الدين يسر
التيسير في العبادات
والسماحة في المعاملات
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
الحمد لله رب العالمين، ميسِّر الأمور، وباسط العطايا، ومزيل الهم والغم وكل الخطوب.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أنزل لنا دِيناً سمحاً، يسَّر لنا فيه الطاعات، وسهَّل علينا فيه العبادات، وتوسَّط فيما أمرنا وكلَّفنا به من تشريعات.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، شرح الله صدره، وأبان الله أمره، ورفع الله عزَّ وجلَّ ذكره، وجعله رسولاً فاتحاً وخاتماً وجامعاً لشرائع الأولين أجمعين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي جاء باليُسْر في دعوته، وبالسَّماحة في شريعته، وبالأخلاق الكريمة بين صفوف أبناء أمَّته، وقال لهم ولنا أجمعين:
{يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا}( البخاري ومسلم عن أنس).
صلوات ربي وتسليماته على هذا النبي الكريم، وكل من مشى على هذا المنهج القويم، واستقام على هذا الأمر العظيم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين،
🤲آمين آمين، يا ربَّ العالمين🤲
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ًبَنَىٰ الله عزَّ وجلَّ شرعه الأغرّ، ودينه القيِّم على السماحة واليُسر في كل شيء، حتى نستطيع أن نُسميه: (دِينُ اليُسْر).
فلم يكلفنا ما يشقٌّ علينا، ولم يكلفنا ما لا طاقة لنا به، ولم يُحملنا ما لا نستطيع حمله من التكليفات الإلهية،
وأمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نسير على هذا النسق فيما بيننا، نيسِّر للمؤمنين، ونسهِّل الأمر للموحدين - ما دام الأمر لم يخرج عن شرع ربِّ العالمين، وعن سُنَّة سيِّد الأولين والآخرين.
وكان صلى الله عليه وسلم في نفسه، تقول عنه السيدة عائشة رضي الله عنها:
{مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًاً}( البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها).
وكان يقول لرسله ودعاته الذين يبلغون عن حضرته صلى الله عليه وسلم دين الله:
{يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا}( البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)،
ويقول لهم : {فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن أبي هريرة).
تُيَسِّرون للأمة أمر هذا الدين، حتى يُقبلوا بِحُبٍّ صادق، وإخلاص قصد في كل عمل يتوجهون به إلى ربِّ العالمين. هذا هو أساس الدين.
فإن الله عز وجل خفَّف عنا كل التكليفات التي كلفنا بها ، فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصلاة خمسون صلاة في كل يوم وليلة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتردّد إليه ويقول: يا رب خفف عن أمتي حتى جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر والثواب، يؤدى خمس صلوات في اليوم والليلة ويحسب لك الحسيب عزَّ وجلَّ أجر خمسين صلاة فضلاً من الله ببركة تخفيف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
كان ديدنهُ صلى الله عليه وسلم مع أهل أمته أجمعين التيسير ويقول لمن حوله:
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
ومن سماحة الإسلام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما
"قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين" (البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
فكان يُيسر في كل الأمور.
وكان التيسير في كل أحواله، يختار الأيسر لأنه قدوة لنا وللمؤمنين أجمعين إلى يوم الدين.
ومن يحظى بمتابعة سيرته في توجيه أصحابه إلى التيسير يجد العجب العُجاب، كان يقوم في رمضان لله، فقام قومٌ بقيامه في أول ليلة والليلة الثانية والثالثة، وانتظروه في الرابعة فلم يخرج حتى مطلع الفجر ثم خرج عليهم وقال:
(قد علمت الذي صنعتم، ولكنى كرهت أن تُفرض عليكم فلا تستطيعون القيام بها)(رواه مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها)
جعلها نافلة فمن شاء صلاّها وله ثوابها وأجرها، ومن تركها فليس عليه وزرٌ ولا إثمٌ بتركها لأنها نافلة،
وعندما قرّر لهم فريضة الحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام؟ يا رسول الله! فسكت. حتى قالها ثلاثاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم. ثم قال
ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".(مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه)
كان صلى الله عليه وسلَّم يُخفف على المسلمين أجمعين يصلى الفرائض مرةً في أول الوقت، ومرةً في آخر الوقت وآناتٌ بينهما تخفيفاً لأمته ومراعاة لأحوال أفراد أمته.
