الأشهر الحُرم
رسالة سلام للإنسانية
خطبة الجمعة لفضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي تنزَّه عن الوالدة والولد، وعن الشريك والنظير، والوزير والمشير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ألقى الكلمات بقدرته، وأوجدها بعظمته، وسخرها بباهر حكمته، وهو بعد ذلك لا يطلب من المرء إلا الشكر على نعمته سبحانه وتعالى:
(لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (7إبراهيم)
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، اختاره الله لحضرته، وخصَّه بنبوَّته، ورفع قدره ومنزلته عنده حتى كان قاب قوسين أو أدنى:
(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (10، 11النجم).
صلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم، الذي وصفه مولاه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، بأنه:
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128التوبة).
وبعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي وقَّت المواقيت، وحدَّد الأمكنة وبين الأزمنة،
ففضل بعض الأوقات على بعض، وخصَّ بعض الأمكنة بالفضل الذي لا يوجد في البعض. وقال في ذلك صلى الله عليه وسلم:
"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا" (رواه الطبراني عن محمد بن مسَلمة)
ففضل سبحانه على الشهور شهر رمضان، وبعده في الفضل رجب وشعبان، وفضل على الأيام يوم عرفة، وفضل على الليالي ليلة القدر، وفضل على الأمم أمة الإسلام، وفضل على الرسل رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك يقول المولى فيه:
(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (4الجمعة).
لم اختص الله هذا الشهر بمزية دون ما سبقه من الشهور؟
إن هذا الشهر كانت العرب حتى قبل الإسلام تخصه بالاحترام والتجلة والإكرام، وكانوا يسمونه الشهر الحرام!!
أي تحرم فيه المعاصي والذنوب والسيئات والآثام، حتى كان الرجل العادي والجاهلي إذا قابل قاتل أخيه في شهر رجب يلفت وجهه إلى الجهة الأخرى ولا ينظر إليه بسوء، احتراماً لحرمة هذا الشهر الكريم، وإذا قابل مَنْ أساء إليه بقولٍ أو فعلٍ أو عملٍ تغاضى عنه أو تركه، توقيراً واحتراماً لهذا الشهر الكريم.
وجاء الإسلام وزادها توقيراً وتعظيماً وذلك في قول الله سبحانه وتعالى:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة).
فنهانا الله عن أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الكريمة، وهي الأشهر الحرم، ومن ضمنها شهر رجب الأغر.
وهنا سؤال ملحّ:
كيف يظلم الإنسان نفسه؟!!!
إن ظلم الإنسان لنفسه - عند الله وعند رسول الله وعند كتاب الله وعند العلماء بالله - هو أن يتجاوز الإنسان حدود الله:
(وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (1الطلاق)
أي: أن الإنسان الذي يتعدى،
أي: يتجاوز الحدود التي أعدَّها الملك المعبود للمعاملات وللأخلاق وللعبادات وللكمالات الإلهية، فقد عرض نفسه للظلم الكبير الذي لا ينفع فيه وزير ولا شفيع ولا نظير، لأن الأمر يتعلق بالملك الكبير سبحانه وتعالى.
فإنه يجب على الإنسان في هذا الشهر الكريم أن يقبض بلجام نفسه ، ويجعلها مسخرة لأحكام ربِّ البرية،
فلا تنظر العين منها إلا لما أحلَّه الله، وإذا أرادت أن تلتفت إلى الحرام تقول لها:
(النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ، أَبْدَلَهَا اللَّهُ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) (روى في الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود).
يا أيتها العين: أما سمعتي خالقك وهو يقول:
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) (30النور).
وإذا أرادت الأذن أن تستمع إلى ما حرَّم الله من غيبة ونميمة وسبَّ وشتم وقول باطل، قال لها:
يا أيتها الأذن: كوني كما قال الله: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (12الحاقة)،
والأذن الواعية هي التي لا تقع في معصية،
وفى الأثر: (المُغْتَابُ وَالمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي الإِثْمِ)[ ورد في الإحياء للغزالي وفى مراقي العبودية].
وهذه الجريمة الشنعاء التي جعلها ربُّ الأرض والسماء أقبح من إسالة الدماء!!! استمعوا إليه سبحانه إذ يقول:
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (12الحجرات).
وجب عليك أن توطن نفسك ألا تجلس في مجالس الغيبة ولا مجالس النميمة ولا في مجالس اللهو في هذه الأيام المباركة، لأن الله حرَّم فيها هذه المعاصي، وهذه المعاصي وإن كانت بالطبع محرَّمة طول العام، ولكنها هذه الأيام أشد حرمة وأشد تجريماً وأشد وزراً عند الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى
(فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة).
أي إن الإنسان يمسك بزمام نفسه، وتجعلها تسير كما يريد الله وتمشي خلف رسول الله.
فالمكان الذي كان يحبُّه أجلسها فيه،
والعمل الذي كان يحبه يجعلها تعمله،
ومن أخبرني بحبهم أجالسهم وأتقرب منهم،
ومن عرَّفني أنه يبغضهم أسارع إلى النفور عنهم.
ومن هنا نفهم معنى الآية!!!
"فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" (36التوبة).
فمن أرخى العنان لنفسه فقد ظلم نفسه لأنها بوقوعها في الذنوب تستوجب غضب علام الغيوب، ونحن الضعفاء والمساكين أحوج ما نكون إلى نظرة رضا من رب العالمين، فإنه لو غضب على أحد طرفة عين كانت حياته كلها نكد، وكان قبره شعْلة من اللهب، وكانت قيامته حسرة وندامة، يوم لا تنفع الندامة ولا الملامة، وكان مصيره كما تعلمون وكما تعرفون!!
والدنيا كما قال الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه:
(الدنيا ساعة فأجعلها طاعة).
كلنا مسافرون وكلنا جاهزون للقاء الله ولا نعلم الميعاد ولا نعلم وقت السفر، فعلينا أن نجهز الزاد والزاد الذي ينفع للميعاد،
قال صلى الله عليه وسلم:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ لاَ دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لاَ مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشِدَّةٍ، أَلاَ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَىٰ، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَىٰ، فَجَعَلَ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا عِوَضاً، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِى، وَيَبْتَلِي لِيُجْزِى، فَاحْذَرُوا حَلاَوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا، وَلاَ تَسْعَوْا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَىٰ اللَّهُ خَرَابَهَا، وَلاَ تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ مِنْكُمْ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرضِينَ، وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقينَ) (الديلمي عن ابن عمر رضى الله عنهما).
أو كما قال
🤲 ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.
أما بعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
أكرم الله المؤمنون في هذا الشهر فأخذ حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم في رحلته المباركة، وأغدق عليه من نوره العام ومن صنوف الإكرام ما لم يعلمه إلا الملك العلام سبحانه وتعالى. في هذه الليلة ليعلمنا أن هذا الشهر هو شهر إكرام الله لعباده المؤمنين، والذي قال في حقه سيد المرسلين:
(رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي) (أبو الفتح بن أبي الفوارس من أماليه عن الحسن مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والفتح الكبير).
ومعنى شهر الله:
أي شهر العفو الإلهي، ومغفرة الله، وإحسان الله، وإكرام الله لعباد الله، لأن الله موصوف بهذه الصفات الكريمة، وهو في كل ليلة من ليالينا يتنزل في الثلث الأخير وينادي علينا ويتعجب من لجوئنا لغيره، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد فيقول:
(ألا مُسْتَغْفِرٌ فأغْفِرَ لَهُ،
ألا مُسْتَرْزِقٌ فأرْزُقَهُ،
ألا مُبْتَلًـى فـأُعافِـيَهُ،
ألا سائِلٌ فأعْطِيَهُ،
ألا كَذا ألا كذا، حَتَّـى يَطْلُعَ الفَجْرُ) (عن جبير بن مطعم عن أبيه وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة)..
🤲اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرَّنا، ما أسررنا منها وما أعلنَّا، ما أظهرنا منها وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، يا حنَّان يا منَّان يا عظيم.....
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية او
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
رسالة سلام للإنسانية
خطبة الجمعة لفضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي تنزَّه عن الوالدة والولد، وعن الشريك والنظير، والوزير والمشير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ألقى الكلمات بقدرته، وأوجدها بعظمته، وسخرها بباهر حكمته، وهو بعد ذلك لا يطلب من المرء إلا الشكر على نعمته سبحانه وتعالى:
(لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (7إبراهيم)
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، اختاره الله لحضرته، وخصَّه بنبوَّته، ورفع قدره ومنزلته عنده حتى كان قاب قوسين أو أدنى:
(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (10، 11النجم).
صلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم، الذي وصفه مولاه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، بأنه:
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128التوبة).
وبعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي وقَّت المواقيت، وحدَّد الأمكنة وبين الأزمنة،
ففضل بعض الأوقات على بعض، وخصَّ بعض الأمكنة بالفضل الذي لا يوجد في البعض. وقال في ذلك صلى الله عليه وسلم:
"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا" (رواه الطبراني عن محمد بن مسَلمة)
ففضل سبحانه على الشهور شهر رمضان، وبعده في الفضل رجب وشعبان، وفضل على الأيام يوم عرفة، وفضل على الليالي ليلة القدر، وفضل على الأمم أمة الإسلام، وفضل على الرسل رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك يقول المولى فيه:
(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (4الجمعة).
لم اختص الله هذا الشهر بمزية دون ما سبقه من الشهور؟
إن هذا الشهر كانت العرب حتى قبل الإسلام تخصه بالاحترام والتجلة والإكرام، وكانوا يسمونه الشهر الحرام!!
أي تحرم فيه المعاصي والذنوب والسيئات والآثام، حتى كان الرجل العادي والجاهلي إذا قابل قاتل أخيه في شهر رجب يلفت وجهه إلى الجهة الأخرى ولا ينظر إليه بسوء، احتراماً لحرمة هذا الشهر الكريم، وإذا قابل مَنْ أساء إليه بقولٍ أو فعلٍ أو عملٍ تغاضى عنه أو تركه، توقيراً واحتراماً لهذا الشهر الكريم.
وجاء الإسلام وزادها توقيراً وتعظيماً وذلك في قول الله سبحانه وتعالى:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة).
فنهانا الله عن أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الكريمة، وهي الأشهر الحرم، ومن ضمنها شهر رجب الأغر.
وهنا سؤال ملحّ:
كيف يظلم الإنسان نفسه؟!!!
إن ظلم الإنسان لنفسه - عند الله وعند رسول الله وعند كتاب الله وعند العلماء بالله - هو أن يتجاوز الإنسان حدود الله:
(وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (1الطلاق)
أي: أن الإنسان الذي يتعدى،
أي: يتجاوز الحدود التي أعدَّها الملك المعبود للمعاملات وللأخلاق وللعبادات وللكمالات الإلهية، فقد عرض نفسه للظلم الكبير الذي لا ينفع فيه وزير ولا شفيع ولا نظير، لأن الأمر يتعلق بالملك الكبير سبحانه وتعالى.
فإنه يجب على الإنسان في هذا الشهر الكريم أن يقبض بلجام نفسه ، ويجعلها مسخرة لأحكام ربِّ البرية،
فلا تنظر العين منها إلا لما أحلَّه الله، وإذا أرادت أن تلتفت إلى الحرام تقول لها:
(النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ، أَبْدَلَهَا اللَّهُ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) (روى في الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود).
يا أيتها العين: أما سمعتي خالقك وهو يقول:
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) (30النور).
وإذا أرادت الأذن أن تستمع إلى ما حرَّم الله من غيبة ونميمة وسبَّ وشتم وقول باطل، قال لها:
يا أيتها الأذن: كوني كما قال الله: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (12الحاقة)،
والأذن الواعية هي التي لا تقع في معصية،
وفى الأثر: (المُغْتَابُ وَالمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي الإِثْمِ)[ ورد في الإحياء للغزالي وفى مراقي العبودية].
وهذه الجريمة الشنعاء التي جعلها ربُّ الأرض والسماء أقبح من إسالة الدماء!!! استمعوا إليه سبحانه إذ يقول:
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (12الحجرات).
وجب عليك أن توطن نفسك ألا تجلس في مجالس الغيبة ولا مجالس النميمة ولا في مجالس اللهو في هذه الأيام المباركة، لأن الله حرَّم فيها هذه المعاصي، وهذه المعاصي وإن كانت بالطبع محرَّمة طول العام، ولكنها هذه الأيام أشد حرمة وأشد تجريماً وأشد وزراً عند الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى
(فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة).
أي إن الإنسان يمسك بزمام نفسه، وتجعلها تسير كما يريد الله وتمشي خلف رسول الله.
فالمكان الذي كان يحبُّه أجلسها فيه،
والعمل الذي كان يحبه يجعلها تعمله،
ومن أخبرني بحبهم أجالسهم وأتقرب منهم،
ومن عرَّفني أنه يبغضهم أسارع إلى النفور عنهم.
ومن هنا نفهم معنى الآية!!!
"فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" (36التوبة).
فمن أرخى العنان لنفسه فقد ظلم نفسه لأنها بوقوعها في الذنوب تستوجب غضب علام الغيوب، ونحن الضعفاء والمساكين أحوج ما نكون إلى نظرة رضا من رب العالمين، فإنه لو غضب على أحد طرفة عين كانت حياته كلها نكد، وكان قبره شعْلة من اللهب، وكانت قيامته حسرة وندامة، يوم لا تنفع الندامة ولا الملامة، وكان مصيره كما تعلمون وكما تعرفون!!
والدنيا كما قال الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه:
(الدنيا ساعة فأجعلها طاعة).
كلنا مسافرون وكلنا جاهزون للقاء الله ولا نعلم الميعاد ولا نعلم وقت السفر، فعلينا أن نجهز الزاد والزاد الذي ينفع للميعاد،
قال صلى الله عليه وسلم:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ لاَ دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لاَ مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشِدَّةٍ، أَلاَ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَىٰ، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَىٰ، فَجَعَلَ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا عِوَضاً، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِى، وَيَبْتَلِي لِيُجْزِى، فَاحْذَرُوا حَلاَوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا، وَلاَ تَسْعَوْا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَىٰ اللَّهُ خَرَابَهَا، وَلاَ تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ مِنْكُمْ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرضِينَ، وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقينَ) (الديلمي عن ابن عمر رضى الله عنهما).
أو كما قال
🤲 ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.
أما بعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
أكرم الله المؤمنون في هذا الشهر فأخذ حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم في رحلته المباركة، وأغدق عليه من نوره العام ومن صنوف الإكرام ما لم يعلمه إلا الملك العلام سبحانه وتعالى. في هذه الليلة ليعلمنا أن هذا الشهر هو شهر إكرام الله لعباده المؤمنين، والذي قال في حقه سيد المرسلين:
(رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي) (أبو الفتح بن أبي الفوارس من أماليه عن الحسن مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والفتح الكبير).
ومعنى شهر الله:
أي شهر العفو الإلهي، ومغفرة الله، وإحسان الله، وإكرام الله لعباد الله، لأن الله موصوف بهذه الصفات الكريمة، وهو في كل ليلة من ليالينا يتنزل في الثلث الأخير وينادي علينا ويتعجب من لجوئنا لغيره، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد فيقول:
(ألا مُسْتَغْفِرٌ فأغْفِرَ لَهُ،
ألا مُسْتَرْزِقٌ فأرْزُقَهُ،
ألا مُبْتَلًـى فـأُعافِـيَهُ،
ألا سائِلٌ فأعْطِيَهُ،
ألا كَذا ألا كذا، حَتَّـى يَطْلُعَ الفَجْرُ) (عن جبير بن مطعم عن أبيه وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة)..
🤲اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرَّنا، ما أسررنا منها وما أعلنَّا، ما أظهرنا منها وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، يا حنَّان يا منَّان يا عظيم.....
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية او
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد