شهادة الزمان والمكان والجوارح
على الخلق
-------خطبة الجمعة-------
لفضيلةالشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله الفتاح العليم هو الأول بلا بداية و الآخر بلا نهاية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أول قبل كل أول وآخر بعد كل آخر هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله نور الله الساطع وبرهانه القاطع وحجته الظاهرة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لكل فضل والباب لكل خير وآله وصحبه وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين 🤲🤲آمين.🤲🤲
أما بعد.. فيا إخواني ويا أحبابي ...
الحوار الذي ذكره لنا القرآن يُبَيِّنُ مدى المسئولية التي يضعها في أعناقنا حضرة الديان عزَّ وجلَّ إذ يقول سبحانه
"فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [6الأعراف].
إذا كان الله سبحانه وتعالى سيسأل رسلَهُ ويحاسب أنبياءه ويسألهم ليجيبوه،
لكن السؤال بالنسبة لهم تَشْرِيفٌ لهم، حتى يبيِّن في الموقف العظيم مقامَهم وعظيمَ خشيتِهم، وقَوِّىَ رغبتِهم في الله، وشدةَ جهادهم في نشر رسالات الله، وما تحملوا من المتاعب والآلام من خلق الله!! ولن يكون حسابهم مثل حساب الناس.
فما بالنا نحن عوام المؤمنين وجماعة المسلمين؟!!!
ذكر الله عزَّ وجلَّ لنا هذا الحوار - وأمثاله في القرآن الكريم - حتى نعلم علم اليقين أن الله هو الحقّ
يسأل الأمم ويسأل الرسل، مع أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية
لماذا؟! لأنه الحقٌّ عزَّ وجلَّ،
وكما قال له سيدنا عيسى:
" إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ"[116التوبة].
لكنه سبحانه لإحقاقه للحقِّ وإظهاره للحقِّ لا يحكم بعلمه إلا بعد سماع الحُجَّةَ من الخَلْق، وإثبات الأدلة التي وضعها الحقُّ عزَّ وجَّل.
ولذلك قال لنا وعرَّفنا:
"يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا" [111النحل].
كل نفس ستجادل عن نفسها!! لا يوجد محامي سيترافع عنك هناك، أنت الذي ستترافع عن نفسك.
يوم يقول فيه الله سبحانه وتعالى:
"وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (69 الزمر)
كل إنسان يُخْرَجُ له كتاب،
ويقولون له:
" اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا " (14الإسراء).
" وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ " المحكمة ستعقد جلساتها،
من الذي يشهد على الناس؟
جعل الله سبحانه وتعالى للإنسان موازين إلهية تشهد عليه عند سؤال الرحمن عزَّ وجلَّ له:
الميزان الأول:
الأنبياء، والملائكة الذين لا يتركونا طرفة عين، فهم الذين سجلوا كل شيء
" كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون" (11 -12 الانفطار)
والميزان الثاني:
الأرض - التي نحن عليها - تسجل نسخة كاملة بالصوت والصورة والملامح الظاهرة والباطنة، وربُّنا قال فيها:
"إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [29الجاثية].
فلا يوجد مكان تمشي عليه من الأرض إلا ويأخذ لك صورة ليشهد لك يوم لقاء الله،
" إِذَا زُلْزِلَتِ الارْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الانْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " (1-5الزلزلة)
تتكلم وتشهد.
والأرض، تُسَجِّلُ الصور والظلال والأجسام والخيال والنوايا التي تدور في البال!! حتى النوايا تظهر على الشريط:
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [9الطارق]. تُبلى يعني تظهر ما تخفيها!! ولن يستطيع الإنسان أن يخفيها!! فالصورة كاملة تسجِّلُها الأرض.
المجلس الذي نحن فيه ستراه كما هو وأنت في موضعك - لكن بالإضافة إلى الصورة الظاهرة - ما بداخلك ظاهرٌ على الصورة، نيَّتُك!!
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى" (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه)
ماذا سيقول؟!!
ما في نيَّتي، وما في سريرتي، والذي في باطني وما في فؤادي وقلبي ظاهرٌ مثل المرآة!!
﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ﴾ – ماذا يا إخواني؟ ﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ لن يقرأ فقط بل سيرى!! ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [40النبأ].
سيرى كلَّ ما فعله - نواياه وطواياه - ماذا سيخفي؟!!
فيأتي ربُّنا سبحانه وتعالى وهو الحَكَمُ العدل فيقول له:
تعالى تكلم عن نفسك، فيتكلم الإنسان ويظن أنه مازال في عالم الدنيا والأكوان!! يريد - حتى أمام حضرة الرحمن- أن يكذب ويماطل ويجادل بالباطل، فيأتي الله عزَّ وجلَّ بالملائكة ليشهدوا فيقول: يا ربِّ أنا لم أرهم – يجادل والله عزَّ وجلَّ يعطيه الحميَّة - فيقول له:
أما ترضى أن لا يكون عليك شاهدٌ إلا من نفسك؟
فيقول:
بلى. فيقول: لك ذلك،
وهنا الميزان الثالث
فيختم الله على لسانه، ويأمر الجوارح أن تنطق:
﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [65يس].
فيحدث حوار بينه وبين جوارحه، أمام حضرة الرحمن:
﴿لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا﴾، لماذا تشهدون عليَّ أليس أنتم الذين عملتم؟
﴿قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [21فصلت].
هذا هو الشاهد الذي رضيت به قد شهد عليك!!
ماذا يقول الإنسان؟!!
فيكون الأمر عسيراً إن لم تتداركنا رحمة العليِّ القدير وشفاعة البشير النذير صلى الله عليه وسلم.
قال سيدنا أنس رضي الله عنه :
" كنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضحِك فقال :
( هل تدرونَ ممَّا أضحَكُ ) ؟ قُلْنا :
اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال :
( مِن مُخاطَبةِ العبدِ ربَّه يقولُ : يا ربِّ ألَمْ تُجِرْني مِن الظُّلمِ ؟
قال : يقولُ : بلى قال :
فإنِّي لا أُجيزُ على نفسي إلَّا شاهدًا منِّي فيقولُ :
كفى بنفسِكَ اليومَ عليكَ شهيدًا وبالكرامِ الكاتبينَ عليكَ شهيدًا فيُختَمُ على فيه ثمَّ يُقالُ لِأركانِه : انطِقي فتنطِقُ بأعمالِه ثمَّ يُخلَّى بَيْنَه وبَيْنَ الكلامِ فيقولُ :
بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ" (رواه بن حبان)
او كما قال
🤲ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، المنعم بجلائل النعم على من آمن بالله ورضى بما قسم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خزائن رزقه لا تنفد وكنوز جوده لا تنتهي.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله نور الأتقياء، وسراج الأولياء وشمس البهاء يوم اللقاء،
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة لجميع خلق الله وعلى آله وأصحابه وكل من اتبع هداه إلى يوم الدين آمين.
أما بعد..
فيا إخواني ويا أحبابي في الله ورسوله..
لو تذكرنا هذا الموقف وجعلناه في فكرنا، وفي خواطرنا، وفي قلوبنا - ما عصينا الله عزَّ وجلَّ طرفة عين ولا أقل.
ما الذي يمنع الإنسان من عصيان الله؟
شيئان اثنان:
إما خشيته من الله - إذا كان صاحبَ قلبٍ فيه خوفٌ وَوَجَلٌ وخَشْيَةٌ من الله - فخشية الله تمنعه من الذنب ومن المعاصي،
وإما أن يكون الموت والآخرة منه على بال. وهذا هو الإنسان العاقل، الذي يتذكر أنه مسافرٌ إن عاجلاً أو آجلاً، كما قال الرجل الحكيم:
وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَـا
لَكَانَ المَوْتُ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ
وَلَكِنْ إذا مِتْنَــــا بُعِثْنَا
فَنُسْألْ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيٍّء
نعم، سيُسأل الإنسان أمام حضرة الرحمن عزَّ وجل، وربما يسأل أمام الخلائق أجمعين.
