الصحة الإنجابية
بين حق الوالدين وحق الطفل
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
*********
____________________________
الحمد لله ربِّ العالمين، اختارنا وجعلنا خير أُمةٍ أُخرجت للناس أجمعين، نهتدي بهُداه، ونعمل بما أنزله في كتاب الله، ونقتدي بحبيبنا الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعلم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأُمهاتنا، ومن شدة رحمته تبارك وتعالى بنا لم يترك شيئاً يهمنا في حياتنا إلا وذكر لنا في قرآنه ما ينبغي فعله، لكي نكون في الدنيا من الأتقياء الأنقياء السُعداء، وفي الآخرة من أهل الجنة العالية الفيحاء.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ البيان العملي لقرآنه الكريم الإلهي، فإذا أمرنا الله بأمرٍ في قرآنه وتحيَّرنا في تنفيذه، نرجع إلى نبيِّنا ونرى أحواله وأفعاله لنقتدي به في تنفيذ أوامر الله، فنفوز أجمعين بقول الله:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (21الأحزاب)
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، الذي أَعْلَيْتَ في الدنيا ذِكْرَه، ورفعت فيها شأنه، وأكملت على يديه تمام دينك، وجعلته في الآخرة في مقامٍ محمود، صاحب الشفاعة العُظمى يوم لا ينفع والدٍ ولا مولود، ولا جدٌ ولا جدود، إلا الحبيب صاحب المقام المحمود، سيدنا محمد صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
وجعل الله عز وجل للمولود في الإسلام أمرًا عجيبًا، وشأنًا غريبًا، وذلك تأسيًا بميلاد رسل الله الكرام ورسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد كانت ولادته صلى الله عليه وسلم خرقًا للعادة وليست كأي ولادة عادية .
وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم وُلِدَ ساجدًا، مختونًا، مقطوع السُّرة، يرفع إصبعه - السبابة - إلى السماء) (روى ذلك ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب)
وكذلك الطفل المسلم تحضر ميلاده لجنةٌ من الملائكة الكرام، فتساعد أمه في إتمام ولادته وهى لا تشعر وتحيطه من جميع نواحيه لحفظه من الشياطين، لأن الطفل الذي يُولَدْ يحاول الشيطان أن يستحوذ عليه، فَيُنْزِلُ الله عز وجل جنده لحمايته من مكر الشيطان وكيده،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إذا وُلِدَتْ الجَارِيَةُ بعث الله عز وجل إليها مَلَكاً يزفُّ البركة زفَّاً، يقول: ضعيفةٌ خرجت من ضعيفة!! القيِّمُ عليها مُعانٌ إلى يوم القيامة. وإذا وُلِدَ الغلام بعث الله إليه مَلَكاً من السماء، فقبَّله بين عينيه، وقال: الله يقرؤك السلام }
(رواه الطبراني في عن أنس رضي الله عنه)
ثم بين لنا صلى الله عليه وسلم امرا مهما بعد الولادة يجب ان نقوم به رعاية لهذا الطفل وهو
أن يؤذِّن في أذن الطفل اليمنى آذان الصلاة، ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى؛ على أن يكون ذلك بصوت خافت لا يؤذي المولود، وفائدة ذلك حفظ المولود من الشيطانة الموكلة بالصبيان
لقوله صلى الله عليه وسلم
{ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصبْيَانِ }
(رواه أبو يعلى وابن السني في اليوم والليلة والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسين ابن علي)
ثم امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحسن اختيار الاسم ويكون ذلك باختيار اسم حسنٍ له دلالةٌ ومعنى لقوله صلى الله عليه وسلم :
(إِنَّ مِنْ حَق الْوَلَدِ عَلى الْوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ وَأَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ) (البزار عن ابي هريرة )
فمن أول إكرام المولود أن يحسنوا تسميته، لقوله صلى الله عليه وسلم
{ إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ }راوه احمد في مسنده عن ابي الدرداء رضي الله عنه
ولا ننسى أن ننبِّه إلى أن إصرار أحد الوالدين أحيانا على التسمية بأسماء آبائهم أو أمهاتهم - حتى لو كانت قبيحة - لتخليدهم كما يدَّعون؛ عقوقُ للأبناء ومحاسبٌ عليه!
فليحذر الأهل فأسماء الأبناء ليست للتسليَّة!
