التفويض (التأويل الإجمالي)
على الرغم من وجود حالات عديدة تذكر أن السلف من صحابة وتابعين ومن تبعهم قد قاموا بتأويل عدد من النصوص المتشابهة تأويلاً تفصيليًا،
على الرغم من وجود حالات عديدة تذكر أن السلف من صحابة وتابعين ومن تبعهم قد قاموا بتأويل عدد من النصوص المتشابهة تأويلاً تفصيليًا،
إلا أن الأشاعرة يرون أن السمة الغالبة في طريقة التعامل مع النصوص المتشابهة في فترة السلف كانت بطريق التفويض مع التنزيه،
وهو ما يعده الأشاعرة تأويلا إجماليًا، حيث أنه وبحسب ما يعتقد الأشاعرة،
فإن السلف أثناء التفويض يصرفون معنى النص الموهم للتشبيه عن ظاهره،
وهذا يتفق مع التأويل التفصيلي الذي كان السمة الغالبة عند علماء الخلف دون أن ينفي ذلك وجود من اتبع من علماء الخلف طريقة التفويض مع التنزيه ،
ويبرز الاختلاف بين التأويلين في أن التفويض (التأويل الإجمالي) لا يحدد معنىً معينًا، بل يكتفي بعدم الإقرار بظاهر النص المتشابه الذي يستحيل على الله، ويفوضون المعنى المراد من النص إلى الله، أما التأويل التفصيلي فيزيد على التفويض بأنه حدد معنىً للنص المتشابه بعد أن نفى ظاهره المستحيل على الله، وهذا المعنى المأوّل إليه يكون جائزًا في حق الله وينفي عنه التشبيه الذي توهمه البعض من ظاهر النص ،
ويكون هذا التأويل التفصيلي متماشيًا مع لسان العرب
وما تحمله اللغة العربية من معان، وقد ذكر العز بن عبد السلام هذا القول في شرح المشكاة، حيث أوضح "أن السلف والخلف متفقان على التأويل،
وأن الخلاف بينهما لفظي لإجماعهم على صرف اللفظ عن ظاهره ولكن تأويل السلف إجمالي لتفويضهم إلى الله في المعنى المراد من اللفظ الذي هو غير ظاهره المنزه عنه تعالى،
وتأويل الخلف تفصيلي لاضطرارهم إليه لكثرة المبتدعين.. ولو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمانهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك، وقد جاء التأويل التفصيلي عن السلف في بعض المواضع، وجاء عن كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين.. وهذا مما يبين تقاربهما وعدم اختلافهما حقيقة" ،
وهناك عبارة مشهورة عند الأشاعرة
وهي : "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"،
وذلك للدلالة على غرض كلا الطريقتين، فطريقة السلف - وهي كانت في الغالب التفويض - أسلم، لأنها لا تقوم بتحديد أي معنىً للنص المتشابه، وفوّضت المعنى إلى الله، وبذلك اختار السلف السلامة من الخطأ، أما طريقة الخلف أعلم وأحكم، لأنها تحتوي على حجج وبراهين علمية ترد بطريقة محكمة على المخالفين لعقيدة أهل السنة والجماعة،
وقد حددت الطريقة التي غلبت في زمن الخلف وهي التأويل التفصيلي، معنىً محددًا للنص المتشابه، وذلك من باب قطع الطريق على المخالفين، إلا أن العلماء الذين قاموا باستخدام آلية التأويل التفصيلي لا يقدمون تأويلهم على أنه المعنى المراد من النص بشكل جازم، ومن هنا يأتي معنى آخر لمعنى السلامة في طريقة السلف، وكافة الأشاعرة سلفًا وخلفًا يرجحون طريقة التفويض ويرونها أصوب، حتى الذين يستخدمون آلية التأويل التفصيلي، ويرون أنه لولا لزوم إبراز الحجة في وجه المخالف لكان الأسلم تفويض المعنى المراد إلى الله، إلا أنه وسعيًا لعدم ترك المجال للمشككين في عقيدة الإسلام بشكل عام وعقيدة أهل السنة بشكل خاص، فإنه قد اختار العلماء حين توجيه خطابهم للمخالفين استخدام التأويل التفصيلي للنصوص المتشابهة، وكذلك عندما يكون المعنى المأوّل إليه متماشيًا مع لسان العرب، خاصةً وأن هناك حالات عدة قام فيها السلف بالتأويل التفصيلي دفعًا لأي معنىً لا يليق في حق الله.
منقوول من ويكيبيديا