---الزكاة والصدقات - -
ودورهما في التنمية المجتمعية
خطبة الجمعة لفضيلةالشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله رب العالمين ، أنزل لنا ديناً قيماً، فيه العقيدة الحقة، والعبادات الخالصة، والمعاملات الحسنة، والأخلاق الكريمة
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزل لنا تشريعاً إلهياً قيماً يوثق علاقة العبد بمولاه، و ينظم الحياة والروابط الاجتماعية بين خلق الله،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، نظم الله عزَّ وجلَّ به الشرائع، وقوَّى به العلاقات بين الأفراد، ووثق به روابط المجتمعات، حتى صار العرب في عصره وهم الأمة الفقيرة الذليلة صاروا بعد الذلة أعزَّة، وبعد الفاقة أغنياء، وبعد الضعف أقوياء، وبعد الفرقة جمعاء، حتى انفردوا في الوجود وصاروا خير أمة أخرجها الخالق المعبود.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وأرشدنا جميعاً إلى هداه، ووفقنا أجمعين لإحياء شرعه يا الله، واجعلنا عاملين بسنته، محافظين على طاعته، وبلغنا في الدنيا منازل الاقتداء به، وبلغنا في الآخرة منازل شفاعته أجمعين،
آمين .. آمين، يا رب العالمين
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
وضع الله عزَّ وجلَّ لنا علاجاً لكل مشكلاتنا.
علاجا لمشكلة الفقر، وعلاجاً لمشكلة الأحقاد والحسد والبغضاء التي استقرت في القلوب،
وعلاجاً لمشكلة الأمن والأمان الذي ترتعب منه القلوب،
جعل ذلك في أمر واحد، قال فيه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (103التوبة)
فرض على المسلمين فريضة الزكاة،
وفريضة الزكاة هي حقٌّ لله جلَّ في علاه،
فالزارع كل ما عليه أن يضع النبات أو الحبة في أرض الله، ثم بعد ذلك يتولى النبات مولاه؛ هو الذي يحضر له الماء، وهو الذي يأتي له بالهواء، وهو الذي يغذيه من باطن الأرض حتى يحدث له النماء، وهو الذي يراقبه ويحفظه من كل آفات الزراعة، وهو الذي يضع له الطعم، وهو الذي يضع له اللون، وهو الذي يضع له الحجم، وهو الذي يتولى إنضاجه.
ويطلب مقابل ذلك من المرء أن يخرج عُشر أو نصف عشر ما حصده ليعطيه للفقراء، ليس تكرّماً من عنده، وليس منّاً منه عليهم، وإنما هي الحقوق يعطيها لأهلها،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله (ابو يعلي في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه)
فيخرج الزكاة التي هي حق الفقير.
هذه الزكاة تطهر أولاً قلب المزكي وهو الغني من مرض الشُّح، ومرض البخل، ومرض الأنانية، ومرض الأثرة، ليكون عبداً يحبه الله،
فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن المؤمنين بالله:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه ]
لابد أن يحب الخير لأخيه وللناس أجمعين كما يحبه لنفسه.
والزكاة تعالج مرض الحقد والحسد عند الفقير، لأنه يعلم أن له حقاً رتبه له العليُّ القدير، فإذا زادت الخيرات زاد نصيبه فيفرح للزيادة، وإن قلت الخيرات يحزن لأنه يقل نصيبه في الحصاد، فلا يشمت في الغني إذا خسر، ولا يحقد عليه إذا جنى، ولا ينفطر قلبه حسداً إذا رآه، لأنه يعلم أن له نصيباً فيما جنت يداه،
ترتيبٌ إلهيٌّ رتبه له الله جلَّ في علاه
ثم الزكاة تزكي هذا المال، فتكون كشركة تأمين عقدها ربُّ العالمين مع المزكين والمتصدقين
ضد الحريق، وضد الغرق، وضد الآفات، وضد كل العثرات،
ما داموا أخرجوا النسبة التي طالبهم بها رب الأرض والسماوات عزَّ وجلَّ.
ولذلك حذر نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم من لم يخرجها فقال:
(ما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء)[ابن ماجة والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ]
فإذا أخرجوها فقد عملوا بقول الحبيب:
(حصنوا أموالكم بالزكاة)[الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه].