هناك أناس - سيحاسبون حساباً يسيراً وهذا سيكون بينهم وبين الله،
وهناك أناس حسابهم أمام الخلائق كلها والكل يشهد الموقف ويسمع الحوار، وينظر إلى الحساب وإلى العقاب، وإلى اللوم وإلى التوبيخ على التقصير وعلى تضييع العمر فيما لا يُرضي العليِّ القدير عزَّ وجلَّ، وهؤلاء سيتحسرون ولا تنفع الحسرة، ويندمون ولا ينفع الندم، عندما يرى حاله، ويرى ملفات أعماله، ودواوين أقواله، وجرائم أحواله، يقول كما قال الله:
﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ [56الزمر].
لكن هل هذه الحسرة ستنفع؟!! انتهى الأمر.
ولكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بشرنا بشرى عظيمة من كرم الله وفضل الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
{ إذا تابَ العبدُ أنسى اللهُ الحفظةَ ذنوبَهُ ، وأنسى ذلكَ جوارحَهُ ومعالمَهُ منَ الأرضِ ، حتى يلقى اللهَ وليسَ عليهِ شاهدٌ منَ اللهِ بذنبٍ }[رواه السيوطي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
ينسيهم الله ذنوبه، ويمحوها من الملفات التي معهم، فيلقى الله وليس عليه شاهدٌ بذنب!.
🤲ما أكرمك يا رب العباد،
ما هذا الكرم؟!
عندما يتوب الإنسان يمسح الله الذنوب من عند جميع الشهداء، حتى يلقى الله تبارك وتعالى وليس عليه من يشهد عليه بارتكاب هذا الذنب.
ولذلك قال لنا الله:
" وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (31النور)
وقد قال صلى الله عليه وسلم حديثاً عظيماً وأصلاً كريماً وعملاً سهلاً يسيراً على كل مؤمن فقال صلى الله عليه وسلم :
{ إذا قال العبد المؤمن لا إله إلا الله ذهبت إلى صحيفته فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنة تقف بجوارها } ( رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس)
🤲نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل نطقنا ذكراً، وصمتنا فكراً، ونظرنا عبرة، وأن يعيننا على أنفسنا حتى نأخذها إلى طاعة الله ورضاه
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
على الخلق
-------خطبة الجمعة-------
لفضيلةالشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله الفتاح العليم هو الأول بلا بداية و الآخر بلا نهاية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أول قبل كل أول وآخر بعد كل آخر هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله نور الله الساطع وبرهانه القاطع وحجته الظاهرة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لكل فضل والباب لكل خير وآله وصحبه وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين 🤲🤲آمين.🤲🤲
أما بعد.. فيا إخواني ويا أحبابي ...
الحوار الذي ذكره لنا القرآن يُبَيِّنُ مدى المسئولية التي يضعها في أعناقنا حضرة الديان عزَّ وجلَّ إذ يقول سبحانه
"فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [6الأعراف].
إذا كان الله سبحانه وتعالى سيسأل رسلَهُ ويحاسب أنبياءه ويسألهم ليجيبوه،
لكن السؤال بالنسبة لهم تَشْرِيفٌ لهم، حتى يبيِّن في الموقف العظيم مقامَهم وعظيمَ خشيتِهم، وقَوِّىَ رغبتِهم في الله، وشدةَ جهادهم في نشر رسالات الله، وما تحملوا من المتاعب والآلام من خلق الله!! ولن يكون حسابهم مثل حساب الناس.
فما بالنا نحن عوام المؤمنين وجماعة المسلمين؟!!!
ذكر الله عزَّ وجلَّ لنا هذا الحوار - وأمثاله في القرآن الكريم - حتى نعلم علم اليقين أن الله هو الحقّ
يسأل الأمم ويسأل الرسل، مع أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية
لماذا؟! لأنه الحقٌّ عزَّ وجلَّ،
وكما قال له سيدنا عيسى:
" إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ"[116التوبة].
لكنه سبحانه لإحقاقه للحقِّ وإظهاره للحقِّ لا يحكم بعلمه إلا بعد سماع الحُجَّةَ من الخَلْق، وإثبات الأدلة التي وضعها الحقُّ عزَّ وجَّل.
ولذلك قال لنا وعرَّفنا:
"يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا" [111النحل].
كل نفس ستجادل عن نفسها!! لا يوجد محامي سيترافع عنك هناك، أنت الذي ستترافع عن نفسك.
يوم يقول فيه الله سبحانه وتعالى:
"وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (69 الزمر)
كل إنسان يُخْرَجُ له كتاب،
ويقولون له:
" اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا " (14الإسراء).
" وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ " المحكمة ستعقد جلساتها،
من الذي يشهد على الناس؟
جعل الله سبحانه وتعالى للإنسان موازين إلهية تشهد عليه عند سؤال الرحمن عزَّ وجلَّ له:
الميزان الأول:
الأنبياء، والملائكة الذين لا يتركونا طرفة عين، فهم الذين سجلوا كل شيء
" كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون" (11 -12 الانفطار)
والميزان الثاني:
الأرض - التي نحن عليها - تسجل نسخة كاملة بالصوت والصورة والملامح الظاهرة والباطنة، وربُّنا قال فيها:
"إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [29الجاثية].
فلا يوجد مكان تمشي عليه من الأرض إلا ويأخذ لك صورة ليشهد لك يوم لقاء الله،
" إِذَا زُلْزِلَتِ الارْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الانْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " (1-5الزلزلة)
تتكلم وتشهد.
والأرض، تُسَجِّلُ الصور والظلال والأجسام والخيال والنوايا التي تدور في البال!! حتى النوايا تظهر على الشريط:
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [9الطارق]. تُبلى يعني تظهر ما تخفيها!! ولن يستطيع الإنسان أن يخفيها!! فالصورة كاملة تسجِّلُها الأرض.
المجلس الذي نحن فيه ستراه كما هو وأنت في موضعك - لكن بالإضافة إلى الصورة الظاهرة - ما بداخلك ظاهرٌ على الصورة، نيَّتُك!!
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى" (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه)
ماذا سيقول؟!!
ما في نيَّتي، وما في سريرتي، والذي في باطني وما في فؤادي وقلبي ظاهرٌ مثل المرآة!!
﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ﴾ – ماذا يا إخواني؟ ﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ لن يقرأ فقط بل سيرى!! ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [40النبأ].
سيرى كلَّ ما فعله - نواياه وطواياه - ماذا سيخفي؟!!
فيأتي ربُّنا سبحانه وتعالى وهو الحَكَمُ العدل فيقول له:
تعالى تكلم عن نفسك، فيتكلم الإنسان ويظن أنه مازال في عالم الدنيا والأكوان!! يريد - حتى أمام حضرة الرحمن- أن يكذب ويماطل ويجادل بالباطل، فيأتي الله عزَّ وجلَّ بالملائكة ليشهدوا فيقول: يا ربِّ أنا لم أرهم – يجادل والله عزَّ وجلَّ يعطيه الحميَّة - فيقول له:
أما ترضى أن لا يكون عليك شاهدٌ إلا من نفسك؟
فيقول:
بلى. فيقول: لك ذلك،
وهنا الميزان الثالث
فيختم الله على لسانه، ويأمر الجوارح أن تنطق:
﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [65يس].
فيحدث حوار بينه وبين جوارحه، أمام حضرة الرحمن:
﴿لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا﴾، لماذا تشهدون عليَّ أليس أنتم الذين عملتم؟
﴿قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [21فصلت].
هذا هو الشاهد الذي رضيت به قد شهد عليك!!
ماذا يقول الإنسان؟!!
فيكون الأمر عسيراً إن لم تتداركنا رحمة العليِّ القدير وشفاعة البشير النذير صلى الله عليه وسلم.
