سر مدحه بالخُلُق العظيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمَ مدحه الله تبارك وتعالى وأثنى عليه بالخُلق العظيم؟ يقول الإمام الجُنيد رضي الله عنه وهو ذو الأذواق العالية في الميادين الأزلية بين الصوفية: ((مدحه الله بالخُلق العظيم، لأنه ليس له همٌّ في الدنيا والآخرة غير مولاه)).
لكن غيره يكون له ميولٌ أُخرى، وأغراضٌ أُخرى، وأهدافٌ أُخرى، ولكن سيدنا رسول الله ما هدفه وما غايته وما مناه؟ لا شيء غير وجه الله تبارك وتعالى، فهو وحده صاحب المقام الكريم والخُلق العظيم في هذا الميدان.
أو مدحه الله تعالى بالخُلق العظيم لأنه وحده الذي تخَّلق بأخلاق الله، والباقي من السابقين واللاحقين لم يلحق هذه الغاية، ولا يستطيع بلوغ هذه النهاية إلا رسول الله.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم - لنعلم علم اليقين مكانته عند الله - كان تخُلقه ليس جهاداً واجتهاداً، وإنما مِنحٌ وعطاءاتٌ إلهية لحضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.
يعني الإنسان قد يجاهد ليتخلق بخُلق، ويستغرق في الجهاد فترة طويلة، ونحن كلنا نمر بذلك، يستغرق فترةً طويلة ليتجمَّل بالصبر، ويستغرق زماناً طويلاً ليتجمل بالحلم، ويخرج من النرفذة والغضب .. كل هذا يحتاج إلى جهاد.
لكن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم نال ذلك بفضل مولاه، لا بعلم ولا بعمل ولا جهاد، وإنما فيض فضل من الواحد الأحد تبارك وتعالى.
وذكر لنا صلى الله عليه وسلم مثالاً في ذلك، فقد جاءت قبيلة بني عبد القيس يُعلنون إسلامهم، ويتعلمون على يد النبي صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام، فعندما وصلوا إلى أبواب المدينة تسارعوا جميعاً إلى حضرة النبي، إلا رجلٌ واحد اسمه الأشجُّ بن قيس، والأشجُّ لأن كان في رأسه جرح أو شجَّة صغيرة فسموه الأشجُّ.
فقال له قومه: هيا بنا، فقال لهم: اذهبوا أنتم، فأنا قد جهزَّت ثوبين جديدين، ولا بد أن أغتسل أولاً، وأخلع ثياب السفر، وألبس هذين الثوبين اللذان يليقان بلقاء حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله بصيرة كاشفة، فلما وصلوا ليسلموا عليه سألهم عن الأشجُّ، فقالوا: تخلف عنا، وسيأتي بعدنا، فعندما حضر ورآه قال له:
{ إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ } 1
ليس فيك عجلة، والرجل من فطانته قال: يا رسول الله هذين الخُلقين أتخلق بهما أم جُبلتُ عليهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما، يعني ليس بجهاده وصل لهاتين الصفتين، ولكنهما منحةٌ من الله عزّ وجل، والأمر إذا كان منحةٌ من الله فيكتسب صفة الدوام، ويكون له به منزلةٌ كريمة عند من يقول للشيء كن فيكون.
************************************************
(1)سنن أبي داود والبيهقي عن زارع بن عامر رضي الله عنه.
..................................................................................
كتاب (خصائص النبي الخاتم)
لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمَ مدحه الله تبارك وتعالى وأثنى عليه بالخُلق العظيم؟ يقول الإمام الجُنيد رضي الله عنه وهو ذو الأذواق العالية في الميادين الأزلية بين الصوفية: ((مدحه الله بالخُلق العظيم، لأنه ليس له همٌّ في الدنيا والآخرة غير مولاه)).
لكن غيره يكون له ميولٌ أُخرى، وأغراضٌ أُخرى، وأهدافٌ أُخرى، ولكن سيدنا رسول الله ما هدفه وما غايته وما مناه؟ لا شيء غير وجه الله تبارك وتعالى، فهو وحده صاحب المقام الكريم والخُلق العظيم في هذا الميدان.
أو مدحه الله تعالى بالخُلق العظيم لأنه وحده الذي تخَّلق بأخلاق الله، والباقي من السابقين واللاحقين لم يلحق هذه الغاية، ولا يستطيع بلوغ هذه النهاية إلا رسول الله.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم - لنعلم علم اليقين مكانته عند الله - كان تخُلقه ليس جهاداً واجتهاداً، وإنما مِنحٌ وعطاءاتٌ إلهية لحضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.
يعني الإنسان قد يجاهد ليتخلق بخُلق، ويستغرق في الجهاد فترة طويلة، ونحن كلنا نمر بذلك، يستغرق فترةً طويلة ليتجمَّل بالصبر، ويستغرق زماناً طويلاً ليتجمل بالحلم، ويخرج من النرفذة والغضب .. كل هذا يحتاج إلى جهاد.
لكن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم نال ذلك بفضل مولاه، لا بعلم ولا بعمل ولا جهاد، وإنما فيض فضل من الواحد الأحد تبارك وتعالى.
وذكر لنا صلى الله عليه وسلم مثالاً في ذلك، فقد جاءت قبيلة بني عبد القيس يُعلنون إسلامهم، ويتعلمون على يد النبي صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام، فعندما وصلوا إلى أبواب المدينة تسارعوا جميعاً إلى حضرة النبي، إلا رجلٌ واحد اسمه الأشجُّ بن قيس، والأشجُّ لأن كان في رأسه جرح أو شجَّة صغيرة فسموه الأشجُّ.
فقال له قومه: هيا بنا، فقال لهم: اذهبوا أنتم، فأنا قد جهزَّت ثوبين جديدين، ولا بد أن أغتسل أولاً، وأخلع ثياب السفر، وألبس هذين الثوبين اللذان يليقان بلقاء حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله بصيرة كاشفة، فلما وصلوا ليسلموا عليه سألهم عن الأشجُّ، فقالوا: تخلف عنا، وسيأتي بعدنا، فعندما حضر ورآه قال له:
{ إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ } 1
ليس فيك عجلة، والرجل من فطانته قال: يا رسول الله هذين الخُلقين أتخلق بهما أم جُبلتُ عليهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما، يعني ليس بجهاده وصل لهاتين الصفتين، ولكنهما منحةٌ من الله عزّ وجل، والأمر إذا كان منحةٌ من الله فيكتسب صفة الدوام، ويكون له به منزلةٌ كريمة عند من يقول للشيء كن فيكون.
************************************************
(1)سنن أبي داود والبيهقي عن زارع بن عامر رضي الله عنه.
..................................................................................
كتاب (خصائص النبي الخاتم)
لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد