أهل بدر
===============
السؤال : من هم أهل بدر؟
وهل لكل زمان أهل بدر؟
وهل يمكن لإنسان في هذا الزمان أن يصل لمكانتهم أم أنها خصوصية لمن شهد غزوة بدر فقط؟
========================
أهل بدر في عصر النبي(صلي الله عليه وسلم) طائفتين، الطائفة الأولى الذين حضروا معه في الغزوة، وجاهدوا الكفار ونصرهم الله وأيدهم بجنود من عنده من الملائكة الأبرار.
وطائفة كانوا بالمدينة أو حولها، وكانوا يتمنون أن يخرجوا مع رسول الله، ولكن منعهم مانعٌ من الخروج، لأنهم لم يعلموا أنه خارجٌ لحرب، وإنما كان خارجًا للتجارة، فهؤلاء شاركوهم في العطاء بقلوبهم ونياتهم.
لأن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) عندما كان في غزوة تبوك، وكانت في شمال الجزيرة العربية، وبينها وبين المدينة حوالي سبعمائة كيلومتر، وكان الجو حارًا، وكانت في أيام جمع محصول التمر، وكان الطريق طويل، ولا يملك كل إنسان دابة يركبها، أو زادًا يبلغه الوصول إلى هذا المكان،
فعندما وصل (صلي الله عليه وسلم) إلى تبوك قال:
{ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ }[1]
فهؤلاء كانوا في الأجر سواء مع الحاضرين مع حضرة النبي في غزوة تبوك، وهكذا في كل غزوة، أو في كل عمل من أعمال الإسلام مع نبي الإسلام(صلي الله عليه وسلم)
أهل بدرٍ قال فيهم النبي (صلي الله عليه وسلم)
{ لَعَلَّ اللَّهَ عز وجل طَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ }[2]
وقال بعض المتشككين كيف سيقعون في المعاصي ويغفرها لهم مع أنه يعلم أنهم سيقعون فيها، وهؤلاء جهلوا قدرة الله وإكرام الله لعباد الله الصالحين، فإن الله تبارك وتعالى جعل للأنبياء العصمة، والعصمة هي أن لا يخطر على قلوبهم ذنبٌ أو معصيةٌ أو شيء يُغضب الله تبارك وتعالى، لا تمر حتى على بالهم، ولا تخطر على قلوبهم.
وجعل الله (عز وجل) للأولياء الحفظ، لأنه قد توسوس لهم نفوسهم في صدورهم بمعصية، أو أمر يُغضب الله،
ولكن الله تبارك وتعالى لحفظه لهم في قوله: ( وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّٰلِحِينَ ١٩٦ ) (الأعراف)
وفي قوله : ( فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ٦٤ )(يوسف).
يحفظهم من تنفيذ هذا الوسواس الذي جاش في صدورهم، فيكون لهم أجرٌ عند ربهم، لقوله :
🤲 { إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عز وجل عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً }[3]
فإذا خطرت المعاصي في نفوسهم، وخرجت وساوس إلى صدورهم، فإن الله يمنعهم بما شاء وكيف شاء، قيل في شأن هؤلاء: ((إن من العصمة أن لا تجد)).
يعني لا تجد طريقًا لتنفيذ ما فكرت فيه، أو لا تجد وسيلة لتحقيق الرغبة التي جاشت في صدرك، فإن الله يُقيد لك أي وسيلة تمنعك من ذلك، كأن يُفكر الإنسان في سرقة شيء ما في مكان، ويضع خُطة في نفسه، وعندما يهم بالتنفيذ يجد رجلًا دخل عليه، فيمتنع عن التنفيذ، وهذا حفظٌ من الله تبارك وتعالى له.
وهذا الحفظ هو الذي حفظهم الله به إلى آخر حياتهم حتى لا يقعوا في عمل يُغضب الله تبارك وتعالى.
