نحن مامورون بحسن الظن
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات:12)،
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
قال الشوكاني -رحمه الله-: والمراد هنا: "لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً، فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية".
(94) سورة النساء.
ومن الأدلة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).والشاهد من الحديث قوله: "وحسابهم على الله"، قال ابن رجب: "وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار" واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال: "بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!) قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا!)، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ
والدليل على ذلك من السنة هو معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين النفاق الأكبر الذين كان يعلمهم
ومع ذلك قبل منهم علانيتهم وعاملهم معاملة المسلمين في الأنكحة والجنائز وغير ذلك، فعلى هؤلاء
المتسارعين في حلبة التكفير والتفسيق والتبديع لعباد الله بالباطل والظنون
أن ينضبطوا بضوابط الشرع الحنيف الذي من حكم بغير أحكامه الظاهرة كان أحق الناس
بأن يكون محكوما عليه لا حاكما،
أن مسألة التكفير من المسائل الكبار، والقضايا الخطيرة، وقد خاض فيها الكثير ما بين غالٍ وجاف.. وهدى الله تعالى أهل السنة لما اختلف فيه الناس من الحق بإذنه، فقرروا هذه المسألة بعلم وعدل، وتوسطوا بين أهل الغلو والإرجاء.
وقد نبّه علماؤنا من أهل السنة إلى خطورة هذه المسألة وعظم شأنها، وما يترتب عليها من نتائج وتبعات سواء في الدنيا أو الآخرة، وإليك جملة من كلامهم في ذلك:
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين، وحرم الجنة على الكافرين، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان"
وقال ابن الوزير: "وكم بين إخراج عوام فرق الإسلام أجمعين، وجماهير العلماء المنتسبين إلى الإسلام من الملة الإسلامية، وتكثير العدد بهم، وبين إدخالهم في الإسلام ونصرته بهم وتكثير أهـله، وتقوية أمره، فلا يحل الجهد في التفرق بتكلف التكفير لهم بالأدلة المعارضة بما هو أقوى منها أو مثلها مما يجمع الكلمة، ويقوي الإسلام، ويحقن الدماء، ويسكن الدهماء حتى يتضح كفر المبتدع اتضاح الحق الصادق، وتجتمع عليه الكلمة".
إلى أن قال: "وقد عوقبت الخوارج أشد العقوبة، وذمت أقبح الذم على تكفيرهم لعصاة المسلمين مع تعظيمهم في ذلك لمعاصي الله، وتعظيمهم لله تعالى بتكفير عاصيه، فلا يأمن المكفّر أن يقع في مثل ذنبهم، وهذا خطر في الدين جليل، فينبغي شدة الاحتراز فيه من كل حليم نبيل".
وقال الشوكاني: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، أن (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما..)
وقد أجاب الشيخ صالح الفوزان عن سؤال :المعروف.
تكفير العلماء
- فضيلة الشيخ: ظهر في هذه الأزمنة ظواهر بدعية من تكفير للعلماء أو محاولة الإساءة لهم وفرق التضليل وفرق مخالفة لمنهج السلف الصالح؛ مما جعل الشخص يعرض عن العلم الشرعي ويشتغل بذلك، فهل من كلمة حول ذلك، جزاكم الله خيراً؟
- إن من آداب طالب العلم ألا يتسرع في الأحكام ولا سيما الأحكام الخطرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال لأخيه يا كافر يا فاجر يا عدو الله، فقد باء بها أحدهما» فإن كان المرء قيلت فيه وهو مستحق لها، وإلا رجعت إلى قائلها فصار هو الكافر، وصار هو الفاجر، وصار هو عدو الله، فالأمر خطير جداً؛ فلا يجوز لطالب العلم أن يتسرع بالحكم بالتكفير، وهذا الأمر ليس جديداً، وإنما هو منذ عهد الخوارج الذين ظهرت بذرتهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال قائلهم للرسول صلى الله عليه وسلم : اعدل فإنك لم تعدل، والذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، والذين كفّروا عثمان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فهؤلاء هم الخوارج، كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم: «والذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» هذا هو منهج الخوارج في القديم، ولا يزال يظهر بين حين وآخر، وقد ظهر في هذا الزمان على ألسنة هؤلاء الذين يكفَّرون الناس بغير دليل، إما بجهل وعدم بصيرة، وإما عن هوى وظلم للمسلمين، فالأمر خطير جداً، وواجب على المسلمين عموماً وعلى طلاب العلم خصوصاً أن يكفوا ألسنتهم عن التكفير والتفسيق والتبديع، ومن ظهر كفره أو فسقه أو فجوره، فهذا لا يحتاج إلى أن يحكم عليه؛ لأن أمره ظاهر، أو يترك أمره إلى من هو أعلم منه، ومن هو أفقه منه ينظرون في شأنه إذا اقتضت الضرورة ذلك، فمطلوب منا الكف عن الناس، فإذا اقتضت الضرورة بيان شيء من ذلك، فهذا يوكل لأهل العلم وأهل البصيرة ينظرون في شأن هذا الشخص وما صدر منه وما قاله وكتبه على ضوء الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون الأمر صادراً من جهة مختصة بالعلم ولها صلاحية بأن تحكم على الشخص أو الأشخاص إذا اقتضت الضرورة ذلك من أجل أن يحذرهم الناس، فهذا هو المطلوب.
هذا شر مستطير
والحاصل أن الإنسان لا يشتغل بمثل هذه الأمور، بل ينشغل بطلب العلم ويحرص على الاستقامة على دين الله، وينشر الخير، وأما كون طلبة العلم أو الشباب يشتغلون بالتكفير والتفسيق والتبديع فهذا شرٌّ مستطير، وهو يورث شروراً كثيرة وينزع الثقة بين المسلمين، ويزرع العداوة وسوء الظن وغير ذلك من المحاذير.
تنقص العلماء.. نفاق
- هناك من يسيء للعلماء ويحاول الحط من قدرهم، كيف ترى انعكاس ذلك؟
- تناول العلماء الكبار بالتنقّص والحط من قدرهم من علامات النفاق، فالمنافقون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأكذب ألسناً وأجبن عند اللقاء» يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فأنزل الله في هؤلاء المتكلّمين: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ < لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 65-66)، ولا يجوز تنقّص المسلم فضلاً عن العالم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ} (الحجرات: 11)، فالعلماء لهم قدرهم ومكانتهم لأنهم ورثة الأنبياء ومن ينتقّصهم فهو كما قال الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني فاضل
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ مِنْ أَصْلِ الإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ،
وَلاَ تُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلاَمِ بِعَمَلٍ ... ».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا،
وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ،فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ».
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ».
قال الإمام الغزالي : «... والمبادرة إلى التكفير إنما تغلبعلى طباع من يغلب عليهم الجهل»
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات:12)،
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
قال الشوكاني -رحمه الله-: والمراد هنا: "لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً، فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية".
(94) سورة النساء.
ومن الأدلة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).والشاهد من الحديث قوله: "وحسابهم على الله"، قال ابن رجب: "وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار" واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال: "بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!) قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا!)، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ
والدليل على ذلك من السنة هو معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين النفاق الأكبر الذين كان يعلمهم
ومع ذلك قبل منهم علانيتهم وعاملهم معاملة المسلمين في الأنكحة والجنائز وغير ذلك، فعلى هؤلاء
المتسارعين في حلبة التكفير والتفسيق والتبديع لعباد الله بالباطل والظنون
أن ينضبطوا بضوابط الشرع الحنيف الذي من حكم بغير أحكامه الظاهرة كان أحق الناس
بأن يكون محكوما عليه لا حاكما،
أن مسألة التكفير من المسائل الكبار، والقضايا الخطيرة، وقد خاض فيها الكثير ما بين غالٍ وجاف.. وهدى الله تعالى أهل السنة لما اختلف فيه الناس من الحق بإذنه، فقرروا هذه المسألة بعلم وعدل، وتوسطوا بين أهل الغلو والإرجاء.
وقد نبّه علماؤنا من أهل السنة إلى خطورة هذه المسألة وعظم شأنها، وما يترتب عليها من نتائج وتبعات سواء في الدنيا أو الآخرة، وإليك جملة من كلامهم في ذلك:
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين، وحرم الجنة على الكافرين، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان"
وقال ابن الوزير: "وكم بين إخراج عوام فرق الإسلام أجمعين، وجماهير العلماء المنتسبين إلى الإسلام من الملة الإسلامية، وتكثير العدد بهم، وبين إدخالهم في الإسلام ونصرته بهم وتكثير أهـله، وتقوية أمره، فلا يحل الجهد في التفرق بتكلف التكفير لهم بالأدلة المعارضة بما هو أقوى منها أو مثلها مما يجمع الكلمة، ويقوي الإسلام، ويحقن الدماء، ويسكن الدهماء حتى يتضح كفر المبتدع اتضاح الحق الصادق، وتجتمع عليه الكلمة".