لا تحصين كتحصين ربِّ العالمين، وشرطه أن يدفع ما طالبه به الربُّ المكين، ويؤدي حق الله عزَّ وجلَّ للفقراء والمساكين. إذا فعلنا ذلك، تحلُّ كل مشكلاتنا
وزكاة الزروع كل إنسان حصد من زرعه خمسين كيلة أو يزيد عليه أن يخرج حق الله؛
إن كان يسقيها من غير آلة يخرج العُشر،
وإن كان يسقيها بآلة يخرج نصف العُشر – قبل أن يدخل الحب إلى بيته، لأن الله قال في القرآن:
(وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (141الأنعام).
قال العلماء: الإسراف هنا يعني التأخير، يقول: لا أخرجها حتى أدخلها البيت، فإذا أدخلها البيت يتباطأ، وربما حدث مشادة بينه وبين زوجه، أو بينه وبين أولاده فلا يخرجون حق الله، ثم يشكون بعد ذلك مما ينتابهم من عقوبات إلهية جعلها الله عزَّ وجلَّ لمن لم يخرج الزكاة.
وزكاة المال تخرج كل عام هجري – ولا يجوز أن تمشي على التاريخ الميلادي
والمال الذي يجب فيه الزكاة هو المال الذي يصل إلى ثَمَنُ خمسة وثمانين جراماً من الذهب عيار واحد وعشرين ويمرُّ عليه عام. إذا بلغ مع الإنسان هذا النصاب ومر عليه عام – لابد أن يخرج الزكاة.
الذي يتعلل بأنه يدخر هذا المال للبناء أو للزواج أو للحج، أو لأي غرض آخر ويريد أن يتنصل من الزكاة، نقول له: هذا لا يجيزه لك شرع الله جلَّ وعلا،
عليك أن تخرج الزكاة، وتوقن بقول الله عزَّ وجلَّ:
( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39سبأ)،
وقوله صلى الله عله وسلم :
("مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ" (رواه مسلم من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه)
والزكاة لا تنقص المال بل تزيد فيه، لأنه تنزل فيه البركة من الله، والنماء من عند الله، ويكون له الحفظ والصيانة من الله، فتقضي به ما تريد بإذن الله، لأنك تمتثل لهدي الله جلَّ في علاه
أما الصدقات: فهي تطوع
(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (184البقرة).
والصدقة تطوع وليس فيها إلزام، لكن فيها فضلٌ من الله عزَّ وجلَّ، ويكفيها من فضل الله أن
الله عز وجل يمحو بها الخطايا ويُزيل الذنوب ويُقرِّب المرء من حضرة علام الغيوب
قال صلى الله عليه وسلم
(الصدقة تمحو الخطايا ـ وفي رواية تُطفئ الخطايا كما يُطفئ الماء النار) (أخرجه ابن ماجة والبزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه)
أما في الآخرة في اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، والشمس فوق الرؤوس ولا ظلَّ إلا ظل العرش، أين يحتمي المؤمن من هذه الحرارة وهذا الوهج؟
قال صلى الله عليه وسلَّم:
"إنَّ الصَّدقةَ لتُطفِئُ عن أهلِها حرَّ القبورِ وإنَّما يستظِلُّ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صدقتِه
(المنذري في الترغيب والترهيب عن عقبة بن عامر)
تكون الصدقة هي المظلة التي تظله من هذا العذاب الأليم ومن هذا السوء الذي يتعرض له أهل الموقف أجمعين
قال صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
أو كما قال: (أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين لله، الحمد لله على هداه، والشكر لله عزَّ وجلَّ على نعمة الإسلام والهداية والإيمان بالله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعزَّنا بدينه، وقوَّانا بقرآنه، وهدانا بهداه وجعلنا من اتباع حبيبه ومصطفاه.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، جاءنا بصلاح الدنيا والآخرة، جاءنا بما ينفعنا في أنفسنا وبما فيه مصلحة أولادنا في الدنيا، وبما فيه صلاح مجتمعاتنا كلها في هذه الحياة، وبما فيه نفعنا ورفعتنا يوم لقاء الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المحبوب، الذي تقر به الأعين في الدنيا والآخرة وتمحو به عنا الذنوب، واجعله صلى الله عليه وسلم مهجة أفئدتنا وحياة قلوبنا، وشفيعاً لنا يوم حشرنا أجمعين،
آمين يا ربَّ العالمين
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
تعالوا معي في عجالة سريعة إلى تطبيق لهذه الشريعة الإلهية في خطة نصف خمسيه، فقد طبقها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في سنتين ونصف هي مدة خلافته.