قال سيدنا أنس رضي الله عنه :
" كنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضحِك فقال :
( هل تدرونَ ممَّا أضحَكُ ) ؟ قُلْنا :
اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال :
( مِن مُخاطَبةِ العبدِ ربَّه يقولُ : يا ربِّ ألَمْ تُجِرْني مِن الظُّلمِ ؟
قال : يقولُ : بلى قال :
فإنِّي لا أُجيزُ على نفسي إلَّا شاهدًا منِّي فيقولُ :
كفى بنفسِكَ اليومَ عليكَ شهيدًا وبالكرامِ الكاتبينَ عليكَ شهيدًا فيُختَمُ على فيه ثمَّ يُقالُ لِأركانِه : انطِقي فتنطِقُ بأعمالِه ثمَّ يُخلَّى بَيْنَه وبَيْنَ الكلامِ فيقولُ :
بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ" (رواه بن حبان)
او كما قال
🤲ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، المنعم بجلائل النعم على من آمن بالله ورضى بما قسم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خزائن رزقه لا تنفد وكنوز جوده لا تنتهي.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله نور الأتقياء، وسراج الأولياء وشمس البهاء يوم اللقاء،
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة لجميع خلق الله وعلى آله وأصحابه وكل من اتبع هداه إلى يوم الدين آمين.
أما بعد..
فيا إخواني ويا أحبابي في الله ورسوله..
لو تذكرنا هذا الموقف وجعلناه في فكرنا، وفي خواطرنا، وفي قلوبنا - ما عصينا الله عزَّ وجلَّ طرفة عين ولا أقل.
ما الذي يمنع الإنسان من عصيان الله؟
شيئان اثنان:
إما خشيته من الله - إذا كان صاحبَ قلبٍ فيه خوفٌ وَوَجَلٌ وخَشْيَةٌ من الله - فخشية الله تمنعه من الذنب ومن المعاصي،
وإما أن يكون الموت والآخرة منه على بال. وهذا هو الإنسان العاقل، الذي يتذكر أنه مسافرٌ إن عاجلاً أو آجلاً، كما قال الرجل الحكيم:
وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَـا
لَكَانَ المَوْتُ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ
وَلَكِنْ إذا مِتْنَــــا بُعِثْنَا
فَنُسْألْ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيٍّء
نعم، سيُسأل الإنسان أمام حضرة الرحمن عزَّ وجل، وربما يسأل أمام الخلائق أجمعين.
هناك أناس - سيحاسبون حساباً يسيراً وهذا سيكون بينهم وبين الله،
وهناك أناس حسابهم أمام الخلائق كلها والكل يشهد الموقف ويسمع الحوار، وينظر إلى الحساب وإلى العقاب، وإلى اللوم وإلى التوبيخ على التقصير وعلى تضييع العمر فيما لا يُرضي العليِّ القدير عزَّ وجلَّ، وهؤلاء سيتحسرون ولا تنفع الحسرة، ويندمون ولا ينفع الندم، عندما يرى حاله، ويرى ملفات أعماله، ودواوين أقواله، وجرائم أحواله، يقول كما قال الله:
﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ [56الزمر].
لكن هل هذه الحسرة ستنفع؟!! انتهى الأمر.
ولكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بشرنا بشرى عظيمة من كرم الله وفضل الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
{ إذا تابَ العبدُ أنسى اللهُ الحفظةَ ذنوبَهُ ، وأنسى ذلكَ جوارحَهُ ومعالمَهُ منَ الأرضِ ، حتى يلقى اللهَ وليسَ عليهِ شاهدٌ منَ اللهِ بذنبٍ }[رواه السيوطي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
ينسيهم الله ذنوبه، ويمحوها من الملفات التي معهم، فيلقى الله وليس عليه شاهدٌ بذنب!.
🤲ما أكرمك يا رب العباد،
ما هذا الكرم؟!
عندما يتوب الإنسان يمسح الله الذنوب من عند جميع الشهداء، حتى يلقى الله تبارك وتعالى وليس عليه من يشهد عليه بارتكاب هذا الذنب.
ولذلك قال لنا الله:
" وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (31النور)
وقد قال صلى الله عليه وسلم حديثاً عظيماً وأصلاً كريماً وعملاً سهلاً يسيراً على كل مؤمن فقال صلى الله عليه وسلم :
{ إذا قال العبد المؤمن لا إله إلا الله ذهبت إلى صحيفته فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنة تقف بجوارها } ( رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس)
🤲نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل نطقنا ذكراً، وصمتنا فكراً، ونظرنا عبرة، وأن يعيننا على أنفسنا حتى نأخذها إلى طاعة الله ورضاه
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد