لِمَ انتصر صلاح الدين الأيوبي في حطين وقبله نور الدين زنكي الذي كان صلاح الدين قائداً من قادة جنده في معاركه مع الصليبيين؟
والإجابة: لأن في هذه الفترة ظهر كثيرٌ من الشيوخ المُربين، الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ عدىّ بن مسافر وغيرهم من المشايخ في نواحى الأكراد وبلاد العراق والشام وفي مصر، وكان أسُ جند نور الدين زنكي وصلاح الدين من أهل هذه التربية، وكان القادة أنفسهم أيضا على نفس النسق .
ونور الدين زنكي، مع أنه كان حاكم الموصل والشام، فلم يملك قصراً، وكان يسكن في قلعة الحكم، ولا تزيد نفقاته عن أفقر رجل في دولته، وكان له ثلاثة دكاكين اشتراهم من غنيمته في حمص يأكل من ريعهم، وكان يصنع بعض الحرف البسيطة ويعطيها لرجل عجوز يبيعها له سِرّاً ليستكمل نفقته، ولما ضجّت زوجته كلمت أخيها ليحثه على الزيادة، فقال المال مال المسلمين وليس لي، فكيف أعطيها وأترك الفقراء؟ ولكنى أهبها الدكاكين التى اشتريتها من غنيمة حمص، وليس لها عندي غير ذلك.
كان على صلة بالله وبحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، ولتعرفوا ذلك: حدث في عصره أن يهودياً أرسلته أوروبا مزوداً بكل ما يحتاج من مال ليستخرج جسد النبى صلى الله عليه وسلم ويأخذه إليهم، فذهب الرجل وتظاهر بالإسلام وسكن المدينة وأخذ يُوزع على الناس أموالاً بغير حساب، حتى حسبوه من المُحسنين والمُتصدقين، واشترى داراً قريبة من المسجد النبوي ومن الحجرة الشريفة
وكان يحفر بالليل في الأرض ثم يحمل التراب في كيس ويذهب به زاعماً أنه يزور البقيع ويُلقي فيه التراب، ولما اقترب من الحجرة الشريفة، إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى نور الدين زنكي في المنام ويقول: يا نور الدين أدركني وأراه صورة الرجل، لم يذهب إلى حاكم الحجاز أو اليمن، وإنما ذهب لنور الدين، وذلك لصلاحه.
فذهب نور الدين إلى المدينة فوراً ومعه مال كثير، ولكى يصل للرجل دعى كل أهل المدينة ووزع عليهم العطاء، والرجل لم يأتِ، فقال: هل بقى أحدٌ؟ قالوا: بقى رجلٌ محسنٌ، فدعوه، فلم يأتِ، فذهب إلى بيته، فلما رآه عرفه، ففتش البيت فوجد فيه السرداب الذي يقود إلى أسفل الحجرة النبوية، فقتله، وذهب إلى الضريح النبوي وحفر حوله وحصّنه بالرّصاص حتى لا يستطيع أحدٌ أن يصل إليه ولا أن يقترب منه .
كل هذا سُقته لأعرفكم بصلاح هؤلاء من قادوا العباد والبلاد في وسط هذه المهالك، فحقق الله على أيديهم النصر، هذا الرجل كان صلاح الدين أحد قادته. وصلاح الدين الأيوبي وهو من تعرفون، يحكي التاريخ عنه أنه لم تجب عليه الزكاة يوماً في ماله لكثرة إنفاقه وهو في هذا المنصب الكبير، ففى معركة عكّا جهّز الجيش بإحدى عشر ألف فرس على نفقته الخاصة فالنتيجة - والناس على دين ملوكهم – كان أتباع نور الدين والمحيطين بصلاح الدين يتنافسون في هذا الخير وفى هذا العمل.
وكان صلاح الدين مع إنشغاله بأمور دولته وأمور المسلمين لا يترك قيام الليل، وجعل قيام الليل طابوراً ألزم به جيشه وقواته، وكان يُرسل من يفتش عليهم في وقت السحر ليرى ما يصنعون، ليتحقق النصر {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7
إذاً ما الذي يحقق النصر؟ إنها التربية الإسلامية، والتربية الإيمانية، واليقين، والزهد في الدنيا والأهواء والشهوات
ولنسير مع التاريخ حتى نصل إلى حقبة فاصلة تاريخياً وجغرافيا، قال صلى الله عليه وسلم: {لتفتحن القسطنطينية فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش}{1}
حاول المسلمون أن يفتحوا القسطنطينية فلا يستطيعون ويعودوا، وهكذا، إلى أن جاء السلطان محمد الفاتح، وكان السلطان محمد الفاتح يتربَّى تربيَّة روحيَّة على يد رجلٍ تركي من الصالحين وإسمه بالتركية {آق سُنجُر} وكان رجلاً مُكاشَفاً، وكان السلطان لا يفعل شيئاً إلا إذا استأذن شيخه
فلما حاصر القسطنطينية ، استأذنه عدَّة مرات أن يبدأ في فتح القسطنطينية؟ فيقول له إنتظر، حتى جاء في يوم وقال له: {ابدأ اليوم فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى وعبر إلى الجانب الذي فيه الروم} وهنا قد أتى النصر، أمر الجند بالهجوم، فنظروا فوجدوا باباً في الحصن تُرك صدفة ولا يعلمون من فتحه، فدخلوا منه وفتحوا باب الحصن وكان سببا في النصر. ما السبب؟ كان سبب النصر هذه التربيَّة الربانيَّة التى كانوا عليها.
فإذا نظرت في التاريخ إلى بلاد المغرب، تجد أن الدول التى كان لها صولة وجولة في ردّ أعداء الإسلام وخدمة المسلمين، دولاً أعظمها دولة المرابطين ودولة الموحّدين، وكلهم بنفس الكيفية من التربية الإيمانية الصوفية. فمنشأ المرابطين، كان رجلاً صالحاً إسمه عبد الله يس، وكان يسكن جزيرة، واجتمع عليه كثير من المُريدين فربَّاهم على الروح الإسلامية والقيم القرآنية، فلما زاد عددهم كلفهم بالجهاد
وفي هذا الوقت كان الفرنجة في بلاد الأندلس قد اكتسحوا جزءاً كبيراً من بلاد المسلمين نتيجة لميل حكام المسلمين للهو والغناء والترف وترك الجهاد وتقاتلهم على الإمارة واستعانتهم بأعدائهم على بعضهم حتى أن آخر خليفة منهم، وهو يوسف الأحمر، لما دخلوا غرناطة – درة أوروبا وقتها- بكى، فقالت أمه : أتبكي مثل النساء على مجدٍ أضعته بين الغوانى والمعازف والملاهي وتركت الجهاد.
فذهب المرابطون وكانوا من أقوى الجيوش في العالم وقتها، وأدّبوا الفرنجة ووصلوا إلى حدود فرنسا وكادوا يجتازوا الحدود ويدخلون فرنسا، ثم اتجهوا صوب الجنوب في أفريقيا ونشروا الإسلام في موريتانيا والسنغال ومالي والنيجر ونيجيريا، ولذلك هذا الحزام الصحراوي كله مسلمون، من أين ذلك؟ من هؤلاء. ومن بعدهم جاءت دولة الموحدين وكانت على شاكلتهم في التربية الإيمانية، والإسم واضح: مرابطين لأنهم مرابطون، وموحدين لأن رسالتهم نشر توحيد الله.
{1} الإستيعاب في معرفة الأصحاب، عن الخثعمى
http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
منقول من كتاب {إصلاح الأفراد والمجتمعات فى الإسلام} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
https://www.youtube.com/watch?v=icvqAZ7ZNdk