وإذا نظرت إلى السنن والنوافل تجد الجمّ الغفير من التيسير، فتارةً يصلى ركعتين قبل الظهر وتارة أربع، وتارةً لا يصلى قبل الظهر البتّة، وكذا بعده ومرةً يصلى ركعتين قبل العصر ومرةً أربع ومرةً لا يصلى نافلة البتة، وهكذا في سائر الصلوات تيسيراً لأمته لأنه صلى الله عليه وسلَّم كان دائماً أبداً يحرص على التيسير في أمور المسلمين أجمعين.
وكان صلى الله عليه وسلَّم هو النموذج الأتمّ الذي لو اتبعه كل فردٌ في هيئته وحاله ما حدث عنده مشكلة البتة،
فلو تبعنا أحواله مع نسائه ما حدثت مشكلة بين رجلٍ وزوجته في مجتمعنا أبداً.
كان صلى الله عليه وسلَّم رحمة تامّة بهم، كان يوفر لهنّ ـ لكل زوجة منهن ما يكفيها من الطعام والغذاء والكساء لمدة عام، وبعد ذلك كان لا يكلفهنّ شططاً، ومع ذلك كان عندما يدخل البيت
سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنه:
ماذا يفعل صلى الله عليه وسلَّم عندما يدخل بيته؟
فقالت : رضي الله تبارك وتعالى عنها:
"كان يقوم في مهنة أهله" (رواه احمد عن عائشة رضي الله عنها) ـ يعنى يساعد زوجاته، يقُمُّ البيت ويعلف الدواب، ويفلّي ثيابه ويخيطها، ويقوم بالحوائج وهى مهنتهن وهى من صميم عملهن، تخفيفاً لهنّ ومراعاة لمشاعرهن.
وكان صلى الله عليه وسلَّم يجلس في كل ليلة عند إحدى زوجاته وتجتمع الأخريات فينبسط معهن ويأخذ في مُسامرتهن ويحدثهن ويؤلفهن، تطيباً لقلوبهن وجلباً لمحبتهن.
وإذا أراد أن يصلى لله، إذا نام عند صاحبة النوبة وتمدّد بجوارها وتغطى بغطائها يقول لها على الأدب الرباني الذى علمه له الله:
(أتأذنين أن أتعبد لربى تلك الليلة؟).
وكذلك من سماحة الإسلام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من رحمته مع الصبيان
ما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال :
"إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ"(البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
فكان صلى الله عليه وسلَّم دينه رمزا للسماحة ورحمة عُظمى للعالمين
قال صلى الله عليه وسلم:
{الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (الترمذي والبيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين الذي هدانا بِمنِّه وفضله إلى دينه وكتابه ورسوله وحبيبه.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، جعل القلوب بيده يقلبها كيف يشاء، ويحركها كيف يشاء، ولا يملك أحد من أمر القلب شيئاً.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أظهر الحقَّ، وأزهق الباطل، وعلمنا صحيح العلم، وأوصانا بما ينبغي أن نكون عليه أجمعين، حتى تطيب حياتنا في الدنيا، ونسعد عند ربِّ العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد التقي النقي الوفي، وآله وصحبه أجمعين، وكل من سلك سبيلهم وسار على هديهم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين،
🤲آمين يا رب العالمين🤲
أما بعد فيا عباد الله جماعة المؤمنين:
ومن سماحة الإسلام حتى بالكافرين الذين يحاربون أهل الإسلام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن لا يحاربوهم حتى يُعلنوهم، ويدعونهم إلى دين الله عزَّ وجلَّ، وإذا حاربوهم يقول لهم:
"اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغْلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً" (رواه ابو داوود)
أي سماحة هذه التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟
ولذا كانت رحمته التامة هي السلاح الذى يدخل إلى القلوب فيجذبها إلى حضرة علاّم الغيوب عزَّ وجلَّ.
ومن سماحة الإسلام حتى مع العصاة أنه
{ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ } (البخاري وأبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
أي يطلب منهم أن يقولوا له بدلاً من ذلك: هداك الله، أصلح شأنك الله، تاب عليك الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحمة مهداة لكل خلق الله، ومَن معه من جنود هذه الرحمة الإلهية من الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
وروي أيضاً:
{أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَلْعَنُوهُ، إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (البخاري والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
ولذلك أوصانا صلى الله عليه وسلم أن نسير بالسماحة واليسر بين المؤمنين، .....
🤲 ثم الدعاء🤲
وللمزيد من الخطب متابعه
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
التيسير في العبادات
والسماحة في المعاملات
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
الحمد لله رب العالمين، ميسِّر الأمور، وباسط العطايا، ومزيل الهم والغم وكل الخطوب.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أنزل لنا دِيناً سمحاً، يسَّر لنا فيه الطاعات، وسهَّل علينا فيه العبادات، وتوسَّط فيما أمرنا وكلَّفنا به من تشريعات.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، شرح الله صدره، وأبان الله أمره، ورفع الله عزَّ وجلَّ ذكره، وجعله رسولاً فاتحاً وخاتماً وجامعاً لشرائع الأولين أجمعين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي جاء باليُسْر في دعوته، وبالسَّماحة في شريعته، وبالأخلاق الكريمة بين صفوف أبناء أمَّته، وقال لهم ولنا أجمعين:
{يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا}( البخاري ومسلم عن أنس).
صلوات ربي وتسليماته على هذا النبي الكريم، وكل من مشى على هذا المنهج القويم، واستقام على هذا الأمر العظيم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين،
🤲آمين آمين، يا ربَّ العالمين🤲
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ًبَنَىٰ الله عزَّ وجلَّ شرعه الأغرّ، ودينه القيِّم على السماحة واليُسر في كل شيء، حتى نستطيع أن نُسميه: (دِينُ اليُسْر).
فلم يكلفنا ما يشقٌّ علينا، ولم يكلفنا ما لا طاقة لنا به، ولم يُحملنا ما لا نستطيع حمله من التكليفات الإلهية،
وأمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نسير على هذا النسق فيما بيننا، نيسِّر للمؤمنين، ونسهِّل الأمر للموحدين - ما دام الأمر لم يخرج عن شرع ربِّ العالمين، وعن سُنَّة سيِّد الأولين والآخرين.
وكان صلى الله عليه وسلم في نفسه، تقول عنه السيدة عائشة رضي الله عنها:
{مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًاً}( البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها).
وكان يقول لرسله ودعاته الذين يبلغون عن حضرته صلى الله عليه وسلم دين الله:
{يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا}( البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)،
ويقول لهم : {فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن أبي هريرة).
تُيَسِّرون للأمة أمر هذا الدين، حتى يُقبلوا بِحُبٍّ صادق، وإخلاص قصد في كل عمل يتوجهون به إلى ربِّ العالمين. هذا هو أساس الدين.
فإن الله عز وجل خفَّف عنا كل التكليفات التي كلفنا بها ، فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصلاة خمسون صلاة في كل يوم وليلة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتردّد إليه ويقول: يا رب خفف عن أمتي حتى جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر والثواب، يؤدى خمس صلوات في اليوم والليلة ويحسب لك الحسيب عزَّ وجلَّ أجر خمسين صلاة فضلاً من الله ببركة تخفيف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
كان ديدنهُ صلى الله عليه وسلم مع أهل أمته أجمعين التيسير ويقول لمن حوله:
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
ومن سماحة الإسلام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما
"قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين" (البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
فكان يُيسر في كل الأمور.
وكان التيسير في كل أحواله، يختار الأيسر لأنه قدوة لنا وللمؤمنين أجمعين إلى يوم الدين.
ومن يحظى بمتابعة سيرته في توجيه أصحابه إلى التيسير يجد العجب العُجاب، كان يقوم في رمضان لله، فقام قومٌ بقيامه في أول ليلة والليلة الثانية والثالثة، وانتظروه في الرابعة فلم يخرج حتى مطلع الفجر ثم خرج عليهم وقال:
(قد علمت الذي صنعتم، ولكنى كرهت أن تُفرض عليكم فلا تستطيعون القيام بها)(رواه مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها)
جعلها نافلة فمن شاء صلاّها وله ثوابها وأجرها، ومن تركها فليس عليه وزرٌ ولا إثمٌ بتركها لأنها نافلة،
وعندما قرّر لهم فريضة الحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام؟ يا رسول الله! فسكت. حتى قالها ثلاثاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم. ثم قال
ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".(مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه)
كان صلى الله عليه وسلَّم يُخفف على المسلمين أجمعين يصلى الفرائض مرةً في أول الوقت، ومرةً في آخر الوقت وآناتٌ بينهما تخفيفاً لأمته ومراعاة لأحوال أفراد أمته.
وإذا نظرت إلى السنن والنوافل تجد الجمّ الغفير من التيسير، فتارةً يصلى ركعتين قبل الظهر وتارة أربع، وتارةً لا يصلى قبل الظهر البتّة، وكذا بعده ومرةً يصلى ركعتين قبل العصر ومرةً أربع ومرةً لا يصلى نافلة البتة، وهكذا في سائر الصلوات تيسيراً لأمته لأنه صلى الله عليه وسلَّم كان دائماً أبداً يحرص على التيسير في أمور المسلمين أجمعين.
وكان صلى الله عليه وسلَّم هو النموذج الأتمّ الذي لو اتبعه كل فردٌ في هيئته وحاله ما حدث عنده مشكلة البتة،
فلو تبعنا أحواله مع نسائه ما حدثت مشكلة بين رجلٍ وزوجته في مجتمعنا أبداً.
كان صلى الله عليه وسلَّم رحمة تامّة بهم، كان يوفر لهنّ ـ لكل زوجة منهن ما يكفيها من الطعام والغذاء والكساء لمدة عام، وبعد ذلك كان لا يكلفهنّ شططاً، ومع ذلك كان عندما يدخل البيت
سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنه:
ماذا يفعل صلى الله عليه وسلَّم عندما يدخل بيته؟
فقالت : رضي الله تبارك وتعالى عنها:
"كان يقوم في مهنة أهله" (رواه احمد عن عائشة رضي الله عنها) ـ يعنى يساعد زوجاته، يقُمُّ البيت ويعلف الدواب، ويفلّي ثيابه ويخيطها، ويقوم بالحوائج وهى مهنتهن وهى من صميم عملهن، تخفيفاً لهنّ ومراعاة لمشاعرهن.
وكان صلى الله عليه وسلَّم يجلس في كل ليلة عند إحدى زوجاته وتجتمع الأخريات فينبسط معهن ويأخذ في مُسامرتهن ويحدثهن ويؤلفهن، تطيباً لقلوبهن وجلباً لمحبتهن.
وإذا أراد أن يصلى لله، إذا نام عند صاحبة النوبة وتمدّد بجوارها وتغطى بغطائها يقول لها على الأدب الرباني الذى علمه له الله:
(أتأذنين أن أتعبد لربى تلك الليلة؟).
وكذلك من سماحة الإسلام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من رحمته مع الصبيان
ما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال :
"إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ"(البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
فكان صلى الله عليه وسلَّم دينه رمزا للسماحة ورحمة عُظمى للعالمين
قال صلى الله عليه وسلم:
{الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (الترمذي والبيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين الذي هدانا بِمنِّه وفضله إلى دينه وكتابه ورسوله وحبيبه.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، جعل القلوب بيده يقلبها كيف يشاء، ويحركها كيف يشاء، ولا يملك أحد من أمر القلب شيئاً.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أظهر الحقَّ، وأزهق الباطل، وعلمنا صحيح العلم، وأوصانا بما ينبغي أن نكون عليه أجمعين، حتى تطيب حياتنا في الدنيا، ونسعد عند ربِّ العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد التقي النقي الوفي، وآله وصحبه أجمعين، وكل من سلك سبيلهم وسار على هديهم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين،
🤲آمين يا رب العالمين🤲
أما بعد فيا عباد الله جماعة المؤمنين:
ومن سماحة الإسلام حتى بالكافرين الذين يحاربون أهل الإسلام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن لا يحاربوهم حتى يُعلنوهم، ويدعونهم إلى دين الله عزَّ وجلَّ، وإذا حاربوهم يقول لهم:
"اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغْلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً" (رواه ابو داوود)
أي سماحة هذه التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟
ولذا كانت رحمته التامة هي السلاح الذى يدخل إلى القلوب فيجذبها إلى حضرة علاّم الغيوب عزَّ وجلَّ.
ومن سماحة الإسلام حتى مع العصاة أنه
{ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ } (البخاري وأبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
أي يطلب منهم أن يقولوا له بدلاً من ذلك: هداك الله، أصلح شأنك الله، تاب عليك الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحمة مهداة لكل خلق الله، ومَن معه من جنود هذه الرحمة الإلهية من الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
وروي أيضاً:
{أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَلْعَنُوهُ، إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (البخاري والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
ولذلك أوصانا صلى الله عليه وسلم أن نسير بالسماحة واليسر بين المؤمنين، .....
🤲 ثم الدعاء🤲
وللمزيد من الخطب متابعه
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد