الشوق إلى البيت الحرام
ــــ خطبة الجمعة ـــ
--- لفضيلة الشيخ---
️فوزي محمد أبوزيد️
الحمد لله ربِّ العالمين، أنعم على عباده المؤمنين أجمعين من أول الدنيا إلى يوم الدين، فجعل لهم ساعة للفضل والمغفرة من رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ لا تحدُّه جهات، ولا تلحقه الحركات، ولا تتناوله من قريب أو بعيد الإشارات، يحيط ولا يحاط به، ويسع كل شيء ولا يسعه من خلقه شيء، ويقدر على كل شيء ولا يقدر أحد على شيء دونه إلا بإذنه عزَّ وجلّ.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، كشف الله عزَّ وجلّ له البيان عن مناسك الحج، حتى قال صلى الله عليه وسلم:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ: خُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ، فَإِني لاَ أَدْرِي لَعَلي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا)
اللهم صلِّ وسلم وبارك على مصدرِ الرحمات الإلهية، وسرِّ التجليات الربانية، ومفيض العلوم القدسية، سيدنا ومولانا مُحَمَّدٍ بن عبد الله، الشفيع لجميع خلق الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاَّ مَنْ أتى الله بقلب سليم.
(أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهَّزه لنا الملك العلام، فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن، ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين، وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنه عندما كان يحج ذات مرة، وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه، وحتى تورمت أصداغه، فقال له بعض من حوله:
يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا، ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شدة المزاحمة؟
فقال رضى الله عنه:
(هَوِيَت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم).
أي هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب عزَّ وجلّ
لماذا هذا الحنين؟!!
ولماذا هذا الشوق؟!!
هذا لأن الله يقول:
"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (69،97-آل عمران)
إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت.
كيف تم ذلك؟
عندما أهبط الله آدم عليه السلام، ونزل في سرنديب في بلاد الهند، ونزلت الجدة حواء في جدة، وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها، وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عاماً، وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله، وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض،
وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم، وقال له:
يا آدم اذهب إلى البيت، وطف حوله، يغفر الله لك.
فجاء آدم عليه السلام من بلاد الهند ماشياً - غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض - حتى وصل إلى البيت،
هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات، ومهبط للبركات، يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله عزَّ وجلّ للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود.
هذا البيت في أي بلد؟
"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ" (96آل عمران)
لِمَ لَمْ يقل الله مكة؟!!
هي مكة، وبكة، وأم القرى، وهي البيت الحرام.
قال الله: بَكَّة، لأن الله آلَ على نفسه أن يبك – أى يدق - أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك – يعنى: تدق - أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين عزَّ وجلّ
وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله عزَّ وجلّ، كأنها فهمت قول الله:
"وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" (97-آل عمران)،
وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما، كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي، وجهة اليمن يمشي، أما جهة البيت فيصرخ!! فيحموا الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك!!
لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله عزَّ وجلّ،
ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين صدَّه الله عزَّ وجلّ عن البيت مع كثرة عدد جنده، فما كان منه إلا أن طاف بالبيت وكساه الديباج والحرير، فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت!!
لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت.
ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى، عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله.
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" (1-الإسراء).
والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله، والصالحين الذين كانوا حوله،
ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت الحرام قال:
"مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" (96-آل عمران)،
هو في ذاته مبارك، وهو في ذاته هدى للعالمين، لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان عزَّ وجلّ
فلو ذهب إليه تائبٌ يتوب الله عليه، ولو أتاه سائلٌ يجيب الله له كل المسائل،
ولو ذهب إليه راجٍ يحقق الله له كل رجاءه،
ولو ذهب إليه عابدٌ يرجع بعبادة لا عدَّ لها ولا حصر لها!!
يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه،
الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه،
والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه،
والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه،
يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
"يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ:
سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ
وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ
وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ"( رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"( رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلم:
{التَّائبُ حَبِيبُ الرَّحْمَن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ
أو كما قال،
🤲ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.
(أما بعد)
فيا إخوة الإيمان:
أما المقام الذي لا نستطيع إلا أن نشير إليه بأقل القليل - وهو قول الله
"فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ" (97-آل عمران)،
أي علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة:
كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه. كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين، من أول آدم إلى يوم الدين، ويشهد لهم عند رب العالمين!!
هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم :
عن أَبي سعيدٍ الْخدري رضى الله عنه قَالَ: { حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ،
فَقَالَ عَليُّ رضى الله عنه:
يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلّ، قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟
قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى:
"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى" (172-الأعراف)
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ:
اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ( يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ)، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ " (الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ والحاكم في مستدركه عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه)
فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين
فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربِّه من حرِّ مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة، يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة
فما بالكم بالميزاب؟ وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب، فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون، ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين. كل من يدعو يؤمِّنون عليه، ومن وافق دعاؤه دعاء الملائكة استجاب الله عزَّ وجلّ له
فما بالكم بمقام إبراهيم؟
وما بالكم بزمزم؟
وما بالكم بكذا .. وكذا؟ آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور، حتى نعرف منها بعض الحكم، التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت.
نسأل الله عزَّ وجلّ أن يرزقنا الحج إلى بيتالله الحرام .....
🤲ثم الدعاء.🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
- - - - - - او - - - - - - -
️الدخول على موقع فضيلة️
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
ــــ خطبة الجمعة ـــ
--- لفضيلة الشيخ---
️فوزي محمد أبوزيد️
الحمد لله ربِّ العالمين، أنعم على عباده المؤمنين أجمعين من أول الدنيا إلى يوم الدين، فجعل لهم ساعة للفضل والمغفرة من رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ لا تحدُّه جهات، ولا تلحقه الحركات، ولا تتناوله من قريب أو بعيد الإشارات، يحيط ولا يحاط به، ويسع كل شيء ولا يسعه من خلقه شيء، ويقدر على كل شيء ولا يقدر أحد على شيء دونه إلا بإذنه عزَّ وجلّ.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، كشف الله عزَّ وجلّ له البيان عن مناسك الحج، حتى قال صلى الله عليه وسلم:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ: خُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ، فَإِني لاَ أَدْرِي لَعَلي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا)
اللهم صلِّ وسلم وبارك على مصدرِ الرحمات الإلهية، وسرِّ التجليات الربانية، ومفيض العلوم القدسية، سيدنا ومولانا مُحَمَّدٍ بن عبد الله، الشفيع لجميع خلق الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاَّ مَنْ أتى الله بقلب سليم.
(أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهَّزه لنا الملك العلام، فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن، ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين، وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنه عندما كان يحج ذات مرة، وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه، وحتى تورمت أصداغه، فقال له بعض من حوله:
يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا، ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شدة المزاحمة؟
فقال رضى الله عنه:
(هَوِيَت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم).
أي هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب عزَّ وجلّ
لماذا هذا الحنين؟!!
ولماذا هذا الشوق؟!!
هذا لأن الله يقول:
"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (69،97-آل عمران)
إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت.
كيف تم ذلك؟
عندما أهبط الله آدم عليه السلام، ونزل في سرنديب في بلاد الهند، ونزلت الجدة حواء في جدة، وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها، وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عاماً، وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله، وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض،
وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم، وقال له:
يا آدم اذهب إلى البيت، وطف حوله، يغفر الله لك.
فجاء آدم عليه السلام من بلاد الهند ماشياً - غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض - حتى وصل إلى البيت،
هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات، ومهبط للبركات، يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله عزَّ وجلّ للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود.
هذا البيت في أي بلد؟
"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ" (96آل عمران)
لِمَ لَمْ يقل الله مكة؟!!
هي مكة، وبكة، وأم القرى، وهي البيت الحرام.
قال الله: بَكَّة، لأن الله آلَ على نفسه أن يبك – أى يدق - أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك – يعنى: تدق - أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين عزَّ وجلّ
وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله عزَّ وجلّ، كأنها فهمت قول الله:
"وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" (97-آل عمران)،
وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما، كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي، وجهة اليمن يمشي، أما جهة البيت فيصرخ!! فيحموا الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك!!
لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله عزَّ وجلّ،
ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين صدَّه الله عزَّ وجلّ عن البيت مع كثرة عدد جنده، فما كان منه إلا أن طاف بالبيت وكساه الديباج والحرير، فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت!!
لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت.
ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى، عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله.
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" (1-الإسراء).
والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله، والصالحين الذين كانوا حوله،
ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت الحرام قال:
"مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" (96-آل عمران)،
هو في ذاته مبارك، وهو في ذاته هدى للعالمين، لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان عزَّ وجلّ
فلو ذهب إليه تائبٌ يتوب الله عليه، ولو أتاه سائلٌ يجيب الله له كل المسائل،
ولو ذهب إليه راجٍ يحقق الله له كل رجاءه،
ولو ذهب إليه عابدٌ يرجع بعبادة لا عدَّ لها ولا حصر لها!!
يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه،
الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه،
والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه،
والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه،
يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
"يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ:
سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ
وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ
وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ"( رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"( رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلم:
{التَّائبُ حَبِيبُ الرَّحْمَن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ
أو كما قال،
🤲ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.
(أما بعد)
فيا إخوة الإيمان:
أما المقام الذي لا نستطيع إلا أن نشير إليه بأقل القليل - وهو قول الله
"فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ" (97-آل عمران)،
أي علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة:
كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه. كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين، من أول آدم إلى يوم الدين، ويشهد لهم عند رب العالمين!!
هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم :
عن أَبي سعيدٍ الْخدري رضى الله عنه قَالَ: { حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ،
فَقَالَ عَليُّ رضى الله عنه:
يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلّ، قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟
قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى:
"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى" (172-الأعراف)
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ:
اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ( يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ)، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ " (الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ والحاكم في مستدركه عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه)
فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين
فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربِّه من حرِّ مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة، يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة
فما بالكم بالميزاب؟ وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب، فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون، ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين. كل من يدعو يؤمِّنون عليه، ومن وافق دعاؤه دعاء الملائكة استجاب الله عزَّ وجلّ له
فما بالكم بمقام إبراهيم؟
وما بالكم بزمزم؟
وما بالكم بكذا .. وكذا؟ آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور، حتى نعرف منها بعض الحكم، التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت.
نسأل الله عزَّ وجلّ أن يرزقنا الحج إلى بيتالله الحرام .....
🤲ثم الدعاء.🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
- - - - - - او - - - - - - -
️الدخول على موقع فضيلة️
الشيخ فوزي محمد أبوزيد