وإنما هي أمانة! فليتقوا الله فيها!
وأيضاً بين النبي صلى الله عله وسلم ما يجب علينا نحو الأبناء فقال صلى الله عليه وسلم
"الغُلاَمُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُمَاطُ عَنْهُ الأَذَى؛ فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ أُدِّبَ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ عُزِلَ فِرَاشُهُ، فَإِذَا بَلَغَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً ضُرِبَ عَلَى الصَّلاةِ، فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً زَوَّجَهُ أَبُوهُ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِـيَدِهِ وَقَالَ: قَدْ أَدَّبْتُكَ وَعَلَّمْتُكَ وَأَنْكَحْتُكَ، أَعُوذُ بِالله مِنْ فِتْنَتِكَ فِي الدُّنْيا وَعَذَابِكَ فِي الآخِرَةِ}( ابن حبان عن أنس رضي الله عنه)
ثم اوجب الإسلام رعاية الطفل من ناحية الرضاعة
فقال الله عز وجل :
"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(233 البقرة )
فالإسلام بلغ أرقى ما وصلت إليه الحضارات قاطبة في عملية الرضاعة الطبيعية،
ومن عجائب وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية قوله:
{ لاَ تَقْتُلُوا أوْلاَدَكُم سِرًّا فإنَّ الْغَيْلَ يُدْرِكُ الْفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ }( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني عن أسماء بنت يزيد بن السكن)
والغيل هو أن تحمل الأم وهي ترضع.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمل اثناء الرضاعة على سبيل الكراهة حتى تأخذ الأم قسطها من الراحة بعد عناء الحمل والولادة، ويأخذ الرضيع حقه من الرعاية
وقد نبه الإسلام على أمر طبي عظيم، وهو ألا ترضع الأم طفلها بعد قيامها بمجهود جسماني أو عصبي كبير،
فنهى الأم عن إرضاع طفلها بعد الجماع إلا بعد أن تغتسل، أو تغسل ثديها، لماذا؟.
لأن الدم يجري في جميع عروقها في تلك اللحظة، فربما ينزل اللبن مختلطًا بدم فيمرض منه الطفل فتكون هي التي أمرضته، لأنها لم تلتزم بأحكام الله، وبأوامر سيدنا رسول الله.
ويحث الإسلام على تدليل الطفل بأنواع التدليل المختلفة المقبولة، وربط قلبه بمن حوله، ويرغِّب الكبير أن يتنزل إلى درجة ملاعبة الأطفال ليكون معهم بقلبه وعواطفه وتصرفاته بعض الوقت
فقد رُوي أن جبلة بن سحيم دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو في الخلافة، فرأى في عنقه حبل يقوده به صبي له، فظهر على وجهه الاستنكار، فلما رأى معاوية ذلك قل له:
يا لكع إني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول:
{ مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيُّ فَلْيَتَصَابَ لَهُ } (أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يُدَلِّلُ الحسن والحسين وأسامة بن زيد فقد روى البخاري عن أسامة قوله:
{ كان رسول الله صلى لله عليه وسلم:
يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على الأخرى }،
وروى أحمد عن عائشة: { أن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي. قال: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يمصُّه ( وفى رواية ثم يمجُّه)، ويقول: لَوْ كَانَ أُسامَةُ جارِيَةً لَحَلَّيْتُها وَلَكَسَوْتُها حَتَّى أُنْفِقَها }
ولذلك لما جاء أحد الأعراب القساة ورآه يقبل الحسن فقال: أتقبلون الصبيان يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم قطَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وموجهاً الأمة كلها:
{ من لا يرحم لا يرحم } (رواه البخاري عن أبي هريرة)،
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها:
{ أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة }
أو كما قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بهُداه، ووفقنا لاتباع هذا الدين المتين، وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو الله عزَّ وجلَّ أن يُطلق بها ألستنا عند خروجنا من هذه الحياة، وأن يثبِّتنا عليها يوم نلقاه، وأن يجعلنا من أهلها أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولهُ، طَيِّبُ الذكر، صَفِيُّ القلب، المُجمَّل بما ذكره مولاه وقال عنه في كتاب الله:
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4القلم)
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين :
وضع النبي صلى الله عليه وسلم مسئولية رعاية البنات والبنين في رقاب الآباء والأمهات، فقال صلى الله عليه وسلم :
(أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنها)
فهم كثير من في هذا الزمان أن مسئولية الآباء توفير المأكل والملبس والتعليم وما يحتاجه الابن من احواله الدنيوية ليصير شاب يباهي به ولم يرجعوا في تفسير المسئولية إلى كتاب رب البرية
ما المسئولية التي كلفنا بها رب العالمين نحو أبناءنا ؟
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"(6 التحريم)
أول تكليف لك من رب العالمين نحو أولادك وأهلك أن تقيهم من النار إذا خرجوا من الدنيا إلى الدار الآخرة
ووقايته من النار بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء،
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ( (سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه)
وقوله تعالى :
"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" [132- طه].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، موضِّحاً الواجب على الأب في هذه الفترة:
(مُرُوا الصبيانَ بالصلاةِ لِسَبْعِ سنينَ، واضْرِبُوْهُمْ عَلَيْهَا في عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ) (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، سنن الكبرى للبيهقي)
وقال صلى الله عليه وسلم:
مَا نَحَلَ والدٌ ولداً خيراً لَهُ من أدبٍ حَسَنٍ (رواه أيوب بن موسى عن أبيه عن جده سنن الكبرى للبيهقي
إن الطفل عندما ينشأ منذ نعومة أظفاره على الآداب الإيمانية وعلى الإيمان بالله والاعتماد عليه والمراقبة له فإنه يصبح وعنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية، لتقبل كل فضيلة ومَكْرُمَة، ويتأتى ذلك بإبراز مشاعر الطهر والنقاء في نفسه، وإشعاره بمراقبة الله عليه وطاعته وبره لوالديه
وقد كان صلى الله عليه وسلَّم حريصاً على تربية أبنائه على هذه القيم الكريمة، حتى في أمسِّ حاجات المسلمين، فعندما دعا داعيه إلى الجهاد، وطالب الشباب إلى الخروج إلى الجهاد، جاءه رجلٌ شابٌ وقال: يا رسول الله إنِّي أريد أن أجاهد معك، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(هل أحد أبويك حي؟ قال: نعم، وقد تركتهما يبكيان. فقال صلى الله عليه وسلَّم - وهو الرحمة المهداة: (ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما، وفيهما فجاهد) (البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
فجعل الجهاد في سبيل الوالدين كالجهاد في سبيل الله، لأنه اعترافٌ بالجميل، وتربية للقيم الأصيلة الإسلامية التي تدعو المؤمن إلى الاعتراف والإقرار لكلِّ مَنْ أسدى إليه نعمة، أو فعل معه معروفاً، أن يكافئه بما يليق بذلك.
وحكى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم لصحابته عن واحدٍ مِنْ أمته، آمَنَ بالنَّبِيِّ وكان في بلاد اليمن وكان وحيد أمه بعد أن مات أبوه، وكلما استأذنها أن يذهب إلى المدينة ليلقى رسول الله، تقول له: وتتركني لِمَنْ يا أويس؟!! فَيَبْقَى بجوارها حرصاً على برِّها!! قال في شأنه النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ القِرَنِيّ، رجلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَن، آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، مَنَعَهُ مِنْ المَجِيءِ إِلَىَّ بِرُّهُ بأمِّه، يَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ ومُضَر) (رواه مسلم عن أسير بن جابر)
وهما أكبر عائلتين أو قبيلتين في الجزيرة العربية. عَرَفَ له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم ذلك وعرَّف به،
لأن الواجب على الابن أن لا ينهض إلى عملٍ مهمٍ من مهمِّات حياته إلا بعد استئذان الوالدين، لا ينبغي أن يسافر إلى أيِّ جهة إلا بعد إذنهما، ولا ينبغي أن يتزوَّج إلا بعد أَخْذِ موافقتهما.
وقد ظهرت ظاهرة غير إسلامية في هذا الزمان، يزعُم الشابُ أنه يحبُّ فلانة، ويعرضها على أبويه فيرفضانها، فيُصِّر على رأيه ويتزوجها وإن لم يأذن الوالدين!! مع أن هذا مخالف لصريح الدِّين وما أمرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
لقد بلغ الأمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ابنه عبد الله قد تزوَّج زوجة وكان عبد الله من العابدين فشغلته زوجته عن العبادة، فقال له عمر: طَلِّقْهَا. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال له: إن عمر يأمرني أن أُطَلِّقَ زوجتي، قال له صلوات ربي وتسليماته عليه : (أَطِعْ أَبَاكَ) (رواه احمد عن بن عمر رضي الله عنهما).
