المزمل والمدثر
===================
السؤال: ما الفرق بين المزمل والمدثر في سورتي المزمل والمدثر؟
لا يوجد فرق في المعنى بين المزمل والمدثر، فالمزمل يعني المتدثر بثيابه أو بأغطيته، والمدثر نفس المعنى، لكن الله سبحانه وتعالي في آية المزمل كلَّف الحبيب صلي الله عليه وسلم بأمر خاص في نفسه ليزيد قربًا من ربه .
فقال لهقُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ٢ )(المزمل)
فليس الأمر هنا أمر عام للكل، فإن لم تقم الليل كله فقم منه:
( نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا )٣ ( (المزمل) وخيره هنا:
( أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ ) (المزمل).
فأمره بقيام ما تيسَّر من الليل، إما ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه، لكن لا بد أن يجعل الإنسان لنفسه وقتًا من الليل ينام ويستريح فيه، لأن أعضاء الجسم لا بد أن نجعل لها وقت من الليل للاستراحة،
لأن الله سبحانه وتعالي جعل لجسم الانسان قوة داخلية نسميها فِرقُ الصيانة، لا تعمل إلا حين ينام الإنسان بالليل، ووظيفتها أن تقوم بعمل صيانة تامة لكل أعضاء جسم الإنسان،
فمنها من يعمل صيانة للعين، ومنها من يعمل صيانة للأنف، ومنها من يعمل صيانة لكرات الدم البيضاء وكرات الدم الحمراء، ومنها من يعمل صيانة للكبد، وهكذا لكل أعضاء جسم الانسان.
لذلك الإنسان إذا لم ينم بالليل فلن تكون هناك صيانة، والصيانة لن تعمل معه، والكارثة التي أصابت بناتنا وسيداتنا وأولادنا في هذه الأيام أنهم يظلوا طوال الليل مستيقظين وجعلوا النوم كله بالنهار،
وهذا مخالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها والتي ذكرها في كتابه العزيز حين قال عز من قائل
( وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا ١١ ) (النبأ) فهم عكسوا هذه الآية وجعلوا النوم في النهار.
ولو نام الإنسان طوال النهار لا يساوي ربع ساعة ينامها بالليل، ففرق الصيانة الموجودة بجسم الإنسان عملها يكون بالليل وهذا شيء لا بد منه لجسم الإنسان.
ولذلك نجد أن أولادنا حاليًا في ريعان الشباب ويشكون من الأمراض، وعلى سبيل المثال: كان الزهايمر لا يصيب إلا من تعدَّى التسعين من العمر، لكن الزهايمر الآن موجود مع الشباب الصغار، لماذا؟
لأنه لم يُعطِ فرصة لفرق الصيانة التي تصون الجسم للقيام بعملها لأنه لا ينام بالليل.
هنا أود أن أُورِد لطيفة خفيفة وملحوظة هامة لنا جميعًا، فالإنسان حين ينام تنام معه كافة حواسه وأعضاؤه ما عدا القلب والنَفَس، أما السمع يظل جاهزًا ومستعدًا لتلقي أي خبر أو أي نبأ أو أي نداء،
ولذلك دائمًا الله يقدم السمع في القرآن على البصر، ولذلك استحسن الصالحون وأهل العلم القدامى أن الإنسان عندما يوقظ شخصًا آخر عليه ألا يوقظه فجأة، لأنك لو أيقظته فجأة ربما لا تستطيع الروح الرجوع بسرعة فيتوفاه الله، فماذا نفعل؟
قالوا: تقف على الباب وتقول بصوتٍ عالٍ: (لا إله إلا الله) وتكررها عدة مرات، ثم تقول: يا فلان قم، حتى لو حدث وروحه لم تستطع الرجوع، فيموت على التوحيد.
في الآية الأولى من سورة المزمل كان لا يزال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في دورة تأهيل، ولذلك أراد الله منه زيادة في وقت التأهيل والأعمال التي يجب أن نقوم بها في هذا الوقت قبل أن يقوم بتبليغ الرسالة، فأمره بقيام الليل، وماذا يفعل في الليل؟
يصلي وفي هذه الصلاة يقرأ القرآن ويطيل فيه، ولذلك كان( صلي الله عليه وسلم ) يطيل في قراءة القرآن في الصلاة في الليل.
سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) يقول صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ) فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قَالَ: قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟
قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ }[1]
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
{ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ }[2]
فكان سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) يطيل في القراءة في صلاة الليل، لماذا؟
يحسن تنفيذ ما أمره به الله تبارك وتعالى: ( وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ )(المزمل)
تلاوة ليس فيها سرعة، ولكن تلاوة الترتيل يعني قراءة بتأَنٍّ مع إعطاء الحروف مخارجها الصحيحة مع الترنم بتلاوة كتاب الله.
وقد تحدث بعض الصالحين عن حال هذا النوع من التلاوة ،
فقالوا: الحالات الخاصة فيها الترتيل يكون العيان مع البيان، يعني يكشف الله له من أنوار القرآن فيرى بعين قلبه ما يراه من أنوار كتاب الله، كما قال الله في قرآنه: ) أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ ) (17هود) فهل يستوي الذي يتلو وهو مُشاهِد مع الذي يقرأ ولا ينتبه لشيء ولا يُشَاهد شيء؟ لا.
فهذه كانت الآيات الأولى من سورة المزمل، وعلم الله سبحانه وتعالي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سيكون له خلفاء من العلماء، يبلغون عن الله رسالاته فأدخلهم معه:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ) (20المزمل) فلا بد أن يستعدوا لذلك بتجهيز أنفسهم على النحو الذي جهَّز الله به رسوله .
يريدون أن يكونوا معك فلا بد أن يكون لهم نصيب من قيام الليل، لتجهيز القلب للإلهامات الربانية والعطاءات الإلهية والمكاشفات التي يستعينون بها على تعليم الناس مبادئ هذا الدين القويم.
لكن سورة المدثر كان قد تجهز وأتاه الأمر الإلهي بإبلاغ الرسالة، وقد تجهز ظاهرًا وباطنًا وكَمُل التجهز
: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ ) (المدثر) ليس قم الليل، ولكن القيام هنا للإنذار.
ففي الآيات الأولى من سورة المزمل زيادة التجهُّز وزيادة التأهيل وزيادة الاستعداد لنزول الحقائق الإلهية والعلوم الوهبية والأسرار الربانية، التي سيقوم بها في نشر رسالته في الأكوان، ولما اكتمل التأهيل كانت الآيات الأولى من سورة المدثر .
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ ٥ وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ ٦ وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ ٧)(المدثر).
يعني هناك فارق بين (قم) في سورة المزمل و(قم) في سورة المدثر.
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله
===========================
===================
السؤال: ما الفرق بين المزمل والمدثر في سورتي المزمل والمدثر؟
لا يوجد فرق في المعنى بين المزمل والمدثر، فالمزمل يعني المتدثر بثيابه أو بأغطيته، والمدثر نفس المعنى، لكن الله سبحانه وتعالي في آية المزمل كلَّف الحبيب صلي الله عليه وسلم بأمر خاص في نفسه ليزيد قربًا من ربه .
فقال لهقُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ٢ )(المزمل)
فليس الأمر هنا أمر عام للكل، فإن لم تقم الليل كله فقم منه:
( نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا )٣ ( (المزمل) وخيره هنا:
( أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ ) (المزمل).
فأمره بقيام ما تيسَّر من الليل، إما ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه، لكن لا بد أن يجعل الإنسان لنفسه وقتًا من الليل ينام ويستريح فيه، لأن أعضاء الجسم لا بد أن نجعل لها وقت من الليل للاستراحة،
لأن الله سبحانه وتعالي جعل لجسم الانسان قوة داخلية نسميها فِرقُ الصيانة، لا تعمل إلا حين ينام الإنسان بالليل، ووظيفتها أن تقوم بعمل صيانة تامة لكل أعضاء جسم الإنسان،
فمنها من يعمل صيانة للعين، ومنها من يعمل صيانة للأنف، ومنها من يعمل صيانة لكرات الدم البيضاء وكرات الدم الحمراء، ومنها من يعمل صيانة للكبد، وهكذا لكل أعضاء جسم الانسان.
لذلك الإنسان إذا لم ينم بالليل فلن تكون هناك صيانة، والصيانة لن تعمل معه، والكارثة التي أصابت بناتنا وسيداتنا وأولادنا في هذه الأيام أنهم يظلوا طوال الليل مستيقظين وجعلوا النوم كله بالنهار،
وهذا مخالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها والتي ذكرها في كتابه العزيز حين قال عز من قائل
( وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا ١١ ) (النبأ) فهم عكسوا هذه الآية وجعلوا النوم في النهار.
ولو نام الإنسان طوال النهار لا يساوي ربع ساعة ينامها بالليل، ففرق الصيانة الموجودة بجسم الإنسان عملها يكون بالليل وهذا شيء لا بد منه لجسم الإنسان.
ولذلك نجد أن أولادنا حاليًا في ريعان الشباب ويشكون من الأمراض، وعلى سبيل المثال: كان الزهايمر لا يصيب إلا من تعدَّى التسعين من العمر، لكن الزهايمر الآن موجود مع الشباب الصغار، لماذا؟
لأنه لم يُعطِ فرصة لفرق الصيانة التي تصون الجسم للقيام بعملها لأنه لا ينام بالليل.
هنا أود أن أُورِد لطيفة خفيفة وملحوظة هامة لنا جميعًا، فالإنسان حين ينام تنام معه كافة حواسه وأعضاؤه ما عدا القلب والنَفَس، أما السمع يظل جاهزًا ومستعدًا لتلقي أي خبر أو أي نبأ أو أي نداء،
ولذلك دائمًا الله يقدم السمع في القرآن على البصر، ولذلك استحسن الصالحون وأهل العلم القدامى أن الإنسان عندما يوقظ شخصًا آخر عليه ألا يوقظه فجأة، لأنك لو أيقظته فجأة ربما لا تستطيع الروح الرجوع بسرعة فيتوفاه الله، فماذا نفعل؟
قالوا: تقف على الباب وتقول بصوتٍ عالٍ: (لا إله إلا الله) وتكررها عدة مرات، ثم تقول: يا فلان قم، حتى لو حدث وروحه لم تستطع الرجوع، فيموت على التوحيد.
في الآية الأولى من سورة المزمل كان لا يزال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في دورة تأهيل، ولذلك أراد الله منه زيادة في وقت التأهيل والأعمال التي يجب أن نقوم بها في هذا الوقت قبل أن يقوم بتبليغ الرسالة، فأمره بقيام الليل، وماذا يفعل في الليل؟
يصلي وفي هذه الصلاة يقرأ القرآن ويطيل فيه، ولذلك كان( صلي الله عليه وسلم ) يطيل في قراءة القرآن في الصلاة في الليل.
سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) يقول صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ) فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قَالَ: قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟
قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ }[1]
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
{ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ }[2]
فكان سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) يطيل في القراءة في صلاة الليل، لماذا؟
يحسن تنفيذ ما أمره به الله تبارك وتعالى: ( وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ )(المزمل)
تلاوة ليس فيها سرعة، ولكن تلاوة الترتيل يعني قراءة بتأَنٍّ مع إعطاء الحروف مخارجها الصحيحة مع الترنم بتلاوة كتاب الله.
وقد تحدث بعض الصالحين عن حال هذا النوع من التلاوة ،
فقالوا: الحالات الخاصة فيها الترتيل يكون العيان مع البيان، يعني يكشف الله له من أنوار القرآن فيرى بعين قلبه ما يراه من أنوار كتاب الله، كما قال الله في قرآنه: ) أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ ) (17هود) فهل يستوي الذي يتلو وهو مُشاهِد مع الذي يقرأ ولا ينتبه لشيء ولا يُشَاهد شيء؟ لا.
فهذه كانت الآيات الأولى من سورة المزمل، وعلم الله سبحانه وتعالي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سيكون له خلفاء من العلماء، يبلغون عن الله رسالاته فأدخلهم معه:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ) (20المزمل) فلا بد أن يستعدوا لذلك بتجهيز أنفسهم على النحو الذي جهَّز الله به رسوله .
يريدون أن يكونوا معك فلا بد أن يكون لهم نصيب من قيام الليل، لتجهيز القلب للإلهامات الربانية والعطاءات الإلهية والمكاشفات التي يستعينون بها على تعليم الناس مبادئ هذا الدين القويم.
لكن سورة المدثر كان قد تجهز وأتاه الأمر الإلهي بإبلاغ الرسالة، وقد تجهز ظاهرًا وباطنًا وكَمُل التجهز
: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ ) (المدثر) ليس قم الليل، ولكن القيام هنا للإنذار.
ففي الآيات الأولى من سورة المزمل زيادة التجهُّز وزيادة التأهيل وزيادة الاستعداد لنزول الحقائق الإلهية والعلوم الوهبية والأسرار الربانية، التي سيقوم بها في نشر رسالته في الأكوان، ولما اكتمل التأهيل كانت الآيات الأولى من سورة المدثر .
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ ٥ وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ ٦ وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ ٧)(المدثر).
يعني هناك فارق بين (قم) في سورة المزمل و(قم) في سورة المدثر.
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله
===========================