هؤلاء البدريون يُوجد أشباه وأمثال لهم في كل زمان ومكان، كيف يصلون إلى ذلك؟
يقول الإمام أبو العزائم (رضي الله عنه)، وهو الخبير القرآني في ذلك: ((إذا انتصر الحق فيك على الباطل، فكل يومك يوم بدر)).
فإن الإنسان فيه جنود للحق، وهم الروح والسر والخفا والأخفى والعقل وغيرها من الجنود الروحانية، وفيه جنودٌ للباطل، وهم النفس والشهوات والرغبات الدنية والآمال الكاسدة، وهؤلاء بينهم حربٌ ضروس على أرض القلب للسيطرة عليها، لأن من مَلَك منهم أرض القلب مَلَك هذه المملكة، وأصبح يُحرك هذا الإنسان كما يريد.
فإذا غلبت النفس الإبليسية على إنسان وسيطرت على ساحة قلبه، كان إنسانًا ظاهرًا ولكن صورته الباطنة صورة إبليس، وفيه
يقول الله تبارك وتعالى: (شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ )(112الأنعام).
فبدأ بشياطين الإنس أولًا لأنهم أخطر، فيمشي بين الناس يفرق بينهم، ويحاول أن يزيد الخلافات بينهم، ويحاول أن يفرق بين الأحبة، ويحاول أن يُوقع بين الأصدقاء، ويحاول أن يصرف الأوفياء عن الوفاء، ويحاول أن يجعل الصادقين يستمرئون الكذب ويتركون الصدق في كل وقت وحين، وهذا إبليس في صورة آدمية.
: وإذا تغلبت النفس الجمادية، تجد هذا الإنسان كسولًا عند الطاعات، جامدًا عند السعي على الأرزاق، لا يريد إلا أن ينام ويأكل بدون تعب ولا عناء، ويريد من يُطعمه ويؤكله ويأتي له بما يشتهي، ولا يتعب في ذلك، فيكون كالجماد الذي هو حولنا، لأنه جامد لا يتحرك، وقد أمرنا الله بالحركة، وجعل في الحركة البركة.
قال (عز وجل) عن الطيور، فإن الطيور تسعى لرزقها، تخرج صباحًا وترجع مساءًا بعد أن حصَّلت أرزاقها:
{ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا }[4]
بعض الجهال يسكن في مكانه ولا يتحرك ويظن أن الله سيرزقه وهو في مكانه، بل ويأتي له بمن يضع له الطعام في فمه، ولم يلتفت إلى الحديث، والحديث قوله صريح، تغدوا يعني تمشي في الصباح الباكر، وتروح يعني ترجع في المساء بنعم الله وخيرات الله التي جنتها والتي حصَّلتها.
وهكذا، فإذا سيطر على الإنسان النفس الحيوانية، كان همه كله في الشهوات الدنية، فمنهم من همه في شهوة الطعام، ومنهم من همه في شهوة النكاح، ومنهم من همه في شهوة اللعب، وهكذا تتعدد هذه الشهوات.
فإذا غلَّب الإنسان عقله، وجعله يأتمر بكتاب ربه وسنَّة نبيه، وأطلق لروحه العنان لتملأ القلب بما أتت به من عند الله من لطائف الحكمة، وغرائب المعاني والأحوال العلية، وجعل السر يأتي له من عند الحضرة النبوية، بما يُباح له على قدره من حبيب الله ومصطفاه، وقامت الحرب بينهما، واستطاع أن ينصر جند الرحمن على ما فيه من جند الشيطان، هنا يكون يومه في هذا اليوم الذي انتصر فيه يوم بدر.
فإذا دام على ذلك، وظل ينتصر في كل الأيام بتوفيق من الملك العلام، كان من أهل بدر، وتوَّجَه الله بتاج ولايته، وأحاطه بحفظه وعنايته، وجعله مجملًا بالحفظ الإلهي، وهؤلاء هم الأولياء الربانيون، والعلماء العاملين، نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون منهم أجمعين.
============================
[1] صحيح البخاري وسنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه
[2] البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[3] صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما
[4] جامع الترمذي ومسند أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله
===============
السؤال : من هم أهل بدر؟
وهل لكل زمان أهل بدر؟
وهل يمكن لإنسان في هذا الزمان أن يصل لمكانتهم أم أنها خصوصية لمن شهد غزوة بدر فقط؟
========================
أهل بدر في عصر النبي(صلي الله عليه وسلم) طائفتين، الطائفة الأولى الذين حضروا معه في الغزوة، وجاهدوا الكفار ونصرهم الله وأيدهم بجنود من عنده من الملائكة الأبرار.
وطائفة كانوا بالمدينة أو حولها، وكانوا يتمنون أن يخرجوا مع رسول الله، ولكن منعهم مانعٌ من الخروج، لأنهم لم يعلموا أنه خارجٌ لحرب، وإنما كان خارجًا للتجارة، فهؤلاء شاركوهم في العطاء بقلوبهم ونياتهم.
لأن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) عندما كان في غزوة تبوك، وكانت في شمال الجزيرة العربية، وبينها وبين المدينة حوالي سبعمائة كيلومتر، وكان الجو حارًا، وكانت في أيام جمع محصول التمر، وكان الطريق طويل، ولا يملك كل إنسان دابة يركبها، أو زادًا يبلغه الوصول إلى هذا المكان،
فعندما وصل (صلي الله عليه وسلم) إلى تبوك قال:
{ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ }[1]
فهؤلاء كانوا في الأجر سواء مع الحاضرين مع حضرة النبي في غزوة تبوك، وهكذا في كل غزوة، أو في كل عمل من أعمال الإسلام مع نبي الإسلام(صلي الله عليه وسلم)
أهل بدرٍ قال فيهم النبي (صلي الله عليه وسلم)
{ لَعَلَّ اللَّهَ عز وجل طَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ }[2]
وقال بعض المتشككين كيف سيقعون في المعاصي ويغفرها لهم مع أنه يعلم أنهم سيقعون فيها، وهؤلاء جهلوا قدرة الله وإكرام الله لعباد الله الصالحين، فإن الله تبارك وتعالى جعل للأنبياء العصمة، والعصمة هي أن لا يخطر على قلوبهم ذنبٌ أو معصيةٌ أو شيء يُغضب الله تبارك وتعالى، لا تمر حتى على بالهم، ولا تخطر على قلوبهم.
وجعل الله (عز وجل) للأولياء الحفظ، لأنه قد توسوس لهم نفوسهم في صدورهم بمعصية، أو أمر يُغضب الله،
ولكن الله تبارك وتعالى لحفظه لهم في قوله: ( وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّٰلِحِينَ ١٩٦ ) (الأعراف)
وفي قوله : ( فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ٦٤ )(يوسف).
يحفظهم من تنفيذ هذا الوسواس الذي جاش في صدورهم، فيكون لهم أجرٌ عند ربهم، لقوله :
🤲 { إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عز وجل عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً }[3]
فإذا خطرت المعاصي في نفوسهم، وخرجت وساوس إلى صدورهم، فإن الله يمنعهم بما شاء وكيف شاء، قيل في شأن هؤلاء: ((إن من العصمة أن لا تجد)).
يعني لا تجد طريقًا لتنفيذ ما فكرت فيه، أو لا تجد وسيلة لتحقيق الرغبة التي جاشت في صدرك، فإن الله يُقيد لك أي وسيلة تمنعك من ذلك، كأن يُفكر الإنسان في سرقة شيء ما في مكان، ويضع خُطة في نفسه، وعندما يهم بالتنفيذ يجد رجلًا دخل عليه، فيمتنع عن التنفيذ، وهذا حفظٌ من الله تبارك وتعالى له.
وهذا الحفظ هو الذي حفظهم الله به إلى آخر حياتهم حتى لا يقعوا في عمل يُغضب الله تبارك وتعالى.
هؤلاء البدريون يُوجد أشباه وأمثال لهم في كل زمان ومكان، كيف يصلون إلى ذلك؟
يقول الإمام أبو العزائم (رضي الله عنه)، وهو الخبير القرآني في ذلك: ((إذا انتصر الحق فيك على الباطل، فكل يومك يوم بدر)).
فإن الإنسان فيه جنود للحق، وهم الروح والسر والخفا والأخفى والعقل وغيرها من الجنود الروحانية، وفيه جنودٌ للباطل، وهم النفس والشهوات والرغبات الدنية والآمال الكاسدة، وهؤلاء بينهم حربٌ ضروس على أرض القلب للسيطرة عليها، لأن من مَلَك منهم أرض القلب مَلَك هذه المملكة، وأصبح يُحرك هذا الإنسان كما يريد.
فإذا غلبت النفس الإبليسية على إنسان وسيطرت على ساحة قلبه، كان إنسانًا ظاهرًا ولكن صورته الباطنة صورة إبليس، وفيه
يقول الله تبارك وتعالى: (شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ )(112الأنعام).
فبدأ بشياطين الإنس أولًا لأنهم أخطر، فيمشي بين الناس يفرق بينهم، ويحاول أن يزيد الخلافات بينهم، ويحاول أن يفرق بين الأحبة، ويحاول أن يُوقع بين الأصدقاء، ويحاول أن يصرف الأوفياء عن الوفاء، ويحاول أن يجعل الصادقين يستمرئون الكذب ويتركون الصدق في كل وقت وحين، وهذا إبليس في صورة آدمية.
: وإذا تغلبت النفس الجمادية، تجد هذا الإنسان كسولًا عند الطاعات، جامدًا عند السعي على الأرزاق، لا يريد إلا أن ينام ويأكل بدون تعب ولا عناء، ويريد من يُطعمه ويؤكله ويأتي له بما يشتهي، ولا يتعب في ذلك، فيكون كالجماد الذي هو حولنا، لأنه جامد لا يتحرك، وقد أمرنا الله بالحركة، وجعل في الحركة البركة.
قال (عز وجل) عن الطيور، فإن الطيور تسعى لرزقها، تخرج صباحًا وترجع مساءًا بعد أن حصَّلت أرزاقها:
{ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا }[4]
بعض الجهال يسكن في مكانه ولا يتحرك ويظن أن الله سيرزقه وهو في مكانه، بل ويأتي له بمن يضع له الطعام في فمه، ولم يلتفت إلى الحديث، والحديث قوله صريح، تغدوا يعني تمشي في الصباح الباكر، وتروح يعني ترجع في المساء بنعم الله وخيرات الله التي جنتها والتي حصَّلتها.
وهكذا، فإذا سيطر على الإنسان النفس الحيوانية، كان همه كله في الشهوات الدنية، فمنهم من همه في شهوة الطعام، ومنهم من همه في شهوة النكاح، ومنهم من همه في شهوة اللعب، وهكذا تتعدد هذه الشهوات.
فإذا غلَّب الإنسان عقله، وجعله يأتمر بكتاب ربه وسنَّة نبيه، وأطلق لروحه العنان لتملأ القلب بما أتت به من عند الله من لطائف الحكمة، وغرائب المعاني والأحوال العلية، وجعل السر يأتي له من عند الحضرة النبوية، بما يُباح له على قدره من حبيب الله ومصطفاه، وقامت الحرب بينهما، واستطاع أن ينصر جند الرحمن على ما فيه من جند الشيطان، هنا يكون يومه في هذا اليوم الذي انتصر فيه يوم بدر.
فإذا دام على ذلك، وظل ينتصر في كل الأيام بتوفيق من الملك العلام، كان من أهل بدر، وتوَّجَه الله بتاج ولايته، وأحاطه بحفظه وعنايته، وجعله مجملًا بالحفظ الإلهي، وهؤلاء هم الأولياء الربانيون، والعلماء العاملين، نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون منهم أجمعين.
============================
[1] صحيح البخاري وسنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه
[2] البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[3] صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما
[4] جامع الترمذي ومسند أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله