الذكر الكثير
ما معنى حديث النبي صلي الله عليه وسلم : {أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ}(1)
الجواب
هذا الحديث وجهه أن الناس صنفان، صِنفٌ مشغولٌ بالله، وصِنفٌ مشغولٌ بدنياه: فالصِنف المشغول بدنياه عندما يروا شخصاً قائماً بأوامر الله ومسارعاً إلى ذكر الله، ويتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، يقولون عنه أنه رجلٌ مجنون، لأن المجنون في نظرهم الذي يلتفت عن الدنيا لكن مرحباً بهذا الجنون الذي يجعل الإنسان غير مغبون يوم يلقى مولاه، وإنما سيكون له الرفعة والعُلو في الدار الآخرة، وفي الدنيا أيضاً عند الله سبحانه وتعالي ،
وأذكر في هذا المجال أن سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ، وكان من أهل الجذب، ولكن جذبٌ عن مشاهدات، يعني القلب
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
((يا علي إن القلوب إذا صفت رأت))،
فكان يرى العوالم العُلوية، فيغيب بها، ويندهش عند مشاهدتها عن نفسه وعن كل من حوله، فكان أحياناً يقف بالساعات الطوال، لا يجلس ولا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم مع أحد، مشغولاً بهذه المشاهدات العلوية.
فاتهمه نفرٌ من علماء الظاهر، وعلماء الظاهر هم الواقفون عند الأعمال الشرعية ولم يعملوا بها، ولم يرثوا الأحوال النورانية، وشكوه إلى السلطان الظاهر بيبرس على أنه سيُفسد من حوله من الناس، لأنه تاركٌ للشريعة، وزادوا في وصفه فقالوا: إنه جاسوسٌ للفاطميين، وكان السلطان عاقلاً، فجاء بشيخ الإسلام في وقته واسمه الشيخ ابن دقيق العيد رضي الله عنه ، وأمره أن يُشكِّل لجنة ويختبر هذا الرجل ... فجمع ابن دقيق العيد كبار العلماء وجلسوا وتشاوروا، فقالوا: نختبره في عقيدته وهذه التي ستبين، ونرسل له أحدنا يختبره في كتاب كان مشهوراً في علم التوحيد اسمه كتاب (الشجرة)، وحددوا له عشرة أسئلة، واختاروا الشيخ عبد العزيز الدريني ليذهب إلى طنطا ويمتحنه، فذهب الشيخ الدريني فوجد سيدي أحمد البدوي واقفاً مشدوهاً وينظر إلى أعلى، وكل من حوله مشدوهاً مثله، فقال في سرِّه: ما أرى إلا مجنوناً حوله مجموعة من المجانين،
فالتفت إليه سيدي أحمد البدوي وقال له:
مجانين ولكن سرَّ جنونهم
غريبٌ على أعتابه يسجد العقل
يا عبد العزيز جئت تمتحني وفي كُمِّك كتاب الشجرة، أما السؤال الأول وهو كذا فإجابته كذا، وأما السؤال الثاني فهو كذا وإجابته كذا، إلى أن أنهى العشرة،
ثم قال له: وقل لشيخك ابن دقيق العيد إن مصحفك الذي تداوم على تلاوة القرآن فيه، فيه خطئان، الخطأ الأول في سورة طه وتصويبه كذا، والخطأ الثاني في سورة يس وتصويبه كذا! .. ما هذا؟ هذه علوم اسمها علوم الكشف، والتي يتفضل بها الله على الصالحين، والكشف يعني المشاهدات، فعندما يكون الإنسان مشغولاً بالله، ويعيب عليه هؤلاء الجهلاء فماذا يصنع؟ لا يتأثر بهذ الكلام، فقد قالوا هذا الكلام عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، واتهموه بالجنون:
{ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (القلم)
اتهموه بالجنون ... أي إنسان يستقيم مع الله ولا يمشي على أهواء أهل الدنيا فإنهم يصفونه بذلك، ولكن هذا لا يؤثر فيه، لأنه يرى من بشائر الله عز وجل له ما يجعله يزيد في القرب من الحميد المجيد عز وجل .
(1)مسند أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه
من كتاب القول السديد
لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
ما معنى حديث النبي صلي الله عليه وسلم : {أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ}(1)
الجواب
هذا الحديث وجهه أن الناس صنفان، صِنفٌ مشغولٌ بالله، وصِنفٌ مشغولٌ بدنياه: فالصِنف المشغول بدنياه عندما يروا شخصاً قائماً بأوامر الله ومسارعاً إلى ذكر الله، ويتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، يقولون عنه أنه رجلٌ مجنون، لأن المجنون في نظرهم الذي يلتفت عن الدنيا لكن مرحباً بهذا الجنون الذي يجعل الإنسان غير مغبون يوم يلقى مولاه، وإنما سيكون له الرفعة والعُلو في الدار الآخرة، وفي الدنيا أيضاً عند الله سبحانه وتعالي ،
وأذكر في هذا المجال أن سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ، وكان من أهل الجذب، ولكن جذبٌ عن مشاهدات، يعني القلب
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
((يا علي إن القلوب إذا صفت رأت))،
فكان يرى العوالم العُلوية، فيغيب بها، ويندهش عند مشاهدتها عن نفسه وعن كل من حوله، فكان أحياناً يقف بالساعات الطوال، لا يجلس ولا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم مع أحد، مشغولاً بهذه المشاهدات العلوية.
فاتهمه نفرٌ من علماء الظاهر، وعلماء الظاهر هم الواقفون عند الأعمال الشرعية ولم يعملوا بها، ولم يرثوا الأحوال النورانية، وشكوه إلى السلطان الظاهر بيبرس على أنه سيُفسد من حوله من الناس، لأنه تاركٌ للشريعة، وزادوا في وصفه فقالوا: إنه جاسوسٌ للفاطميين، وكان السلطان عاقلاً، فجاء بشيخ الإسلام في وقته واسمه الشيخ ابن دقيق العيد رضي الله عنه ، وأمره أن يُشكِّل لجنة ويختبر هذا الرجل ... فجمع ابن دقيق العيد كبار العلماء وجلسوا وتشاوروا، فقالوا: نختبره في عقيدته وهذه التي ستبين، ونرسل له أحدنا يختبره في كتاب كان مشهوراً في علم التوحيد اسمه كتاب (الشجرة)، وحددوا له عشرة أسئلة، واختاروا الشيخ عبد العزيز الدريني ليذهب إلى طنطا ويمتحنه، فذهب الشيخ الدريني فوجد سيدي أحمد البدوي واقفاً مشدوهاً وينظر إلى أعلى، وكل من حوله مشدوهاً مثله، فقال في سرِّه: ما أرى إلا مجنوناً حوله مجموعة من المجانين،
فالتفت إليه سيدي أحمد البدوي وقال له:
مجانين ولكن سرَّ جنونهم
غريبٌ على أعتابه يسجد العقل
يا عبد العزيز جئت تمتحني وفي كُمِّك كتاب الشجرة، أما السؤال الأول وهو كذا فإجابته كذا، وأما السؤال الثاني فهو كذا وإجابته كذا، إلى أن أنهى العشرة،
ثم قال له: وقل لشيخك ابن دقيق العيد إن مصحفك الذي تداوم على تلاوة القرآن فيه، فيه خطئان، الخطأ الأول في سورة طه وتصويبه كذا، والخطأ الثاني في سورة يس وتصويبه كذا! .. ما هذا؟ هذه علوم اسمها علوم الكشف، والتي يتفضل بها الله على الصالحين، والكشف يعني المشاهدات، فعندما يكون الإنسان مشغولاً بالله، ويعيب عليه هؤلاء الجهلاء فماذا يصنع؟ لا يتأثر بهذ الكلام، فقد قالوا هذا الكلام عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، واتهموه بالجنون:
{ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (القلم)
اتهموه بالجنون ... أي إنسان يستقيم مع الله ولا يمشي على أهواء أهل الدنيا فإنهم يصفونه بذلك، ولكن هذا لا يؤثر فيه، لأنه يرى من بشائر الله عز وجل له ما يجعله يزيد في القرب من الحميد المجيد عز وجل .
(1)مسند أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه
من كتاب القول السديد
لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد