ذِكر أهل الجلال

-🪴-🪴-🪴-🪴-🪴-🪴-
السؤال : ذكرتم فضيلتكم أن هناك ذِكرٌ لأهل الجلال، نرجوا من فضيلتكم التوضيح؟
أسماء الكمال، فهي الأسماء الخاصة بذات الله عزوجل، ولا يشاركه فيها أحدٌ أبدًا، كاسمه تبارك وتعالى الصمد، واسمه الأحد، واسمه ذي الجلال والإكرام، وغيرها من الأسماء العظيمة.
وقال العارفون أن أسماء الجمال سبعون اسمًا، ولذلك قال الله لنبيه عندما كان يستغفر للمنافقين:
( ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ) (التوبة:80)
---------يعني بعدد أسماء الجمال.
وقالوا: إن أسماء الجلال عددهم( تسعة عشر)، وهم بعدد أبواب النار:
( عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ) (المدثر:٣٠)
------- لأنها محل القهر والجبروت والقوة للحي الذي لايموت.
وأسماء الكمال بعد ذلك هي عشرة أسماء، وهي أسماء الله (عزوجل) الخاصة بذاته تبارك وتعالى.
فإذا أنعم الله عزوجل على الإنسان بالجمال، أغدق عليه النعم، وأكرمه بموفور الصحة والعافية، وأنعم عليه بنعمة الأولاد وجعلهم بررة وأتقياء، وأنعم عليه بنعمة الجاه، وأنعم عليه بأي نعمة يرجوها في هذه الحياة.
فالواجب عليه أن يشكر مولاه، وأن يتوجه في عبادته إلى الله بالشكر لله عزوجل على ما وهبه من هذه العطاءات، وهذه الخيرات ليكمل الله له النعمة فيُكرمه بالجمالات الإلهية في برزخه، والجمالات الإلهية في حشره، والجمالات الإلهية في الجنة إن شاء الله.
فالجمالات الإلهية في الدنيا تتمثل في الخيرات، وخاصة إذا كانت مباركات، لأنها آتية من فضل الله ومن إكرام الله، وتحتاج إلى شكر الله، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى لداود وسليمان لمَّا آتاهم من هذه الخيرات من الملك العظيم، ومن تسخير الجن، والكلام مع الطيور والحيوانات وغيرها:
( ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ) (سبأ:١٣)
لم يقُل قولوا، ولم يقُل قوموا، وإنما الشكر عملًا.
🤲 فالشكر قولٌ باللسان، وهو الحمد لله والشكر لله، وذلك لا يكفي بمفرده فقط، وإنما يحتاج إلى عقيدة بالقلب والجنان، وعمل بالجوارح والأركان.
فإذا أعطاه الله نعمة المال، يكون شكر الله على هذه النعمة بأن يُخرج منها حق الله وهي الزكاة، ثم يزيد فيتصدق بعد ذلك على عباد الله الفقراء.
وإذا أنعم الله عليه بالجاه يسعى بجاهه لإيصال الحقوق للضعفاء الذين لا يستطيعون الوصول إلى المسئولين لطلب حاجاتهم وضروراتهم.
وإذا أنعم الله عليه بالصحة، فعليه أن يساعد الضعفاء وخاصة المرضى والعجزة والكبار في السن، ويساعدهم على قضاء حوائجهم ومصالحهم ابتغاء وجه الله عزوجل.
ولذلك الرجل الصالح بشر بن الحارث رضي الله عنه وكان من كُمَّل الأولياء قيل له: أن فلانًا الغَنيّ يصوم الأيام المتتابعة، ويقوم الليالي ذات العدد، قال: لقد دخل في عبادة ليست له، إن هذه عبادة الفقراء، أما عبادته فهي أن يُنفق مما آتاه الله على المحتاجين والفقراء من خلق الله تبارك وتعالى.
فكل إنسان ينفق مما آتاه الله، ويجعل في عمله نصيباُ لهؤلاء، فإذا كان طبيبًا ويفتح عيادة يجعل له ولو كل يوم كشفٌ أو كشفين لغير القادرين من الفقراء، الذين لا يستطيعون دفع هذا الكشف.
وإذا أكرمه الله وأتى لهم بالدواء من العينات التي يُحضرها له الصيادلة، فقد عمل عملًا حسنًا يُؤجر له عند الله.
والمدرس الذي عنده مجموعات، يجعل في كل مجموعة ولو ابنًا واحدًا لرجل فقير لوجه الله ، والذي يُحفِّظ القرآن يجعل كذلك لنفر ممن لا يستطيعون دفع الأجر نصيبًا في حفظ القرآن، على أن يواليهم نفس الإهتمام الذي يواليه لمن يدفع له نفقة تحفيظ القرآن، وهكذا قس على ذلك في كل الأمور.
أما إذا نزل بالإنسان حالٌ من الجلال، كأن ألمَّ به مرض، أو أصابته فاقة، أو لا يجد عملًا يعمله يأكل منه رزقه الحلال، أو سُدت أمامه أبواب يحتاج إلى فتحها، أو عنده بنتٌ كبُرت ويحتاج إلى تزويجها، أو عنده ولدٌ لا يستطيع ترويضه على العمل الصالح وعمل الصالحات، أو له أعداء يكتنفونه ولا طاقة له بهم، كل هذه من أنواع الجلال والشدة التي تنزل عليه، فعليه بالأذكار الواردة في القرآن الكريم، والواردة عن النبي الرؤوف الرحيم في وقت الشدة.
فيسأل الله عزوجل رفع هذا العناء، وإزالة هذا البلاء، ويتوسل إليه أولًا بسيد الرسل والأنبياء، ثم بالصالحين والأولياء، ثم يردد ما ذكر الله في قرآنه أنه استجاب هذا الدعاء، بأن يقول:
( لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) (الأنبياء:٨٧)
---------ويرددها لأن الله قال عقبها:
( فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ) (الأنبياء:٨٨)
قال ﷺ في شأنها:
{ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ }[1]
🤲 على أن يدعو ولا يقنط ولا ييأس ولا يمل، بل يصبر حتى يستجيب له مولاه تبارك وتعالى، أو يدعو بقول رسول الله ﷺ:
{ مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا }[2]
🤲 أو يدعو بالدعاء الجامع الذي دعا به النبي فاستجاب الله له في الحال عندما أساء إليه أهل الطائف، فتوجه إلى الله وقال:
{ اللَّهُمَّ إليكَ أشْكو ضَعفَ قُوَّتي، وقِلةَ حيلَتي، وهَواني على الناسِ يا أرحَمَ الراحِمينَ، أنتَ أرحَمُ الراحِمينَ، وأنتَ ربُّ المُستَضعَفينَ، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُني يَلْقاني بالغِلْظةِ والوَجهِ الكَريهِ، أمْ إلى صَديقٍ قَريبٍ مَلَّكْتَه أمْري؟ إنْ لم يكُنْ بكَ غَضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ أوسَعُ لي، أعوذُ بنورِ وَجْهِكَ الذي أضاءَتْ له السمَواتُ، وأشرَقَتْ له الظلُماتُ، وصلَحَ عليه أمرُ الدُّنيا والآخِرةِ أنْ يَنزِلَ بي غضَبُكَ، أو يَحِلَّ بي سَخَطُكَ، ولكَ العُتْبى حتى تَرْضى، ولا حَولَ ولا قُوةَ إلَّا بكَ }[3]
🤲 أو يدعو بما قال الله سبحانه في القرآن:
( حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ) (آل عمران:١٧٣)
فإن الله قال عقبها:
( فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ ) (آل عمران:174)
------- وغيرها من الأدعية الواردة في السنة النبوية والآيات القرآنية.
فهذا ذكر أهل الجلال الذين نزلت بهم الشدائد، أو نزلت بهم النوازل ليرفع الله عنهم ذلك.
--------------------------------------------
[1] سنن الترمذي ومسند أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
[2] مسند أحمد وابن حبان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
[3] معجم الطبراني وتاريخ دمشق لابن عساكر
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله
===========================