وإن كان ذلك الأمر لا يستقيم للجميع، لأن الذي يأمر قد يأمر عن هوىً أو عن أمرٍ دفين، غير الصدق والعدالة التي كان عليها عمر بن الخطاب صاحب النبيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم ورضي الله تبارك وتعالى عنه.
لا ينبغي أن يسافر إلا بعد استئذانهما، ولا أن يتزوج إلا بموافقتهما، ولا يعمل عملاً مهماً كان في حياته إلا بعد أخذ رضائهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله عزَّ وجلَّ في سخط الوالد) (رواه البيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
الذي يُرضي أباه إنما يُرضي الله، مادام أبوه من كُمَّلِ المؤمنين بالله الذين يقومون بالعمل الصالح ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ.
وما بَرَّ ابنٌ أبويه إلاَّ ووجد خير ذلك في دنياه، ناهيك عما أجَّله الله عزَّ وجلَّ له في أُخراه!!
فإذا أطاع الإنسان والديه يجد ذلك في حياته الدنيا، في سعة الأرزاق، وفي جمال الطباع والأخلاق، ناهيك عن برِّ الأبناء لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(برِّوا آباءكم تبركم أبناؤكم) (الدارقطني والمنذري عن جابر والسيوطي عن ابي هريرة رضي الله عنه )
🤲نسأل الله أن يُعلِّمَنَا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُعيننا على العمل بما علِمْنَا، وأن يرزقنا الفقه في الدين وإتباع سيد الأولين والآخرين، وأن يجعل نور الإيمان ظاهراً في قلوبنا، وأن يوظف جوارحنا في خدمته، وأن يجعل أبداننا كلَّها في طاعته، وأن يجعلنا في الدنيا والآخرة من أهل الاستقامة على شريعته، ومن أهل الحظوة الكبرى في جنته.
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب متابعة
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
بين حق الوالدين وحق الطفل
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
*********
____________________________
الحمد لله ربِّ العالمين، اختارنا وجعلنا خير أُمةٍ أُخرجت للناس أجمعين، نهتدي بهُداه، ونعمل بما أنزله في كتاب الله، ونقتدي بحبيبنا الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعلم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأُمهاتنا، ومن شدة رحمته تبارك وتعالى بنا لم يترك شيئاً يهمنا في حياتنا إلا وذكر لنا في قرآنه ما ينبغي فعله، لكي نكون في الدنيا من الأتقياء الأنقياء السُعداء، وفي الآخرة من أهل الجنة العالية الفيحاء.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ البيان العملي لقرآنه الكريم الإلهي، فإذا أمرنا الله بأمرٍ في قرآنه وتحيَّرنا في تنفيذه، نرجع إلى نبيِّنا ونرى أحواله وأفعاله لنقتدي به في تنفيذ أوامر الله، فنفوز أجمعين بقول الله:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (21الأحزاب)
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، الذي أَعْلَيْتَ في الدنيا ذِكْرَه، ورفعت فيها شأنه، وأكملت على يديه تمام دينك، وجعلته في الآخرة في مقامٍ محمود، صاحب الشفاعة العُظمى يوم لا ينفع والدٍ ولا مولود، ولا جدٌ ولا جدود، إلا الحبيب صاحب المقام المحمود، سيدنا محمد صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
وجعل الله عز وجل للمولود في الإسلام أمرًا عجيبًا، وشأنًا غريبًا، وذلك تأسيًا بميلاد رسل الله الكرام ورسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد كانت ولادته صلى الله عليه وسلم خرقًا للعادة وليست كأي ولادة عادية .
وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم وُلِدَ ساجدًا، مختونًا، مقطوع السُّرة، يرفع إصبعه - السبابة - إلى السماء) (روى ذلك ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب)
وكذلك الطفل المسلم تحضر ميلاده لجنةٌ من الملائكة الكرام، فتساعد أمه في إتمام ولادته وهى لا تشعر وتحيطه من جميع نواحيه لحفظه من الشياطين، لأن الطفل الذي يُولَدْ يحاول الشيطان أن يستحوذ عليه، فَيُنْزِلُ الله عز وجل جنده لحمايته من مكر الشيطان وكيده،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إذا وُلِدَتْ الجَارِيَةُ بعث الله عز وجل إليها مَلَكاً يزفُّ البركة زفَّاً، يقول: ضعيفةٌ خرجت من ضعيفة!! القيِّمُ عليها مُعانٌ إلى يوم القيامة. وإذا وُلِدَ الغلام بعث الله إليه مَلَكاً من السماء، فقبَّله بين عينيه، وقال: الله يقرؤك السلام }
(رواه الطبراني في عن أنس رضي الله عنه)
ثم بين لنا صلى الله عليه وسلم امرا مهما بعد الولادة يجب ان نقوم به رعاية لهذا الطفل وهو
أن يؤذِّن في أذن الطفل اليمنى آذان الصلاة، ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى؛ على أن يكون ذلك بصوت خافت لا يؤذي المولود، وفائدة ذلك حفظ المولود من الشيطانة الموكلة بالصبيان
لقوله صلى الله عليه وسلم
{ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصبْيَانِ }
(رواه أبو يعلى وابن السني في اليوم والليلة والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسين ابن علي)
ثم امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحسن اختيار الاسم ويكون ذلك باختيار اسم حسنٍ له دلالةٌ ومعنى لقوله صلى الله عليه وسلم :
(إِنَّ مِنْ حَق الْوَلَدِ عَلى الْوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ وَأَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ) (البزار عن ابي هريرة )
فمن أول إكرام المولود أن يحسنوا تسميته، لقوله صلى الله عليه وسلم
{ إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ }راوه احمد في مسنده عن ابي الدرداء رضي الله عنه
ولا ننسى أن ننبِّه إلى أن إصرار أحد الوالدين أحيانا على التسمية بأسماء آبائهم أو أمهاتهم - حتى لو كانت قبيحة - لتخليدهم كما يدَّعون؛ عقوقُ للأبناء ومحاسبٌ عليه!
فليحذر الأهل فأسماء الأبناء ليست للتسليَّة!
وإنما هي أمانة! فليتقوا الله فيها!
وأيضاً بين النبي صلى الله عله وسلم ما يجب علينا نحو الأبناء فقال صلى الله عليه وسلم
"الغُلاَمُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُمَاطُ عَنْهُ الأَذَى؛ فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ أُدِّبَ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ عُزِلَ فِرَاشُهُ، فَإِذَا بَلَغَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً ضُرِبَ عَلَى الصَّلاةِ، فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً زَوَّجَهُ أَبُوهُ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِـيَدِهِ وَقَالَ: قَدْ أَدَّبْتُكَ وَعَلَّمْتُكَ وَأَنْكَحْتُكَ، أَعُوذُ بِالله مِنْ فِتْنَتِكَ فِي الدُّنْيا وَعَذَابِكَ فِي الآخِرَةِ}( ابن حبان عن أنس رضي الله عنه)
ثم اوجب الإسلام رعاية الطفل من ناحية الرضاعة
فقال الله عز وجل :
"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(233 البقرة )
فالإسلام بلغ أرقى ما وصلت إليه الحضارات قاطبة في عملية الرضاعة الطبيعية،
ومن عجائب وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية قوله:
{ لاَ تَقْتُلُوا أوْلاَدَكُم سِرًّا فإنَّ الْغَيْلَ يُدْرِكُ الْفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ }( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني عن أسماء بنت يزيد بن السكن)
والغيل هو أن تحمل الأم وهي ترضع.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمل اثناء الرضاعة على سبيل الكراهة حتى تأخذ الأم قسطها من الراحة بعد عناء الحمل والولادة، ويأخذ الرضيع حقه من الرعاية
وقد نبه الإسلام على أمر طبي عظيم، وهو ألا ترضع الأم طفلها بعد قيامها بمجهود جسماني أو عصبي كبير،
فنهى الأم عن إرضاع طفلها بعد الجماع إلا بعد أن تغتسل، أو تغسل ثديها، لماذا؟.
لأن الدم يجري في جميع عروقها في تلك اللحظة، فربما ينزل اللبن مختلطًا بدم فيمرض منه الطفل فتكون هي التي أمرضته، لأنها لم تلتزم بأحكام الله، وبأوامر سيدنا رسول الله.
ويحث الإسلام على تدليل الطفل بأنواع التدليل المختلفة المقبولة، وربط قلبه بمن حوله، ويرغِّب الكبير أن يتنزل إلى درجة ملاعبة الأطفال ليكون معهم بقلبه وعواطفه وتصرفاته بعض الوقت
فقد رُوي أن جبلة بن سحيم دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو في الخلافة، فرأى في عنقه حبل يقوده به صبي له، فظهر على وجهه الاستنكار، فلما رأى معاوية ذلك قل له:
يا لكع إني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول:
{ مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيُّ فَلْيَتَصَابَ لَهُ } (أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يُدَلِّلُ الحسن والحسين وأسامة بن زيد فقد روى البخاري عن أسامة قوله:
{ كان رسول الله صلى لله عليه وسلم:
يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على الأخرى }،
وروى أحمد عن عائشة: { أن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي. قال: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يمصُّه ( وفى رواية ثم يمجُّه)، ويقول: لَوْ كَانَ أُسامَةُ جارِيَةً لَحَلَّيْتُها وَلَكَسَوْتُها حَتَّى أُنْفِقَها }
ولذلك لما جاء أحد الأعراب القساة ورآه يقبل الحسن فقال: أتقبلون الصبيان يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم قطَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وموجهاً الأمة كلها:
{ من لا يرحم لا يرحم } (رواه البخاري عن أبي هريرة)،
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها:
{ أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة }
أو كما قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بهُداه، ووفقنا لاتباع هذا الدين المتين، وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو الله عزَّ وجلَّ أن يُطلق بها ألستنا عند خروجنا من هذه الحياة، وأن يثبِّتنا عليها يوم نلقاه، وأن يجعلنا من أهلها أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولهُ، طَيِّبُ الذكر، صَفِيُّ القلب، المُجمَّل بما ذكره مولاه وقال عنه في كتاب الله:
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4القلم)
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين :
وضع النبي صلى الله عليه وسلم مسئولية رعاية البنات والبنين في رقاب الآباء والأمهات، فقال صلى الله عليه وسلم :
(أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنها)
فهم كثير من في هذا الزمان أن مسئولية الآباء توفير المأكل والملبس والتعليم وما يحتاجه الابن من احواله الدنيوية ليصير شاب يباهي به ولم يرجعوا في تفسير المسئولية إلى كتاب رب البرية
ما المسئولية التي كلفنا بها رب العالمين نحو أبناءنا ؟
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"(6 التحريم)
أول تكليف لك من رب العالمين نحو أولادك وأهلك أن تقيهم من النار إذا خرجوا من الدنيا إلى الدار الآخرة
ووقايته من النار بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء،
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ( (سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه)
وقوله تعالى :
"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" [132- طه].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، موضِّحاً الواجب على الأب في هذه الفترة:
(مُرُوا الصبيانَ بالصلاةِ لِسَبْعِ سنينَ، واضْرِبُوْهُمْ عَلَيْهَا في عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ) (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، سنن الكبرى للبيهقي)
وقال صلى الله عليه وسلم:
مَا نَحَلَ والدٌ ولداً خيراً لَهُ من أدبٍ حَسَنٍ (رواه أيوب بن موسى عن أبيه عن جده سنن الكبرى للبيهقي
إن الطفل عندما ينشأ منذ نعومة أظفاره على الآداب الإيمانية وعلى الإيمان بالله والاعتماد عليه والمراقبة له فإنه يصبح وعنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية، لتقبل كل فضيلة ومَكْرُمَة، ويتأتى ذلك بإبراز مشاعر الطهر والنقاء في نفسه، وإشعاره بمراقبة الله عليه وطاعته وبره لوالديه
وقد كان صلى الله عليه وسلَّم حريصاً على تربية أبنائه على هذه القيم الكريمة، حتى في أمسِّ حاجات المسلمين، فعندما دعا داعيه إلى الجهاد، وطالب الشباب إلى الخروج إلى الجهاد، جاءه رجلٌ شابٌ وقال: يا رسول الله إنِّي أريد أن أجاهد معك، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(هل أحد أبويك حي؟ قال: نعم، وقد تركتهما يبكيان. فقال صلى الله عليه وسلَّم - وهو الرحمة المهداة: (ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما، وفيهما فجاهد) (البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
فجعل الجهاد في سبيل الوالدين كالجهاد في سبيل الله، لأنه اعترافٌ بالجميل، وتربية للقيم الأصيلة الإسلامية التي تدعو المؤمن إلى الاعتراف والإقرار لكلِّ مَنْ أسدى إليه نعمة، أو فعل معه معروفاً، أن يكافئه بما يليق بذلك.
وحكى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم لصحابته عن واحدٍ مِنْ أمته، آمَنَ بالنَّبِيِّ وكان في بلاد اليمن وكان وحيد أمه بعد أن مات أبوه، وكلما استأذنها أن يذهب إلى المدينة ليلقى رسول الله، تقول له: وتتركني لِمَنْ يا أويس؟!! فَيَبْقَى بجوارها حرصاً على برِّها!! قال في شأنه النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ القِرَنِيّ، رجلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَن، آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، مَنَعَهُ مِنْ المَجِيءِ إِلَىَّ بِرُّهُ بأمِّه، يَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ ومُضَر) (رواه مسلم عن أسير بن جابر)
وهما أكبر عائلتين أو قبيلتين في الجزيرة العربية. عَرَفَ له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم ذلك وعرَّف به،
لأن الواجب على الابن أن لا ينهض إلى عملٍ مهمٍ من مهمِّات حياته إلا بعد استئذان الوالدين، لا ينبغي أن يسافر إلى أيِّ جهة إلا بعد إذنهما، ولا ينبغي أن يتزوَّج إلا بعد أَخْذِ موافقتهما.
وقد ظهرت ظاهرة غير إسلامية في هذا الزمان، يزعُم الشابُ أنه يحبُّ فلانة، ويعرضها على أبويه فيرفضانها، فيُصِّر على رأيه ويتزوجها وإن لم يأذن الوالدين!! مع أن هذا مخالف لصريح الدِّين وما أمرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
لقد بلغ الأمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ابنه عبد الله قد تزوَّج زوجة وكان عبد الله من العابدين فشغلته زوجته عن العبادة، فقال له عمر: طَلِّقْهَا. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال له: إن عمر يأمرني أن أُطَلِّقَ زوجتي، قال له صلوات ربي وتسليماته عليه : (أَطِعْ أَبَاكَ) (رواه احمد عن بن عمر رضي الله عنهما).
وإن كان ذلك الأمر لا يستقيم للجميع، لأن الذي يأمر قد يأمر عن هوىً أو عن أمرٍ دفين، غير الصدق والعدالة التي كان عليها عمر بن الخطاب صاحب النبيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم ورضي الله تبارك وتعالى عنه.
لا ينبغي أن يسافر إلا بعد استئذانهما، ولا أن يتزوج إلا بموافقتهما، ولا يعمل عملاً مهماً كان في حياته إلا بعد أخذ رضائهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله عزَّ وجلَّ في سخط الوالد) (رواه البيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
الذي يُرضي أباه إنما يُرضي الله، مادام أبوه من كُمَّلِ المؤمنين بالله الذين يقومون بالعمل الصالح ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ.
وما بَرَّ ابنٌ أبويه إلاَّ ووجد خير ذلك في دنياه، ناهيك عما أجَّله الله عزَّ وجلَّ له في أُخراه!!
فإذا أطاع الإنسان والديه يجد ذلك في حياته الدنيا، في سعة الأرزاق، وفي جمال الطباع والأخلاق، ناهيك عن برِّ الأبناء لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(برِّوا آباءكم تبركم أبناؤكم) (الدارقطني والمنذري عن جابر والسيوطي عن ابي هريرة رضي الله عنه )
🤲نسأل الله أن يُعلِّمَنَا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُعيننا على العمل بما علِمْنَا، وأن يرزقنا الفقه في الدين وإتباع سيد الأولين والآخرين، وأن يجعل نور الإيمان ظاهراً في قلوبنا، وأن يوظف جوارحنا في خدمته، وأن يجعل أبداننا كلَّها في طاعته، وأن يجعلنا في الدنيا والآخرة من أهل الاستقامة على شريعته، ومن أهل الحظوة الكبرى في جنته.
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب متابعة
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد