حسن أحمد حسين العجوز



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حسن أحمد حسين العجوز

حسن أحمد حسين العجوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حسن أحمد حسين العجوز

منتدى علوم ومعارف ولطائف وإشارات عرفانية



    الجوانب الإنسانية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1942
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    الجوانب الإنسانية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم Empty الجوانب الإنسانية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف Admin الأحد نوفمبر 11, 2018 6:01 pm

    من الجوانب الإنسانية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
    خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
    *************************************
    الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا بقدرته، وأوجدنا في الكون بحكمته، وملأ قلوبنا بخيره وبره فجعلنا من أهل شريعته، وزادنا من فضله وجوده فخصَّنا برحمته العُظمى وهو خير بريته.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث الرسل مبشرين ومنذرين وجملهم الأخلاق الكريمة التي يحبها رب العالمين.

    وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الرحمة التامة لجميع الأنام، والرحمة الخاصة للمؤمنين في الدنيا ويوم الزحام،

    صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام، وأصحابه الهداة العظام، وكل من سار على هديه ومشى على دربه إلى يوم الدين واجعلنا منهم أجمعين
    آمين آمين يا رب العالمين:.

    أيها الأخوة جماعة المؤمنين :

    ونحن نستقبل ذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم ننظر فيما بيننا، وننظر فيم حولنا فنجد المشاكل التي لا تنتهي بين أفراد الأمة في مجتمعات المسلمين، ونجد الحروب التي لا حد لها من خارج الإسلام يدبرها الكافرين والمشركين للمسلمين
    ما هي النجاة مما نحن فيه الآن؟

    وما الشيء الذي إن تمسكنا به وعملنا به فوراً انكشف عنا كل غمٍّ، وضاع كل هم وصرنا في خير عميم؟
    الذي ينقذنا من ذلك ويخرجنا من ذلك هو أن نتدبر في أحوال هذا النبي الكريم، وأن نمشى جميعاً على هديه القويم ونهجه العظيم الذي أرسله به العزيز الحكيم عزَّ وجلَّ.
    لخّص النبي صلى الله عليه وسلَّم دعوته كلها في كلمتين قال فيهما صلواة ربى وتسليماته عليه:
    "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". (رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو)
    وعندما مدحه ربه وبين فضله على الأنبياء السابقين وعلى الرسل أجمعين،
    فهو الذي تمَّ مبناه وصورته
    ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم
    فاق النبيين في خلقٍ وفى خُلقٍ
    فلم يدانوه في علمٍ ولا كرم
    فمبلغ العلم فيه أنه بشـــــــــــــــــرٌ
    وأنه خير الخلق كلهــــــــــــــــــــــــــم
    عندما أراد الله أن يبين فضله على سواه، قال في كتاب الله مادحاً حضرته:
    ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (4القلم)
    كان على مكارم الأخلاق في كل أحواله، فمن أراد النجاة في أي أمر فليمشى على منواله، وليتحرك على مثاله، وليعمل بقول الله عزَّ وجلَّ الذي وجهنا إلى كماله:
    ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (21الأحزاب).
    ولا نستطيع في هذه الخطبة القصيرة أن نبين ونحيط بمكارم أخلاقه، حسبنا أن نتوقف عند خلقٍ واحدٍ نحن في أمّس الحاجة إليه الآن:
    وصفه مولاه بالنسبة للخلق أجمعين للإنس والجن والحيوانات والطيور والجمادات وجميع الكائنات،
    فقال عن مهمته نحوهم:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (107الأنبياء).
    ولو تحدثنا عن رحمته صلى الله عليه وسلَّم للعوالم نحتاج إلى أوقاتٍ طويلة، وحدثنا الله عزَّ وجلَّ عن رحمته الخاصة بنا جماعة المؤمنين فقال لنا مبيناً وشارحاً وموضحاً:

    ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (128التوبة).

    رءوف ورحيم بالمؤمنين في الدنيا ويوم الدين، فمن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلَّم بنا أنه خفَّف عنا كل التكليفات التي كلفنا بها الله عزَّ وجلَّ، فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصلاة خمسون صلاة في كل يوم وليلة فأخذ يتردّد إليه ويقول: يا رب خفف عن أمتي حتى جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر والثواب، يؤدى خمس صلوات في اليوم والليلة ويحسب لك الحسيب عزَّ وجلَّ أجر خمسين صلاة فضلاً من الله ببركة تخفيف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

    كان ديدنهُ مع أهل أمته أجمعين التيسير ويقول لمن حوله:
    "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
    وقال صلى الله عليه وسلم عندما "قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين" (البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
    فكان يُيسر في كل الأمور.
    وكان التيسير في كل أحواله، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
    "ما خُيّر صلى الله عليه وسلَّم بين أمرين إلا واختار أيسرهما مالم يكن إثماً" (متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها)
    يختار الأيسر لأنه قدوة لنا وللمؤمنين أجمعين إلى يوم الدين.

    فكان صلى الله عليه وسلَّم شعاره التيسير عن أمته، كان يشُقُّ على نفسه لأنه يريد أن يزيد في التبتل والتقرب إلى ربه عزَّ وجلَّ، فيقوم الليل كله أحياناً كان يقوم الليل كله على قدمٍ واحدة ويصوم صيام الوصال، صيام أيامٍ متوالية بدون فطر أو سحور، وعندما أراد أهله وأصحابه أن يتابعوه في ذلك نهاهم عن ذلك وقال لهم:
    "لست كهيئتكم إني أبيت عند ربى فيطعمني ويسقين".(البخاري عن عائشة رضي الله عنها)
    وقال لمن أرادوا أن يشدّدوا على أنفسهم وبعضهم نوى أن يصوم الدهر كله وبعضهم قرّر أن يقوم الليل كله وبعضهم قرّر أن لا يتزوج، فسمع حديثهم فخرج عليهم وقال لهم:
    (أنتم الذين تقولون كذا، إني أخشاكم وأتقاكم لله، ولكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى).(1)
    ومن يحظى بمتابعة سيرته في توجيه أصحابه إلى التيسير يجد العجب العُجاب، كان يقوم في رمضان لله، فقام قومٌ بقيامه في أول ليلة والليلة الثانية والثالثة، وانتظروه في الرابعة فلم يخرج حتى مطلع الفجر ثم خرج عليهم وقال:
    (قد علمت الذي فعلتُ، ولكنى كرهت أن تُفرض عليكم فلا تستطيعون القيام بها)(2)
    جعلها نافلة فمن شاء صلاّها وله ثوابها وأجرها، ومن تركها فليس عليه وزرٌ ولا إثمٌ بتركها لأنها نافلة،

    وعندما قرّر لهم فريضة الحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام؟ يا رسول الله! فسكت. حتى قالها ثلاثاً.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم. لوجبت.ولما استطعتم. ثم قال
    ذروني ما تركتكم.فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
    فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".(مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه)

    كان صلى الله عليه وسلَّم يُخفف على المسلمين أجمعين يصلى الفرائض مرةً في أول الوقت، ومرةً في آخر الوقت وآناتٌ بينهما تخفيفاً لأمته ومراعاة لأحوال أفراد أمته.
    وإذا نظرت إلى السنن والنوافل تجد الجمّ الغفير من التيسير، فتارةً يصلى ركعتين قبل الظهر وتارة أربع، وتارةً لا يصلى قبل الظهر البتّة، وكذا بعده ومرةً يصلى ركعتين قبل العصر ومرةً أربع ومرةً لا يصلى نافلة البتة، وهكذا في سائر الصلوات تيسيراً لأمته لأنه صلى الله عليه وسلَّم كان دائماً أبداً يحرص على التيسير في أمور المسلمين أجمعين.

    وكان صلى الله عليه وسلَّم هو النموذج الأتمّ الذي لو اتبعه كل فردٌ في هيئته وحاله ما حدث عنده مشكلة البتة، فلو تبعنا أحواله مع نسائه ما حدثت مشكلة بين رجلٍ وزوجته في مجتمعنا أبداً.
    كان صلى الله عليه وسلَّم رحمة تامّة بهم، كان يوفر لهنّ ـ لكل زوجة منهن ما يكفيها من الطعام والغذاء والكساء لمدة عام، وبعد ذلك كان لا يكلفهنّ شططاً، ومع ذلك كان عندما يدخل البيت
    سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنه:ماذا يفعل صلى الله عليه وسلَّم عندما يدخل بيته؟
    فقالت رضي الله رضى الله عنه تبارك وتعالى عنها:
    "كان يقوم فى مهنة أهله" (رواه احمد عن عائشة رضي الله عنها) ـ
    يعنى يساعد زوجاته، يقُمُّ البيت ويعلف الدواب، ويفلّي ثيابه ويخيطها، ويقوم بالحوائج وهى مهنتهن وهى من صميم عملهن، تخفيفاً لهنّ ومراعاة لمشاعرهن.
    وكان صلى الله عليه وسلَّم يجلس في كل ليلة عند إحدى زوجاته وتجتمع الأخريات فينبسط معهن ويأخذ فى مُسامرتهن ويحدثهن ويؤلفهن، ترطيباً لقلوبهن وجلباً لمحبتهن.
    وإذا أراد أن يصلى لله، إذا نام عند صاحبة النوبة وتمدّد بجوارها وتغطى بغطائها يقول لها على الأدب الربانى الذى علمه له الله:
    (أتأذنين أن أتعبد لربى تلك الليلة؟).

    أنظر إلى هذا الأدب العظيم من هذا النبى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم.
    فإذا كانت إحادهن عندها الدورة الشهرية ـ وأنتم تعلمون جميعاً أنها تأتى بالأسقام والأوجاع لهن، كان يُدرك ذلك ويحافظ على مشاعرهن فلا يتقذَّذ منهن ولا يبتعد عنهن بل يحاول أن يخفف عنهن فى هذا الأمر الكريم، قالت السيدة عائشة رضى الله عنها:
    [كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا شربتُ من إناء يشرب من الموضع الذى وضعت فىَّ عليه فى هذا الإناء، وإذا أكلتُ من طعام، يأكل من الموضع الذى أكلتُ من هذا الطعام وأنا حائض]
    ليجبر خاطرها ويُسهِّل لها أمرها فيشرح لها صدرها لأن هذا الأمر لم يأتى بسببها، وإنما هو أمرٌ كتبته القدرة الإلهية عليها فهى تحتاج إلى مواساة كريمة لهذا الأمر

    كان صلى الله عليه وسلَّم كذلك رحمة عُظمى بالصبيان، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال :
    "إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ"(البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)

    وكان رحمة عُظمى حتى بالكافرين الذين يحاربون أهل الإسلام، فيأمر أصحابه أن لا يحاربوهم حتى يُعلنوهم، ويدعونهم إلى دين الله عزَّ وجلَّ، وإذا حاربوهم يقول لهم:
    "إغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً"(رواه ابي داوود)
    أى عظمة هذه التى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟

    ولذا كانت رحمته التامة هى السلاح الذى يدخل إلى القلوب فيجذبها إلى حضرة علاّم الغيوب عزَّ وجلَّ.
    نتذكر ذلك فى هذه الأيام ونحن نرى ما يندى له الجبين ممن ادّعوا الإسلام، وممن يقتلون الأنام ويذبحونهم جهاراً بلا دليلٍ شرعى
    هل أقام النبى الخلافة الإسلامية بهذه الكيفية؟
    لا والله، أقامها بالرحمة وبالمودة واللين، ونحن كذلك فى مجتمعنا جماعة المسلمين، منا من يعلن الحرب على المجاورين من أهل الكتاب، مع أنهم من أهل ذمتنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وقد توعد النبى صلى الله عليه وسلَّم كل من يؤذيهم بأن خصمه يوم القيامة سيكون هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
    قال صلى الله عليه وسلَّم:
    "من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" (رواه الخطيب عن ابن مسعود رضي الله عنه)
    والنبى صلى الله عليه وسلَّم أمرنا أن نحسن إليهم لندعوهم بإحساننا وجمال أخلاقنا إلى الدخول فى دين الله عزَّ وجلَّ.
    قال صلى الله عليه وسلم
    (إنما أنا رحمة مهداة) عن ابي هريرة رضي الله عنه رواه الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان)
    وقال صلى الله عليه وسلم
    "إن من احبكم وأقربكم منى مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون"(رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه).
    أو كما قال:
    (أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة).

    الخطبة الثانية:
    الحمد لله رب العالمين الذى ملأ قلوبنا بالنور والهدى واليقين، وجمّلنا بأخلاق سيد الأولين والآخرين.

    وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة تنجى قائلها من مضائق الدنيا ومن فتنها ومن الخزى والبوار يوم الدين.

    وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الرحمة المهداه لجميع الأنام،
    اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا محبته، واجعلنا جميعاً من أحبته، وارزقنا جميعاً فى القيامة شفاعته، وفى الجنة رفقته
    آمين آمين يا رب العالمين.
    أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
    أما رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بالمؤمين فى الدار الآخرة فحدّث ولا حرج، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يتذكر أمته فيبكى ويقول:
    (يا رب أمتى أمتى) فأنزل الله الأمين جبريل وقال له: يامحمد أبشر فإن ربك عزَّ وجلَّ يقول لك:
    (إنا لا نسيئك فى أمتك)(3).
    وكان صلى الله عليه وسلَّم حاضراً لرجلٍ مؤمنٍ يعالج سكرت الموت، فوجد به جزعٌ وهلعٌ وفزعٌ، فقال:
    (يا ملك الموت ارفق به فإنه مؤمن ـ ثم سكت وقال لمن حوله: أتدرون ما قال؟ قال: يا رسول الله أبشر فإنى بكل مؤمنٍ شفيقٍ ورفيقٍ). (رواه الطبراني وابو نعيم عن الحارث بن الخزرج عن ابيه)

    ويوم القيامة طلب من الله عزَّ وجلَّ أن يكون لأمته حسابٌ خاص غير حساب الأنام، فإن حساب الأنام يراه أهل الموقف أجمعين، يرون المحاسن ويرون المساوئ ويطلعون على الآفات والعورات والمصائب فى مصائب الأعمال وتُعرض على الجميع، فبشره الله عزَّ وجلَّ هو ومن معه من أمته بأن الله سيحاسبهم بحسابٍ خاص وقال له ولنا فى هذه البُشرى:
    ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ﴾ (8التحريم).
    فجعل حساب هذه الأمة ـ مع أنها فى آخر الأمم ـ هى أول أمة أمة تُحاسب يوم القيامة:
    (نحن الآخرون الأولون).(متفق عليه عن ابي هريرة)
    وجعل حسابها بينها وبين الله، وبقية الأمم يطلع على حسابهم جميع خلق الله القائمون فى الموقف بين يدى الله.
    وجعل حسابها بفضل الله، وحساب جميع الأمم بالعدل، يحاسبهم على النقير والقطمير والقليل والكثير، أما أنتم فيقول فى حسابكم العلىُّ الكبير:
    ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ (16الأحقاف).

    والحساب بالفضل يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
    (يُدنى الجبار أحدكم حتى يكلمه وليس بينه وبينه حجاب ويضع عليه جلباب الكبرياء ـ العظمة الإلهية حتى لا يراه أحدٌ أثناء الحساب ـ ثم يقرره بذنوبه ويقول له: أنت فعلت هذا؟ فيقول: نعم يا ربى، فيقول له: ومن الذى سترك فى الدنيا؟ يقول: أنت يا رب، فيقول: أنا سترته عنك فى الدنيا وأنا أغفره لك اليوم، أدخلوا عبدى الجنة برحمتى).(4)
    هذا حساب هذه الأمة إلا الماجاهرين،
    والمجاهرون هم الذين يجاهرون بفعل الشر والفتن والمعاصى ويتباهون بها، إن لم يتوبوا، فهؤلاء وحدهم يقول فيهم صلى الله عليه وسلَّم:
    (كل أمتى معافى إلا المجاهرين).(البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
    فهذه الأمة تكون فى الموقف العظيم لا يطلع على مساوئهم أحدٌ إلا الله كما أنهم جاءوا فى آخر الأمم حتى لا يعرف ما فعلوه إلا حضرة الله.
    فلن تأتى أمة بعدنا ترى ما صنعنا ولا تعلم ما فعلنا وذلك ستر الله عزَّ وجلَّ علينا ببركة حبيب الله ومصطفه صلى الله عليه وسلَّم.

    رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بهذه الأمة فى الدار الآخرة لا تُعد ولا تُحد وتحتاج منا جماعة المسلمين الشكر لله عزَّ وجلَّ على هذه النعمة وهى أن نكثر من الصلاة على هذا النبى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم.
    فأكثروا من الصلاة عليه وصلوا عليه فى غدوكم ورواحكم، وفى جلوسكم ومشيكم، وفى قعودكم ونومكم، وفى كل أحوالكم لأن الذى أمركم بذلك هو الله:
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (56الأحزاب). .... ثم الدعاء

    *******************************

    (1)عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني
    (2)عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان
    (3)عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما رواه مسلم:
    (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله تعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم:"ربّ إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني....الآية",وقال عيسى صلى الله عليه وسلم:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"
    فرفع يديه وقال :الـــلــهم أمّــتي, أمّـــتي,وبكى..
    فقال الله عزّ وجل :"يا جبريل اذهب إلى محمد - وربّك أعلم – فسله ما يبكيك ؟
    فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال - وهو أعلم -
    فقال الله تعالى:"يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك")
    (4) روي البخاري في صحيحه عن صفوان بن محرز المازني قال بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ -رَضِي اللَّه عَنْهمَا- آخِذٌ بِيَدِهِ, إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ, فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ, حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ, وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ, قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا, وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ, فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ؟))
    *************************
    وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 6:14 pm