عنـــاية الإســـلام بالنشء
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
-------------------------------------------
الحمد لله رب العامين خلق فسوى وقدّر فهدى وقدّم فضل الآخرة على الأولى لنستعد لها ونتهيأ لها ونكون من أهل الفوز والنجاة والفلاح فيها إن شاء الله أجمعين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك, يُنجى الذين اتقوا بعنايته، واختار من يحبه في الدنيا لهدايته ووفقه لطاعته وجعله في حياته الدنيا كلها في خدمته ليجعل نهايته يوم الدين الرضا عنه ودخول جنته .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه علمه الله علم السابقين وكشف له عن أسرار الدنيا ويوم الدين، وجعله إماماً للمرسلين ونبياً للنبيين وشفيعاً للمذنبين يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى بقلبٍ سليم .
اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد سر السعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة
صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله أهل هدايته وأصحابه حاملي رأيته ومن بعدهم ونحن معهم حتى يُرفرف عليهم معين سعادته
🤲آمين آمين يا رب العالمين ..
أما بعد فيا إخواني وأحبابي في الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم :
كيف نصلح شأن أبنائنا وبناتنا ونجعلهما نشأ صالحا ؟
اعتقدنا أن صلاح شأنهم هو إصلاح أمر دنياهم بالتعليم وتجهيزهم بكل ما يحتاجونه من ملابس وأدوات ومدرسين مساعدين وكل ما يطلبون وغاية منانا هو أن يأتي آخر العام وقد حصل النجاح والفلاح ،
قد ينجح في العلوم ويحصل في الدنيا المناصب لكنه في بضاعة الآخرة فقير وخالي من المكاسب
وسبب ذلك اننا لم نرجع إلى منهج حبيب الله ومصطفاه .
العلاج يا إخواني في الرجوع إلى المناهج القرآنية التي نفذتها الجامعة المحمدية، فكان طلابها بنون وبنات خير من ظهر على بقاع الأرض من الصالحين والصالحات .
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم خطَّط منهج تربية لأولاد المسلمين،
ما هذا المنهج ؟
قال فيه صلى الله عليه وسلَّم لمن في عصره ولمن بعده إلى عصرنا هذا إلى يوم القيامة:
"أدِّبوا أولادَكم على ثلاثِ خِصالٍ حُبِّ نبيِّكم وحبِّ أَهلِ بيتِه وقراءةِ القرآنِ" (رواه السيوطي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه)
أولاً حب النبي: فاجعل الولد يتعلق بحضرة النبي،
كيف؟
تحكي له عن جمال أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كريم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الصفات العظيمة القرآنية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم
ثم حب القرآن
فنحن نرسلهم ليحفظوا القرآن ولكنهم يكونوا متضررين، ومغصوبين وكارهين ولو استطاع الهروب لهرب، لا ـ أنا أريده يحب القرآن وهو الذي يبحث بعد ذلك على حفظ القرآن، لأنه سيحفظ القرآن ثم يعمل بالقرآن بعد ذلك.
وحب آل بيتي، وآل بيت النبي هم أصحاب المنهج الوسطي البعيد عن الانحراف والمنحرفين ,لأن منهج آل البيت الأدب، والمحبة وحسن الخلق.
وكان حضرة النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأطفال الصغار المنهج القويم
فسيدنا عبد الله بن عباس كان طفلاً صغيراً فقال:
"كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، ( رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ" (أخرجه الترمذي وأحمد)
فنحن محتاجين أن نربي أولادنا على ذلك،
لأنك يا بني تحتاج أن يحفظك ربنا من الآفات ومن العاهات ومن الرسوب ومن كل المشاكل،
احفظ ما أمرك به الله ونفِّذه في التوقيت الذي وقَّته الله تجد حفظ الله:
"فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (64يوسف)
اربط قلب الصبي بالله ـ حدّثه عن الله ـ خوفِّه من الله ـ رغَّبه في الله.
فإذا أراد أن يعمل عملاً ينهاه عنه الله تقول له: إن الله سيغضب منك ولن يحبك، وإذا أراد أن يعمل عملاً طيباً يشجعه ويُثني عليه.
علم ولدك من البداية وهو طفل صغير أن يوقِّر الكبير وتقول له: هذا جدَّك ـ هذا عمك ـ هذا خالك فيُوقره،
نريد أن نخرج جيلاً تربَّى على الآداب الإلهية من البداية وأولها مراقبة الله، سبحانه وتعالى
والله سبحانه وتعالى يقول لنا في كتاب الله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (6 التحريم )
هذا طفلٌ صغير يشتغل برعي الغنم عند رجلٍ غنى ومرّ عليه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: يا غلام! بعني شاة من الغنم. فقال: ليست لي. فقال: بعني شاة وقل: أكلها الذئب. فقال الغلام: وأين الله؟! فبكى ابن عمر وجعل يردد: وأين الله؟! وأين الله؟! ثم قال: يا غلام! وافني وسيدك غداً في هذا الموضع، فلما كان من الغد جاء الرجل والغلام، فاشترى الغلام والغنم من مالكها، ثم أعتق الغلام ووهب له الغنم (رواه أبو داود في كتاب الزهد بسند صحيح)
والأمثلة في هذا المجال كثيرة يضيق الوقت عن ذكر بعضها فضلاً عن كلها،
المهم كيف نصل إلى هذا الحال ؟
من خشية الله ومراقبة الله والخوف من معصيته والخوف من شيء يغضب الله , ولا يكذبون في قول ويكون قول الله دائما في قلوبهم
"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق:18)
ولا يمدون أيديهم إلى شيء غير مخصّصٌ لهم ولو كان في بيوت آبائهم لأنهم يعلمون أن اليد السارقة إن لم تُقطع في الدنيا فسيكون جزاؤها نكالاً ووبالاً في يوم الدين
لا يغشون ولا يخدعون ولا يدلسون ولا يزورون ولا يرتشون ولا يقومون بين الخلق بالتباغض والتعصب .
هذه الأخلاق والقيم إذا دخلت الأفئدة وملأت تجاويفها جعلت أصحابها يراقبون الله في الغُدو والرواح والمساء والصباح، ولا يمكن لأحدٍ غرسها في نفوس النشء إلا الأبوين لا المدرسين ولا الكُتّاب ولا شيء من هذا القبيل غير الأبوين الحريصين على العمل بقول الله :
﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (التحريم:6)
فالأب يثيب ابنه ويكافئه إذا نجح في الامتحان ولو كان راسباً في أداء الصلاة للرحمن وهذا من الخسران يا عباد الرحمن،
لكن لابد أن أتغير فأشجعه على طاعة الله وأعلن رضائي عنه إذا وجدته مستقيماً كما أمر الله مسارعاً إلى تنفيذ سنة حبيب الله ومصطفاه، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم :
(إذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ (رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه) لم يقل : ولد مهندس أو طبيب أو مستشار أو لواء وإنما قال : ــ
ولدٌ صالح يدعو له ــ فهذا غاية مناه لأنه يريد أن يكون هذا الابن في ميزان حسناته ولا يكون في ميزان حسناتك إلا إذا عمل بطاعة الله واستقام على شرع الله وأرسل لك الدعوات المستجابة طالما تتردد فيه الأنفاس في هذه الحياة .
قال صلى الله عليه وسلم :
"إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ" (رواه ابن حبان والنسائي عن انس رضي الله عنه)
أو كما قال أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .
الخطبة الثانية
----------------------------------------
الحمد لله رب العالمين الهادي للطريق القويم والصراط المستقيم،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا بفضله وتوفيقه إلى دينه ، فله الشكر وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم وكل من سلك هديه إلى يوم الدين
🤲آمين .. آمين يا رب العالمين ..
أما بعد :
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
وضع النبي صلى الله عليه وسلم مسئولية رعاية البنات والبنين في رقاب الآباء والأمهات فقال صلى الله عليه وسلم :
"أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنها)
لقد خصّ الله عز وجل تعَاليم دينه بمزية ليست موجودة في بقية العلوم والفهوم التي يتعلمها أولادنا،
فإن الدين لا يحصّله غلاماً من كتاب ولا من معلم ولا يترسّخ في قلب ولَد إلا بالتلقين، والتلقين بعد رؤية ما يفعله أمامه الأبوين فكل ما يفعلونه أمامه يترسّخ في ضميره ويثبت في فؤاده ويأخذه على أنه دين قويم ويقول كان أبى يفعل كذا وكانت أمي تصنع كذا .
ومن هنا كانت مهمتنا عظيمة ومسئوليتنا جسيمة فإن أولادنا لا يأخذون الدين من كلامنا وشفاهنا ولكن من حركاتنا وسكناتنا.
فكونوا قدوة أمام أبناءكم وبناتكم بخصالكم وفعالكم، فأنت لو قلت لابنك درساً طويلاً في الصدق وعدم الكذب، ثم جاء صديق لك يطلبك بالباب وقال لك : فلان بالباب فقلت له : قل له : إنه غير موجود بالبيت فقد ثبّت في فؤاده درساً راسخاً في أن الكذب مباحٌ وليس عليه في فعله جناح ولن ينجح العلماء ولا التشريعات ولا القوانين في ردعه عن الكذب لأنه رآك تفعله ولا تحاسب نفسك
فالأبوين هم اللوح الذى ينقش منه الغلام خِلَالَ الإسلام وتعاليم القرآن وأخلاق النبي العدنان صلوات الله وسلامه عليه.
قال صلى الله عليه وسلم : (أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ) (سنن ابن ماجه)
وقال صلى الله عليه وسلم:
"مَا نَحَلَ والدٌ ولداً خيراً لَهُ من أدبٍ حَسَنٍ" (رواه أيوب بن موسى عن أبيه السنن الكبرى للبيهقي)
🤲نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا وأحوال أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وإخواننا المسلمين أجمعين
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد