السعادة والصفاء



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السعادة والصفاء

السعادة والصفاء

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
السعادة والصفاء

سر الوصول إلى السعادة والصفاء والسلام النفسي ،أسراروأنوار القلوب التى صفت وأشرقت بعلوم الإلهام وأشرفت على سماوات القرب وفاضت بعلوم لدنية ومعارف علوية وأسرار سماوية



    أهل الصفة أول جامعة صوفية

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1890
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    أهل الصفة أول جامعة صوفية Empty أهل الصفة أول جامعة صوفية

    مُساهمة من طرف Admin الخميس مايو 21, 2015 5:42 am


    بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، تأسست جامعة الصفة: وكان مسجد حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس به سقف، بل كان جدار يحيط به من الخارج، وكانوا يصلون على الأرض لأنه لم يكن به فرش، وأجسادهم معرضة للسماء، والأسقف عارية، فهم الذين وظفهم الله في اقتباس الهدى من حَبيبه ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم، ليقوموا بعد ذلك بنشره في ربوع الأرض بين عباد الله.

    جعلهم الله تتفرغ قلوبهم من الدنيا، والشواغل الكونية، وذهبوا إلى الحَبيب صلى الله عليه وسلم لا همَّ لهم إلا الإقبال على حضرته. لم يكن لأغلبهم زوجات ولا أولاد ولا مساكن في هذا الوقت، فكانوا يجالسونه آناء الليل وأطراف النهار، فإذا أرادوا أن يناموا أمرهم الحَبيب صلى الله عليه وسلم أن يناموا في المسجد

    فصنع لهم الأنصار " صفة " يعنى عريشا، على جزء من المسجد ينامون تحته، ليقيهم هذا العريش من حرارة الشمس في الصيف، ومن المطر الخفيف في الشتاء، أما المطر الغزير فكان لا يقيهم منه بل كان ينزل عليهم. هؤلاء القوم كان منهم بلال بن رباح، وسلمان الفارسى، وأبوهريرة، وصهيب الرومى، وأنس بن مالك، وغيرهم كثيرون، فكانوا حوالى تسعين رجلا، تفرغوا تفرغا كاملا لله ورسوله.

    وإياك أن تظن أنهم تفرغوا لقلة الشيء، أو الفقر ولكنها إرادة الله: فقد فرَّغهم الله، وكأنه أخذهم في بعثة رسمية إلهية - بإقامة كاملة - لنقل علوم خير البرية، وهى الموجودة الآن في أنحاء العالم كله، والرسول صلى الله عليه وسلم حضهم على ذلك، وحثهم على ذلك، وقال لهم في ذلك فيما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب الصُفة فرأى فقرهم وجهدهم، وطيب قلوبهم، فقال: ابشروا يا أصحاب الصفة، فمن بقى من أمتي على النعت الذي أنتم عليه، راضيا بما فيه فإنه من رفاقي في الجنة}{1}

    وهذا الذي جعل التابعين، وتابعى التابعين والصالحين، يتأسون بأعمال هؤلاء القوم لأنهم يريدون مرافقة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكان أول ما بدأت به الجامعة المحمدية: الزهد في المتع والشهوات والحظوظ والملذات والأموال والدنيا، رغبة في رضاء الله، فالذي وضع المنهج؛ عميد الجامعة صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى أهل الصفة فقال:

    {كيف أصبحتم؟، قالوا : بخير، فقال رسول الله: أنتم اليوم بخير أم يوم يغدى على أحدكم بجفنة ويراح بأخرى ويغدو في حلة ويروح في أخرى وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة، فقالوا يا رسول الله نصيب ذلك ونحن على ديننا؟ قال: نعم، قالوا: فنحن يومئذ خيرٌ، نتصدق ونعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، بل أنتم اليوم خيرٌ}{2} وفى رواية أخرى: {إنكم إذا أصبتموها؛ تحاسدتم وتقاطعتم وتباغضتم}
    فقد صدق صلى الله عليه وسلم، لأن البغضاء والحسد، سببه الشهوات والحظوظ والدنيا الدنيَّة التي شغل بها الناس بالكلية.

    فبدءوا حياتهم الإيمانية؛ وكان أساس اجتماعهم ودخولهم إلى هذه الجامعة النبوية: الزهد، والزهد ليس معناه ألا يكون في يد الإنسان شئٌ، لكن حقيقة الزهد ألا يسكن قلبُ الإنسان لشيء. فقد يكون الإنسان ليس في يده شئٌ من الدنيا، لكن قلبه يتطلع إليها، وهذا ليس بزاهد. لأنها لو وجدت له لتغير حالُه.

    لكن الزاهد الحقيقي؛ هو الذي أعطاه الله الدنيا في يده، ولم يجعل لها تأثيرا على قلبه، فيصرفها في مرضاة ربه عز وجل.كما وجدنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بك؟، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله}{3}
    فلم ينكر عليه ولم يعترض عليه، ولكن أقرَّه على ذلك. لأن حاله يستوجب ذلك، لكن غيره قال: {أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر؟ فقال: لا. ثم قال: الثلث والثلث كبير، أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس}{4}
    ويتبين لنا من ذلك تفاوت القدرات، واختلاف الوجهات، وتباين المقامات والدرجات {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} الصافات164

    ماذا كان جدول أهل الصفة؟ كان حلقات لتلاوة القرآن الكريم. وحلقات لذكر الله، وحلقات لمدارسة العلم والفقه. وتدريبات على أعمال الجهاد. وكان من أجل أعمالهم التفرغ لمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى العلوم عنه، وتبادلها معا وتوصيلها لباقى المسلمين كما سيأتى التفصيل لاحقا، وكانت هذه المهمة أحد أعظم أعمالهم تأثيرا فى المجتمع. لأنهم كانوا على الحقيقة جنوداً لله وخَدَمَةً لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وضيوفه الكرام. فهذه أبرز أعمالهم

    وكان النبي يتفقدهم، فقد ورد عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه: {كنت في عصابة (جماعة)  فيها ضعفاء المهاجرين، وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا ونحن نستمع كتاب الله، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام علينا فلما رآه القارئ سكت، قال فسلم ثم قال: ما كنتم تصنعون؟ قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا وكنا نستمع إلى قراءته فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا، ثم قال بيده هكذا فحلق القوم (صنعوا حلقة) وبرزت وجوههم، قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحدا غيري}{5}

    {أن أصبر نفسى معهم}، يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله عز وجل {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الكهف28
    ثم قال: {أبشروا يا معشر صعاليك (فقراء) المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذاك خمسمائة سنة}

    ومرة أخرى يحكى ثابت البنانى عن سلمان الفارسى رضي الله عنه، فيقول: {كان سلمان في عصابة (جماعة) يذكرون الله، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفُّوا، فقال: ماكنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله يا رسول الله، قال قولوا، فإنى رأيت الرحمة تنزل عليكم، فأحببت أن أشارككم فيها، ثم قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرْتُ أن أصبَر معهم}

    وأحيانا كانوا ينقسمون إلى طائفتين؛ إحداهما تذكر الله تعالى، والثانية تُعَلِّمُ وتتعَلَّم، وعلماؤهم منهم؛ فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز منهم علماء يعلمونهم: فكان سيدنا عبد الله بن رواحة يقول لهم: تعالوا بنا نؤمن بالله ساعة، ويعطيهم دروساً في الإيمان، ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة بسيدنا عبدالله بن رواحة رضي الله عنه وهو يذكر أصحابه فقال لهم صلى الله عليه وسلم: {أما إنكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معكم، ثم تلا الآية}{6}

    وعيّن حضرة النبي أساتذة لهذه المدرسة في كافة التخصصات؛ فقال: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأشدهم حياءاً عثمان، وأفتاهم علىّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذر، وأقرأهم أبي بن كعب، وأفرضهم - أي أعلمهم بأحكام الميراث- زيد بن ثابت}{7}

    فعين لكل مادة أستاذا، وصدر قرار التعيين من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ليقوموا بالتدريس بجامعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكل رجل منهم كان يلتف حوله طلابه وكان صلى الله عليه وسلم يتفقَّد الجامعة فخرج ذات مرة إليهم: {فرأى مجلسين أحدهما يدعون الله ويرغبون إليه, والثاني يعلمون الناس, فقال: أما هؤلاء فيسألون الله تعالى فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيعلمون الناس، وإنما بعثت معلما ثم عدل إليهم, وجلس معهم}{8}

    فكان صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع هذه الأسس. ومن هنا امتد هذا النسق، وهذا النهج، إلى يومنا هذا على يد العلماء العاملين، والحكماء الربانيين في كل وقت وحين. ولذلك كان بداية التصوف: أن الرجل الصالح كان يبنى زاوية. ومن ثم يجمع فيها خلاصة أصحابه. ويصنع معهم ما كان الحَبيب يصنع مع أهل الصفة. ويتكرر نفس المشهد، فمنهم من يذكر الله ومنهم من يتفكر ومنهم من يقرأ القرآن ومنهم من يعلّم ومنهم من يتعلم ومنهم من يصوم النهار ومنهم من يقوم الليل.

    ويتعهد الرجل الصالح هذا أبنائه وأتباعه فيعطى لكل رجل منهم ما يلائم قواه، وما تميل إليه نفسه من العمل الصالح الذي يقرِّبه إلى الله، وذلك لأن النفوس مختلفات، وكل نفس تميل إلى عمل يقربها إلى الله، فيعطيه لكل منهم ما تميل إليه نفسه وما يصلح به حاله ليتقرب به إلى ربه عز وجل؛ فيفيض الله عليهم المنح والعطاءات التي أفاضها من قبل على أحباب الحَبيب المُصطفى من أهل الصُفَّة رضوان الله عليهم أجمعين.

    وهذا هو الأساس الذي سار عليه الصوفية الصادقون والأولياء والمتقون والحكماء الربانيون، متَّبعين أحوال أهل الصُفَّة في أحبابهم وفى مريديهم ولذلك كما قلنا وبينا تجد لديهم حلقات الذكر وحلقات العلم وحلقات الفكر وحلقات قراءة القرآن.

    وكذلك تجد بينهم: التحابب والتوادد والتآلف لأنهم يشترطون فيمن يدخل بينهم، ويشاركهم أمرهم، ألاّ يكون في قلبه: ضغينة أو حقد أو حسد، وألاّ يكون في نفسه أدنى ميل إلى الدنيا؛ لأنهم يجتمعون على الله، ويريدون وجه الله. ومن أجل ذلك يكرمهم الله بالمنح والعطاءات الإلهية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فاطر32

    وهل التصوف هذا، يحتاجه الإنسان في هذا العصر؟ نعم يحتاجه الإنسان في هذا العصر، وفى كل عصر: لسلامة قلبه ولصحة بدنه ولصفاء وقته


    {1} الكافي الشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما {2} أخرجه الزيلعى عن الحسن فى تخريج الكشاف {3} عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أخرجه ابن حزم فى المحلى {4} عن سعد ابن أبى وقتص رضى الله عنه، أخرجه البخارى فى الجامع الصحيح {5} المزى فى تهذيب الكمال، وابن حجر العسقلانى فى هداية الرواية {6} عن عبدالله بن عباس، المنذرى فى الترغيب والترهيب. {7} رواه البخارى ومسلم والترمذى عن أنس بن مالك {8} عن عبدالله بن عمرو بن العاص، العراقى فى تخريج الإحياء.


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 2:24 pm