إلى أن قال: "وقد عوقبت الخوارج أشد العقوبة، وذمت أقبح الذم على تكفيرهم لعصاة المسلمين مع تعظيمهم في ذلك لمعاصي الله، وتعظيمهم لله تعالى بتكفير عاصيه، فلا يأمن المكفّر أن يقع في مثل ذنبهم، وهذا خطر في الدين جليل، فينبغي شدة الاحتراز فيه من كل حليم نبيل".
وقال الشوكاني: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، أن (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما..)
وقد أجاب الشيخ صالح الفوزان عن سؤال :المعروف.
تكفير العلماء
- فضيلة الشيخ: ظهر في هذه الأزمنة ظواهر بدعية من تكفير للعلماء أو محاولة الإساءة لهم وفرق التضليل وفرق مخالفة لمنهج السلف الصالح؛ مما جعل الشخص يعرض عن العلم الشرعي ويشتغل بذلك، فهل من كلمة حول ذلك، جزاكم الله خيراً؟
- إن من آداب طالب العلم ألا يتسرع في الأحكام ولا سيما الأحكام الخطرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال لأخيه يا كافر يا فاجر يا عدو الله، فقد باء بها أحدهما» فإن كان المرء قيلت فيه وهو مستحق لها، وإلا رجعت إلى قائلها فصار هو الكافر، وصار هو الفاجر، وصار هو عدو الله، فالأمر خطير جداً؛ فلا يجوز لطالب العلم أن يتسرع بالحكم بالتكفير، وهذا الأمر ليس جديداً، وإنما هو منذ عهد الخوارج الذين ظهرت بذرتهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال قائلهم للرسول صلى الله عليه وسلم : اعدل فإنك لم تعدل، والذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، والذين كفّروا عثمان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فهؤلاء هم الخوارج، كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم: «والذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» هذا هو منهج الخوارج في القديم، ولا يزال يظهر بين حين وآخر، وقد ظهر في هذا الزمان على ألسنة هؤلاء الذين يكفَّرون الناس بغير دليل، إما بجهل وعدم بصيرة، وإما عن هوى وظلم للمسلمين، فالأمر خطير جداً، وواجب على المسلمين عموماً وعلى طلاب العلم خصوصاً أن يكفوا ألسنتهم عن التكفير والتفسيق والتبديع، ومن ظهر كفره أو فسقه أو فجوره، فهذا لا يحتاج إلى أن يحكم عليه؛ لأن أمره ظاهر، أو يترك أمره إلى من هو أعلم منه، ومن هو أفقه منه ينظرون في شأنه إذا اقتضت الضرورة ذلك، فمطلوب منا الكف عن الناس، فإذا اقتضت الضرورة بيان شيء من ذلك، فهذا يوكل لأهل العلم وأهل البصيرة ينظرون في شأن هذا الشخص وما صدر منه وما قاله وكتبه على ضوء الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون الأمر صادراً من جهة مختصة بالعلم ولها صلاحية بأن تحكم على الشخص أو الأشخاص إذا اقتضت الضرورة ذلك من أجل أن يحذرهم الناس، فهذا هو المطلوب.
هذا شر مستطير
والحاصل أن الإنسان لا يشتغل بمثل هذه الأمور، بل ينشغل بطلب العلم ويحرص على الاستقامة على دين الله، وينشر الخير، وأما كون طلبة العلم أو الشباب يشتغلون بالتكفير والتفسيق والتبديع فهذا شرٌّ مستطير، وهو يورث شروراً كثيرة وينزع الثقة بين المسلمين، ويزرع العداوة وسوء الظن وغير ذلك من المحاذير.
تنقص العلماء.. نفاق
- هناك من يسيء للعلماء ويحاول الحط من قدرهم، كيف ترى انعكاس ذلك؟
- تناول العلماء الكبار بالتنقّص والحط من قدرهم من علامات النفاق، فالمنافقون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأكذب ألسناً وأجبن عند اللقاء» يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فأنزل الله في هؤلاء المتكلّمين: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ < لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 65-66)، ولا يجوز تنقّص المسلم فضلاً عن العالم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ} (الحجرات: 11)، فالعلماء لهم قدرهم ومكانتهم لأنهم ورثة الأنبياء ومن ينتقّصهم فهو كما قال الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني فاضل
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ مِنْ أَصْلِ الإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ،
وَلاَ تُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلاَمِ بِعَمَلٍ ... ».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا،
وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ،فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ».
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ».
قال الإمام الغزالي : «... والمبادرة إلى التكفير إنما تغلبعلى طباع من يغلب عليهم الجهل»