمة فى غير موضعها أو كلمة في غير محلها.
لكن لو التزمنا بهذه الأوامر الإلهية وكنا كما قال الله:
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (24الحج).
فالمؤمنون هداهم الله إلى القول الطيب، فلا يقولون إلا الكلام الحسن، لأن المؤمن لا ينطق بالكلمة إلا بعد أن يفكر فيها ويتدبر فيها، فإذا كانت له وفي كفة حسناته أخرجها، وإذا كانت ستصير عليه وفي كفة سيئاته منعها من الخروج، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْرَاً فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ} (2)
كم من كلمات رفعت أناساً إلى أعلى الدرجات إذا كانت هذه الكلمات لرفع الروح المعنوية، وللحث على هذه المنازل العلية. وكم من كلمات هزّت كيان بشر وجعلتهم يتعرضون للجنون أو يتعرضون للصرع، أو يتعرضون للأمراض النفسية من كلمة واحدة.
جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان
وَقْع الكلام أشد على الإنسان من وقع السهام، فلو أمسك المؤمنون بألسنتهم لطابت حياتهم، ولسعدوا في معيشتهم، ولصاروا والخيرات تغمرهم من جميع النواحي، لأن الله عزَّ وجلّ جعل مجتمع المؤمنين مجتمع الكلمة الطيبة، مجتمع الكلمة الصالحة،
أما الكلمة الخبيثة والكلمة السيئة فهي في مجتمع الكافرين، وفي مجتمع الجاحدين، وفي مجتمع المنكرين، لا تصل عدواها للمؤمنين إلا إذا تهاونوا بأوامر هذا الدين المتين، وما داموا متمسكين بأوامر هذا الدين - أسرهم ونساؤهم وأولادهم – حتى يروا ما في هذه السيرة العطرة، وما في هذه الحادثة الكريمة من عبر وعظات، لعّلها تكون نجاة لنا من أهوال هذه الحياة الدنيا.
وقد سبقنا المستشرقون إلى هذا الأمر، فقد أخذوا منها ونهلوا وأعدوا ووضعوا كتباً أبرزتها وسائل الإعلام في العالم كله فبعضهم كتب كتاباً سماه (كيف تكتسب صديقاً)، ووزّع هذا الكتاب ووزع منه في الطبعة الواحدة ما يزيد عن 3 ملايين نسخة وبعد الاطلاع على ما فيه وجدنا أن كل ما فيه هو نسخة من أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومن تفسير آيات الله، أخذها الكاتب الأمريكي ونسبها إلى نفسه على أنه هو المبتكر لها والمؤلف لها وعلى أنه هو الذي يضع أصولاً جديدة للصداقات وتكوين الأصدقاء
وهكذا الأمر فكل أمورهم قد أخذوها من الإسلام غير أنهم غيرّوا المسمى ونسبوها لأنفسهم
(1)(رواه البخاري).
(2)(في الزهد عن خالد بن أبي عمران مرسلاً في الفتح الكبير وجامع الأحاديث