عروض الجنان في القرآن خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين، أكرمنا بواسع نعماه، وعمَّنا بعطاياه، فملأ قلوبنا بالإيمان بالله وبحب حبيبه ومصطفاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه في كبريائه وعليائه عن الحاجة لخلقه أو مخلوقاته في أرضه وسمائه، لا تغنيه طاعة الطائعين، ولا يخشى من إفساد المفسدين وإنما الأمر كما قال في كتابه المبين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (15الجاثية). وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، أرسله الله عزَّ وجلَّ بالهدى والدين الحقِّ، فبلَّغ أمر مولاه بكل إخلاصٍ وصدق، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، الذي أعليت شأنه في الدنيا وجعلته إماماُ للأنبياء والمرسلين، ورفعت قدره في الآخرة فجعلته صاحب لواء الشفاعة والحمد للخلق أجمعين. صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته المباركين، وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم بِمَنِّكَ وفضلك وجودك أجمعين. آمين .. آمين، يا أرحم الراحمين. أيها الأحبة من أراد أن يأتي إلى هذه البلدة التي نسكن فيها الآن ليقيم فيها ويعمل، ما أول شيء يصنعه؟. يبحث عن سكنٍ يقيم فيه، لكن لا يجوز أن يأتي ولا يبحث له عن مكانٍ لإقامته. ونحن جميعاً من الدنيا راحلون، وإلى الآخرة مقبلون، وبين يدي الله عزَّ وجلَّ واقفون، وفي الآخرة مخلدون، مَنْ الذي بحث منا لنفسه عن مسكنٍ يأويه؟!!، ومقامٍ يقيم فيه عند خالقه وباريه عزَّ وجلَّ؟!! ألم يُفكَّر واحدٌ منا أن يطالع عروض القرآن للمساكن التي هيأها لنا الرحمن في الجنان ليختار عرضاً يتعاقد فيه وبه مع حضرة الله؟!! حتى إذا خرج من الدنيا وجد البيت الذي تعاقد فيه مع مولاه؟!! ونحن نعلم قول القائل: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مســــــــــــــكنه وإن بناها بشِّرٍ خاب بانيهــــــــــــا لا يوجد في الجنة مكانٌ للإيجار، ولا يستطيع أحدٌ من ساكنيها أن يُضيِّف غيره، إذاً لابد لك من مكان في الجنان إن أردت أن تكون من الفائزين الذين أراد الله لهم لسعادة يوم لُقياه. وعروض الجنان مبثوثة في القرآن، أحياءٌ إلهية وكل حيٍّ له موصفات ربانية في الآيات القرآنية، ولصحة التعاقد له شروط وضعها رب البرية، والعقد بينك وبين مولاك. إن شئت تسكن في جنة الخُلد، وإن شئت تسكن في جنة الفردوس، وإن شئت تسكن في جنة النعيم، وإن شئت تسكن في جنة المأوى، وإن شئت تسكن في جنة عدن، 🥦جنان في الجنة يقول فيها صلى الله عليه وسلَّم على سبيل المثال: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن (أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه) فإذا دقَّقت في الشروط واخترت فعليك بتجهيز الملف الذي طالبك به الله في كتاب الله، فإذا جهَّزته فقد تم التعاقد الفوري بينك وبين حضرة الله. 🥦 إياك أن تظن - يا أخي المؤمن - أنك إذا عشت في حياتك الدنيا كالهمج الرعاع ستهتدي إلى موقعك ومكانك يوم الدين؟ لا، فلابد وأن تعرف مكانك من هنا، ولا يخرج المؤمن من دنياه إلا إذا أعلمه الله، وأراه المكان الكريم الذي يقيم فيه في أحياء الجنة التي جهزها لنا الله جلَّ في علاه. ولما كانت أحياء الجنة من السعة بحيث لا يعلم أحدٌ من الأولين والآخرين مداها، اختار لنا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم - وهو الحريص علينا - أن نحجز في أعظمها مكانةً عند الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، فهو أعلى الجنة وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تجري أنهار الجنة)[ البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] ولما جاءت أم حارثة وقالت يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ ، قَالَ : يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى. (البخاري ومسلم عن انس رضي الله عنه) جنة الفردوس التي جهزها لنا الله، وأمرنا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم أن نطلب تيسيرها من الله، فما الملف الذي نجهزه ليكون لنا موضعاً في هذا المكان العظيم؟ استمع إلى الملف وبنوده - في أول سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) - أول ورقة في الملف (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، الورقة الثانية في الملف (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، الورقة الثالثة في الملف (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)، الورقة الرابعة في الملف (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، الورقة الخامسة في الملف (وَالَّذِينَ هُمْ لامَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، الورقة السادسة في الملف (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (1: 9المؤمنون). إذا جهَّز المؤمن هذه الأوراق وعمل بها امتثالا لربِّ العزَّة عزَّ وجلَّ، وشهدت له التحريات الإلهية من الكرام الكاتبين الذين خصَّصهم له ربُّ البرية أنه ينطبق عليه هذه الأوصاف والنعوت - دخل في قول الحي الذي لا يموت: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) (10، 11المؤمنون). كم سنة مدة العقد؟ (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (11المؤمنون). وأين العقد وما كيفيته؟ في سورة التوبة ـ صورة العقد، البائع والمشتري وما يدفعه من ثمن وما يأخذه من مقابل: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى)، فهذا المشتري، والبائع؟ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، والثمن؟ (أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ)، يطوِّعون الأنفس لشرع الله فتمشي كما يحب كتاب الله، وكما بيَّن رسول الله، ولا يطلبون الأموال إلا بالشرط الذي أباحه الله، ولا ينفقونها إلا في المصارف التي حدَّدها الله وبيَّنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما مقابل ذلك؟ (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ). وأكبر القتال للنفس والشيطان والحظ والهوى الذي معك - فهم الذين يصدونك عن سبيل الله - فضلاً عن المشركين والكافرين الذين أعلنوا الحرب علينا وعلى المسلمين. أين يُسجَّل ويُوثَّق هذا العقد؟ في ثلاث جهات إلهية: (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالانْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله). ثم يبشرهم بعد كتابة العقد: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (111التوبة). كيف تتم البشرى؟ بأن يعاين المكان الذي اختاره عند ربه وعمل من أجله، إما أن يعاينه وهو في الدنيا مناماً، فيرى مقعده من الجنة في المنام، ويعرف عنوانه وشارعه وجيرانه، لأن الله يقول فينا أجمعين: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (6محمد)، لابد أن تعرف ما تعاقدت عليه من هنا، أو يريهم في اليقظة - من أهل القلوب التقية والنقية كالصحابة المباركين. سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم أحدهم ذات صباح: (كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمناً حقا، قال: لكل قولٍ حقيقة، فما حقيقة قولك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري، وأصبحت وكأني أرى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها، وكأني أرى أهل النار وهم يتعاوون ويصطرخون فيها، وكأني أرى عرش ربي بارزا ـ قال: عرفت فالزم، ثم إلتفت إلى من حوله وقال لهم: رجلٌ نوَّر الله بالإيمان قلبه)[ روى البزار عن أنس رضي الله عنه]. فيراها رأي العين، وهذا ما أثبته الله في كتاب الله: (كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ. ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (5: 8التكاثر). وآخر القوم من يرى مكانته عند خروجه من الدنيا إلى الدار الآخرة، قال صلى الله عليه وسلَّم: (إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، حتى يبعثه الله، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة)( البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما) ومالنا نذهب بعيداً وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه - مؤذن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم - جاءته سكرة الموت وجلست زوجته بجواره وهي تقول: واغمَّاه واحُزناه، قال لها: ((لا تقولي واحزناه، قولي: وافرحتاه، قولي: واطرباه، قولي وا سروراه. غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه))[ كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض]. أنا ذاهب لخير جوار، في خير دار في الجنة مع الأبرار، في جوار الحبيب صلى الله عليه وسلَّم ومن معه من الأطهار والأبرار. أما الاستلام فيكون في الدار الآخرة وله طريقتين: إما أن يدخل الإنسان الجنة وتأخذه الملائكة يزفونه إلى موضعه في الجنة وهؤلاء يقول فيهم الله: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (73الفرقان). أما الصفوة والوجهاء فتتحرك لهم منازلهم من الجنة في أرض الموقف العظيم، فبينما هو في ساحة العرض والحساب إذا بمكانته وقصوره في الجنة ـ والجنة كل شيء فيها حيٌّ بحياة الله!!، يسمع ويفهم كل أمرٍ ولا يحتاج إلى كلامٍ من اللسان، لأنهم يتحركون فيها بأمرٍ من الحنان المنان عزَّ وجلَّ ـ فيقتربون من أصحابهم في الوقف العظيم!! تشريفاً لهم وتكريماً لهم ورفعةً لقدرهم، وفيهم يقول الله عز وجل: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (31ق). أزلفت يعني قرِّبت يعني هي التي تسعى لهم، وليس هم من يذهبون لها، ولكنها هي التي تذهب إليهم لعُلو قدرهم ورفعة منزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ. هذا مقام كريم دعانا إليه النبي الكريم والقرآن العظيم. ودعانا الله عزَّ وجلَّ إلى منزلة أعظم منها لمن أراد أن يُدخل نفسه في شروط عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) (75، 76الفرقان). والغرفة هي لأهل النظر لوجه الله، ولسماع الكلام والتحدث مع الله جلَّ في علاه، وهم أهل المنازل العليا وهي منازل الرضوان، يقول فيها صلى الله عليه وسلَّم: (إن في لجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قيل: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام)[ رواه الترمذي عليٍ رضي الله عنه] هؤلاء القوم ما نعيمهم؟ (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) (44الأحزاب)، والأجر الكريم الذي فيه تكريم من الكريم عزَّ وجلَّ. جنانٌ لا عد لها ولا حد لها، لا أدعوك يا أخي المؤمن إلى أن تترك الدنيا والسعي للبنيان لأهلك وأولادك وحجز الشقق لهم، ولكن أهمس في أُذنك أن لا تنسى مقامك في الدار الآخرة - لا تنسى مكانك الذي تقيم فيه عند الله عزَّ وجلَّ، لا يوجد فرعٌ لأي بنكٍ من البنوك المالية الأرضية ولو كانت حساباتك هناك بالمليارات، هل تستطيع أن تصرفها من هناك؟!! هل تستطيع أن تأخذ دفتر شيكات لتُحرر شيكاً ويُعد ويُصرف من هناك؟!! لا ينفعك في هذا اليوم إلا ما قال الله: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) (46الكهف). قال ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ لا دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لا مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَجَاءٍ وَلَمْ يَحْزَنْ لِشَقَاءٍ، أَلا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى، فَجَعَلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ سَبَبًا، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضًا، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِيَ، وَيَبْتَلِي لِيَجْزِيَ، وَإِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الانْقِلابِ، فَاحْذَرُوا حَلاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا، وَلا تَسْعُوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ خَرَابَهَا، وَلا تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ مِنْكُمُ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقِّينَ أو كما قال، (توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (31النور). الخطبة الثانية الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا بهداه، وزاد في إكرامنا وجعلنا من أمة حبيبه ومصفاه، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يُتم علينا النعمة، ويُكمل لنا المِنَّة، ويتوفانا مسلمين، ويُلحقنا بالصالحين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (يحب التوابين ويُحب المتطهرين) (البقرة). وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، الصادق الوعد الأمين. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد وارزقنا في الدنيا السير على سنته وشريعته، واجعلنا في الآخرة تحت لواء شفاعته، واحشرنا أجمعين في الجنة في جواره وفي زمرة أحبته، آمين يا ربَّ العالمين. أيها الأحبة: كما تختار لنفسك منزلة ومسكناً كريماً في الجنة؟ لابد أن تختار لنفسك منزلةً كريمة عند الله يوم لقياه، المؤمن عزيز ويطلب دائماً المكانة لنفسه التي له فيها عزَّة له في الدنيا وعند الله. إياك أن تُفرِّط في نفسك حتى ينتهي عمرك وتكون من الذين يتعرضون في الآخرة للسؤال والحساب، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (من نُوقش الحساب عُذِّب)[ رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها] لكننا نطمع أجمعين أن نكون من الذين يدخلون الجنة بلا سؤال ولا عتاب ولا حساب. واختر لنفسك منزلةً كريمة اعمل لتكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، واعمل لكي تكون من المواجهين لحضرة الله الذين قال فيهم حبيب الله ومصطفاه: (إن لله عبادا يجلسهم يوم القيامة على منابر من نور ويغشى وجوههم النور حتى يفرغ من حساب الخلائق)( أخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه واختر لنفسك الجوار مع من يكون؟ هل من يكون: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (69النساء)، كمن يُعرِّض نفسه للذل والمهانة وللخزي والفضيحة يوم القيامة أمام الخلائق أجمعين؟.
هل من يدخل في قول الله: (محمد رسول الله والذين معه) (29الفتح)، كمن يقول فيهم صلى الله عليه وسلم ( لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَال: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي(رواه البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) اختر لنفسك المنزلة الكريمة من هاهنا، وما منا إلا له مقامٌ معلوم، والمنازل الكريمة في كتاب الله، والأعمال التي توصِّل إليها سهلةٌ ويسيرةٌ إن شاء الله. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أعلى المنازل في جنة النعيم 🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد [/url]