خصص قوماً يجمعون الزكاة وينفقونها في مصارفها التي حددها الله، في قوله جلَّ في علاه:
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (60التوبة)،
فجمعوا الزكاة في كل بلد، وغطوا الفقراء حتى لم يجدوا فقيراً واحداً في أي بلد من بلاد الخلافة، وكانت من الصين إلى المحيط الأطلسي، ومن أوربا إلى بلاد الهند، كلها دولة واحدة، دولة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
لم يجدوا فقيراً واحداً بعد ذلك يستحق الزكاة
فرجعوا إليه فقال:
ابحثوا في شأن المدينين، فأعلنوا في البلاد: كل من عليه دين يتقدم بدينه، وسددوا الديون لكل أفراد الشعب من هذه الزكاة وبقي رصيد كبير من هذه الزكاة،
فقال رضي الله عنه:
انظروا الشباب الذي يريد الزواج وأعرضوا عليه أن يختار فتاةً يريد نكاحها والزواج بها ويكون الجهاز والمهر من بيت مال المسلمين من الزكاة.
زوَّج شباب الأمة وفتياتها
وبقي رصيد من الزكاة،
فقال: مهِّدوا الطرق للمسافرين، واجعلوا على كل مرحلة دار ضيافة، واجعلوا بها إدارة فيها طاهٍ يطبخ الطعام للمسافرين، فإذا نزلوا وجدوا طعاماً مجاناً يأكلوه، وفراشاً ينامون عليه، ومكاناً لخيولهم ودوابهم، ومخزناً به علف لدوابهم طوال مراحل الطريق.
وبقي هناك أموال من أموال الزكاة،
فقال : افتحوا حلقات في مساجد المسلمين لتعليم الأميين القراءة والكتابة مجاناً من بيت مال المسلمين، وأتوا بمعلمين يأخذون أجورهم من مال الزكاة، وأتوا بالألواح – وكانت هي التي يكتب عليها في هذا الزمان ، واجعلوا ذلك كله من باقي أموال الزكاة التي في بيت مال المسلمين.
فتمكن رضي الله عنه وأرضاه من القضاء على الأمية للرجال والنساء من الزكاة ولم يكلف خزانة الدولة شيئاً، ولم يطلب قروضاً من جيرانه، ولا معونات من أصدقائه،
لأن الله أنزل للمؤمن شرعاً يغني، إذا طبق كما أمر الله...
نسأل الله سبحانه أن يحبب إلينا فعل الطاعات، وعمل الخيرات، واستباق الصالحات، ويبغِّض إلينا المعاصي والسيئات.
ثم الدعاء
وللمزيد من الخطب
متابعة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد ابوزيد
=AZVnYc-84ca7JwfibEuEmXDkhJPxvhi1TCZmQ7T0VThZvwUUyaCLpJmUxCAsx0WxFZ8JOH1c4WIBXSz0f_YAebd01HwK5-GB0t4JVFBt46v-GEWdWSNCahflaKXFfKQR7KowAjbUndoW-908BR-nmvLD&__tn__=EH-R]
=AZVnYc-84ca7JwfibEuEmXDkhJPxvhi1TCZmQ7T0VThZvwUUyaCLpJmUxCAsx0WxFZ8JOH1c4WIBXSz0f_YAebd01HwK5-GB0t4JVFBt46v-GEWdWSNCahflaKXFfKQR7KowAjbUndoW-908BR-nmvLD&__tn__=EH-R]
=AZVnYc-84ca7JwfibEuEmXDkhJPxvhi1TCZmQ7T0VThZvwUUyaCLpJmUxCAsx0WxFZ8JOH1c4WIBXSz0f_YAebd01HwK5-GB0t4JVFBt46v-GEWdWSNCahflaKXFfKQR7KowAjbUndoW-908BR-nmvLD&__tn__=EH-R]
=AZVnYc-84ca7JwfibEuEmXDkhJPxvhi1TCZmQ7T0VThZvwUUyaCLpJmUxCAsx0WxFZ8JOH1c4WIBXSz0f_YAebd01HwK5-GB0t4JVFBt46v-GEWdWSNCahflaKXFfKQR7KowAjbUndoW-908BR-nmvLD&__tn__=EH-R]