هل رأى رسول الله ربه ليلة الاسراء؟
وما معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى)
(13، 14النجم)؟
--------------------
أقوال العلماء في هذا الأمر كثيرة، وهي مسألة خلافية لا ينبغي أن نقف عندها ولا نُكثر الحديث بشأنها، فهي كما قال فيها الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: علم لا يضر جهله.
فبعضهم يُأول الآية على أن الذي رآه عند سدرة المنتهى مرة أخرى هو أمين الوحي جبريل، ويقولون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يره على حقيقته إلا مرتين، مرة عند نزول الوحي، ومرة عند سدرة المنتهى.
أما سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومَن يمشي على منواله، فقد قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه. كيف رآه؟، فسر هذه الرؤية سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه عندما سُئل: كيف رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال رضي الله عنه: ((غاب محمد صلى الله عليه وسلم عن جسمه وحسه ونفسه، وبقي بربه، فرأى ما فيه من الله جمال الله عزَّ وجلَّ في غيبة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وقد جاء في كتاب (البحرالمديد في تفسير القرآن المجيد) لابن عجيبة رضي الله عنه: سُئل صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: (رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ)[1]، وقال: (فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِفُؤَادِي)[2]. يعني أنه انعكس نور البصيرة فرأى ببصره ما رأته البصيرة.
وجاء أيضاً: (أنه لما انتهى إلى العرش صار كله بصراً)، وبهذا يرتفع الخلاف، وأنه رآه ببصر رأسه، وقوله صلى الله عليه وسلم حين سأله أبو ذر: (هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فقال: (نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ)[3]، وفي طريق آخر: (رَأَيْتُ نُورًا)[4].
وحاصلها أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته، إذ لا يمكن أن تُرى الذات إلا بواسطة التجليات كما هو مقرر عند محققي العلماء كما قال الشاعر:
وليست تنال الذات من غير مظهر
ولو هلك الإنسان من شدة الحرص
وقال كعب لابن عباس: (إِنَّ اللهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ، وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ)[5].
وقيل لابن عباس: ألم يقل الله: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) (103الأنعام)؟ قال: ((ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ))[6]، يعني أن الله تعالى يتجلى لخلقه على ما يطيقون، ولو تجلى بنوره الأصلي لتلاشى الخلق، كما قال في الحديث: (حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)[7].
(أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى): أي: أفتجادلونه، من المراء وهو المجادلة، والمعنى: (أفتخاصمونه) على ما يرى معاينة وحققه باطناً، (وَلَقَدْ رَآهُ) أي: رأى محمد جبريل على صورته الأصلية، أو: رأى ربه على تجلٍ خاص وتعرفٍ تام، (نَزْلَةً أُخْرَى) مرة أخرى، والحاصل: أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بتجلٍ خاص جبروتي مرتين، عند خرق الحجب العلوية فوق العرش، عند السدرة، وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم لله تعالى في مظاهر الكائنات، ففي كل حين لا يغيب عنه طرفة عين.
ومن حِكَم الصالحين قولهم: ((جاهد تشاهد جمال الحق فيك يُرى)).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
**************************
[1] أخرجه الطبري
[2] أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما
[3] صحيح مسلم وجامع الترمذي
[4] صحيح مسلم وابن حبان
[5] جامع الترمذي
[6] جامع الترمذي
[7] سنن ابن ماجة ومسند أحمد عن أبي موسى
http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AA%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC
منقول من كتاب {تجليات المعراج} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً
[/frame][flash1=http://www.fawzyabuzeid.com/wp-content/uploads/data/20150414_id2619.mp3]WIDTH=0 HEIGHT=0[/flash1]وما معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى)
(13، 14النجم)؟
--------------------
أقوال العلماء في هذا الأمر كثيرة، وهي مسألة خلافية لا ينبغي أن نقف عندها ولا نُكثر الحديث بشأنها، فهي كما قال فيها الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: علم لا يضر جهله.
فبعضهم يُأول الآية على أن الذي رآه عند سدرة المنتهى مرة أخرى هو أمين الوحي جبريل، ويقولون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يره على حقيقته إلا مرتين، مرة عند نزول الوحي، ومرة عند سدرة المنتهى.
أما سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومَن يمشي على منواله، فقد قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه. كيف رآه؟، فسر هذه الرؤية سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه عندما سُئل: كيف رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال رضي الله عنه: ((غاب محمد صلى الله عليه وسلم عن جسمه وحسه ونفسه، وبقي بربه، فرأى ما فيه من الله جمال الله عزَّ وجلَّ في غيبة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وقد جاء في كتاب (البحرالمديد في تفسير القرآن المجيد) لابن عجيبة رضي الله عنه: سُئل صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: (رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ)[1]، وقال: (فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِفُؤَادِي)[2]. يعني أنه انعكس نور البصيرة فرأى ببصره ما رأته البصيرة.
وجاء أيضاً: (أنه لما انتهى إلى العرش صار كله بصراً)، وبهذا يرتفع الخلاف، وأنه رآه ببصر رأسه، وقوله صلى الله عليه وسلم حين سأله أبو ذر: (هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فقال: (نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ)[3]، وفي طريق آخر: (رَأَيْتُ نُورًا)[4].
وحاصلها أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته، إذ لا يمكن أن تُرى الذات إلا بواسطة التجليات كما هو مقرر عند محققي العلماء كما قال الشاعر:
وليست تنال الذات من غير مظهر
ولو هلك الإنسان من شدة الحرص
وقال كعب لابن عباس: (إِنَّ اللهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ، وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ)[5].
وقيل لابن عباس: ألم يقل الله: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) (103الأنعام)؟ قال: ((ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ))[6]، يعني أن الله تعالى يتجلى لخلقه على ما يطيقون، ولو تجلى بنوره الأصلي لتلاشى الخلق، كما قال في الحديث: (حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)[7].
(أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى): أي: أفتجادلونه، من المراء وهو المجادلة، والمعنى: (أفتخاصمونه) على ما يرى معاينة وحققه باطناً، (وَلَقَدْ رَآهُ) أي: رأى محمد جبريل على صورته الأصلية، أو: رأى ربه على تجلٍ خاص وتعرفٍ تام، (نَزْلَةً أُخْرَى) مرة أخرى، والحاصل: أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بتجلٍ خاص جبروتي مرتين، عند خرق الحجب العلوية فوق العرش، عند السدرة، وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم لله تعالى في مظاهر الكائنات، ففي كل حين لا يغيب عنه طرفة عين.
ومن حِكَم الصالحين قولهم: ((جاهد تشاهد جمال الحق فيك يُرى)).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
**************************
[1] أخرجه الطبري
[2] أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما
[3] صحيح مسلم وجامع الترمذي
[4] صحيح مسلم وابن حبان
[5] جامع الترمذي
[6] جامع الترمذي
[7] سنن ابن ماجة ومسند أحمد عن أبي موسى
http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AA%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC
منقول من كتاب {تجليات المعراج} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً