نظر الفقهاء إلى مسألة اقتناء الكلاب من وجهتين :
1- اقتناء الكلاب لمنفعة : اتفق الفقهاء على جواز اقتناء الكلاب التي تتخذ للصيد والماشية والزرع . [ المغني : 6/356 , مجموعة الفتاوى 32/162 , المجموع : 9/221 ] .
الدليل :
أ- قال الله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علّمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علّمكم الله ..} . [ المائدة:4 ] .
التعليق : قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى – في [ الجامع لأحكام القرآن 6/50 ] : " دلت الآية على جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد " .
ب- عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اقتنى كلباً -إلا كلب صيد أو ماشية- فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان ) ، قال سالم : وكان أبو هريرة يقول : أو كلب حرث ، وكان صاحب حرث " . [ متفق عليه ] .
منافع أخرى للكلب :
أ- قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – : وفي جواز إيجاده لحفظ الدور والدروب وجهان مشهوران ، ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما : الجواز . [ المجموع : 9/ 221 ] .
- سئل هشام بن عروة عن الكلب يتخذ للدار فقال : لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة. [ فتح المالك بتبويب التمهيد على موطأ الإمام مالك : 10/ 308 ] .
- الحراسة ويقصد بها : حراسة البيوت ، وحراسة الحقول ، وحراسة المصانع ، وحراسة السفر ... وغيرها . [الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي : 283 ] .
ب- قال د. حسام الدين عفانة – حفظه الله تعالى – : يجوز اقتناء الكلاب في البيوت لحاجة نافعة ككلاب الصيد والحراسة وكذا الكلاب التي تستعمل في الكشف عن المخدرات والكشف عن اللصوص والمتفجرات واتباع الأثر ونحوها فيصح اقتناؤها. [ يسألونك : 4/ 226 ] .
تنبيهات يجدر الإشارة إليها في حالة اقتناء الكلاب لمنفعة :
إن الإسلام حث على الرفق بالحيوانات حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عذِّبت امرأة في هرة أوثقتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ) . [ متفق عليه ] .
لذلك كان لا بد أن ننبه إلى العناية بهذا الحيوان في حالة اقتنائه لمنفعة وهي إطعامه وإسقاؤه وجعله في مأوى وتقييده بسلسلة حتى لا يؤذي ولا ينجّس , عدم ضربه ووسمه , عدم خصائه , عدم إعيائه إعياءً مبالغاً فيه ... عدم تحقيره ولعنه .. عدم التحريش بين الكلاب للعراك , عدم تربية البهيم الأسود .
2. اقتناء الكلاب لغير منفعة : لا يجوز اقتناء الكلاب لغير منفعة .
أ- قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله تعالى – : " ولا يجوز اقتناء الكلب إلا كلب صيد أو كلب ماشية أو حرث " . [المغني : 6/ 356 ] .
ب- قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – : " قال الشافعي والأصحاب : لا يجوز اقتناء الكلب الذي لا منفعة فيه ". ( المجموع : 9/ 221 ] .
وقال أيضاً : " أما اقتناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة " . [ شرح صحيح مسلم: 10/ 236 ] .
ت- قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – : " ... لم يبح اقتناء الكلب إلا لضرورة لجلب منفعة كالصيد أو دفع مضرة عن الماشية والحرث " . [ مجموعة الفتاوى : 32/ 162 ] .
أدلتهم :
1- عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اقتنى كلباً – إلا كلب صيد أو ماشية – فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان ) ، قال سالم : " وكان أبو هريرة يقول : أو كلب حرث ، وكان صاحب حرث ". [ متفق عليه ] .
التعليق : فدل الحديث على أن إمساك الكلب يؤدي إلى نقصان عمل الممسك لها ، فكأن إمساكها إثم ، لأنه لا ينقص الأجر إلا الإثم ، وذلك بنقص قيراط عن كل يوم عقوبة له على ما فعله من إمساكها ، وفي رواية : ( انتقص من أجره قيراط ) .
2- عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال : ( عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان ) . [ رواه مسلم : كتاب المساقة : باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه ] .
القسم الثالث : الحكمة في النهي عن اقتناء الكلاب :
إلحاق الأذى بالمارين وترويع الناس , .ينبح الضيف , ويروع السائل ,امتناع دخول الملائكة للبيت , أن بعضها شياطين , لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما يتنجس الطاهر منها. [ فتح الباري بشرح صحيح البخاري : 5/ 270، 271 ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري : 14/ 484 ، فتح المالك بتبويب التمهيد على موطأ مالك : 10/ 308 ] .
القسم الرابع : سباق الكلاب :
سباق الكلاب : هي لعبة تطلق فيها مجموعة من الكلاب للعدو والجري خلف دمية " ميكانيكية " مسافة معينة ، بقصد معرفة الأسرع منها .
ولا تخلو هذه المسابقات في الغالب من المقامرات ونحوها وتخصيص الجوائز لأصحاب الكلاب الفائزة.
مشـروعيتها : قد صرح بعض العلماء بحرمة هذه المسابقات " أي سباق الكلاب " لما فيها من مقامرة أو إضاعة مال من إعداد كلاب وجوائز ونحوها وإضاعة وقت في الأمور التافهة وكل ذلك مذموم شرعاً. [ الألعاب الرياضية أحكامها وضوابضها في الفقه الإسلامي : ص244- 246 ] .
القسم الخامس : العناية بالكلاب ورأي العلم الحديث في اقتنائها :
1. العناية بالكلاب :
مما ينبغي التنبيه إليه أن بعض الناس يتخذون الكلاب أصدقاءً أوفياء ، تجلس معهم وتركب معهم السيارات الفاخرة ويقلدونها أطواق الذهب والفضة ، ويقدمون لها ما لذ وطاب من الطعام واللحوم ، وإذا مرضت بادروا بإحضار الطبيب لتوقيع الكشف عليها ويبالغون في الحفاوة بها ، ويقولون إنها أشد وفاءً من بني آدم .
وهذا ما تنكره شريعتنا السمحاء ، وكان الأجدر بهؤلاء المترفين أن يأتمروا بأمر الشريعة ، ويبادورا بمد يد العون والمساعدة للفقراء والمساكين ، الذين أذلتهم الحاجة ومستهم الضرورة ، والذين لم يحظوا بعشر ما حظي به كلب واحد من هذه الكلاب ، وإذا لم يفعل هؤلاء المترفون ذلك بإمداد يد المساعدة للمحتاجين ، فإنهم يعتبرون من المبذرين الذين هم أخوان الشياطين ، ويجب الحجر عليهم ، حفظاً للمال في أيديهم وإبقاءً لحق الورثة من بعدهم ، وحرصاً على الصالح العام . [ الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي 285- 286 ] .
2. رأي العلم الحديث في اقتناء الكلاب :
قال العلاَمة د. يوسف القرضاوي – حفظه الله تعالى – في كتابه [ الحلال والحرام في الإسلام ص117- 121] : " هذا وربما وجدنا في ديارنا أناساً من عشاق الغرب ، يزعمون لأنفسهم الرقة الحانية والإنسانية العالية ، والعطف على كل كائن حي ، وينكرون على الإسلام أن يحذر من هذا الحيوان الوديع الأليف الأمين !! فإلى هؤلاء نسوق هذا المقال العلمي القيم ، الذي كتبه عالم ألماني متخصص في مجلة ألمانية ، بيّن فيه بجلاء الأخطار التي تنشأ عن اقتناء الكلاب أو الاقتراب منها : " ... إن الأخطار التي تهدد صحة الإنسان وحياته بسبب اقتناء الكلاب ومداعبتها ليست مما يستهان بها ، فإن كثيراً من الناس قد يدفع ثمناً غالياً لطيشه ، إذ كانت الدودة الشريطية بالكلاب سبباً في الأدواء المزمنة المستعصية ، بل كثيراً ما أودت بحياة المصابين بأمراضها..." .
رأينا أن ننبه لهذا حتى يتنبه المسلمون من تقليد الغرب والكفار في هذه العادة السيئة .